عمرو زكريا خليل
04/12/2006, 02:13 PM
كيف ينظر المثقف الإسرائيلي للاستيطان؟
عيسى أبو زهيرة*
محمد سعافين**
أعادت الانتخابات الإسرائيلية في حزيران من عام 1992 حزب العمل إلى السلطة، ويعود ذلك جزئياً إلى الوعود التي قطعها الحزب بالتوصل إلى اتفاقية مع منظمة التحرير الفلسطينية والتعهد بتجميد الاستيطان. بعد أكثر من عام بقليل أي في 13 أيلول 1993، وقعت كل من منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل اتفاقية إعلان المبادئ التي نصت على فترة انتقالية مدتها خمس سنوات وتأجيل القضايا الأساسية واحتفاظ إسرائيل بمسؤوليات أمنية كاملة على كامل المنطقة. ومع توقيع الاتفاقيات الانتقالية وافق الجانب الفلسطيني على تأجيل قضية المستوطنات إلى مرحلة لاحقة مقابل التزام إسرائيل بالتوقف عن الاستيطان في الضفة الغربية وقطاع غزة والحفاظ على التواصل الجغرافي.(1)
ــــــــــــــــــــــــــــ
* أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية ـ جامعة القدس
إلا أن سياسة الاستيطان الإسرائيلية استمرت بشكل متزايد رغم الإدانة الدولية الواضحة لها، معززة بالوجود والسيطرة الإسرائيلية على الأرض الفلسطينية وخلق وقائع جديدة على الأرض قبل التوصل إلى أية ترتيبات نهائية مع الشعب الفلسطيني.
تتضمن الاتفاقيات الفلسطينية ـ الإسرائيلية مجموعة واسعة من الإجراءات الوقائية الرامية إلى حماية المستوطنات والمستوطنين، حيث تم استثناء المستوطنات والمستوطنين من ولاية السلطة الفلسطينية، وفرض قيود شاملة على استخدام الأراضي الفلسطينية المحاذية للمستوطنات جنباً إلى جنب مع سيطرة إسرائيل على تسجيل الأراضي، كما تم ربط المستوطنات بعضها ببعض بواسطة الطرق الالتفافية وتم ربطها بإسرائيل نفسها.(2)
تجاهل الموقف الإسرائيلي القانون الدولي وأصر على ضم مزيد من الأراضي من الضفة الغربية مساحتها 45% من الأراضي العربية المحتلة.
من ناحيته أكد ميثاق الأمم المتحدة بأن الحصول على أراضٍ من خلال الحرب غير قانوني حتى ولو تم الحصول عليها أثناء الدفاع عن النفس، إذ يجب على الدولة الانسحاب فور استطاعتها درء الخطر على نفسها. إن أقرب بنود اتفاقية جنيف الرابعة وقرارات الأمم المتحدة في هذا السياق ما يلي:
1- مادة رقم 47: لا يحرم الأشخاص المحميون الذين يوجدون في أي إقليم محتل بأي حال ولا بأية كيفية من الانتفاع بهذه الاتفاقية، سواء بسبب أي تغيير يطرأ نتيجة الاحتلال للأراضي على مؤسسات الإقليم المذكور أو حكومته، أو بسبب أي اتفاق يعقد بين سلطات الإقليم المحتل ودولة الاحتلال، أو كذلك بسبب قيام هذه الدولة بضم كل أو جزء من الأراضي المحتلة.
2- مادة 49: يحظر النقل الجبري الجماعي أو الفردي للأشخاص المحميين أو نفيهم من الأراضي المحتلة إلى أراضي دولة الاحتلال أو إلى أراضي أي دولة أخرى، محتلة أو غير محتلة مهما كانت الدوافع.
3- القرار 242 (22/11/1967): يؤكد عدم جواز الاستيلاء على أراضي بواسطة الحرب، ويدعو إلى انسحاب القوات المسلحة الإسرائيلية من الأراضي التي احتلتها في النزاع الأخير.
4- قرار 446 (22/3/1979): يقرر أن سياسة إسرائيل وممارساتها بإقامة المستوطنات على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ سنة 1967، ليس لها أي سند قانوني، ويدعو إسرائيل إلى أن تتراجع عن ترتيباتها السابقة، وأن تمتنع من اتخاذ أي عمل قد يؤدي إلى تغيير الوضع القانوني والطابع الجغرافي، أو أي عمل قد يؤدي إلى التأثير الملموس في التركيبة السكانية للأراضي العربية المحتلة منذ سنة 1967، بما فيها القدس، وأن تمتنع بشكل خاص من نقل مجموعات من سكانها المدنيين إلى الأراضي العربية المحتلة.(3)
5- القرار 452 (20/7/1979): يدعو حكومة وشعب إسرائيل إلى التوقف وبصورة عاجلة عن تأسيس وبناء والتخطيط لبناء مستوطنات في الأراضي العربية المحتلة منذ سنة 1967 بما فيها القدس.
6- قرار 465 (1/3/1980): يقرر أن جميع التدابير التي اتخذتها إسرائيل لتغيير الطابع المادي والتركيبة السكانية والبنية المؤسساتية أو الوضع القانوني في الأراضي الفلسطينية وغيرها من الأراضي العربية المحتلة عام 1967، أو أي جزء فيها ليس لها أي سند قانوني. ويدعو حكومتها وشعبها إلى إلغاء هذه الإجراءات وتفكيك المستوطنات القائمة كما يدعو بصورة خاصة إلى التوقف فوراً عن إنشاء المستوطنات وبنائها والتخطيط لها في الأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967، بما فيها القدس.(4)
في هذا البحث نتطرق إلى الجدال الدائر حالياً في إسرائيل بشأن المستوطنات والمستوطنين، بحيث نحلل كيف يدرك المثقف الإسرائيلي قضية الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة. فقد نظر المثقفون الإسرائيليون إلى الاستيطان باعتباره:
أولاً: الخطيئة الأولى:
يعتبر بعض المثقفين الإسرائيليين أن الاستيطان ما هو إلا الخطيئة الأولى في العمل السياسي الإسرائيلي، ففي ملحق "يديعوت أحرونوت" كتب يوسي سريد، زعيم حزب ميرتس مقالاً بعنوان "ليس جيداً أن نموت من أجل المستوطنات" قال فيها: "إن الخطيئة الأولى هي العمل الاستيطاني. كان يجب أن يكون واضحاً منذ البداية أن ليس ثمة أي مبرر لإقامة إسرائيل في منطقة محتلة"(5) ويضيف السيد سريد: "لقد أخطأت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في العمل الاستيطاني، ولا يكاد يوجد أي سياسي في إسرائيل لم يكن له يد في ذلك في فترة أو أخرى".
