المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أحمد مطـــــر كما عرفتـــه !!!!!!!!



ناصر عبد المجيد الحريري
05/05/2008, 02:37 PM
أحمد مطـــــــر ... رؤيــة عن قرب !!!!!!

قبل أن أتعرف عليه شخصياً ، وأسعد بصداقته كنت قد قرأت له وعنه الكثير ، وتعرضت للكثير من شعره .
قبل سنوات كنت أقرأ للشاعر الأستاذ أحمد مطر نثاراً من شعره العذب ، يرصع حقول الشعر في صحف المهجر وبعض الصحف والدوريات العربية ، فكنت أحس بفيض نشوة حلوة ، وأستشعر إنشراحاً وتهويماً مع هذه الروح الوثابة القوية ، التي تعشق الحرية وتتنسم أطيافها وتتوق دائماً للسباحة في جداولها ، محتقرة السدود والحدود .
فوجئت مؤخراً وبعد معرفتي الشخصية بهذا الكبير ، يملأ يدي وأذني بأجمل ما كتب ، وقلت حقاً أن من الأحلام ما يصدق ، وإن طال به الزمن .
قليلون هم الشعراء الذين يمنحونا خلجات نفوسهم ونبضات قلوبهم وأن يرمزوا في همساتهم الشعرية الفاتنة إلى الحياة ، إنها الموهبة لا الصنعة والتكلف ، وإنه الطبع لا الحذلقة والتزلف !!.
أحمد مطر ، فنان متكامل الأداة ، موسيقي يسيطر على شعره روح الفن الذي يتفاعل مع الحياة ويناغم نجوى النفس الإنسانية في شتى مراحلها وفي أدق خطراتها وملابساتها ، وما الشعر إن لم يكن قبسات من الحياة والنفس الإنسانية إيحاءات وإيماءات منها .
إن في كل قصيدة أو " قفشة " - كما يحلو له أن يسميها – لمسة ونكهة خاصة تكشف عما يتمتع به من إحساس ناضج فياض بالعاطفة الصادقة ، وفي إحدى لحظات الصفا التي قلما أجدها عنده ، بادرني قائلاً :
التقيت بها على ضفاف دجلة ... الحر يحيطنا من كل جانب ،تقدمت إليها بخطوات وئيدة .... قائلاً لها :
ما اسمكم .... ابتسمت وقالت لي ... فاطمــــــــــــــــــه
والأصــــــــل يا ساكني من طينــــة العـــــــــــــــــــرب
بغداد مسكننا ....... والأصــــــــــــــل من حلـــــــــــب
قومي .... قد ســـــــــــــــــــــموا كالسـبعــة الشهـــب
بعدها ، وجدت حرقة كبيرة تعتصر قلب هذا الإنسان ، الذي يتحرق شوقاً لوطن تتكالبه الطائفية والاحتلال ، فأجد في إحدى قصائده النبضات الجياشة والتنغيم الحركي الرائع الذي يعبر عن ألم يمزقه كل يوم ألف مرة ، فأجده يتوجه إلى أبي تمام طالباً منه النهوض من نومه الذي طال :
السيف أصـــــدق أنباءً من الكــتب قــم من ترابك يا طائي وانتحـب
هذي البلاد أمام الأعين انتحـــــرت ذاب الزمان عليها وهي لم تذب
فكـــم أذاقـــت عـدو الدار عـلقمها وللصديق سقته الشــهد بالقربفكان أحمد مطر ، شعاع في ضوء القمر ، يمتد على الأرصفــة وفي الحواري والمقاهي . عنيد في مفردات اللغة ، وفي تركيب القصيدة لتغدو صوراً جميلة ، لكنه على الرغم من كل ذلك حزين في زرقة الليل ، حزين فكراً وسلوكاً ...
أحمد مطر ينبع من داخله ليطفو على وجه العالم ، بدءً من الوطن وانتهاءً ... بالوطن أيضاً .
من الصعب أن تبحث عن شيء متعلق بأحمد مطر قبل الجرأة في اقتحام اللغة حتى الفصد ، صريحاً حتى الخوف صادقاً وأكيداً ، ولعل الجرأة هي التي جعلت جو القصيدة عنده تلقائياً منسجماً تماماً محتوىً وتركيباً وأخيلةً .
يترك في القارئ انطباعاً مباشراً بقدرته ، إنه يباغت بشلال من الصور الغنية الجديدة ، حتى أنه ينسى مسألة الموسيقى الخارجية .
ما السبب الحقيقي الذي يجعلنا نقبل قصيدة أحمد مطر ؟ وهو الذي يعلق في كثير من قصائده مشانق بحور الشعر ويدير ظهره لها ، يتمتع بطاقة من الانفعالات الحادة باستمرار وبخيال طليق جامح ، وهو يمارس حساسيته وانفعالاته إلى أقصى حد .
فلنقرأ هذا المقطع الذي بدأه بتخيل وأنهاه بتخيل آخر :
تخيلت نفسي مقيداً بالحديد ... وطلب إلي أحدهم أن لا أكتب عن الصهاينة ، وقال سوف آخذك يا مطر إلى قاض يهودي يحاكمك ثم يصدر عنك عفواً عاماً ، فأجبته وأنا الذي حز في خاطري أن إنساناً عربياً كنت أحسبه والنصر سواء قائلاً :
عباس ... أتسألني لماذا ينزل القدر ؟
لماذا يهطل المطر ؟
لماذا العطر ينتشر ؟
عباس .. جوابي حرفه قــذر
أنا مطــر
طائر حرٌ نسيم باردٌ حررُ
أنا الموت ... وفي وجناته عطــــر
لشعبي أنا الإبـــــر
أنا الموت والصاروخ
أنا الأرض التي تعطي كما تعطى
عباس ..
فإن أطعمتها زهراً ستزدهــر
وإن أطعمتها ناراً سيحرق ثوبك الشرر

