المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المهجرة



صبيحة شبر
01/10/2006, 09:55 PM
الـمُهَجَّرة

البرد يخنقني, يسيطر على بدني, يكتم أنفاسي, و أنا أرتجف, أرتعد, و مفاصلي تؤلمني, عظامي تئن و تتوجع, قواي تنكسر و تتبدد, الثلج يحطمني, ينخرني, يعصرني و يسطو على طاقتي, قدرتي على الاحتمال تهرب مني, جيراني شباب يضحكون للحياة و يتبادلون معها الأنخاب, امرأة في سني تبتسم لي بمودة و تفهم, تحيا حياتها حتى الثمالة, تتمتع بشبابها, ترتدي قميصا خفيفا مفتوح الصدر, تنظر إلي بإشفاق, و أنا أرتعش, أرتجف, أموت, أتضائل, تلحفت بما قدموه لي من أغطية و معاطف, و ارتديت ما أملكه من فساتين صوفية و وضعت فوقها ما أعارته جارتي من ملابس و أنا أرتجف, أتبدد, ينظرون إلي و يبتسمون, لعلهم يجدونني مخلوقة غريبة أسرفت في معاناتها و هم يعينونني على متاعبي و يخففون من شدة وطأتها على نفسي, ملأت الكيس بالماء المغلي و وضعته على بطني, و أنا أرتجف, حاولت أن أجلب شعورا بالدفء و لكن عبثا, القشعريرة مازالت تمسك بتلابيبي, إنهم يتكلمون و أنا صماء لا أفهم مما يقونه شيئا, وصلت إليهم قبل شهور أردد كلماتي على مسامعهم, يبدو أنهم يفهمون ما اعنيه لكنهم لا يستطيعون أن يردوا بلغتي
ـ البرد, هاتوا المدفأة إني أموت, أتجمد, الثلج يخنقني
يراكمون الأغطية على سريري, أياد عديدة تقترب ثم تبتعد, تمطرني أغطية و معاطف, و لكن دون جدوى, البرد أقوى من كل المحولات الجارية لإخماده.
عائلتي كانت سعيدة و متماسكة, لم يمد أحد الفراق, أرغموا على الذهاب إلى أماكن مختلفة, زوجي جاؤوا و أخذوه إلى منطقة نائية, قال إنه سيعود بعد ساعة و أنه مطالب أن يجيب على بعض الأسئلة, وعدني أنه عائد حتما, و طالت غيبته.
ـ البرد, رحماكم, البرد يقتلني, افعلوا شيئا, أنجدوني
ولدي الأكبر خرج وعدا إياي بالعودة بعد ساعة, و الساعة تكبر وتتضخم و تتضاعف وتتناسل, و الرعب يجتاحني و يمتلك قدرتي, وشل إرادتي.
ـ البرد, النجدة, سأموت.
الأغطية تتراكم, الأيدي تتحرك, أذرع عديدة تسرع, تهرع لمساعدتي, أناس غرباء عني لا أعرفهم يغيثونني, ابنتي الوحيدة ذهبت لزيارة صديقتها, طلبت منها أن لا تخرج,ثم تراجعت عن طلبي, فهل أقيد ابنتي؟ طال انتظاري لأوبتها, كلهم رحلوا و ما كانوا يريدون الرحيل.
ـ البرد, أولادي, زوجي,هاتوا الغطاء, انجدوني.
الأذرع تتحرك, الأيدي تهرول, تتسارع, تتراكم الأغطية, و أنا وحيدة, أسرتي لا أعرف عنها شيئا.
ـالبرد,أريد اخوتي, أولادي, جيراني, أصدقائي, هاتوا الدفء أنجدوني.
سارعت إلى المغادرة قبل أن يئدوني, يد كبيرة تسحب الأغطية, تمسك بيدي, تلمس جبيني, وجوه كثيرة تحيط بي ترقب حركاتي بمودة.
ـ لا شيء بك سيدتي, لا علة جسمية, أنت في صحة ممتازة
ـ البرد, أريد الدفء أرجوكم, أولادي, أصدقائي, و طني
أصدقائي كانوا كثيرين فقدوا خلال أيام, ذهبوا و لم يعودوا, وبقيت وحيدة, عيون ملؤها الشفقة تنظر إلي بتفهم.
ـ البرد, أغيثوني, لا أريد أن أموت, أحب الحياة.
جيراني يهرعون إلى نجدتي, أيديهم تسارع إلى انتشالي من بؤسي, يفقد البرد شيئا فشيئا جليديته, أرى أنني يمكن أن أقاومه, أرمي بالأغطية واحدا بعد الآخر و أقرر البداية من جديد و وأد الهزيمة في أعماقي

