المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : " النّصُّ البَديلُ " - شعر د. شاكر مطلق



الدكتور شاكر مطلق
21/04/2008, 11:26 AM
د. شاكر مطلق
مقدمة :
منذ أنْ كنت طالباً في حمص - سورية ، وقبل أن أنال الشهادة الثانوية العامة ، فرع الآداب واللغات – البكالوريا ( حالياً ) - كانت النصوص الصوفية المدهشة في القول وفي طريقة الصياغة والتعبير والمعاني الغامضة تشدني إليها وما زالت ، بعد مضيِّ نصف قرن على هذه القراءات ، تماماً كما كانت تشدني وتتجاذبني النصوص الشعرية والتاريخية والآثارية والفلسفية أيضاً .
كثيرةٌ هي القصائد المتناثرة في مجموعاتي الشعرية العديدة التي احتوت على أفكار صوفية، وبخاصة الطويلة منها مثل النصوص المنشورة أحياناً : تاه الدليل – الكشف العصي – النص البديل – يوحنا في عرس الخروف ... الخ وغيره الكثير ممّا لم يُنشر بعْدُ، غير أنني الآن أحاول أن أقدم نثراً بعض الأفكار " الصوفية " – مجازاً وبالمعنى الفلسفي والفكري الوجوديّ المجرّد - النابعة من تلك القراءات والمتأثرة بطروحاتها الفكرية أحياناً ، وإن كانت بقالب خاص وبرؤيا خاصة وفي ما يشبه المعارضة لتلك الأفكار أحياناً ، وهذا ما سأقدمه الآن ، من دون أن أدري - طبعاً – إن كنت قد اقتربت مما رغبت البوح به أم أنني لا أزال محجوباً وراء المعاني والحروف والأشْكال ؟ .
سأشير أدناه إلى بعض المراجع الهامة ، التي كانت المُنطلقَ أحياناً لبعض التّأمّلات هـذه .

النَّصُّ البَديلُ
د.شاكر مطلق

الفـاتحةُ :
وتَجيءُ بالنّصِّ البَديلِ
كأنَّ مَـسَّا مَـسَّ روحَكَ
هاتِكاً سِرَّ الكتابةِ
والدَّلالةِ والدَّليلْ ...

شَطْحاً تَراهُ
أمِ السَّرابْ ؟
يُغريكَ كيْ تَلِجَ العُبورَ
إلى دَلالاتِ المعاني
والدَّربُ خَدَّاعٌ طويلٌ
ليس يُفـضي للكشوفِ
فـثمَّ سدٌّ في الأمامِ
ولا طريقٌ للإيابْ ...
نصٌّ بَديلٌ ما تَـخُطُّ
على الرِّمالِ أوِ الكتابْ ؟
فتَخالَهُ نصّاً فريداً
فيهِ إدْهَاشٌ وهَذْيٌ
جاءَ من فَجٍّ عميقٍ
باحتِمالاتِ ارتِيابٍ
وهو مَـنْهوكٌ عَليلٌ
صار حرفاً من ترابْ ؟ ...

كثِّـفْ كلامَكَ كيفَ شِئتَ
وكيفَ شاءَ الحَرْفُ منكَ
وما تَـشاءُ ، ولا يَـشاءُ
سوى عبورِ المستحيلْ .
نصٌّ ثقيلٌ ، دون شكٍّ
ثَمَّ إدْهاشٌ غريبٌ
والغريبُ هو القريبُ
متى هَمى قَطْرُ المعاني
كالبُروقِ الكاشفاتِ
يُنيرُ دَيْجورَ الكلامْ
فيفارقُ الإلهامُ روحَكَ
يختفي خلْفَ السَّديمِ
يظلُّ حُـلْماً مـَعرِ فيّاً
لا تُـجسِّدهُ الحروفُ
ولا البَديعُ أو العَروضُ
على مفازاتِ المعاني
وهوَ في صبرٍ يعاني
في الحقيقةِ ، والخيالْ ...

