المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خيار المرأة المبدعة في مجتمع متخلف



عبدالوهاب محمد الجبوري
07/05/2008, 03:45 PM
خيار المرأة المبدعة في مجتمع متخلف
بقلم:دريد نوايا


يقال إن أصعب خيارين يواجههما المرء في حياته هما اختيار المهنة واختيار شريك العمر، رحلاً كان أم امرأة. أنهما خياران دقيقان شديدا التعقيد إذا نظر إليهما المرء بالجدّية التي يستحقانها، وفي كثير من الأحيان يكون للأهل رأي على الأقل، إذا أحسنّا الظن، وافترضنا توفر شيء من الحرية لصاحب العلاقة، وإذا استبعدنا فرضهما عليه من قِبَل الأسرة، خاصة الأبوين.
فالطبيب يريد لابنه أو ابنته أن يكون طبيباً، ليستلم العيادة من بعده، وكذلك المهندس والصيدلاني والتاجر والمحامي وحتى الموظف، وكل المهن الأخرى، لأن الأب على وجه الخصوص، يعتبر ابنه استمراراً له. يزداد الضغط على الابن، أو الابنة، حين يكون وحيداً، فيأخذ الأمر طابع الفرض بالنسبة للأبوين، والطاعة للولد، لكي يحوز الرضا.
كم صادفنا ذلك بين أصدقائنا، على مدى ما مرّ علينا في هذا العمر! وكم شهدنا من حالات القبول، والتمرد، والمسايرة، والتهرب، والمكابرة، وافتعال الحُجج، وحتى التورّط، ربما لطمع في إحراز ثروة، أو المحافظة عليها، أو الاحتكام للعقل في ما يسمى مثلاً "زواجاً عقلانياً"، بعيداً عن القلب، أو العكس.
في مجتمع، كمجتمعنا، تلعب رغبة الأهل فيه دوراً هاماً، إذا لم نقل الدور الحاسم، قد يكون هامش الاختيار للذكر أكبر، مقارنة مع هامش الاختيار المتاح للأنثى. حتى أن الكثير من الأسر تفخر بأن البنت تنزل عند رغبة الأب، الذي أعطى كلمته، وما عليها إلا الطاعة والإذعان، بحجة أن الأهل لا يختارون إلا ما يرونه مناسباً لها.
لا نستطيع أن ننكر مدى الظلم الذي يحيق بالبنت في أغلب الأسر في مجتمعنا، حتى في الطبقات المتعلمة، لأن البنت تُربّى منذ الصغر لكي تكون زوجة وأماً، وما إن تبلغ العشرين من العمر حتى يبدأ القلق لديها، ويصبح همها وهمّ الأهل تزويجها.
أكثر ما يثير الاشمئزاز، الدعاء للبنت بـ"السترة"، وكأننا نفترض سلفاً بأنها "عار مؤجّل"، وعلينا الإسراع بـ"سترتها" في أول فرصة، متنازلين عن الكثير من الأمور الجوهرية، مستعجلين "كتب الكتاب"، مقصِّرين فترة الخطوبة، قلقين من احتمال أن يغير العريس رأيه!
كم بنت متفوقة في دراستها أخرجها أهلها بشكل مبكر من المدرسة ليزوّجوها قبل أن تدرك المسؤوليات التي تنتظرها! على اعتبار أنها خُلقت لإنجاب الأطفال وتربيتهم وإعداد الطعام، وخدمة الزوج، في الوقت الذي تُلقى على الزوج جميع المسؤوليات الاقتصادية، دون حساب لما يمكن أن يفعله الزمن، وما على البنت إلا أن تقنع بنصيبها وترضى به.
ربما كان هذا معقولاً للبعض، لكن المشكلة لا تقع – بالمعنى المأساوي - إلا مع البنت المبدعة، التي تتطلع إلى أن يكون لها شأن في هذه الحياة، فتكمل علمها، وتأخذ دورها الريادي في المجتمع، وهذا بيت القصيد من هذا الموضوع.
تبدأ القصة منذ أن تصرخ البنت صرختها الأولى حين تلدها أمها، فالبعض يقبلها على مضض، والبعض الآخر يلوم الأم لأنها لم تلدها صبياً، والبعض يعتبرها همّاً ابتلاه الله بها، والبعض، بالطبع يفرح بها. فإن وُلدت البنت في أسرة متخلفة، عاشت العمر كله مقهورة، إما راضية بما كتبه الله عليها، وإما متذمّرة. وإن كانت الأسرة متفتحة مساوية بين البنات والبنين، أخذت فرصة أكبر حتى تشب، وهنا تقف على مفترق طرق، وتتسع دائرة التدخل في شؤونها، بين ما هو حرام، وبين ما هو مسموح به، ويصبح لـ"الناس" رأي في كل تصرفاتها، ويكبر همُّها, فإما أن تتم تعليمها، وإما أن تتزوج وينتهي كل شيء. فإذا أتمت تعليمها، يصبح الخيار في أن تعمل أو تبقى في البيت تنتظر نصيبها. فإذا ظهر الفارس على الحصان الأبيض، انتقلت إلى بيت الزوجية، من سلطة الأب، إلى سلطة الزوج، وإذا عملت واستقلت اقتصادياً، إما أن تلتقي نصيبها فتتوزع بين العمل وبين البيت، وإما أن تكون لها متطلباتها التي باتت أصعب.