ومن جهة أخرى يرى بعض المثقفين أن هذه الخطيئة الاستيطانية أوقعت الشعب والحكومة الإسرائيلية في الوحل، فكتب يعقوب أغمون مدير عام هبيما. (6)
"من أجل الخروج من الوحل يجب استخدام العقل. قبل تجسيد رأي سياسي اقترح استخدام الأدوات الأساسية التي منحنا إياها الخالق. أنا لا أنجح في تشخيص خطة سياسية للحكومة، أو قرارات عقلانية، ببساطة لا يستخدمون العقل. نتيجة لذلك فقدنا الاتزان والعقلانية. لا أجد ما هو عقلاني وراء عملية اتخاذ القرارات لدينا. باستثناء ذلك ليس لي خطة مفصلة للخروج من الوحل".(7)
وكتبت الكاتبة الإسرائيلية يهوديت هنديل عن الوحل الاستيطاني فقالت: "على الحكومة أن تفعل بالضبط عكس ما تفعله، يجب أن تنسحب من المناطق وتبدأ في الحوار حول دولة فلسطينية في كل المناطق، يجب إخلاء المستوطنات".(8)
ثم تضيف: "لقد دخلنا في الوحل، وإذا لم ننسحب فأنا خائفة مما قد يحدث هنا. أخاف من نشوب الحرب، مثل حرب لبنان، لا نستطيع الخروج منها. لن نجد إنساناً شجاعاً مثل أيهود باراك ليخرجنا وقبل فوات الأوان. هنا الأمر أكثر تعقيداً".(9)
أحد موقعي وثيقة الاستقلال يدعي مائير فيلتر كتب: "أنا قلق على وجود دولة إسرائيل التي كنت من مؤسسيها. أريد بقاءها لذلك أعتقد أن على الحكومة أن تعلن فوراً عن استعدادها للانسحاب من كل المناطق التي احتلت عام 1967. وستكون القدس عاصمة إسرائيل في الغرب وعاصمة الدولة الفلسطينية في الشرق".(10)
ويرى بعض المثقفين الإسرائيليين أن ما يحدث هو جنون بحد ذاته فنرى "أ.ب يهوشوع" الكاتب الروائي يقول: "يجب الخروج من هذا الجنون الذي لا تعرف فيه إذا كان ينتظرك في إحدى زوايا الشارع انتحاري لقتلك... أنا أتحدث عن انسحاب أحادي الجانب من أجزاء كبيرة جداً من المناطق وإزالة المستوطنات الصغيرة وبناء حدود قابلة للدفاع".(11)
في هآرتس كتب عوزي بنزيمان مقالاً قال فيه "المواجهة المسلحة مع الفلسطينيين لا تظهر في الأذهان كحرب بقاء تخوضها دولة إسرائيل، وإنما ينظر إليها على أنها ورطة بائسة تعود جذورها إلى قرار إنشاء مستوطنات في المناطق التي احتلت عام 1967، السيطرة على المناطق تعتبر في العمل الوطني وضعاً مؤقتاً يتوجب تقليص عدد الضحايا الذين يسقطون من أجله قدر المستطاع".(12)
ثانياً: عدم الاستعداد للتضحية ودفع الثمن من أجل المستوطنات:
حول هذه القضية كتب عوزي بنزيمان في صحيفة هآرتس: "الشعور بأن لا خيار، وأن الضحايا هم ثمن لا مناص منه في إطار الكفاح حول ضمان الوجود لم يعد مسألة بديهية، وهي لا تلقى الإجماع من كل قطاعات الجمهور في كل الأحوال، لذلك لا توجد استجابة لتوقع اليمين المتطرف".(13)
أما زعيم كتلة السلام أوري أفنيري فقد كتب مقالاً بعنوان "قطار السلام في طريقه إلى المحطة"، فقال: "الآن أنا أسمع اقتراب موجة كبيرة من الاحتجاج على الحرب الدموية ضد الفلسطينيين (حرب سلامة المستوطنات)، وتمرد رافضي الخدمة في المناطق الفلسطينية هو مؤشر واحد من بين مؤشرات كثيرة".(14)
الكاتب الرئيس في هآرتس عوزي بنزيمان يعلق حول عدم الاستعداد لدفع الثمن: "وربما بشكل أساسي لأن الحرب كاملة المقاييس قد تلحق بنا مئات الضحايا من جنود الجيش، والمجتمع الإسرائيلي ليس مستعداً لدفع هذا الثمن".(15)
ويؤكد بنزيمان "أن النواة الصلبة من المستوطنين وحدها التي تبدي استعدادية لدفع ضريبة الدم المرتبطة باستمرار الاحتلال".(16)
ويرى بنزيمان أنه في حالة تطور العمل السياسي والدبلوماسي بين الطرفين فإن الاستعداد الإسرائيلي للتنازل عن المناطق سيندفع إلى مقدمة المنصة. "وإذا قبل الفلسطينيون الشرط الإسرائيلي ـ أي اعتبار إقامة دولتهم حلاً لمشكلة اللاجئين ـ فإن الاستعداد الإسرائيلي للتنازل عن المناطق سيندفع إلى مقدمة المنصة".(17)
أما يوسي سريد زعيم حزب ميرتس فكتب يقول: "ليس جيداً أن نموت من أجل المستوطنات".(18)
وكتب مئير شتغليتش في يديعوت يهزأ من سياسة شارون الاستيطانية بقوله: "حرب حتى الموت في سبيل يهودية كاملة في أرض إسرائيل الكاملة، هذه هي خلاصة الخطة العظمى لشارون وحكومته".(19)
وفي لقاء خاص أجرته صحيفة معاريف مع وزير الخارجية الإسرائيلي شمعون بيريز سئل فيه: "هل كنت ستخلي المستوطنات الآن؟ أجاب: أجل وأنا لا أسدي معروفاً للفلسطينيين، هناك عدة مستوطنات تجتذب النيران وليس لها مستقبل".(20)
ويضيف: "أنا مستعد للتوجه نحو تنازلات مغايرة لتلك التي توجد لشارون... أنا مع تقسيم البلاد لصالح إسرائيل... أنا أعتقد أن خارطة المستوطنات ثقل على إسرائيل وتحول دون بلورة خارطة أمنية وخارطة سلام".(21)
