المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نص " الحَرفُ في المرآة " - د.شاكر مطلق



الدكتور شاكر مطلق
26/04/2008, 08:44 PM
نص " الحَرْفُ في المِرآةِ "
" مهداة إلى ابن سيده ، النَّحْوي الأندلُسيّ " (1 )
د. شاكر مطـلق

اُنظرْ إليَّ ، فيَّ ، وافهمْ .
اِقرأْ الظّلَّ المُقعّرَ
وتَـعلَّـمْ رُؤيةَ الأَبعادِ في الأشياءِ .
قليلٌ أبـيَضُكَ
كثيرٌ السّوادُ فيكَ
فلِمَ لا تَـعْبرُ
إلى شُرُفاتِ النّورِ المُصفّى
لـتكونَ إبنَ الضِّياءِ ؟ .


اللغّةُ... ماءٌ وسَرابٌ ؟
جَوْهرٌ وهَيولى ؟
ظِلٌّ في مِرآةٍ
أَمْ مرآةٌ لظِلًّ مِن دونِ شَـكلٍ ؟
وهيَ
موحىً بها أَمْ مُلهَمٌ إليها ؟...

واللغّةُ اضطرارٌ
لكنََّ القراءَةَ خِـيارٌ
فاختَرْ ما تـقْـدِرُ على فَهْـمِهِ
وقِفْ
حيثُ وقَفَ بكَ الإدراكُ
فعندها
– في بَرْزخِ المعاني –
وجَبَ التّـأمُّلُ والإمْـساكُ ...

اِحتازتْ الأشياءُ أَسماءَها
وانْمازَتْ بأجْراسِها وأصْدائِها
تَبايَـنَـتْ بطباعِها
وتَـخالَفتْ بصُورِها
ولكنّـنا لا ندري
ونَـتساءَلُ مرّةً أخرى :
هَلْ اللغةُ الحِسّيةُ
مُـتواطَأٌ عليها
أَمْ مُلْهَمٌ إليها ؟
هلْ هي تَواضُعٌ واصطلاحٌ حقاً
ولا وحْـيٌ هناكَ ، ولا توقيفٌ ؟
وهَلِ المُواضَعةُ بالإشارةِ والإيماءِ
أَمْ بالجارِحةِ ؟
وهلْ يقوم الجَوْهرُ بذلكَ
مقامَ جارحةِ ابن آدمَ
في الإشارة بها للمُواضَعةِ ؟
وماذا نَفعلُ – إذنْ – يا صاحبي
بـ "ما لا يُمكِنُ إحْضارُهُ
ولا إدناؤُه كالفاني
وحالُ اجـتماعِ الضَّدينِ
على المَـحَلِّ الواحدِ "
( سيْفانِ في غِمْدٍ لأنتَ عجيبُ ) ...
وهَلْ يَجلو – حقّاً - صُـبحُ البُرهانِ
الشَّكائكَ الجَدَليّةَ؟
لماذا – إذن – تَـستَدِلُّ
والمُحتَمَلُ غيرُ المسْتَنكَرِ
يَسقُـطُ الاستِدلالُ بهِ ؟
وبماذا تَـستَدلُّ على كيْنونَـتـِكَ
أيّها الظّـلُّ العابرُ ؟.

الأشكالُ المَرْسومةُ اختلَفـتْ
على حَدِّ اختلافِ الأصواتِ المَوْضوعةِ
وتَـبايُنِ الجِهاتِ والأقوامِ
فماذا تَستطيعُ – الآنَ –
أَنْ تَسمعَ وتَفهَمَ
أيّـها الفَهَّامةُ الأصَمُّ ؟

هَلْ تَسْمعُ حقاً أنينَ الظّلالِ
في أناشيدِ شعوبٍ اندثَرتْ وبادَتْ ؟
وهلْ تَسمعُ تراتيلَ " صَلَواتِ الطَّاعونِ " (2)
تأتيكَ من بلادِ " حـثِِّي " المَنكوبةِ ؟
ومن الأهراماتِ يَعلو ساطعاً منها
نَـشيدُ " آتونَ " (3)
يأتيكَ حتّى ليلاً
ليُنيرَ عَتْمةَ الرّوحِ والمكانِ
فهَـلاّ تَنـْظرُ وتَسمعُ ؟ .

هناكَ ...في خَرائبِ " أجاريتَ " (4)
لا يزالُ المُغنّي
يَعزِفُ على القيثارةِ
ألحانَ حبٍّ عَبَرَ
وقُدْس الأقداسِ ما زالَ يَحترِقُ
والشّاعرُ - في انخِطافٍ - يَهْذي
ويَرسُمُ الأسماءَ في الرّمادِ
لكنْ...
تَواطُـئّيةٌ هيَ الأسماءَُُ
مَقامُـها قَـبْلَ الرّسْمِ
لشـَرَفِ الحَدِّ عليهِ :
لـغةٌ ولُغونَ
كُراتٌ وكُرونَ .
وماذا عمّا يَخرُجُ على هيئةِ المَقْـلوبِ
وما هو مَقـلوبٌ
وما هو مِن ذلكَ لـغـَتانِ :
" جَـذَبَ- جَـبَـذَ
يَئـِسَ – أَيـْـسَ
رأى – راءَ ...
أينَ صارت الهَمزة ُ
بَـعْدَ التّخْفـيفِ القِـياسيِّ
والبَدَلِ السَّماعيِّ " ؟ ...