ولكن الغربة لم تكن لتؤثر في وجدان تعلق ببغداد والعروبة ، فلم تكن بغداد ولا العروبة بعيدة عن أحمد مطر لسبب بسيط هو أن بغداد بيته ونبض فؤاده والعروبة جسده الذي يحتضن كل جوارحه فكانت كل قضايا الأمة العربية حاضرة في شعره ، فلسطين ، لبنان ، والجرح الكبير الذي ينزف في خاصرة الأمة وهو العراق .
لقد كانت فلسطين حاضرة في كل خلجات قلبه ، وبين سطور قصائده وفوقها ، فيقول في فلسطين :
مرحباً يا آل جد وعمل
خطبنا خطب فلسطين جلل
يا فلسطين حمى العرب الأول
يفتديك كل صنديد بطل
قسماً لا نرتضي عنك بدل
فاسلمي للعرب سهلاً وجبل
إننا فيك عشقنا تربة تزهو زكية
مثلما فيك خلقنا نشتهي فيك المنية
بعد ترديد الأمل
ويبقى الأمل ويكبر لديه أن هذه الأمة لا بد لها أن تنهض وتنتصر بعد أن تتخلص من جلاديها الطامعين بأرضها ونفطها ومائها ويرى أن انتصار لبنان هو زلزال من السماء يهز الأرض تحت أقدام الطغاة والمغتصبين فيقول :
من هنا مروا وفي أيديهم عدد الحديد
سرقوا الأرض والنفط وتمر هارون الرشيد
وأباحوا في دياري قتل من حمل السلاح
وقتل من صلى ونادى للفلاح
يا علوج الأرض يا غلمان سام
ما الذي خبأتموه لكم في غدكم
من دس فيكم أن لبنان لها منا الطلاق
لبنان هي الأرض والنار وزلزال السماء
لبنان منصور ونصر الله
والشعوب الأفاضل
لا يا علوج الأرض لا ..
لن تأكلوا لحمي ..
فلحمي من جلود الصقر
من سم الأفاعي
ومن ذنب العقارب
لا يا علوج الأرض لا
لعن الله من يقرأ عليكم فاتحه
لعن الله من يقرأ على عملاء أرضي الفاتحه

ولكن الجرح الكبير الذي ينزف في صدر أحمد مطر هو ذاك العراق الذي تتكالبه العصابات والقتلة والمأجورين ، فينظر إلى الواقع ليجد حراً يمتشق سيفه مدافعاً عن كرامة بلد دنسها الاحتلال فلا يجد ، لأنه اعتبر أن كل السيوف قد صدئت ، فيقف لحظة عتاب مرة أخرى مع أبي تمام :
كل الســــيوف أبا تمام قد صـــــــدأت من معدن النصل حتى مقبض الذهب
علمتني كيف أسقي الشام من شـعري ولا أخاف على الأنهار من نضـــــب
واليوم لا فوقنا طـــــير ولا عصـــــب بل يهتدون إلى السقيـــــا من السحب

لكنه يبقى صاحب اليقين أن الأمــة العربية لن تلين وتستسلم ولا بد من القيامة مجدداً لتنفض عنها غبار تكدس ذلاً و استهتاراً بتاريخها وأمجادها ن ويرى أن الشام هي الدار لكل العرب التي ستبقى كما كانت دائماً قلعــة يتحطم عليها الأعداء كلما اقتربوا منها :
ما عاد في الــــــدار قط لم نروضه فالكــــل أذعن في كرسيه الخـــرب
إلا الشــآم وغير الشام ما وعـــدت تبقى بقلعــتها قبــــراً لمغـتصـــــب
فازداد حقــــداً وبالارهــــــاب لقبنا هل للقنابل فوق الشعــب من لقـــب
يحمون ترسانة في قلبنا زرعـــــت فاق التعنصـــر حــد العهر والكـلب

وتبقى بغداد الرشيد صامدة أمام الأعين التي ترقبها بنظرات الغدر ، ليمر الزمان دون أن يغير في أصالتها شيئاً لتبقى مدينة التاريخ الذي يمتد لآلاف السنين :

