المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل بدأت مرحلة الصدام بين إيران والائتلاف الشيعي العراقي؟



غالب ياسين
07/05/2008, 09:43 PM
فاضل الربيعي

تحت سطح الأحداث العنيفة، غالباً ما يدور صراع خفي بين "الحلفاء" لا بين الخصوم وحسب. وفي حالة العراق الراهنة، حيث تختلط صور الحلفاء بالخصوم بطريقة يصعب توقعها، بحيث يتحول "صديق الأمس" بسهولة إلى "عدو اليوم"، نتيجة تعارض المصالح أو الآراء أو درجة الولاء المطلوب، فإن التفاعلات الخطيرة التي تجري تحت السطح، ستبدو أنها أكثر خطورة بالفعل من الظواهر البارزة فوق السطح.

"
التطور المحتمل للتحالفات السياسية في العراق يشير إلى بداية مرحلة من الاصطفاف السياسي قد تصبح فيها إيران في قلب مواجهة مع حلفائها لا خصومها فحسب، كما أن كل أطراف الصراع تتجه نحو إعادة ترتيب أوراقها استعدادا لهذه المرحلة
"
وقد بينت وقائع الأيام الماضية من الشد والجذب بين إيران وبعض أطراف الائتلاف الشيعي -وبشكل أخص حزب الدعوة/جناح المالكي- على خلفية المعارك الدامية في البصرة ومدينة الصدر، أن إيران تخوض صراعاً خفياً ضد بعض حلفائها، وأنها تقترب من موعد مواجهة شبه محتومة معهم، وقد تصبح على أعتاب مواجهة مكشوفة مع قوى أخرى داخل الائتلاف نفسه.

ولعل إصرار حكومة المالكي على المضي قدماً في التعاون مع الأميركيين والاعتماد المكشوف على دعمهم وحمايتهم من أجل مواصلة الحرب على الصدريين، بل وإصرارها على الاستمرار في عمليات القصف الوحشي لمنازل المدنيين في بعض المدن الشيعية، وبشكل أخص مدينة الصدر الفقيرة والمنكوبة، هو من بين إشارات كثيرة تدل على بداية مرحلة "قطيعة" متوقعة بين إيران وحلفائها.

وليس دون معنى أن يختار السفير الإيراني في بغداد في مؤتمره الصحفي مؤخرا موضوع مجالس الصحوة ليسدد بعض "اللكمات الخفيفة" لحكومة المالكي، حين شن هجوماً لاذعاً على محاولتها دمج المجالس في أجهزة الجيش والشرطة.

وقد رد عليه مستشار الأمن القومي موفق الربيعي بشكل غير مباشر وبعد أيام قليلة فقط، باتهامات نارية عن "دعم إيران للقاعدة" وأنها "تجلب الموت للعراقيين".

ولذلك يبدو خط التطور المحتمل للتحالفات السياسية في العراق وكأنه يشير إلى بداية مرحلة من الاصطفاف السياسي، قد تصبح فيها إيران في قلب مواجهة مع "حلفائها" لا خصومها وحسب. كما يبدو من جملة وقائع أخرى أن كل أطراف الصراع تتجه نحو إعادة ترتيب أوراقها استعداداً لهذه المرحلة.

ليس التيار الصدري وحده إذاً، من سيبادر إلى حسم خياراته مضطراً ومُرغماً أو راغباً، بل إن كل اللاعبين سيتجهون نتيجة هذا التطور المفاجئ في خطوط الصراع واتجاهاته إلى تسريع درجة انتقالهم إلى طور جديد من أطوار النزاع.

لكن إيران تبدو -في إطار هذا الاستعداد- من بين أكثر الأطراف إحساساً باقتراب استحقاق حسم الخيارات، وهي لهذا السبب ستبادر إلى إعادة تقييم وفحص درجة "ولاء بعض القوى الشيعية" لسياساتها، خصوصاً أن بعض هذه القوى -مثل حزب الدعوة- أخذت في الآونة الأخيرة تبدي ما يكفي من الإشارات والمواقف بأنها تستجيب لأوامر واشنطن أكثر مما تستجيب لنصائح طهران وضغوطها.