أما عوزي بنزيمان فيؤكد أن "الإسرائيليون يرفضون تقديم أرواحهم على طبق من فضة لمواصلة السيطرة على المناطق الفلسطينية".(22)
وترى عضو الكنيست نعومي حزان، من ميرتس، أن المشكلة تكمن في وجود الجيش الإسرائيلي عند نقاط الاحتكاك، وتسأل "كم جنديا لا يزال عليه أن يموت أو يصاب، من أجل الدفاع عن حفنة من المستوطنين في نتساريم أو بسغوت أو قلب الخليل".(23)
ثالثاً: إعصار في غابة السلام:
عندما بدأ عهد السلام سنة 1977، كان عدد المستوطنين في المناطق المحتلة 20,000، وهو الآن يقارب 200,000 إن لم يكن أكثر. وعندما انتخب اسحق رابين رئيساً للحكومة سنة 1992، كان عدد المستوطنين قد وصل إلى 96,000، وفي وقت توقيع اتفاقيات أوسلو كان عددهم 110,000 وفي العام الأول من ولاية حكومة باراك، أضيف 14,000 مستوطن آخر، وصدرت عطاءات لبناء 4000 وحدة سكنية إضافية (في مقابل 3000 وحدة في كل عام من أعوام ولاية بنيامين نتنياهو). وشهدت سنة 2000 زيادة قيمتها 96% من أعمال بدء البناء في المستوطنات قياساً بسنة 1999. وفي مدينة القدس زادت الحساسية السياسية والدينية للعالم، تم بناء 800 منزل جديد في مستوطنة جبل أبو غنيم في عهد باراك.(24)
ففي مقابلة مع وزير الخارجية الإسرائيلي شمعون بيريز قال: "المستوطنات تثقل على إسرائيل وتحول دون بلورة خارطة السلام".(25)
أما يهود أليكافي فكتب في جريدة يديعوت يقول: "أمام ائتلاف الولايات المتحدة ودول أوروبا وأمام الضغط الدائم للتنازلات سنضطر إلى البدء بالنقاش الحقيقي من أجل إزالة كل المستوطنات أو معظمها، فقط آنذاك سنفهم جميعاً ما هو حجم الثمن ـ السياسي والاقتصادي والإنساني ـ الذي دفعناه مقابل فكرة الهوس هذه [المستوطنات]".(26)
وعن جشع الاستيطان كتب عاموس عوز في يديعوت فقال: "يجب عدم تشويش الخط بين الإسرائيليين الذين يريدون العيش كشعب حر في دولة إسرائيل إلى جانب فلسطين وليس مكانها، وبين هؤلاء الذين يواصلون قمع شعب آخر واستعباده في إطار مقولة "أرض الآباء" وبغريزة جشع الاستيطان".(27)
صحيفة هآرتس نشرت مقالاً لعكيف الدار جاء فيها: "استمرار تطوير المستوطنات وشق الطرق في المناطق في ظل المسيرة السلمية تضعضع ثقة الفلسطينيين بنوايا إسرائيل في وضع حد للاحتلال".(28)
ومن ناحية أخرى كتب الوف بن المحلل الرئيس في صحيفة هآرتس يقول: "لا مناص من الحوار والحل مع الفلسطينيين".(29)
أوري أفنيري رئيس "غوش شلوم" (كتلة السلام) كتب مقالاً في معاريف بعنوان "إعصار في غابة السلام" قال فيها: "عندما يضرب إعصار الغابة، تواجه كل شجرة اختياراً. الأشجار المتفسخة تقتلع وتطير في كل اتجاه. أما الأشجار القوية، المتجذرة جيداً في أرضها، فإنها تبقى صامدة... إن إقامة المستوطنات وتوسيعها، ومصادرة الأراضي، وهدم البيوت، وبناء الطرق الالتفافية في كل أنحاء الضفة، تؤدي إلى ولادة غضب فظيع في المدن والقرى".(30)
ويضيف "إن الجدال بشأن مستقبل أرض إسرائيل لم يعد مواجهة بيننا وبين الفلسطينيين، وإنما أصبح جدالاً إسرائيلياً داخلياً".(31)
يوسي سريد زعيم حزب ميرتس علق على الاستيطان بقوله: "كان واضحاً أيضاً أن المستوطنات ستحبط في المستقبل فرصة التوصل إلى اتفاق معقول مع الفلسطينيين، ينسجم والمصالح الأمنية الحقيقية لإسرائيل".(32)
في جلسة إدارة مجلس السلام والأمن الأخيرة في الأسبوع الماضي (19/2/2002)، إذ شارك أيضاً جنرالات الاحتياط نفي شارون، وعامي أيالون، دعا أعضاء الإدارة من دون صلة بخطة الانفصال إلى مواصلة المفاوضات الفورية حتى في ظل إطلاق النار وإلى إخلاء مستوطنات على الفور".(33)
رابعاً: تكاليف الاستيطان:
كتب شامر غينوسار ويوفال كرني في صحيفة يديعوت أحرونوت(34) حول تكاليف الاستيطان في الضفة الغربية وقطاع غزة فأورد أن معظم المستوطنين يعتاش من مخصصات عامة "بحسب معطيات المكتب المركزي للإحصاء لسنة 1998، لم يعد في البلد مجموعة سكانية تعيش نسبة كبيرة من أفرادها إلى هذا الحد من مخصصات عامة، فنسبة العاملين فيما يعتبر "إدارة عامة" في يهودا والسامرة وغزة أكبر مرتين ونصف مرة مما هي عليه في أي قطاع آخر ويضيف "نحو 9000 عائلة تعتاش من الإدارة العامة" 13.9% من السكان قياساً بـ 5.5% كمتوسط لجميع السكان في إسرائيل".(35)
أما فيما يتعلق بالامتيازات فيؤكدون أن الإعفاءات في ضريبة الدخل تقدر بـ 250 مليون شيكل في السنة "تحظى أكثرية المستوطنات في المناطق المحتلة بتسهيلات وامتيازات سخية من الحكومة، بسبب إدراجها في خريطة ترتيبات الأولويات القومية إعفاء بنسبة 7% من ضريبة الدخل، رهون عقارية مدعومة مالياً، تعليم مجاني منذ عمر 3 أعوام وغيرها من الامتيازات في التعليم والسكن والصناعة والزراعة والسياحة".(36)