هذه البلاد أمام الأعين انتحــــــرت ذاب الزمان عليها وهـــــي لم تـذب
فكم أذاقـــت عــدو الدار علقـــمها وللصـــديق سقتـــه الشهــد بالقرب
أين النشامى وهل هانوا أم انقرضوا ألغوا المواثيق إرضاء لمغتصـب
بغــداد مسجــدنا والقــدس قــبلتنـــا عاشت عواصمكم يا أمــة العرب
ما كنت أحـــيا ليوم نســـــــــتباح به وما رأينا على الدشات من خرب
أو أن نرى راعــــــي الأبقار فارسنا العين تطــرقكم من سادة نجــــب
شقي الثياب أيا بغـــــــداد واحترقي فالأضحيات لعيد الشارع العربي
شقي الثياب فمـــذ هنَا بأولـــــــــها طاب الهوان وصار الوجه من حطبلكنه وفجأة يخاطبني بنبرة عتاب قوية ، أين العرب ، لماذا كل هذه الاستكانة لما يحدث في فلسطين والعراق ولبنان وفي الكثير من الدول العربية .
هل فقد العرب الأمل في الحياة أسياداً ، ليصبحوا أتباعاً للطاغوت الأكبر فيقول :
أنبيك أنَا أمـَـةٌ أمــــــــــــــــة تباع وريع نصيبها الحرمان
أنبيك أنَا أمَــة أســـــــــيادها خدم وخير فحولها خصيــان
قطع من الكذب الذليل فليـس في تاريخهم روح ولا ريحان
عرب ولكن لو نزعت قشورهم لوجدت أن اللب أمـــــــريكان

وتبق دمشق قبلته الأولى ، كما هي قبلة كل العرب والوجهة الوحيدة التي تعطي أمناً وأماناً على الرغم من كل ما يحاك ضدها من مؤامرات ، فكانت دمشق هي الملاذ الأخير لكل مضطهد زلكل مقاوم عربي شريف ، يمتشق سيف مقاومة العدو ، ليصنع نصراً لا بد أن يأتي للأمة العربية :

كل القلاع تحطــــمت إلا دمشق وما بعــــد
إلا دمشق وإن هوت فبمن يلوذ المضطهـد
جئناك من أرض العراق مشردين بلا عدد
ففتحت باب القلب حباً قبل أبواب البلــــــد
بغداد تهديك السلام وتستغيثك يا أســــــــد
قد لفها ليل بهيم كاد يفقدها الرشــــــــــــد
ليل يكاد لهوله باب الرجاء به يســــــــــد
بغداد تلك جريحة هلا تكون لها الضمــد
بغداد درة تاجكم يا آل يعرب من يـــــردويرمقني بنظرته التي أعشقها ، ويقول لي ، أتدري أن الله سيرسل إلى سوريا العظيمة المدد الذي تتمناه لمواجه أعدائها ، وكما قال قائد الوطن " سورية الله حاميها " فإنني أقول له :
صبراً سيأتيك المـــــدد وبقـــوة الله الأحــــــد
صبراً وربك لن تضام ولن نهـــون ولا نرد
صبراً فأنت المجتبى يا ليث يا شـــبل الأسـد
بشار أنت المفتدى والمهتدى والمعـتمــــــــد
بشار أنت المنتقى والملتقى والمســــتمـــــد
صبراً سيأتيك المدد
يابن الذي منح العروبة وجهها الألق الخضد
يا بن الذي حفظ العهود وصانها بل كان ســـد
يا بن الذي صان البلاد وعزها من كل يـــــد
يا بن الذي عزت به كل العروبة والبلـــــــــد
صبراً سيأتيك المدد
يا خير إرث وارث أنت المنى أنت الســــعد
أنت الذي لم يكترث باغ طغى أو مستبــــــد
أنت الذي جعل العروبة همه والمستنـــــــــد
أنت الذي عزت به كل البلاد إلى الأبــــــــد
أنت الذي هام الرجال به ارتقت أعلى عمــد
أنت الذي عشق الذرى فحباكها الله الصمـــد
أنت الذي لا تشتهي إلاك روحاً أو جســــــد
إن شاوروك فعقلهم أو سددوا كنت الأســــدويتابع كلامه ، وقد انفرجت أساريره ، وبان ضاحكه وقال ، أنا على ثقة أكيدة أن من نصر لبنان سينصر العراق والعرب ، وسيخيب أمل كل المراهنين على العدو وعملائه :
إنا بنصر الله منصورين نصراً لا يحـــــــد
بعمامة سوداء فيها من علي معتمــــــــــــد
هذه العمامة حطمت تيجانهم أباً وجــــــــد
وأبقى منتظراً موعد لقائنا المتجدد ، والذي أنتظره كل يوم على أمل أن أجد عنده كل يوم ذاك الجديد الذي أنتظره ، والذي يبعث الأمل على الحياة والقدرة على الاستمرارية في عالم مليء بالمتاعب والمصاعب .

ناصر عبد المجيد الحريري