وثمة في هذا السياق الكثير من علامات عدم الرضا الإيراني عن "سياسات المالكي" مثلاً، فهو من وجهة نظر إيراني يتحول بسرعة إلى "أداة في يد الأميركيين" أكثر مما يحافظ على "دوره كوكيل محلي" نصبه الصدريون بغطاء إيراني.

كما أن معارك البصرة لم تكشف للإيرانيين درجة هشاشة حليفهم فقط، وإنما درجة اعتماده العسكري والسياسي على دعم واشنطن، وربما استعداده لاستجداء المساعدة منها بأي ثمن ولو على حساب طهران.

أما المجلس الأعلى (جماعة الحكيم) فلا يبدو أفضل حالا من منافسه حزب الدعوة، فهو يظهر كل يوم ما يكفي من الأدلة الميدانية على ضعفه المخزي أمام الصدريين، بل ويظهر كذلك درجة مخزية من الانتهازية السياسية والتملق للأميركيين.

"
هجوم السفير الإيراني على مجالس الصحوة واتهامه لها بأنها مليشيا مسلحة ليس دفاعا عن حق التيار الصدري في الاحتفاظ بسلاحه أسوة ببقية المليشيات، بل هو غضب من إعطاء مليشيا سنية معادية لطهران غطاء شرعيا يجعلها جزءا من بنية المؤسسة الأمنية
"
ولذلك قد لا يبدو التعبير الغاضب الذي استخدمه الشيخ مقتدى الصدر وهو يوجه تحذيراً أخيراً إلى حكومة المالكي بشن حرب مفتوحة في حال استمرارها في الأعمال العسكرية ضد أنصاره، مجرد تعبير غاضب ومُتفجر فرضته ظروف المواجهة العنيفة في بغداد ومدن الجنوب.

وعلى الأرجح أن التحذير الذي صدر من قم بإيران -حيث يقيم الشيخ الصدر هناك- يكتسب دلالة خاصة من جملة وقائع كانت تتشكل داخل المشهد السياسي العراقي، فهو يشير إلى أن إيران غاضبة بالفعل من "بعض حلفائها" الشيعة لأنهم أصبحوا بالكامل "أدوات في يد الشيطان الأكبر".

ويُلاحظ أن التحذير صدر في وقت كان فيه السفير الإيراني كاظمي قُمي يعقد مؤتمراً صحفياً في بغداد، يهاجم فيه علناً "مجالس الصحوة" ويتهمها بأنها مليشيا جديدة.

لقد فهم بعض المراقبين والمتابعين للشأن السياسي في العراق أن هجوم السفير الإيراني غير المسبوق على مجالس الصحوة واتهامها بأنها مليشيا مسلحة على أنه دفاع مبُطن عن حق التيار الصدري في الاحتفاظ بسلاحه أسوة ببقية المليشيات.

بيد أن المضمون الحقيقي لهذا الهجوم يتحدد في نقطة أخرى أشد حساسية من مسألة الصدريين هذه، ذلك أن إعطاء "مليشيا سنية" كارهة ومعادية لطهران، غطاء شرعيا بحيث تصبح جزءا من بنية المؤسسة الأمنية، يعد تطورا مثيرا لقلق الإيرانيين لأنه سيعني من بين ما يعنيه أن حكومة المالكي تقوم علناً بدعم جماعة مسلحة سياستها المعلنة هي "الحرب على النفوذ الإيراني"، وترى في طهران عدواً أشد خطراً من العدو الأميركي.

ثم جاء الهجوم الناري الذي قاده مستشار الأمن القومي موفق الربيعي ضد "السياسة الإيرانية" فأوضح فيه كيف أن طهران تدعم القاعدة وأنها لا تجلب للعراقيين سوى الموت، ليدعم حقيقة أن إيران قد تكون أصبحت بالفعل على أعتاب مرحلة من المواجهة مع أقرب حلفائها في الائتلاف الشيعي.

