المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : السورة التي شيبت الرسول صلى الله عليه وسلم



سناء الشاذلي
29/04/2008, 10:28 PM
بين الورد المورود والرفد المرفود



ينتاب أحدنا الروع حين يهم بقراءة سورة (هود) عليه السلام ولا يدري لم هذه القشعريرة التي تملكه حين يقرؤها، وهذه الخيالات السابحة بما يبصره وما لا يبصره حوله مع دقات قلب تترنم عفوياً مع كل حرف من (هود) ما دعاني إلى التعمق فيها من أولها حتى آخرها مرات عديدة، وفي كل مرة أكتشف توجيهاً إلهياً يندرج متعاقباً بين الشدة واللين، الترغيب والترهيب، الإنذار والاستبشار، مع غلبة الرحمة، واللطف، والرأفة في كل توجيه. فآيات العذاب لم تخل من رحمة موجهة إلى العباد بوجوب الإلتزام بالمنهج الرباني كي ما تتحقق السعادة، وهو ما نلحظه بداية حين أحكمت الآيات من لدن حكيم خبير بعباده بألا يعبدوا إلا الله، مع الإكثار من الاستغفار الذي تزدان به العبادة شموخاً.

واعتزازاً، وتقرباً، وتخلصاً من آثام المعاصي التي تعلق بالعبادة فتقلل من نتائجها (الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير (1) ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير (2) وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى" أجل مسمى)(هود) مقدماً الإرشاد والاستغفار على التوبة لكونه وسيلة إليها ومعقباً على المتاع؛ لأن الاستغفار وسيلة إلى المتاع! وقد قيل إن التوبة من متممات الاستغفار، وهي دعوة افتتاحية على لسان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بوجوب عبادة الله مع الاستغفار والتوبة الموصلتين إلى المتاع والنعيم في الدنيا والآخرة، وهو مطلب يكاد يكون سمة وعلامة في جميع سور القرآن، فتساءلت عن السر الكامن وراء السورة في كونها من السور التي شيبت رسولنا صلى الله عليه وسلم في حديث من طريق مسروق عن أبي بكر الصديق } قال: قلت: يا رسول الله، لقد أسرع إليك الشيب فقال: "شيبتني هود، والواقعة، والمرسلات، وعم يتساءلون، وإذا الشمس كورت"، ثم حاولت الربط بين السور والربط بين أجزاء السورة ذاتها فأبصرت عجباً.

أما بالنسبة للسور فلأن جميعها ذكرت مآل الناس يوم القيامة وبالذات المعرضين عن الحق، أما عن السورة فقد حيرتني وأنا أغوص في أعماقها، أحاول مستكشفة السر في إسراع الشيب للرسول صلى الله عليه وسلم حين نزولها، فارتأيت مستعينة بالله أن غلبة الرأفة، والرحمة، والشفقة منه عليه السلام على الأمة، والخوف عليها من العذاب والهلاك الدنيوي والأخروي يكمن وراء الآيات، في قصص متنوعة لرسل عدة، كانت قد نهجت نفس المنهج الذي ابتدأته السورة على لسان نبينا عليه السلام، فهذا نوح عليه السلام ينذر قومه ولقد أرسلنا نوحا إلى" قومه إني لكم نذير مبين 25 أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم 26 مع نفس التوجيه وقال \ركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم 41 كمتلازمة ضرورية من العبادة والتنعم بالاستغفار، وها قد ختم الجزء الخاص بنوح عليه السلام بالتذكير بمآل الفريقين المنعم بالسلام، والمتألم من العذاب قيل يا نوح \هبط بسلام منا وبركات عليك وعلى" أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم 48. فهل كان هذا الجزء الخاص بنوح عليه السلام سبباً في إسراع الشيب لنبينا لخوفه على أمته أن تحذو حذو قوم نوح. وهو الرؤوف الرحيم الذي ينادي يوم الحساب "يارب أمتي.. يارب أمتي"؟!

ولننتقل الآن إلى نبي آخر ونبأ آخر لا يختلف كثيراً عما قبله وإلى" عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره(هود:50)، وهي دعوة نوح عليه السلام نفسها وبالتوجيه نفسه ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى" قوتكم.
وينتهي الأمر إلى فريقين ومآلين ولما جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا ونجيناهم من عذاب غليظ 58.
ولننتقل الآن إلى ثالث نبي في السورة يدعو للنهج نفسه، والنتيجة مذكراً أو مخوفاً سيدنا صالح عليه السلام وإلى" ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، ويا له من إحكام عجيب فيما بين الرابط بين توحيد الله والاستغفار هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب 61 والنتيجة عينها فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه، ثم وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين 67، ألا يحق لنبينا أن يسرع له الشيب وقد قصت عليه أنباء الغيب التي لم يكن يعلمها عن أمم خاف أن تكون أمته تحمل النهاية نفسها، خصوصاً إذا علمنا أن إبراهيم عليه السلام وهو النبي الرابع في السورة لم يأمر قومه بعبادة الله والاستغفار كي يكون نهج السورة واحداً، في دعوة حقة تودع في النفس معنى "الحنفية" التي جاء بها كدعوة عالمية معروفة لجميع الأمم التي يجب أن تؤمن بالحنفية السمحة فقد قال سبحانه ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى"، وهي بشرى تمتد الى أجيال عدة يحملها إسماعيل وإسحاق عليهما السلام، أما لوط عليه السلام فلتزامنه مع إبراهيم عليه السلام كان له نصيب من الدعوة الحنفية، لذا لم تذكر الآيات دعوته للعبادة والاستغفار، وبالانتقال إلى سادس نبي في السورة شعيب عليه السلام يعود الأمر مرة أخرى وإلى" مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، و واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود 90 عبادة واستغفار وتوبة، ثلاثية مهمة لأي أمة تطمع في العيش بهناء، ونفس النتيجة التي كان يترقبها رسول الله ويخاف أن تصيب أمته ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا. أما الفريق الآخر وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين 94.
أما خاتمة الرسل فموسى عليه السلام الذي ختمت به السورة عن غيره لاجتراء قومه على عبادة غير الله، واتخاذهم إلهاً غيره، فدفعوا دفعاً إلى عذاب الدنيا والآخرة، العذاب الذي ينتظر أي أمة تعبد غير الله ولقد أرسلنا موسى" بآياتنا وسلطان مبين 96 فكانت النتيجة اتباع قومه لأمر فرعون وكأنه إله للكون فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد 97، والنتيجة يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود 98 وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة بئس الرفد المرفود 99، فبين الورد والرفد خيفة تمتلك قلب خاتم الأنبياء من أن تكون إحدى الخاتمتين مآل أمته، خصوصاً وقد ختمت السورة بالبداية نفسها فاعبده وتوكل عليهفما أشفقه من نبي.