أما ما يتعلق بالحماية والحفاظ على الجنود فأكدوا "وقدرت تكلفة جنود حماية المستوطنات (حرس حدود ونقاط مراقبة) بـ 75 مليون شيكل في السنة وكشف عن هذا الرقم مستشار وزير الدفاع في شؤون الاستيطان، يوسي فردي، بناءً على طلب عضو الكنيست موسى راز، أثناء نقاش جرى في لجنة مراقبة الدولة في أوائل آذار 2001، أما الطرق الالتفافية والتي عملت على أمل الحيلولة دون اللقاء مع السكان الفلسطينيين أفاد الناطق باسم وزارة المالية في 4/12/2000، "أن تكلفة شق هذه الطرق تبلغ نحو مليار شيكل".(38)
أما الباصات التي تنقل المستوطنين فإن تصفيحها يكلف 13 مليون شيكل(39). تسير شركة باصات "إيغد" 40 باصاً مصفحاً على 34 خطاً. وتسير في قطاع غزة 3 باصات أخرى. وتبلغ تكلفة تصفيح الباص الواحد 320.000 شيكل. وتسير الباصات في الضفة وغزة بناءً على موافقة من الجيش الإسرائيلي، وغالباً بمواكبة سيارات عسكرية من أمامها وورائها.(40)
أما المظلمة التي تنجم عن خريطة الأولويات بين المستوطنات الغنية والتجمعات السكانية الفقيرة داخل الخط الأخضر، فنشرت حركة السلام الآن مقارنة بين المستوطنات مثل إلكاناه حيث يبلغ متوسط دخل المستوطن الشهري 17.065، وألف فيشة 14.711 شيكل، وبيت أرييه 14.228، وافرات 13.340 شيكل، وهذه امتيازات مبالغ فيها لا تحظى بها تجمعات زيادة داخل الخط الأخضر. من جهة أخرى فإن متوسط الدخل الشهري للعائلة منخفض بصورة خاصة، مثل بني براك 6983 شيكل وأور عكيف 6294 شيكل وريخسيم 6288 شيكل وتل شيفع 4137 شيكل وكفر مندا 3831 شيكل.(41)
خلاصة القول في قضية كبيرة ومعقدة للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي بشكل عام وملفاته المعقدة كالاستيطان الأمر بحاجة دائماً إلى أقلية صغيرة من المهووسين بالشيء. هؤلاء يرفعون صوتهم الشحيح، ووسائل الإعلام تتجاهلهم والسياسيون ربما يضحكون ويسخرون منهم ويسمونهم مجموعة هامشية ذات ضجيج، وربما الأحزاب والتنظيمات تعبر عن عدم رضاها وتتحفظ من هذه الشعارات الراديكالية. ولكن رويداً رويداً يبدأ الأمر بالتأثير، والمسألة تطل برأسها في المؤتمرات والاجتماعات وتحدث مناقشات، هذا يجبر قادة الأحزاب على رفع صوتهم وركوب ظهر الموجة. الأمر ينتشر بشكل واضح في معركة الانتخابات ويقوم السياسيون الراغبون في أن يعاد انتخابهم بتبني الشعارات الجديدة. الآن أنا أسمع اقتراب موجة كبيرة من الاحتجاج على المستوطنات.
الهوامش
1- المستوطنات، الجمعية الفلسطينية الأكاديمية للشؤون الدولية، آذار 2001، القدس، ص 2.
2- المصدر السابق، ص 3.
3- المصدر السابق، ص 3.
4- المصدر السابق، ص 3.
5- يديعوت أحرونوت، السبت، 10/11/2001، ص 11.
6- المصدر السابق.
7- جريدة الحياة الجديدة، ترجمة عن يديعوت، 18/2/2002، ص 13.
8- المصدر السابق.
9- المصدر السابق.
10- الحياة الجديدة، نقلاً عن يديعوت، 17/2/2002، ص 5.
11- الحياة الجديدة، نقلاً عن يديعوت، 18/2/2002، ص 12.
12- الحياة الجديدة، نقلاً عن هآرتس، 17/2/2002، ص 12.
13- الحياة الجديدة، نقلاً عن هآرتس، 18/2/2002، ص 11.
14- الحياة الجديدة، نقلاً عن معاريف، 18/2/2002، ص 11.
15- الحياة الجديدة، نقلاً عن هآرتس، 18/2/2002، ص 11.
16- المصدر السابق.
17- المصدر السابق.
18- يديعوت أحرونوت، ملحق السبت، 10/11/2000، ص 11.
19- الحياة الجديدة، نقلاً عن يديعوت، 26/10/2001، ص 10.
20- الحياة الجديدة، نقلاً عن هآرتس، 18/2/2002، ص 11.
21- المصدر السابق.
22- الحياة الجديدة، نقلاً عن هآرتس، 18/2/2002، ص 11.
23- "الاستيطان اليهودي تحت وقع انتفاضة الأقصى"، مجلة الدراسات الفلسطينية، شتاء / ربيع 2001، ص 28.
24- المصدر السابق، ص 72.
25- الحياة الجديدة، نقلاً عن معاريف، 13/11/2001، ص 11.
26- الحياة الجديدة، نقلاً عن يديعوت، 28/12/2001، ص 11.
27- الحياة الجديدة، نقلاً عن يديعوت، 7/2/2002، ص 14.
28- الحياة الجديدة، نقلاً عن هآرتس، 5/2/2002، ص 11.
29- الحياة الجديدة، نقلاً عن هآرتس، 18/2/2002، ص 11.
30- "مجلة الدراسات الفلسطينية"، نقلاً عن معاريف، 31/10/2000، ص 73.
31- المصدر السابق، ص 74.
32- www.ynet.co.il.
33- الحياة الجديدة، نقلاً عن هآرتس، ليلى جاليلي، 19/2/2002، ص 11.
34- شامر غينو ساري ويوفال كرني، يديعوت أحرونوت، 8/12/2000، ص 35-36.
35- المصدر السابق.
36- المصدر السابق، ص 36.
37- المصدر السابق، ص 39.
38- المصدر السابق، ص 32.
39- المصدر السابق، ص 33.
40- المصدر السابق، ص 34.