لغةٌ تُفارقُ ذاتَها
وتَمُرُّ كالنّورِ المُصفّى
عَبْرَ موْشورِ المَعاني
لا تَرى إلاَّ ظلالاً
في المرايا والكتابِ
ولا تَرى سِرَّ المعاني
فهوَ نورٌ ، لا ترابٌ
لا تَراهُ ولا يراكَ
يصيرُ وجْهاً في قِـناعٍ
خلْفَ سورِ الوَعي يَهذي
قاصداً بابَ الجلالِ
مُؤمّلاً وصْلَ الجَمالِ
ولا دخولٌ ، لا خروجٌ
بلْ حِجابٌ دونَ بابْ ...

سَـكَرٌ يزولُ مع الشَّـطَحْ
الوجدُ تَسمَعُه القلوبْ
فَزَعٌ وغَمٌّ للعيونِ
متى دنا وَهْجُ المَقامْ
ورأى بِـشاراتِ الحضورِ
بلا قِناعٍ في اللُّـمَعْ
والوَجدُ مَحْكومُ الزَّوالِ
كما البُروقُ إلى زَوالٍ
دونَ شوقِ الإتحادِ
مع الوجودِ إلى الحُلولْ ...

نورُ المَحبةِ لا يزولْ
عن صدْمَةِ الرّوحِ الفقيرِ
إلى تآويلِ المعاني
في شَطْحةِ السَّـكَرِ الجميلِ
من التَّجلّي في الرُّموزْ
كيفَ البَديلُ وأنتَ ظِـلٌّ
تاهَ في سِفْرِ المعاني
دونَ أنْ يَجدَ الوصولَ
إلى التّجلّي في القَـصيدِ
فصارَ حرفاً دونَ شكْلٍ
فوقَ لوْحِ الطينِ يُشوى
خاضَ نارَ التَّجرِباتِ
فراحَ يَـهذي بالعَـقيمِ
وكانَ في فَجْرِ الكتابةِ
صِنْـوَ ناموسٍ قديمْ ؟ ...

هذا كلامُكَ لا يُترجـِمُ
مَـعْدِنَ الوَجْدِ العَـصـِيِّ
ولا يقودُ إلى الفَـناءْ
سِرُّ القلوبِ مُضَـلِّلٌ
ومُضَلَّلٌ عندَ الّلقاءْ
نورُ الحقـائقِ لا يُطاقُ
بدونِ أقْنعةِ الغُموضِ
على مرايا مِنْ رِياءْ
هذا الخِطابُ مقَـنَّعٌ
معناهُ مُـزدَوَجُ الغموضِ
فثمَّ لُبْسٌ في الوصولِ
مِنَ القديمِ إلى الحديثِ
ولا رجوعَ إلى الوراءْ .
لغَـةٌ توَحِّدُ ذاتَها
قِدَمٌ تُؤَطِّرهُ الحداثةُ
كيفَ يتّحِدُ النّقيضُ
مع النَّـقـيضِ بِلا بَديلْ ؟
في مُـعجَمِ الكلِماتِ نقْـصٌ
في الذّاتِ ... أمْرٌ مستَحيلْ ...