صبيحة شبر

حسام الدين نوالي
01/07/2007, 01:29 AM
هذا النص كتب قبل مدة، وهو نص جميل حقا على مستوى البناء، والمادة الحكائية، وتطور الدراما فيه،.. أود ابتعاثه إلى الصفحة الأولى عله يلقى ما يستحقه من التعليق والملاحظة.. أو على الأقل من أجل متعة للذين لم يقرؤوه بعد ..
وإذ قرأته أكثر من مرة، فإني لحد اليوم لم أوفق لكتابة تعليق متكامل عنه أو حوله، فقط أتساءل:
ما الذي يربطنا إلى وطن بات أضيق من صدر مسلول؟
قال شاعر:
بلاد ألفناها على كل حالة** وقد يؤلف الشيء الذي ليس بالحسنْ
وتؤلف الأرض التي لا هوى بها ** ولا ماؤها عذب ولكنها الوطنْ

ومشهور البيت الذي يقول
وما حب الديار شغفن قلبي*** ولكن حب من سكن الديار.
إن القوة هنا هي قوة الجيران والأقارب، ومن غيرها صقيع وبرد وحرمان.. ويا صبيحة خطابك وصل

ودام إبداعك الأنيق.

حسام الدين نوالي
01/07/2007, 01:29 AM
هذا النص كتب قبل مدة، وهو نص جميل حقا على مستوى البناء، والمادة الحكائية، وتطور الدراما فيه،.. أود ابتعاثه إلى الصفحة الأولى عله يلقى ما يستحقه من التعليق والملاحظة.. أو على الأقل من أجل متعة للذين لم يقرؤوه بعد ..
وإذ قرأته أكثر من مرة، فإني لحد اليوم لم أوفق لكتابة تعليق متكامل عنه أو حوله، فقط أتساءل:
ما الذي يربطنا إلى وطن بات أضيق من صدر مسلول؟
قال شاعر:
بلاد ألفناها على كل حالة** وقد يؤلف الشيء الذي ليس بالحسنْ
وتؤلف الأرض التي لا هوى بها ** ولا ماؤها عذب ولكنها الوطنْ

ومشهور البيت الذي يقول
وما حب الديار شغفن قلبي*** ولكن حب من سكن الديار.
إن القوة هنا هي قوة الجيران والأقارب، ومن غيرها صقيع وبرد وحرمان.. ويا صبيحة خطابك وصل

ودام إبداعك الأنيق.

صبيحة شبر
01/07/2007, 01:50 AM
الأخ العزيز والأديب المبدع حسام الدين نوالي
اشكرك اولا لانك قد بعثت النص الى الواجهة من جديد
بعد ان ظننت انه لم بحظ بالاهتمام والكاتب حريص على ان يقرأ
الاصحاب ما يكتبه
واشكرك ثانية لتقييمك الجميل لهذا النص الذي كتبته متضامنة مع اشخاص عديدين
قد يجدون انفسهم مهجرين الى خارج الحدود رغما عنهم
واشكرك ثالثا لانك تملك الكلمة الصادقة لتقول ما ترى انه يستحق القول
واشكرك رابعا لان ما اريد قوله قد وصل اليك

صبيحة شبر
01/07/2007, 01:50 AM
الأخ العزيز والأديب المبدع حسام الدين نوالي
اشكرك اولا لانك قد بعثت النص الى الواجهة من جديد
بعد ان ظننت انه لم بحظ بالاهتمام والكاتب حريص على ان يقرأ
الاصحاب ما يكتبه
واشكرك ثانية لتقييمك الجميل لهذا النص الذي كتبته متضامنة مع اشخاص عديدين
قد يجدون انفسهم مهجرين الى خارج الحدود رغما عنهم
واشكرك ثالثا لانك تملك الكلمة الصادقة لتقول ما ترى انه يستحق القول
واشكرك رابعا لان ما اريد قوله قد وصل اليك

مالكة عسال
01/07/2007, 02:18 AM
نص يتسم بالحركة يسيطر عليه الفعل الضارع
وأحيانا يتناغم تكراره حد لمس إيقاع
بشكل فريد :تكبر وتتضخم و تتضاعف
كتبته المبدعة بضمير المتكلم وكأنه جزء من السيرة الذاتية
تصف لحظة قشعريرة برد قارس تركب الجسد ،والمقصود بالبرد
مايجتاح الوطن من هيمنة ..لكن تخرج الكاتبة من النص
بأمل تشبثها بالحياة ،وهو رمز الحرية وعودة المياه إلى مجاريها
نص شيق أحييك

مالكة عسال
01/07/2007, 02:18 AM
نص يتسم بالحركة يسيطر عليه الفعل الضارع
وأحيانا يتناغم تكراره حد لمس إيقاع
بشكل فريد :تكبر وتتضخم و تتضاعف
كتبته المبدعة بضمير المتكلم وكأنه جزء من السيرة الذاتية
تصف لحظة قشعريرة برد قارس تركب الجسد ،والمقصود بالبرد
مايجتاح الوطن من هيمنة ..لكن تخرج الكاتبة من النص
بأمل تشبثها بالحياة ،وهو رمز الحرية وعودة المياه إلى مجاريها
نص شيق أحييك

عبد العزيز غوردو
01/07/2007, 05:49 PM
انتهى زمان كان فيه السيد "حب" يجلس قرب المدفأة... يدخن غليونه بهدوء...