41- "مجلة الدراسات الفلسطينية"، شتاء/ ربيع 2001، ص 62.
http://www.sis.gov.ps/arabic/roya/18/page14.html
عيسى أبو زهيرة*
محمد سعافين**
أعادت الانتخابات الإسرائيلية في حزيران من عام 1992 حزب العمل إلى السلطة، ويعود ذلك جزئياً إلى الوعود التي قطعها الحزب بالتوصل إلى اتفاقية مع منظمة التحرير الفلسطينية والتعهد بتجميد الاستيطان. بعد أكثر من عام بقليل أي في 13 أيلول 1993، وقعت كل من منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل اتفاقية إعلان المبادئ التي نصت على فترة انتقالية مدتها خمس سنوات وتأجيل القضايا الأساسية واحتفاظ إسرائيل بمسؤوليات أمنية كاملة على كامل المنطقة. ومع توقيع الاتفاقيات الانتقالية وافق الجانب الفلسطيني على تأجيل قضية المستوطنات إلى مرحلة لاحقة مقابل التزام إسرائيل بالتوقف عن الاستيطان في الضفة الغربية وقطاع غزة والحفاظ على التواصل الجغرافي.(1)
ــــــــــــــــــــــــــــ
* أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية ـ جامعة القدس
إلا أن سياسة الاستيطان الإسرائيلية استمرت بشكل متزايد رغم الإدانة الدولية الواضحة لها، معززة بالوجود والسيطرة الإسرائيلية على الأرض الفلسطينية وخلق وقائع جديدة على الأرض قبل التوصل إلى أية ترتيبات نهائية مع الشعب الفلسطيني.
تتضمن الاتفاقيات الفلسطينية ـ الإسرائيلية مجموعة واسعة من الإجراءات الوقائية الرامية إلى حماية المستوطنات والمستوطنين، حيث تم استثناء المستوطنات والمستوطنين من ولاية السلطة الفلسطينية، وفرض قيود شاملة على استخدام الأراضي الفلسطينية المحاذية للمستوطنات جنباً إلى جنب مع سيطرة إسرائيل على تسجيل الأراضي، كما تم ربط المستوطنات بعضها ببعض بواسطة الطرق الالتفافية وتم ربطها بإسرائيل نفسها.(2)
تجاهل الموقف الإسرائيلي القانون الدولي وأصر على ضم مزيد من الأراضي من الضفة الغربية مساحتها 45% من الأراضي العربية المحتلة.
من ناحيته أكد ميثاق الأمم المتحدة بأن الحصول على أراضٍ من خلال الحرب غير قانوني حتى ولو تم الحصول عليها أثناء الدفاع عن النفس، إذ يجب على الدولة الانسحاب فور استطاعتها درء الخطر على نفسها. إن أقرب بنود اتفاقية جنيف الرابعة وقرارات الأمم المتحدة في هذا السياق ما يلي:
1- مادة رقم 47: لا يحرم الأشخاص المحميون الذين يوجدون في أي إقليم محتل بأي حال ولا بأية كيفية من الانتفاع بهذه الاتفاقية، سواء بسبب أي تغيير يطرأ نتيجة الاحتلال للأراضي على مؤسسات الإقليم المذكور أو حكومته، أو بسبب أي اتفاق يعقد بين سلطات الإقليم المحتل ودولة الاحتلال، أو كذلك بسبب قيام هذه الدولة بضم كل أو جزء من الأراضي المحتلة.
2- مادة 49: يحظر النقل الجبري الجماعي أو الفردي للأشخاص المحميين أو نفيهم من الأراضي المحتلة إلى أراضي دولة الاحتلال أو إلى أراضي أي دولة أخرى، محتلة أو غير محتلة مهما كانت الدوافع.
3- القرار 242 (22/11/1967): يؤكد عدم جواز الاستيلاء على أراضي بواسطة الحرب، ويدعو إلى انسحاب القوات المسلحة الإسرائيلية من الأراضي التي احتلتها في النزاع الأخير.
4- قرار 446 (22/3/1979): يقرر أن سياسة إسرائيل وممارساتها بإقامة المستوطنات على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ سنة 1967، ليس لها أي سند قانوني، ويدعو إسرائيل إلى أن تتراجع عن ترتيباتها السابقة، وأن تمتنع من اتخاذ أي عمل قد يؤدي إلى تغيير الوضع القانوني والطابع الجغرافي، أو أي عمل قد يؤدي إلى التأثير الملموس في التركيبة السكانية للأراضي العربية المحتلة منذ سنة 1967، بما فيها القدس، وأن تمتنع بشكل خاص من نقل مجموعات من سكانها المدنيين إلى الأراضي العربية المحتلة.(3)
5- القرار 452 (20/7/1979): يدعو حكومة وشعب إسرائيل إلى التوقف وبصورة عاجلة عن تأسيس وبناء والتخطيط لبناء مستوطنات في الأراضي العربية المحتلة منذ سنة 1967 بما فيها القدس.
6- قرار 465 (1/3/1980): يقرر أن جميع التدابير التي اتخذتها إسرائيل لتغيير الطابع المادي والتركيبة السكانية والبنية المؤسساتية أو الوضع القانوني في الأراضي الفلسطينية وغيرها من الأراضي العربية المحتلة عام 1967، أو أي جزء فيها ليس لها أي سند قانوني. ويدعو حكومتها وشعبها إلى إلغاء هذه الإجراءات وتفكيك المستوطنات القائمة كما يدعو بصورة خاصة إلى التوقف فوراً عن إنشاء المستوطنات وبنائها والتخطيط لها في الأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967، بما فيها القدس.(4)
في هذا البحث نتطرق إلى الجدال الدائر حالياً في إسرائيل بشأن المستوطنات والمستوطنين، بحيث نحلل كيف يدرك المثقف الإسرائيلي قضية الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة. فقد نظر المثقفون الإسرائيليون إلى الاستيطان باعتباره:
أولاً: الخطيئة الأولى:
يعتبر بعض المثقفين الإسرائيليين أن الاستيطان ما هو إلا الخطيئة الأولى في العمل السياسي الإسرائيلي، ففي ملحق "يديعوت أحرونوت" كتب يوسي سريد، زعيم حزب ميرتس مقالاً بعنوان "ليس جيداً أن نموت من أجل المستوطنات" قال فيها: "إن الخطيئة الأولى هي العمل الاستيطاني. كان يجب أن يكون واضحاً منذ البداية أن ليس ثمة أي مبرر لإقامة إسرائيل في منطقة محتلة"(5) ويضيف السيد سريد: "لقد أخطأت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في العمل الاستيطاني، ولا يكاد يوجد أي سياسي في إسرائيل لم يكن له يد في ذلك في فترة أو أخرى".