من الناحية التاريخية، كان هناك وباستمرار عداء خفيّ شبه مُستحكم بين إيران وحزب الدعوة، يعود في جذوره إلى الأيام الأولى من الثورة الخمينية، عندما فجرّ بعض قادة الثورة -استناداً إلى وثائق رسمية- فضيحة "ارتباط حزب الدعوة بالمخابرات البريطانية والسافاك"، وأن هذا الحزب لم يتأسس في العراق في خمسينيات القرن قبل الماضي إلا نتيجة تواطؤ الشاه مع البريطانيين.

لذلك سارع الخميني بحلول صيف عام 1980 إلى دعم خطة تقدم بها الحرس الثوري لتأسيس "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق بقيادة باقر الحكيم (الشقيق الأكبر لعبد العزيز الذي قتل في انفجار سيارة مُفخخة).

في هذا الوقت كان موفق الربيعي يترك صفوف حزب الدعوة ويعيد تقديم نفسه من لندن كطرف مستقل، ولكن أكثر ارتباطاً بالبريطانيين الذين سيعيدون تقديمه مع مطلع التسعينيات إلى الأميركيين بوصفه قناة الاتصال الفعالة مع الأحزاب الشيعية.

"
هذه العروبة التي يدافع عنها المالكي والربيعي ورايس في العراق هي عتاد حربي لمعركة أميركية توشك أن تندلع ضد إيران، لا أكثر ولا أقل
"
وبالفعل قاد الربيعي الاتصالات الرسمية الأولى بين الجماعات الشيعية والأميركيين في مارس/ آذار 1992 الذي توج بلقاء في واشنطن مع وزير الخارجية الأميركي الأسبق جيمس بيكر.

كان الوفد الذي التقى بيكر مؤلفاً من شخصيات معروفة من بينها: محمد بحر العلوم العضو السابق في مجلس الحكم، وعزت الشابندر النائب في البرلمان الحالي عن قائمة علاوي، ورجل الدين الراحل مصطفى جمال الدين وآخرين.

وفي هذه الاتصالات وضع الربيعي لمساته على أول وأخطر وثيقة تعاون رسمي بين القيادات الشيعية والأميركيين، جرى النص فيها على "التخلص من الجيش العراقي السني" والسماح "للشيعة بتجربة الحكم في العراق".

اليوم، ومع تصاعد نبرة العداء لسياساتهم في العراق -وهذه أخذت مؤخرا صورة نقد لاذع يصدر باستمرار عن أطراف وجماعات وعشائر شيعية- ومع استمرار وزارة الداخلية في سياسة "الكشف عن عمليات تهريب أسلحة إيرانية إلى المليشيات الشيعية".. يشعر الإيرانيون أنهم قد ينزلقون نحو صراع مكشوف ضد أقرب حلفائهم.

ولأن مثل هذا التطور يعكس بدرجة كافية من الوضوح مدى استعداد كل أطراف الصراع في العراق لإعادة ترتيب أوراقها استعداداً لمرحلة جديدة، فقد يكون من المحتمل أن إيران استشعرت مبكراً إمكانية انحياز بعض حلفائها إلى السياسة الأميركية وانتقالهم نهائياً إلى "جبهة أعداء إيران".

والمثير للسخرية أن بعض الأطراف الشيعية الحاكمة في العراق أخذت في الآونة الأخيرة تستخدم كلمات مثل الحفاظ على عروبة العراق في سياق نقدها للنفوذ الإيراني، وهو التعبير نفسه الذي استخدمته كوندوليزا رايس أثناء زيارتها لبغداد عشية اجتماع دول الجوار في الكويت، حين خاطبت المسؤولين الحكوميين بأن عليهم "الحفاظ على عروبة العراق".