نوع العمل يلعب دوراً كبيراً، وكلما كانت شخصية البنت أقوى كلما صعب زواجها، لأنها ستواجه أغلبية من الرجال يريدون السيطرة، وأن يكون الرأي الأول والأخير لهم، ويشعرون بالتفوق الذكوري، حتى ولو كان هذا التفوق ظاهرياً، أساسه الذكورة وسطوتها. كلما تقدمت البنت في عملها، وكلما تألقت قلَّت فرصتها بالعثور على زوج يستطيع أن يستوعبها وطموحها، خاصة إذا شغلت عملاً جعل منها نجمة مشهورة مثلاً في عالم الأدب أو الفن أو الإعلام أو السياسة، وغيرها من المراكز ذات الشهرة.
على الأغلب سيكون أمام امرأة وصلت إلى موقع الريادة خيار صعب: إما أن تتابع صعودها، وإما أن تتنازل عنه لصالح بناء الأسرة، وممارسة الأمومة التي تشغل أعماقها.
نادرات النساء اللاتي استطعن أن يحققن النجاح في الاختيارين معاً، فإذا حظيت المرأة المبدعة بأب متفهم دفع بها إلى النجاح المهني والشحصي، أخفقت في اختيار الزوج الذي يستطيع أن يتفهمها، ويكمل معها مشوار الريادة، لأن ما يلعب الدور الأكبر هنا هو الرجل نفسه، وما يتحلّى به من الثقة بالنفس أولاً، والثقة بها ثانياً.
لذلك يكثر الطلاق بين النساء الرائدات في مختلف الأعمال والمهن، وتحتدم الخلافات، ويكثر الصراع على احتلال المواقع في الأسرة، لأن التميز يتطلب تميزاً في كل شيء، وهيهات من إحراز هذا التميز!!

عبدالوهاب محمد الجبوري
07/05/2008, 03:45 PM
خيار المرأة المبدعة في مجتمع متخلف
بقلم:دريد نوايا


يقال إن أصعب خيارين يواجههما المرء في حياته هما اختيار المهنة واختيار شريك العمر، رحلاً كان أم امرأة. أنهما خياران دقيقان شديدا التعقيد إذا نظر إليهما المرء بالجدّية التي يستحقانها، وفي كثير من الأحيان يكون للأهل رأي على الأقل، إذا أحسنّا الظن، وافترضنا توفر شيء من الحرية لصاحب العلاقة، وإذا استبعدنا فرضهما عليه من قِبَل الأسرة، خاصة الأبوين.
فالطبيب يريد لابنه أو ابنته أن يكون طبيباً، ليستلم العيادة من بعده، وكذلك المهندس والصيدلاني والتاجر والمحامي وحتى الموظف، وكل المهن الأخرى، لأن الأب على وجه الخصوص، يعتبر ابنه استمراراً له. يزداد الضغط على الابن، أو الابنة، حين يكون وحيداً، فيأخذ الأمر طابع الفرض بالنسبة للأبوين، والطاعة للولد، لكي يحوز الرضا.
كم صادفنا ذلك بين أصدقائنا، على مدى ما مرّ علينا في هذا العمر! وكم شهدنا من حالات القبول، والتمرد، والمسايرة، والتهرب، والمكابرة، وافتعال الحُجج، وحتى التورّط، ربما لطمع في إحراز ثروة، أو المحافظة عليها، أو الاحتكام للعقل في ما يسمى مثلاً "زواجاً عقلانياً"، بعيداً عن القلب، أو العكس.
في مجتمع، كمجتمعنا، تلعب رغبة الأهل فيه دوراً هاماً، إذا لم نقل الدور الحاسم، قد يكون هامش الاختيار للذكر أكبر، مقارنة مع هامش الاختيار المتاح للأنثى. حتى أن الكثير من الأسر تفخر بأن البنت تنزل عند رغبة الأب، الذي أعطى كلمته، وما عليها إلا الطاعة والإذعان، بحجة أن الأهل لا يختارون إلا ما يرونه مناسباً لها.