ومن جهة أخرى يرى بعض المثقفين أن هذه الخطيئة الاستيطانية أوقعت الشعب والحكومة الإسرائيلية في الوحل، فكتب يعقوب أغمون مدير عام هبيما. (6)
"من أجل الخروج من الوحل يجب استخدام العقل. قبل تجسيد رأي سياسي اقترح استخدام الأدوات الأساسية التي منحنا إياها الخالق. أنا لا أنجح في تشخيص خطة سياسية للحكومة، أو قرارات عقلانية، ببساطة لا يستخدمون العقل. نتيجة لذلك فقدنا الاتزان والعقلانية. لا أجد ما هو عقلاني وراء عملية اتخاذ القرارات لدينا. باستثناء ذلك ليس لي خطة مفصلة للخروج من الوحل".(7)
وكتبت الكاتبة الإسرائيلية يهوديت هنديل عن الوحل الاستيطاني فقالت: "على الحكومة أن تفعل بالضبط عكس ما تفعله، يجب أن تنسحب من المناطق وتبدأ في الحوار حول دولة فلسطينية في كل المناطق، يجب إخلاء المستوطنات".(8)
ثم تضيف: "لقد دخلنا في الوحل، وإذا لم ننسحب فأنا خائفة مما قد يحدث هنا. أخاف من نشوب الحرب، مثل حرب لبنان، لا نستطيع الخروج منها. لن نجد إنساناً شجاعاً مثل أيهود باراك ليخرجنا وقبل فوات الأوان. هنا الأمر أكثر تعقيداً".(9)
أحد موقعي وثيقة الاستقلال يدعي مائير فيلتر كتب: "أنا قلق على وجود دولة إسرائيل التي كنت من مؤسسيها. أريد بقاءها لذلك أعتقد أن على الحكومة أن تعلن فوراً عن استعدادها للانسحاب من كل المناطق التي احتلت عام 1967. وستكون القدس عاصمة إسرائيل في الغرب وعاصمة الدولة الفلسطينية في الشرق".(10)
ويرى بعض المثقفين الإسرائيليين أن ما يحدث هو جنون بحد ذاته فنرى "أ.ب يهوشوع" الكاتب الروائي يقول: "يجب الخروج من هذا الجنون الذي لا تعرف فيه إذا كان ينتظرك في إحدى زوايا الشارع انتحاري لقتلك... أنا أتحدث عن انسحاب أحادي الجانب من أجزاء كبيرة جداً من المناطق وإزالة المستوطنات الصغيرة وبناء حدود قابلة للدفاع".(11)
في هآرتس كتب عوزي بنزيمان مقالاً قال فيه "المواجهة المسلحة مع الفلسطينيين لا تظهر في الأذهان كحرب بقاء تخوضها دولة إسرائيل، وإنما ينظر إليها على أنها ورطة بائسة تعود جذورها إلى قرار إنشاء مستوطنات في المناطق التي احتلت عام 1967، السيطرة على المناطق تعتبر في العمل الوطني وضعاً مؤقتاً يتوجب تقليص عدد الضحايا الذين يسقطون من أجله قدر المستطاع".(12)
ثانياً: عدم الاستعداد للتضحية ودفع الثمن من أجل المستوطنات:
حول هذه القضية كتب عوزي بنزيمان في صحيفة هآرتس: "الشعور بأن لا خيار، وأن الضحايا هم ثمن لا مناص منه في إطار الكفاح حول ضمان الوجود لم يعد مسألة بديهية، وهي لا تلقى الإجماع من كل قطاعات الجمهور في كل الأحوال، لذلك لا توجد استجابة لتوقع اليمين المتطرف".(13)
أما زعيم كتلة السلام أوري أفنيري فقد كتب مقالاً بعنوان "قطار السلام في طريقه إلى المحطة"، فقال: "الآن أنا أسمع اقتراب موجة كبيرة من الاحتجاج على الحرب الدموية ضد الفلسطينيين (حرب سلامة المستوطنات)، وتمرد رافضي الخدمة في المناطق الفلسطينية هو مؤشر واحد من بين مؤشرات كثيرة".(14)
الكاتب الرئيس في هآرتس عوزي بنزيمان يعلق حول عدم الاستعداد لدفع الثمن: "وربما بشكل أساسي لأن الحرب كاملة المقاييس قد تلحق بنا مئات الضحايا من جنود الجيش، والمجتمع الإسرائيلي ليس مستعداً لدفع هذا الثمن".(15)
ويؤكد بنزيمان "أن النواة الصلبة من المستوطنين وحدها التي تبدي استعدادية لدفع ضريبة الدم المرتبطة باستمرار الاحتلال".(16)
ويرى بنزيمان أنه في حالة تطور العمل السياسي والدبلوماسي بين الطرفين فإن الاستعداد الإسرائيلي للتنازل عن المناطق سيندفع إلى مقدمة المنصة. "وإذا قبل الفلسطينيون الشرط الإسرائيلي ـ أي اعتبار إقامة دولتهم حلاً لمشكلة اللاجئين ـ فإن الاستعداد الإسرائيلي للتنازل عن المناطق سيندفع إلى مقدمة المنصة".(17)
أما يوسي سريد زعيم حزب ميرتس فكتب يقول: "ليس جيداً أن نموت من أجل المستوطنات".(18)
وكتب مئير شتغليتش في يديعوت يهزأ من سياسة شارون الاستيطانية بقوله: "حرب حتى الموت في سبيل يهودية كاملة في أرض إسرائيل الكاملة، هذه هي خلاصة الخطة العظمى لشارون وحكومته".(19)
وفي لقاء خاص أجرته صحيفة معاريف مع وزير الخارجية الإسرائيلي شمعون بيريز سئل فيه: "هل كنت ستخلي المستوطنات الآن؟ أجاب: أجل وأنا لا أسدي معروفاً للفلسطينيين، هناك عدة مستوطنات تجتذب النيران وليس لها مستقبل".(20)
ويضيف: "أنا مستعد للتوجه نحو تنازلات مغايرة لتلك التي توجد لشارون... أنا مع تقسيم البلاد لصالح إسرائيل... أنا أعتقد أن خارطة المستوطنات ثقل على إسرائيل وتحول دون بلورة خارطة أمنية وخارطة سلام".(21)