... ماذا نقولُ لِمَا تَمَظْهَـرَ
في الحبيبِ السَّرمديِّ
من الجَـلالِ مع الكَـمالِ
سوى دُعاءٍ خُلَّبِـيٍّ
في حروفٍ ذابلاتٍ
أو رغابٍ جامِحاتٍ
للّقاءِ وللحُلولِ
ولا طريقٌ للوصولِ
كما الخُيولُ الصّافِـناتُ
الواقِـفاتُ على ذُهولٍ
عندَ أسوارِ المعاني
خَلْفَـها بَحْـرٌ وَسِيعٌ
فيهِ أَشْلاءُ الضّحايا
مِنْ حَجيجِ الوَهمِ تَطفو
في قبورٍ دارِساتٍ
دونَ أسماءٍ وذِكْرٍ
تُنذِرُ الآتينَ طُرّاً
مِنْ أعاصيرِ الكُشوفِ
فذاكَ أمرٌ مُـستحيلْ
في بَرْزَخٍ صَـعْبِ العُبورِ
يُحيطه الـنَّخْلُ الـعَقيمْ ؟!...
** ** **
هذا خُواءُ الوَعي يَعلو
مثلَ طيرٍ في الحَريقِ
وأنتَ في بَدْءِ الطَّريقِ
فلا امتلاءٌ بالحُضورِ
ولا حضورٌ في الحَديثِ
سوى زوايا عَاتماتٍ
دونِ كشفٍ أو بَريقْ
تَنحلُّ عينُ الجَمْعِ حُـكْماً
آنَ تَنحَلُّ الصّفاتُ
عنِ المُريدِ ، بلا وَسيطٍ
فالحديثُ بلا لسانٍ
واتحادُ الرّوحِ يبقى
في الغُنوصِيِّ ابتكارٌ
فيهِ إشْكالٌ قديمٌ
ثََمَّ فوضى في الكلامِ
فأنتَ تَمشي في المَنامِ
العَقـلُ غابَ على البِساطِ
فلا انشِراحٌ ، لا انبساطٌ
لا صِفاتٌ ، لا صلاةٌ
لا يَنوحُ ، ولا يَبوحُ
ولا يَرى وَهْجَ المَقامِ
سوى انتِفاءٍ للثلاثةِ :
مَنْ يقولُ ولا يقولُ
ومَنْ يَرى مِن دونِ عينٍ
دونَ إذْنٍ بالكلامِ
ودون أُذْنٍ للسَّماعْ
يُصغي لأسرارِ الحُضورِ
لخُطبةٍ في الّلؤلؤهْ
فيصيرَ ثالوثَ السّلامْ
فوقَ الصّـليبِ المُنتَظَرْ
في " القدسِ " أو " دار السّلامْ "؟ ...
** ** **
أَتريدُ أنْ تَضَعَ المعاني
في إناءٍ دونَ قاعٍ
تَشْربُ النّورَ المُـصَفّى
مِن يَنابيعِ السّرابْ
مِن أجْل نصٍّ أو كتابٍ
دونَ فَهْمٍ أو تَجلٍّ
في انزياحاتِ الرُّموزِ
وفي تآويلِ الخِطابْ ؟...

الشَّطحُ مَصْدرُ واجبٍ
يَزني ويَعبثُ بالبَصرْ
وبنصِّكَ الواهي البَديلْ
فالنّصُّ مَعلولٌ عَليلْ
في قبضةِ الحُلُمِ الثّـَقيلْ
يَهذي كـ "نُوحٍ " ليس يَدري
وهو في الطّوفانُ يَسري
سَمْتَ الجهاتِ ولا المآلْ
ومتى سيأتيهِ الغرابُ
بغُصن زيْتونٍ نَـضيرْ
ليزولَ كابوسُ الظّلامْ
ويَظلَّ كابوسُ الكلامِ
يَجرُّ في ليلِ الكُشوفِ
وراءَهُ حرفاً نحيلاً
في سلاسلَ من حريرٍ
دون معنى أو حضورْ ...
** ** **
النّصُّ خَدّاعُ العقولْ
النّصُّ يُعطي الحرفَ شكلاً
دونَ أنْ يُعطي الدَّليلْ
لو كانَ حقاً ، صارَ حقـاً
فالحَقُّ حقٌّ ، لا بديلْ
تاجُ الكرامةِ عزَّةٌ
والعِزُّ يَـعْزوهُ العَـزيزُ
إلى دَلالاتِ المعاني
مُحْرماتٍ في الطَّوافِ
وحولَها بيتٌ يَطوفُ
ولا يدورُ متى تَدورْ .
في ( الّليسِ ) يَنعدِمُ الحضورُ
يَغيبُ وعْيُ الخَلْقِ حُكْماً
لا دُعاءٌ أو بـَخُورْ
فالنَّطْـقُ أمرٌ مستحيلٌ
آنَ تغدو أنتَ أنتَ
الواحدُ ، المثنّى ، ثلاثاً
مثلَ آدَمَ باعَ حُلْماً
كيْ ينالَ المَعرفهْ
أوْ عُـشْبةً تَهَبُ الخلودَ
ولمْ يجدْ كشْفاً هناكَ
سوى رداءِ الأفعُوانِ
وذاكَ مِن سِرّ الوجودْ
أمسى طريداً مثلَ حرفٍ
لا يَحيدُ عن المكانِ
حُدودُهُ ألِفٌ وياءٌ
كيفَ ينْفَجرُ الخَيالُ
وأُفْقُـهُ بينَ الحدودِ
وعند برْزَخهِ الهَـلاكُ
ولا عبورٌ للجديدْ ؟!...