اِبحثْ في مـُعجَم روحِـكَ
- أيّها الشّاعرُ – واعْلَمْ :

" إنّ ذَواتَ الألفاظِ لا تُؤخَذُ بالقِـياسِ
ولا يُستَدَلُّ عليها بالعَـقـل ِ والإحساسِ
إنّما هي نَـغَمٌ تُـقَـدِّرُ ، وكَلِمٌ يُسمَعُ " .

فمَنْ لي بأذُنٍ تَستَمِعُ ، ولا تَسْمَعُ
وبعَقلٍ يُدرِكُ ، ولا يُدرَكُ
يَمسِكُ ولا يُمسَكُ ؟
كيفَ إذا تكلـَّمّْتُ
أكون قد لَـغََوْتُ
- أصلُها لُـغْوَةٌ -
واللـَّغْوُ هو الباطـلُ ؟ .

هي فَتْحةٌ أو ضَمَّةٌ فقط ْ
تَجـعلُ الكلامَ لَـغْواً
واللَّـغْوُ يصيرُ كلاماً
وربّما مَوْزوناً مُـقـَفّى
فماذا نفعلُ إذن باللَّغوِ
وقد عُـلِّمْنا أنْ نمرَّ بهِ كِراماً ؟
* * *
قالتْ الظّبيةُ :
( يا أَّمَّـتا ، أجِدُ عيني هَجَّانةً
وشَفـتي ذَبَّانّـةً
وأُراني حَـبْلانَـةً ) ( 5 )

مَنْ جعَـلَ عينَكِ غائرةً
وشفَـتَكِ ذابلةً صفراءَ
يا بنتَ البوادي البريئةِ ؟
كيفَ يصحُّ هذا وقد قلتِ :

"... خرجتُ ذات يومٍ بالغنَم أرْعاها
فواثَبَني غلامٌ عُـقَيْليٌّ
فما زال يَحُـذُّني وأَشْهاهُ "

فلِمَ تَعجبينَ – إذن-
يا راعيةَ خِرافِ الشَّـهَواتِ
وقد أدْرَكْتِ فصِرتِ مُعْصِراً
أوَلمْ يَقـلْ " أبو عـُبيْدٍ " :
( قدْ أَعْصَرَتْ أو قدْ دنا إعصارُها ) ؟
ولماذا خرَجتِ إلى المراعي
آنَ اشتدادِ العاصفةِ يا تَرى
ولمْ تَـكُ هناك أشـهـُرٌ حُرُمٌ
ولا كان في المراعي صِـيامٌ ؟
" أُحِلَّ لكُمْ ليلةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ ... "
ولكن اِحذروا :
" ... إلى نسائِكم . "؟ ( 6 )
فماذا أنتمْ فاعلونَ
يا طواويسَ الشَّرقِ وفحولِهِ ؟

هذا " ابنُ السِّّّّـكّيتِ " (7) يقولُ :
هُـنَّ " نِسْوةٌ حُبالى " ... أقولُ دوماً
فيُـجيبُ " ابنُ الأعرابيِّ " ( 8 ) :
بلْ " نِسْوةٌ حُبالٌ " ... أقولُ حيناً
ولكنْ بين الدائمِ والحينِ
ثمَّةَ قَـنطرةٌ للعبورِ
إلى الموتِ الصَّغـيرِ
فماذا أنتَ فاعلٌ بهِـنَّ
يا قمرَ الشّهَواتِ الأزرقِ
في ليالي الرَّغَباتِ والحنينِ ؟! ...

" المَخْزوميُّ " (9) لمْ يَتركْ القـتالَ
قـتالَهُم
( حتى علَوْا فرَسي بأشقرَ مُزبدِ ) ...

فهلْ كانَ لهُم أنْ يعلوا فرَسَهُ
لو كانَ تحتَهُ أشْـقرُ " اِبنُ الرَّيْبِ " ؟ :
( وأشْـقرَ خِنْذيذٍ يجرُّ عِـنانَه إلى الماءِ
لَمْ يتركْ له الموتُ ساقيا ) ( 10 ).
وماذا يفعَلُ الجمَّالُ الـغِلِّيمُ بالنّاقةِ
بعدَ أنْ عاشَ طويلاً
وعنه ( ذهَبَ اللّّذاذةُ والفَـتَاءُ )
ولمْ يعدْ بعدها كَرِيّاً
وأمسى حَوْقَلاً (11)
يبكي زماناً كانَ فيه
غَيْدَقاً وعُسْلُجاً ورَوْدَكاً (1 2 ) .