أما عوزي بنزيمان فيؤكد أن "الإسرائيليون يرفضون تقديم أرواحهم على طبق من فضة لمواصلة السيطرة على المناطق الفلسطينية".(22)
وترى عضو الكنيست نعومي حزان، من ميرتس، أن المشكلة تكمن في وجود الجيش الإسرائيلي عند نقاط الاحتكاك، وتسأل "كم جنديا لا يزال عليه أن يموت أو يصاب، من أجل الدفاع عن حفنة من المستوطنين في نتساريم أو بسغوت أو قلب الخليل".(23)
ثالثاً: إعصار في غابة السلام:
عندما بدأ عهد السلام سنة 1977، كان عدد المستوطنين في المناطق المحتلة 20,000، وهو الآن يقارب 200,000 إن لم يكن أكثر. وعندما انتخب اسحق رابين رئيساً للحكومة سنة 1992، كان عدد المستوطنين قد وصل إلى 96,000، وفي وقت توقيع اتفاقيات أوسلو كان عددهم 110,000 وفي العام الأول من ولاية حكومة باراك، أضيف 14,000 مستوطن آخر، وصدرت عطاءات لبناء 4000 وحدة سكنية إضافية (في مقابل 3000 وحدة في كل عام من أعوام ولاية بنيامين نتنياهو). وشهدت سنة 2000 زيادة قيمتها 96% من أعمال بدء البناء في المستوطنات قياساً بسنة 1999. وفي مدينة القدس زادت الحساسية السياسية والدينية للعالم، تم بناء 800 منزل جديد في مستوطنة جبل أبو غنيم في عهد باراك.(24)
ففي مقابلة مع وزير الخارجية الإسرائيلي شمعون بيريز قال: "المستوطنات تثقل على إسرائيل وتحول دون بلورة خارطة السلام".(25)
أما يهود أليكافي فكتب في جريدة يديعوت يقول: "أمام ائتلاف الولايات المتحدة ودول أوروبا وأمام الضغط الدائم للتنازلات سنضطر إلى البدء بالنقاش الحقيقي من أجل إزالة كل المستوطنات أو معظمها، فقط آنذاك سنفهم جميعاً ما هو حجم الثمن ـ السياسي والاقتصادي والإنساني ـ الذي دفعناه مقابل فكرة الهوس هذه [المستوطنات]".(26)
وعن جشع الاستيطان كتب عاموس عوز في يديعوت فقال: "يجب عدم تشويش الخط بين الإسرائيليين الذين يريدون العيش كشعب حر في دولة إسرائيل إلى جانب فلسطين وليس مكانها، وبين هؤلاء الذين يواصلون قمع شعب آخر واستعباده في إطار مقولة "أرض الآباء" وبغريزة جشع الاستيطان".(27)
صحيفة هآرتس نشرت مقالاً لعكيف الدار جاء فيها: "استمرار تطوير المستوطنات وشق الطرق في المناطق في ظل المسيرة السلمية تضعضع ثقة الفلسطينيين بنوايا إسرائيل في وضع حد للاحتلال".(28)
ومن ناحية أخرى كتب الوف بن المحلل الرئيس في صحيفة هآرتس يقول: "لا مناص من الحوار والحل مع الفلسطينيين".(29)
أوري أفنيري رئيس "غوش شلوم" (كتلة السلام) كتب مقالاً في معاريف بعنوان "إعصار في غابة السلام" قال فيها: "عندما يضرب إعصار الغابة، تواجه كل شجرة اختياراً. الأشجار المتفسخة تقتلع وتطير في كل اتجاه. أما الأشجار القوية، المتجذرة جيداً في أرضها، فإنها تبقى صامدة... إن إقامة المستوطنات وتوسيعها، ومصادرة الأراضي، وهدم البيوت، وبناء الطرق الالتفافية في كل أنحاء الضفة، تؤدي إلى ولادة غضب فظيع في المدن والقرى".(30)
ويضيف "إن الجدال بشأن مستقبل أرض إسرائيل لم يعد مواجهة بيننا وبين الفلسطينيين، وإنما أصبح جدالاً إسرائيلياً داخلياً".(31)
يوسي سريد زعيم حزب ميرتس علق على الاستيطان بقوله: "كان واضحاً أيضاً أن المستوطنات ستحبط في المستقبل فرصة التوصل إلى اتفاق معقول مع الفلسطينيين، ينسجم والمصالح الأمنية الحقيقية لإسرائيل".(32)
في جلسة إدارة مجلس السلام والأمن الأخيرة في الأسبوع الماضي (19/2/2002)، إذ شارك أيضاً جنرالات الاحتياط نفي شارون، وعامي أيالون، دعا أعضاء الإدارة من دون صلة بخطة الانفصال إلى مواصلة المفاوضات الفورية حتى في ظل إطلاق النار وإلى إخلاء مستوطنات على الفور".(33)
رابعاً: تكاليف الاستيطان:
كتب شامر غينوسار ويوفال كرني في صحيفة يديعوت أحرونوت(34) حول تكاليف الاستيطان في الضفة الغربية وقطاع غزة فأورد أن معظم المستوطنين يعتاش من مخصصات عامة "بحسب معطيات المكتب المركزي للإحصاء لسنة 1998، لم يعد في البلد مجموعة سكانية تعيش نسبة كبيرة من أفرادها إلى هذا الحد من مخصصات عامة، فنسبة العاملين فيما يعتبر "إدارة عامة" في يهودا والسامرة وغزة أكبر مرتين ونصف مرة مما هي عليه في أي قطاع آخر ويضيف "نحو 9000 عائلة تعتاش من الإدارة العامة" 13.9% من السكان قياساً بـ 5.5% كمتوسط لجميع السكان في إسرائيل".(35)
أما فيما يتعلق بالامتيازات فيؤكدون أن الإعفاءات في ضريبة الدخل تقدر بـ 250 مليون شيكل في السنة "تحظى أكثرية المستوطنات في المناطق المحتلة بتسهيلات وامتيازات سخية من الحكومة، بسبب إدراجها في خريطة ترتيبات الأولويات القومية إعفاء بنسبة 7% من ضريبة الدخل، رهون عقارية مدعومة مالياً، تعليم مجاني منذ عمر 3 أعوام وغيرها من الامتيازات في التعليم والسكن والصناعة والزراعة والسياحة".(36)