السَّمُّ يجري في الكلامِ
وفي الشّرابِ وفي المَقامْ
أنا شاربٌ ذاتِي شراباً
في المَنامِ وفي القِيامْ
أَسقي شفاهي مِن سُمومٍ
دونَ تِرياقِ الكُشوفِ
أصيرُ كاللّوحِ القديمِ
يعيشُ في نارِ الخلودِ
ليَـنقُـلَ المعنى إلينا
كيْ يَظلَّ العقلُ فينا
شُعلةً عبْرَ العصورِ
فمَنْ تَرى يحنو علينا
في أتُونِ التَّجرباتِ
سوى ضُـلوعِ المُستطيلِ
وفوقه يعلو الترابْ ؟
من بعد أن نُـفِيَ المُريدُ
إلى تُخومِ الدّائرهْ
وغدا غباراً في المَدارْ
بينَ النجومِ الحائرهْ
في عرْشِ مَملكةِ الظلامِ
يعيشُ من نبْعِ الكلامِ
يفورُ حتّى الانفجارِ
ولا يرى إلا ّنصوصاً
شاحباتٍ كالقمرْ
تَهْمي كأوراقِ الشَّجرْ
تلهو بها ريحُ الكشوفِ
على رمالٍ في السَّرابْ
كانت إلاهاً ذاتَ حُلْمٍ
في أساطيرِ الخيالِ
ولمْ تَكُ النّصَّ البَديلْ
فالصَّمتُ أقوى من دليلٍ
تاهَ في التأويلِ حتّى
عافَ الدَّلالةَ والوصولَ
إلى تُخومِ المُستحيلْ ....
** ** **
هَلْ كانَ يرضى أنْ يكونْ
إلاَّكَ ، من دون الأنا
حتّى بنورِ الَّـذاتِ يَفـنى
بالحُضورِ وبالغيابْ ؟
مَشغولُ عنكَ بما رآهُ
ولا يراهُ ولا تَراهُ
سوى سَرابٍ في ضَبابْ
ذاتٌ تُقسِّمُ ذاتَها
بينَ الفواصلِ والحِجابْ
ليعودَ يَجمعُها الكَمالُ
على صليبِ الأبجديّـةِ
غير مَـعْـنِـيٍّ بما
يُـتْلى على نَـصِّ بديلٍ
في انزياحاتِ المعاني
عنْ سَمْتِ واقعةِ الجَمَلْ
والحَرفُ مَشْروخٌ يُعاني
مِن إفْكِ ذاكرةٍ قديمهْ
فهُناكَ تُحتَجَبُ الخَلائقُ
بالتّفاسيرِ العَقيمةِ
والتّشابيهِ الرَّكيكةِ
والصِّفاتِ الشّاحباتِ
بما يَليقُ ولا يَليقُ
على البِساطِ أو اللّسانْ
من دونِ تبيانِ البَيانْ
فعلِمتُ أنَّ القَولَ وهْمٌ
للحَواسِ وفي العِظامِ
وإنّ جِنَّ الجانِ إنسٌ
لا تخوضَ البحرَ جهراً
تَختفي تحْتَ الكلامِ
تَخطُّ رمزاً في الرِّمالْ
ليعودَ يَجرِفُها الخيالْ
في كلَِّ يومٍ من جديدْ ...
** ** **
أَلبَسْتَني ثوبَ الحديدِ
حَجَرْتَ في الذّاتِ الـ " أنا "
ورَميـتَـني خلْفَ المكانْ
قلْبُ المُريدِ مُـعَطّـلٌ
يا حُجَّتي ، أينَ السّلامْ ؟
هلْ يَدخلُ المِحرابَ سراً
كيْ يصلّي أمْ ينامْ ؟
طـيِّـرْ حروفَكَ مثلَ قلبكَ
لنْ تصِلْ بابَ المَقامْ
الشّيخُ ، شيخُ الوقتِ ، يدعو
أنْ تكونَ بدونِ علمٍ
دونَ زُهْدٍ ، دونَ شيءٍ
ربّما تدنو كُـشوفٌ
بالجديدِ من الكلامْ
اُدخلْ لتَبتَلعَ الجَحيمَ
وكُنْ فِـداءً للجميعِ
ولا تُبالغْ في الصِّيامْ
واحذرْ رُقادَ الغافـلينَ
فثَمَّ قلبٌ للوَليِّ
مُعطَّلٌ من دونِ قصدٍ
لا يُطيقُ السّرَّ حتّى
من شفاهِ العارفينَ
فذاكَ أهْلٌ للعبادةِ
ليسَ من أهْلِ النّعيمِ
وإنْ تأنّقَ في الكلامِ
وليسَ يذوي في المَعارفِ
كي يكونَ بلا معارفَ
في عِدادِ المُنقَذينَ
ودَعْ طريقَ الوَصلِ حتّى
تَنتفي عنكَ الأنا
لتَراكَ في حِرْزِ أمينٍ
من شياطينِ الحروفِ
وعندها يدنو الوصولُ
إلى مَـلَذَّاتِ الثمارْ