وينتظر مكالمة هاتفية بصمت وحزن... وكل شيء حوله يشعره بالدفء...

تغير الزمان... وتغير المكان أيضا...

انتقل السيد "حب" من جوار المدفأة...

حمل أغراضه ودخل بها إلى الفريزر...
...................

المبدعة صبيحة شبر: لست أدري مقدار إصابة تعليقي على هذه "المهجرة"...

لكن بهذا أحسست وأنا أقرأ... وهكذا دونت ما أحسست...

عبد العزيز غوردو
01/07/2007, 05:49 PM
انتهى زمان كان فيه السيد "حب" يجلس قرب المدفأة... يدخن غليونه بهدوء...

وينتظر مكالمة هاتفية بصمت وحزن... وكل شيء حوله يشعره بالدفء...

تغير الزمان... وتغير المكان أيضا...

انتقل السيد "حب" من جوار المدفأة...

حمل أغراضه ودخل بها إلى الفريزر...
...................

المبدعة صبيحة شبر: لست أدري مقدار إصابة تعليقي على هذه "المهجرة"...

لكن بهذا أحسست وأنا أقرأ... وهكذا دونت ما أحسست...

محمد فؤاد منصور
01/07/2007, 08:34 PM
الأخت صبيحة شبر
أولا لابد من شكر الأستاذ حسام على دفعه لهذا العمل الجميل إلى الواجهة ..هاقد بدأت دعوتى تثمر حتى لاتضيع الأعمال الجميلة تحت الركام ..لغتك سيدتى شاعرية عذبة وتصويرك الموحى قد جعل الرسالة تصل من أقصر الطرق ..لاحياة لنا بعيداً عمن نحب وإلا فقدنا الدفء الذى يبقينا أحياء ..دام قلمك المبدع وتقبلى تحياتى.
دكتور/ محمد فؤاد منصور
الأسكندرية :vg:

محمد فؤاد منصور
01/07/2007, 08:34 PM
الأخت صبيحة شبر
أولا لابد من شكر الأستاذ حسام على دفعه لهذا العمل الجميل إلى الواجهة ..هاقد بدأت دعوتى تثمر حتى لاتضيع الأعمال الجميلة تحت الركام ..لغتك سيدتى شاعرية عذبة وتصويرك الموحى قد جعل الرسالة تصل من أقصر الطرق ..لاحياة لنا بعيداً عمن نحب وإلا فقدنا الدفء الذى يبقينا أحياء ..دام قلمك المبدع وتقبلى تحياتى.
دكتور/ محمد فؤاد منصور
الأسكندرية :vg:

صبيحة شبر
02/07/2007, 12:29 AM
الأخت العزبزة والأديبة المبدعة مالكة عسال
قراءة واعية للنص أبهجتني
الشكر الجزيل لك ايتها العزيزة
دمت بخير وابداع

صبيحة شبر
02/07/2007, 12:32 AM
الأخ العزيز والأديب المبدع عبد العزيز غوردو
حين كان التوحد العائلي كان الدفء مخيما على المكان
حين تفارق الاخوة والاحبة خيم برد الزمهرير
الشكر الجزيل لك
دمت بخير

صبيحة شبر
02/07/2007, 12:35 AM
الأخ العزيز والأديب القدير محمد فؤاد منصور
تسعدني دائما ملاحظاتك القيمة واهتمامك الجميل بالنصوص
لك جزيل الشكر اخي العزيز

معتصم الحارث الضوّي
02/07/2007, 12:42 AM
أبدعتِ يا سيدتي الفاضلة في وصف البرد الذي يتسلل إلى جوانحنا ليستقر مقيماً ممقوتاً ، و صوّرت كلماتكِ المتسارعة بتقنية ساحرة شعور الوحدة و الديالوج الداخلي بين الروح القانطة و النفس المتطلّعة .

دام عطاؤك الفذ

صبيحة شبر
02/07/2007, 11:45 PM
الأخ الأديب معتصم الحارث الضوي
تقييم جميل وقراءة واعية وتحليل دقيق
الشكر الجزيل لك
دمت بخير ونجاح