أما ما يتعلق بالحماية والحفاظ على الجنود فأكدوا "وقدرت تكلفة جنود حماية المستوطنات (حرس حدود ونقاط مراقبة) بـ 75 مليون شيكل في السنة وكشف عن هذا الرقم مستشار وزير الدفاع في شؤون الاستيطان، يوسي فردي، بناءً على طلب عضو الكنيست موسى راز، أثناء نقاش جرى في لجنة مراقبة الدولة في أوائل آذار 2001، أما الطرق الالتفافية والتي عملت على أمل الحيلولة دون اللقاء مع السكان الفلسطينيين أفاد الناطق باسم وزارة المالية في 4/12/2000، "أن تكلفة شق هذه الطرق تبلغ نحو مليار شيكل".(38)
أما الباصات التي تنقل المستوطنين فإن تصفيحها يكلف 13 مليون شيكل(39). تسير شركة باصات "إيغد" 40 باصاً مصفحاً على 34 خطاً. وتسير في قطاع غزة 3 باصات أخرى. وتبلغ تكلفة تصفيح الباص الواحد 320.000 شيكل. وتسير الباصات في الضفة وغزة بناءً على موافقة من الجيش الإسرائيلي، وغالباً بمواكبة سيارات عسكرية من أمامها وورائها.(40)
أما المظلمة التي تنجم عن خريطة الأولويات بين المستوطنات الغنية والتجمعات السكانية الفقيرة داخل الخط الأخضر، فنشرت حركة السلام الآن مقارنة بين المستوطنات مثل إلكاناه حيث يبلغ متوسط دخل المستوطن الشهري 17.065، وألف فيشة 14.711 شيكل، وبيت أرييه 14.228، وافرات 13.340 شيكل، وهذه امتيازات مبالغ فيها لا تحظى بها تجمعات زيادة داخل الخط الأخضر. من جهة أخرى فإن متوسط الدخل الشهري للعائلة منخفض بصورة خاصة، مثل بني براك 6983 شيكل وأور عكيف 6294 شيكل وريخسيم 6288 شيكل وتل شيفع 4137 شيكل وكفر مندا 3831 شيكل.(41)
خلاصة القول في قضية كبيرة ومعقدة للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي بشكل عام وملفاته المعقدة كالاستيطان الأمر بحاجة دائماً إلى أقلية صغيرة من المهووسين بالشيء. هؤلاء يرفعون صوتهم الشحيح، ووسائل الإعلام تتجاهلهم والسياسيون ربما يضحكون ويسخرون منهم ويسمونهم مجموعة هامشية ذات ضجيج، وربما الأحزاب والتنظيمات تعبر عن عدم رضاها وتتحفظ من هذه الشعارات الراديكالية. ولكن رويداً رويداً يبدأ الأمر بالتأثير، والمسألة تطل برأسها في المؤتمرات والاجتماعات وتحدث مناقشات، هذا يجبر قادة الأحزاب على رفع صوتهم وركوب ظهر الموجة. الأمر ينتشر بشكل واضح في معركة الانتخابات ويقوم السياسيون الراغبون في أن يعاد انتخابهم بتبني الشعارات الجديدة. الآن أنا أسمع اقتراب موجة كبيرة من الاحتجاج على المستوطنات.
الهوامش
1- المستوطنات، الجمعية الفلسطينية الأكاديمية للشؤون الدولية، آذار 2001، القدس، ص 2.
2- المصدر السابق، ص 3.
3- المصدر السابق، ص 3.
4- المصدر السابق، ص 3.
5- يديعوت أحرونوت، السبت، 10/11/2001، ص 11.
6- المصدر السابق.
7- جريدة الحياة الجديدة، ترجمة عن يديعوت، 18/2/2002، ص 13.
8- المصدر السابق.
9- المصدر السابق.
10- الحياة الجديدة، نقلاً عن يديعوت، 17/2/2002، ص 5.
11- الحياة الجديدة، نقلاً عن يديعوت، 18/2/2002، ص 12.
12- الحياة الجديدة، نقلاً عن هآرتس، 17/2/2002، ص 12.
13- الحياة الجديدة، نقلاً عن هآرتس، 18/2/2002، ص 11.
14- الحياة الجديدة، نقلاً عن معاريف، 18/2/2002، ص 11.
15- الحياة الجديدة، نقلاً عن هآرتس، 18/2/2002، ص 11.
16- المصدر السابق.
17- المصدر السابق.
18- يديعوت أحرونوت، ملحق السبت، 10/11/2000، ص 11.
19- الحياة الجديدة، نقلاً عن يديعوت، 26/10/2001، ص 10.
20- الحياة الجديدة، نقلاً عن هآرتس، 18/2/2002، ص 11.
21- المصدر السابق.
22- الحياة الجديدة، نقلاً عن هآرتس، 18/2/2002، ص 11.
23- "الاستيطان اليهودي تحت وقع انتفاضة الأقصى"، مجلة الدراسات الفلسطينية، شتاء / ربيع 2001، ص 28.
24- المصدر السابق، ص 72.
25- الحياة الجديدة، نقلاً عن معاريف، 13/11/2001، ص 11.
26- الحياة الجديدة، نقلاً عن يديعوت، 28/12/2001، ص 11.
27- الحياة الجديدة، نقلاً عن يديعوت، 7/2/2002، ص 14.
28- الحياة الجديدة، نقلاً عن هآرتس، 5/2/2002، ص 11.
29- الحياة الجديدة، نقلاً عن هآرتس، 18/2/2002، ص 11.
30- "مجلة الدراسات الفلسطينية"، نقلاً عن معاريف، 31/10/2000، ص 73.
31- المصدر السابق، ص 74.
32- www.ynet.co.il.
33- الحياة الجديدة، نقلاً عن هآرتس، ليلى جاليلي، 19/2/2002، ص 11.
34- شامر غينو ساري ويوفال كرني، يديعوت أحرونوت، 8/12/2000، ص 35-36.
35- المصدر السابق.
36- المصدر السابق، ص 36.
37- المصدر السابق، ص 39.
38- المصدر السابق، ص 32.
39- المصدر السابق، ص 33.
40- المصدر السابق، ص 34.
41- "مجلة الدراسات الفلسطينية"، شتاء/ ربيع 2001، ص 62.
http://www.sis.gov.ps/arabic/roya/18/page14.html