فاقطُفْ من الشَّجرِ المباركِ
ما تشاءُ من المعاني
واكتُبْ حروفَكَ في الهواءِ
ولا تَبُحْ للّريحِ إلاّ
بالقليلِ مِنَ الجنونْ
واصمُتْ على كشْفٍ جميلٍ
جاء بالرّوحِ المُـقدّسِ
يَحملُ البُشرى إليـنا
مُطلِقاً في الذّاتِ نوراً
فاتِحاً عيْنَ اليَقـينِ
على جِهاتٍ لا يَراها
جوْهرُ القلبِ اللّـطيفُ
فـأنـتَ مَـعلولٌ ضعيفٌ
لا امـتلاءٌ ، لا اتحادٌ
في خُواءِ الوَعيِ تَـهذي
دونَ تاجِ الكَشفِ تَذوي
لسْتَ روحاً ، لسْتَ جسْماً
بلْ قليلاً مِنْ ترابٍ
في جنونِ الذّاتِ يَفنى
لا يَرى في اللّوحِ حتّى
نَـرْجِساً غَضّاً طريّاً
كيفَ يَحيا في حضورٍِ
وهـو في غَـيْبِ الفناءْ
جالساً في العرشِ قَسْراً
لا يرى إلاّ حروفاً
مِنْ ضِياءٍ في ضِياءٍ
تَكتبُ النّصَّ البديلْ
أمْ تَرى هَـذْياً جميلْ ؟...
** ** ***
لا تُـعفِّـرْ وجْهَ نصٍّ
برموزٍ ليْسَ تُجدي
أو تُرابٍ مِنْ بَخُورْ
حُجُبُ اللاّهوتِ نارٌ
تُهلِكُ العارِفَ حتّى
تَنتَفي عنهُ المَعارفُ
والـ " أنا " عنْد الحضورْ
خالياً يغدو ، خَلِيّاً
مِنْ تَشابـيهِ المعاني
أو دَلالاتِ رموزٍ
مُـثْقَـلاتٍ بالقُشورْ
غائباً عنْ كلِّ دَربٍ
هاجراً سِحرَ المَرايا
عابداً في الحالِ ؟
لا
عابداً بالحالِ (!)حتّى
يَهْجُرُ النّفسَ ليَدنو
مِنْ مَقاماتِ الحُضورْ
عارياً مِنْ كلِّ وَهمٍ
مِنْ كَراماتٍ وزُهْدٍ
في قميص الصّبرِ يَسعى
دونَ أسماءِ صِفاتٍ
دونَ حالٍ وكَلامٍ
غارقاً في نور ذاتٍ
وهو في الوادي فريدٌ
طافِياً في سَيْلِ عشْـقٍ
يَحرقُ الماءَ سعيداً
في سراجٍ أزَليٍّ
حائراً ، يَزدادُ شوقاً
عِلْمهُ – في اللّوحِ – سَطْرٌ
جَهلُه جسْرُ عبورٍ
نحو ميدان ِ الفناءْ
قوتُه اليوميُّ صَبْرٌ
دونَ شَكوى في البلاءْ
كلّما جاع سيَلقى
قلبَهُ المَكْلومَ يعطي
لُقمةَ الحِكمةِ طَوْعاً
وحروفـاً مِنْ ضياءٍ
في كؤوسٍ مِنْ هواءٍ
دُررٌ تسقيهِ حتّى
يُدركُ الوَعيَ غِيابٌ
وهو في وهْجِ الحُضورْ
يَقبَلُ الذّاتَ رَضِيّاً
دونَ أسْماءِ صفاتٍ
غائباتٍ في المَـقامْ
جَوْهرُ الخِدمةِ نهْـرٌ
مِنْ خزَاناتِ الفَـقـيرْ
صار نصّاً في حصيرٍ
فوقَه نام المـغـنّي ...
** ** **
مَنْ يُجرّدْ - دونَ خوْفٍ –
هـالةَ التّوحيدِ حتّى
تصبحُ النُّـقطَـةُ تاجاً
وسِراجاً يَـتَدلّى
مِنْ حِجابِ المَـلَكوتْ ؟
عندما الرّوحُ يموتْ
ثُمّ يحيهِ اشتياقٌ
يَقطعُ الزِّنارَ وَجْـداً
كمَجوسِيٍّ ضَريرٍ
لا يرى إلاّ ضِياءً
حَوْلَه الـعَـتْمةُ تعلو
وهو في النّور يَسيرْ
هكذا العَبدُ الفقيرْ
تحتَ رجليه كنوزٌ
غارَ في النّشْوةِ حتى
جَوْهرياً صار ، يعدو
هـارباً نحو المَـصيرْ
عيْـنُه عيْنُ افـتِراقٍ
وهو في السُّكْرِ يَدورْ
مِنْ كُشوفٍ وحروفٍ
ومـكانٍ وحضورْ
يَخْـرُقُ النّفْسَ اشتياقاً
عرَّجتْ فيه المعاني
نحو آفـاقٍ خِفافٍ
ليس يَدري ما يقولْ
فهو في الفخِّ سجينٌ
يحسِبُ الفَخَ فضاءً
وبِساطاً للعبورْ ...