هذه "العروبة" التي يدافع عنها المالكي والربيعي ورايس هي "عتاد حربي" لمعركة أميركية توشك أن تندلع ضد إيران، لا أكثر ولا أقل.
__________________
كاتب عراقي




المصدر: الجزيرة

غالب ياسين
07/05/2008, 09:43 PM
فاضل الربيعي

تحت سطح الأحداث العنيفة، غالباً ما يدور صراع خفي بين "الحلفاء" لا بين الخصوم وحسب. وفي حالة العراق الراهنة، حيث تختلط صور الحلفاء بالخصوم بطريقة يصعب توقعها، بحيث يتحول "صديق الأمس" بسهولة إلى "عدو اليوم"، نتيجة تعارض المصالح أو الآراء أو درجة الولاء المطلوب، فإن التفاعلات الخطيرة التي تجري تحت السطح، ستبدو أنها أكثر خطورة بالفعل من الظواهر البارزة فوق السطح.

"
التطور المحتمل للتحالفات السياسية في العراق يشير إلى بداية مرحلة من الاصطفاف السياسي قد تصبح فيها إيران في قلب مواجهة مع حلفائها لا خصومها فحسب، كما أن كل أطراف الصراع تتجه نحو إعادة ترتيب أوراقها استعدادا لهذه المرحلة
"
وقد بينت وقائع الأيام الماضية من الشد والجذب بين إيران وبعض أطراف الائتلاف الشيعي -وبشكل أخص حزب الدعوة/جناح المالكي- على خلفية المعارك الدامية في البصرة ومدينة الصدر، أن إيران تخوض صراعاً خفياً ضد بعض حلفائها، وأنها تقترب من موعد مواجهة شبه محتومة معهم، وقد تصبح على أعتاب مواجهة مكشوفة مع قوى أخرى داخل الائتلاف نفسه.

ولعل إصرار حكومة المالكي على المضي قدماً في التعاون مع الأميركيين والاعتماد المكشوف على دعمهم وحمايتهم من أجل مواصلة الحرب على الصدريين، بل وإصرارها على الاستمرار في عمليات القصف الوحشي لمنازل المدنيين في بعض المدن الشيعية، وبشكل أخص مدينة الصدر الفقيرة والمنكوبة، هو من بين إشارات كثيرة تدل على بداية مرحلة "قطيعة" متوقعة بين إيران وحلفائها.

وليس دون معنى أن يختار السفير الإيراني في بغداد في مؤتمره الصحفي مؤخرا موضوع مجالس الصحوة ليسدد بعض "اللكمات الخفيفة" لحكومة المالكي، حين شن هجوماً لاذعاً على محاولتها دمج المجالس في أجهزة الجيش والشرطة.

وقد رد عليه مستشار الأمن القومي موفق الربيعي بشكل غير مباشر وبعد أيام قليلة فقط، باتهامات نارية عن "دعم إيران للقاعدة" وأنها "تجلب الموت للعراقيين".

ولذلك يبدو خط التطور المحتمل للتحالفات السياسية في العراق وكأنه يشير إلى بداية مرحلة من الاصطفاف السياسي، قد تصبح فيها إيران في قلب مواجهة مع "حلفائها" لا خصومها وحسب. كما يبدو من جملة وقائع أخرى أن كل أطراف الصراع تتجه نحو إعادة ترتيب أوراقها استعداداً لهذه المرحلة.

ليس التيار الصدري وحده إذاً، من سيبادر إلى حسم خياراته مضطراً ومُرغماً أو راغباً، بل إن كل اللاعبين سيتجهون نتيجة هذا التطور المفاجئ في خطوط الصراع واتجاهاته إلى تسريع درجة انتقالهم إلى طور جديد من أطوار النزاع.

لكن إيران تبدو -في إطار هذا الاستعداد- من بين أكثر الأطراف إحساساً باقتراب استحقاق حسم الخيارات، وهي لهذا السبب ستبادر إلى إعادة تقييم وفحص درجة "ولاء بعض القوى الشيعية" لسياساتها، خصوصاً أن بعض هذه القوى -مثل حزب الدعوة- أخذت في الآونة الأخيرة تبدي ما يكفي من الإشارات والمواقف بأنها تستجيب لأوامر واشنطن أكثر مما تستجيب لنصائح طهران وضغوطها.