لا نستطيع أن ننكر مدى الظلم الذي يحيق بالبنت في أغلب الأسر في مجتمعنا، حتى في الطبقات المتعلمة، لأن البنت تُربّى منذ الصغر لكي تكون زوجة وأماً، وما إن تبلغ العشرين من العمر حتى يبدأ القلق لديها، ويصبح همها وهمّ الأهل تزويجها.
أكثر ما يثير الاشمئزاز، الدعاء للبنت بـ"السترة"، وكأننا نفترض سلفاً بأنها "عار مؤجّل"، وعلينا الإسراع بـ"سترتها" في أول فرصة، متنازلين عن الكثير من الأمور الجوهرية، مستعجلين "كتب الكتاب"، مقصِّرين فترة الخطوبة، قلقين من احتمال أن يغير العريس رأيه!
كم بنت متفوقة في دراستها أخرجها أهلها بشكل مبكر من المدرسة ليزوّجوها قبل أن تدرك المسؤوليات التي تنتظرها! على اعتبار أنها خُلقت لإنجاب الأطفال وتربيتهم وإعداد الطعام، وخدمة الزوج، في الوقت الذي تُلقى على الزوج جميع المسؤوليات الاقتصادية، دون حساب لما يمكن أن يفعله الزمن، وما على البنت إلا أن تقنع بنصيبها وترضى به.
ربما كان هذا معقولاً للبعض، لكن المشكلة لا تقع – بالمعنى المأساوي - إلا مع البنت المبدعة، التي تتطلع إلى أن يكون لها شأن في هذه الحياة، فتكمل علمها، وتأخذ دورها الريادي في المجتمع، وهذا بيت القصيد من هذا الموضوع.
تبدأ القصة منذ أن تصرخ البنت صرختها الأولى حين تلدها أمها، فالبعض يقبلها على مضض، والبعض الآخر يلوم الأم لأنها لم تلدها صبياً، والبعض يعتبرها همّاً ابتلاه الله بها، والبعض، بالطبع يفرح بها. فإن وُلدت البنت في أسرة متخلفة، عاشت العمر كله مقهورة، إما راضية بما كتبه الله عليها، وإما متذمّرة. وإن كانت الأسرة متفتحة مساوية بين البنات والبنين، أخذت فرصة أكبر حتى تشب، وهنا تقف على مفترق طرق، وتتسع دائرة التدخل في شؤونها، بين ما هو حرام، وبين ما هو مسموح به، ويصبح لـ"الناس" رأي في كل تصرفاتها، ويكبر همُّها, فإما أن تتم تعليمها، وإما أن تتزوج وينتهي كل شيء. فإذا أتمت تعليمها، يصبح الخيار في أن تعمل أو تبقى في البيت تنتظر نصيبها. فإذا ظهر الفارس على الحصان الأبيض، انتقلت إلى بيت الزوجية، من سلطة الأب، إلى سلطة الزوج، وإذا عملت واستقلت اقتصادياً، إما أن تلتقي نصيبها فتتوزع بين العمل وبين البيت، وإما أن تكون لها متطلباتها التي باتت أصعب.
نوع العمل يلعب دوراً كبيراً، وكلما كانت شخصية البنت أقوى كلما صعب زواجها، لأنها ستواجه أغلبية من الرجال يريدون السيطرة، وأن يكون الرأي الأول والأخير لهم، ويشعرون بالتفوق الذكوري، حتى ولو كان هذا التفوق ظاهرياً، أساسه الذكورة وسطوتها. كلما تقدمت البنت في عملها، وكلما تألقت قلَّت فرصتها بالعثور على زوج يستطيع أن يستوعبها وطموحها، خاصة إذا شغلت عملاً جعل منها نجمة مشهورة مثلاً في عالم الأدب أو الفن أو الإعلام أو السياسة، وغيرها من المراكز ذات الشهرة.
على الأغلب سيكون أمام امرأة وصلت إلى موقع الريادة خيار صعب: إما أن تتابع صعودها، وإما أن تتنازل عنه لصالح بناء الأسرة، وممارسة الأمومة التي تشغل أعماقها.
نادرات النساء اللاتي استطعن أن يحققن النجاح في الاختيارين معاً، فإذا حظيت المرأة المبدعة بأب متفهم دفع بها إلى النجاح المهني والشحصي، أخفقت في اختيار الزوج الذي يستطيع أن يتفهمها، ويكمل معها مشوار الريادة، لأن ما يلعب الدور الأكبر هنا هو الرجل نفسه، وما يتحلّى به من الثقة بالنفس أولاً، والثقة بها ثانياً.
لذلك يكثر الطلاق بين النساء الرائدات في مختلف الأعمال والمهن، وتحتدم الخلافات، ويكثر الصراع على احتلال المواقع في الأسرة، لأن التميز يتطلب تميزاً في كل شيء، وهيهات من إحراز هذا التميز!!