تلكَ شاراتُ الوصولْ ؟
ربّما شاراتُ بُـعْدٍ
لستُ أدري ، صدّقوني
يا ثـقاتي وقُضاتي
إنّ في الوَعيِ شُروخٌ
وعلى الأيْسِـيِّ غيْمٌ
وشكوكٌ ونُـذورْ
لا تُرينا في المَـرايا
غيرَ خَلْـقٍ دونَ حـقٍّ
وحقوقٍ بالحضورْ
بُدَلاءٌ وبَلاءٌ
وحُضورٌ في غِيابٍ
ثَمّ تَجريدٌ عَصِـيٌّ
ثَمّ تَغريدٌ شَجيٌّ
وعَويلٌ في قبورٍ
فارغاتٍ مثلَ لوْحٍ
خانهُ سَمْتُ المعاني
فهو في الطّينِ أسيرٌ
و " رُقَـيْمٌ " مِنْ ترابٍ
لا يرى في النّارِ نوراً
كيْفَ يُـعطي النّصَّ روحاً
دائماً عبْرَ العصورْ
وهو مَنْـهوكُ السُّطورْ ؟

أتَرى يأتي بَديلٌ
ذاتَ كشْفٍ للمـغـنّي
قبْلَ أنْ يـغدو ضريراً
قارئاً فوْقَ القبورْ ؟...
==============
حمص-سورية 23/9/2007
E.-Mail: mutlak@scs- net.org

عزيز العرباوي
21/04/2008, 05:17 PM
أخي شاكر :

نص جميل ورائع

استمتعت به كثيرا ....

شكرا لك

//
//

نصر بدوان
23/04/2008, 09:35 AM
" لستُ أدري ، صدّقوني
يا ثـقاتي وقُضاتي
إنّ في الوَعيِ شُروخٌ "

***
إذا استطاع المحدود إدراك اللامحدود, والمقيد أن يحتوى المطلق,

يحتمل أن يكون هناك وعي غير مشروخ.وبغير ذلك سنظل ندور في حلقة مفرغة,

فما الجدوى والفائدة إذن؟

يأسرنا النص حين نعبره, وكأننا نمتلك بحرا من علم, ولكن في الختام, نفتح الأيدي, فلا نجد إلآ بقايا بلل وبلبلة! وسؤال حار في سؤال.

تحياتي لك دكتور شاكر,