الحادي لا يَـزالُ يُنشدُ
للجمَّالِ التّعيسِ الغِـلِّيمِ :
( لا تنكِحَنَّ عجوزاً أو مُـطلَّقةً
ولا يَسوقَـنـَّها في حَبْلِـكَ القَدَرُ
وإنْ أتوْكَ وقالوا : إنّها نَصَـفٌ
فإنَّ أطيبَ نِصْفَـيها الذي غَبَرا ) ...

قالتْ المِرآةُ لظلِّ الشّاعرِ الواقفِ
المُتخفِّي في شكلِ الحَرفِ
اُنظرْ وافهَمْ .
اقراْ النّقشَ الأمسى مُـسَطّحاً
وتعلّمْ اللُّغاتِ البائداتِ
وقِفْ
حيثُ وقفَ بكَ الإدراكُ
فوجَبَ الإمساكُ .
ولكنّني أقولُ :
لا تَـنكِْحَنَّ حُـروفاً لسْتَ تُخصِـبُها
وإنْ يَسُوقنّـَها في حِضْـنِكَ القَـمرُ
وإنْ أتَوْكَ وقالوا : إنّها دُرَرٌ
فاغطُسْ ببحْرِكَ ، فالمَرْجانُ يَـنـتَظرُ .

اُغطُسْ - إذن – يا صاحبي
إلى مَحاركَ ولآلِـئـِكَ
وانفرْ إلى فضائِكَ الكَونيِّ .
لا تَرضَ بغيرِ غبارِ النُّجومِ
حروفاً على ألواحِكَ .
اعبُرْ نارَ التَّجرِبةِ
واقْـطِفْ الـثـَّمَرةَ المُحرَّمةَ
مِنْ شجَرةِ لـغَـتِكَ العَتيقةِ
في وادي عَبْقَرِكَ الرَّجيمِ .
لا تخَفِ الخليفةَ ذا القرنينِ
ولا سيْـفَـهُ القاطعَ البَـتَّارَ
ولا تَخْشَ قاضيَ البَصْرةِ
ذا اللِّحْـيةِ البيضاءِ
ولا كـتُـبَهُ الصّفراءَ
تحتَ الجُبَّةِ السَّوداءِ .
وإنْ كانَ الكلامُ غيرَ مُباحٍ
والنّقشُ على الحَجَرِ أو الطِّـينِ
أمسى غيرَ مُـتاحٍ
فإنَ قدَرَكَ - يا شاعري –
أنْ تظـلَّ شامِخاً وصامِداً
وإيّاكَ
إياكَ من الانهيارِ
يا خَليفةَ" شَهْـرَيارٍ"
في زمنِ الحَرْفِ الحزينِ
يرنو إليكَ مِنَ المرآةِ
ويَنتَـظرُ الخَلاصَ ...
=======================






هوامش:
1– هو " ابن سيده أبو الحسن علي ابن إسماعيل اللغوي الأندلسي الضرير في كتابه الموسوم بـ " المخصّص " وهو صاحب " المُحكَم " أيضاً .
2- صلَوات الطّاعون" للملك الحِثِّي مُورسيليس الثاني ( مُورشيلي ) – 1334 – 1306 ق.م .
3 – آتون : هو إله الشمس المصري الأوحد في زمن " إخناتون " - الفرعون " أمينو فيس الثالث – Amenophis III "( 1400- 1362 ق.م .)
4- " أجاريت " هي " أوغاريت " الأثرية في شمال الساحل السوري ، حيث وجدت فيها أوّلُ أبجدية في العالم وأقدمُ قطعة موسيقية أيضاً .
5- عن " ابن سيده " في كتابه " المخَصَّص " وهو صاحب " المُحكم " أيضاً .
6- قرآن كريم .
7-" ابن السِّكيت " : نحويٌّ معروفٌ .
8- " ابن الإعرابي : نحويٌّ معروفٌ ، وكذلك " أبو عُبيْد " .
9- " المَخْزومي " : الحارثُ بن هشامٍ بن المغيرة – أخو ( أبو جهلٍ ) - ، قالها يردُّ بها على " حمزة بن عبد المطلب " الذي عاتبه على فراره يوم
" بدر " وكان مع المشركين . أسلم يوم " الفتحِ " واستشهد يوم " اليرموك " بعد أن كان خرج – في زمن عمر – من مكة إلى الشام بأهله وماله مجاهداً.
10- هو الشاعر "مالك ابن الرّيْب " ، الخِِنْذيذُ - هنا - هو الحصانُ الفحلُ الضّخمُ.
11- الحَوْقَـل : الشيخ إذا فَـتَر عن النِّكاحِ .
12- الغَـيدق : المُـترَف - ، العُسلُج : التّام - ، الرّوْدَك : النّاعم .
==========================
حمص – سورية د.شاكر مطلق
21/2/2007 mutlak@scs-net.orgE-Mail:[/CENTER]