وثمة في هذا السياق الكثير من علامات عدم الرضا الإيراني عن "سياسات المالكي" مثلاً، فهو من وجهة نظر إيراني يتحول بسرعة إلى "أداة في يد الأميركيين" أكثر مما يحافظ على "دوره كوكيل محلي" نصبه الصدريون بغطاء إيراني.

كما أن معارك البصرة لم تكشف للإيرانيين درجة هشاشة حليفهم فقط، وإنما درجة اعتماده العسكري والسياسي على دعم واشنطن، وربما استعداده لاستجداء المساعدة منها بأي ثمن ولو على حساب طهران.

أما المجلس الأعلى (جماعة الحكيم) فلا يبدو أفضل حالا من منافسه حزب الدعوة، فهو يظهر كل يوم ما يكفي من الأدلة الميدانية على ضعفه المخزي أمام الصدريين، بل ويظهر كذلك درجة مخزية من الانتهازية السياسية والتملق للأميركيين.

"
هجوم السفير الإيراني على مجالس الصحوة واتهامه لها بأنها مليشيا مسلحة ليس دفاعا عن حق التيار الصدري في الاحتفاظ بسلاحه أسوة ببقية المليشيات، بل هو غضب من إعطاء مليشيا سنية معادية لطهران غطاء شرعيا يجعلها جزءا من بنية المؤسسة الأمنية
"
ولذلك قد لا يبدو التعبير الغاضب الذي استخدمه الشيخ مقتدى الصدر وهو يوجه تحذيراً أخيراً إلى حكومة المالكي بشن حرب مفتوحة في حال استمرارها في الأعمال العسكرية ضد أنصاره، مجرد تعبير غاضب ومُتفجر فرضته ظروف المواجهة العنيفة في بغداد ومدن الجنوب.

وعلى الأرجح أن التحذير الذي صدر من قم بإيران -حيث يقيم الشيخ الصدر هناك- يكتسب دلالة خاصة من جملة وقائع كانت تتشكل داخل المشهد السياسي العراقي، فهو يشير إلى أن إيران غاضبة بالفعل من "بعض حلفائها" الشيعة لأنهم أصبحوا بالكامل "أدوات في يد الشيطان الأكبر".

ويُلاحظ أن التحذير صدر في وقت كان فيه السفير الإيراني كاظمي قُمي يعقد مؤتمراً صحفياً في بغداد، يهاجم فيه علناً "مجالس الصحوة" ويتهمها بأنها مليشيا جديدة.

لقد فهم بعض المراقبين والمتابعين للشأن السياسي في العراق أن هجوم السفير الإيراني غير المسبوق على مجالس الصحوة واتهامها بأنها مليشيا مسلحة على أنه دفاع مبُطن عن حق التيار الصدري في الاحتفاظ بسلاحه أسوة ببقية المليشيات.

بيد أن المضمون الحقيقي لهذا الهجوم يتحدد في نقطة أخرى أشد حساسية من مسألة الصدريين هذه، ذلك أن إعطاء "مليشيا سنية" كارهة ومعادية لطهران، غطاء شرعيا بحيث تصبح جزءا من بنية المؤسسة الأمنية، يعد تطورا مثيرا لقلق الإيرانيين لأنه سيعني من بين ما يعنيه أن حكومة المالكي تقوم علناً بدعم جماعة مسلحة سياستها المعلنة هي "الحرب على النفوذ الإيراني"، وترى في طهران عدواً أشد خطراً من العدو الأميركي.

ثم جاء الهجوم الناري الذي قاده مستشار الأمن القومي موفق الربيعي ضد "السياسة الإيرانية" فأوضح فيه كيف أن طهران تدعم القاعدة وأنها لا تجلب للعراقيين سوى الموت، ليدعم حقيقة أن إيران قد تكون أصبحت بالفعل على أعتاب مرحلة من المواجهة مع أقرب حلفائها في الائتلاف الشيعي.

من الناحية التاريخية، كان هناك وباستمرار عداء خفيّ شبه مُستحكم بين إيران وحزب الدعوة، يعود في جذوره إلى الأيام الأولى من الثورة الخمينية، عندما فجرّ بعض قادة الثورة -استناداً إلى وثائق رسمية- فضيحة "ارتباط حزب الدعوة بالمخابرات البريطانية والسافاك"، وأن هذا الحزب لم يتأسس في العراق في خمسينيات القرن قبل الماضي إلا نتيجة تواطؤ الشاه مع البريطانيين.

لذلك سارع الخميني بحلول صيف عام 1980 إلى دعم خطة تقدم بها الحرس الثوري لتأسيس "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق بقيادة باقر الحكيم (الشقيق الأكبر لعبد العزيز الذي قتل في انفجار سيارة مُفخخة).

في هذا الوقت كان موفق الربيعي يترك صفوف حزب الدعوة ويعيد تقديم نفسه من لندن كطرف مستقل، ولكن أكثر ارتباطاً بالبريطانيين الذين سيعيدون تقديمه مع مطلع التسعينيات إلى الأميركيين بوصفه قناة الاتصال الفعالة مع الأحزاب الشيعية.

"
هذه العروبة التي يدافع عنها المالكي والربيعي ورايس في العراق هي عتاد حربي لمعركة أميركية توشك أن تندلع ضد إيران، لا أكثر ولا أقل
"
وبالفعل قاد الربيعي الاتصالات الرسمية الأولى بين الجماعات الشيعية والأميركيين في مارس/ آذار 1992 الذي توج بلقاء في واشنطن مع وزير الخارجية الأميركي الأسبق جيمس بيكر.

كان الوفد الذي التقى بيكر مؤلفاً من شخصيات معروفة من بينها: محمد بحر العلوم العضو السابق في مجلس الحكم، وعزت الشابندر النائب في البرلمان الحالي عن قائمة علاوي، ورجل الدين الراحل مصطفى جمال الدين وآخرين.

وفي هذه الاتصالات وضع الربيعي لمساته على أول وأخطر وثيقة تعاون رسمي بين القيادات الشيعية والأميركيين، جرى النص فيها على "التخلص من الجيش العراقي السني" والسماح "للشيعة بتجربة الحكم في العراق".

اليوم، ومع تصاعد نبرة العداء لسياساتهم في العراق -وهذه أخذت مؤخرا صورة نقد لاذع يصدر باستمرار عن أطراف وجماعات وعشائر شيعية- ومع استمرار وزارة الداخلية في سياسة "الكشف عن عمليات تهريب أسلحة إيرانية إلى المليشيات الشيعية".. يشعر الإيرانيون أنهم قد ينزلقون نحو صراع مكشوف ضد أقرب حلفائهم.

ولأن مثل هذا التطور يعكس بدرجة كافية من الوضوح مدى استعداد كل أطراف الصراع في العراق لإعادة ترتيب أوراقها استعداداً لمرحلة جديدة، فقد يكون من المحتمل أن إيران استشعرت مبكراً إمكانية انحياز بعض حلفائها إلى السياسة الأميركية وانتقالهم نهائياً إلى "جبهة أعداء إيران".

والمثير للسخرية أن بعض الأطراف الشيعية الحاكمة في العراق أخذت في الآونة الأخيرة تستخدم كلمات مثل الحفاظ على عروبة العراق في سياق نقدها للنفوذ الإيراني، وهو التعبير نفسه الذي استخدمته كوندوليزا رايس أثناء زيارتها لبغداد عشية اجتماع دول الجوار في الكويت، حين خاطبت المسؤولين الحكوميين بأن عليهم "الحفاظ على عروبة العراق".

هذه "العروبة" التي يدافع عنها المالكي والربيعي ورايس هي "عتاد حربي" لمعركة أميركية توشك أن تندلع ضد إيران، لا أكثر ولا أقل.
__________________
كاتب عراقي




المصدر: الجزيرة