المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الكتابة عن الرجال بمنطق الاختزال



ابراهيم عثمان
10/05/2008, 01:54 AM
الكتابة عن الرجال بمنطق الاختزال
بقلم: ابراهيم عثمان
لست أدري من أين استعار محمد عباس هذا المنطق الذي صاغ به مقالته المنشورة في جريدة الشروق اليومي الصادرة يوم 05.09.28 تحت عنوان:المصالحة..أن يعترف الشيخ عباسي مدني بمسؤوليته"
هذه المقالة التي سرد فيها سيرة عباسي مدني النضالية والعلمية ، ليحمله في النهاية وزرا قد لا يكون له فيه ضلعا باستثناء أفكاره التي ضمنها في كتابه "أزمة الفكر الحديث ومبررات الحل الاسلامي" والتي أقامت عليها الجبهة الاسلامية للانقاذ صرحها النضالي والسياسي..وهو ما أشار اليه الدكتور أحمد البرقاوي أستاذ كرسي الفلسفة في جامعة دمشق اذ وصفه بالمفكر الذي تجاوز فكر سيد قطب وغيره.
وربما هذا هو العيب الذي وقع فيه الاستاذ محمد عباس بتجاهله لقيمة الرجل الفكرية التي تفوق قيمته الاكاديمية التي حصرها في مجرد حصوله على درجة الدكتوراه من احدى جامعات لندن بقوله:"واصل الاستاذ دراسته بلندن بعد ذلك ليعود الينا دكتورا".
وهي الخلفية التي أراد محمد عباس أن يستغلها ليدلل من خلالها على أخطاء الرجل السياسية ، ومن ثم تحميله وحده مسؤولية ما حدث في تسعينيات القرن الماضي، محاولا أن يجد لنفسه مخرجا في فتح بعض النوافذ التاريخية التي فتحها في ملف ثورة التحرير التي كان الرجل واحدا من أبطالها دون أن يمكنا من فهم العلاقة الجدلية التي جعلت الرجل يسئ استقراء التاريخ، وهو الذي قام باستقراء التاريخ التربوي على ضوء المنهج الاسلامي في كتابه "مشكلات تربوية في البلاد الاسلامية ".
وأظن أن مفكرا استطاع أن يقيم بين مدارس ومذاهب علم النفس والتربية قارئا ومستقرئا ودارسا ومدرسا قد لا تكون له القدرة الكافية على استنتاج أخطاء الماضي وعثرات الحاضر، لكي ينطلق في بتاء أنساقه الفكرية ومشاريعه السياسية لهو استنتاج لقراءة متسرعة لتاريخ الرجل الفكري والسياسي ، ولتاريخ الثورة الجزائرية وكيفية الاستفادة منه عند اسقاطه على محطات تاريخية معينة ، مثلما أخطأنا في السابق في حق مالك بن نبي عندما تجاهلناه وهمشناه لسنوات طويلة؛ وهو المفكر الذي نهض فكره بماليزيا، ونفس الشئ فعلناه بشاعر الثورة عندما قاطعناه وتركناه يموت غريبا ويدفن دون نعي رسمي وهو الذي كتب نشيد الجزائر بدمه على جدران زنزانته باستثناء ذلك الخبر الباهت الذي نشرته جريدة الشعب في جملتين اذا لم تخني الذاكرة:"توفي الشاعر مفدي زكرياء بتونس ونقل جثمانه الى مسقط رأسه "، ونفس الشئ فعلناه مع مصالي الحاج الذي خوناه ونفيناه من تاريخنا الوطني لمجرد اختلافه مع رفاقه في الاراء والافكار.
لذلك فاني أرى وليعذرني الاستاذ محمد عباس أن أقول له بكل تواضع الانسان المتواضع إن استنتاجاته قد أهملت جانبا مهما في حياة الرجل وهو فكره الذي أقامه على رؤية تسعى نحو انقاذ الانسان والانسانية ..هذه الرؤية التي حشد لها جميع الادوات المعرفية التي مكنته من فحص ونقد الكثير من المذاهب الفلسفية والتربوية والايديولوجية بقوله:"إن الفكر الحديث يعاني من أزمة إيديولوجية أو عقائدية حادة ، اذ كيف يعقل أن تدعي ذلك في وقت يزهو فيه الفكر العلمي والفن التكنولوجي، ويزيد تلامذة المستشرقين قائلين: ما علاقة أزمة الفكر الحديث بالحل الاسلامي؟، لان الاسلام في رأيهم دين انتهى أمره في الماضي وانتهى عهد أمته ذلكم العهدالذي لن يعود أبدا".
كيف يعقل أن يكون رجلا بهذا المستوى من العلم والمعرفة غير قادر على استخلاص الدروس، وهو الذي درس الفكر الانساني وتمكن منه عندما نقده في أكثر من موضع مبينا مثالبه حتى وان كان نقده هذا في عرف النقد لايصمد أمام النقد أيضا..وهذا هو شأن الدين والسياسة والفكر منذ أن خلق الانسان وبدأ يفكر ويتأمل ويبتهل.
تلك هي بينة الاستاذ محمد عباس التي حصرها في سوء الاستقراء وفي عدم قدرة الرجل على استخلاص الدروس والعبر من تجربته النضالية في حركة انتصار الحريات الديمقراطية و..هذه الحجج التي أعطت له الحق كل الحق بأن يدين الرجل ، ويسكت عما اقترفناه نحن كمثقفين من جرائم في حق هذا الوطن وشهدائه الذين ضحوا بدمائهم لكي أعيش أنا وأنت وهو في تكافل وحرية وديمقراطية..وهذا مرة بسكوتنا المطبق على ما يمارس من سياسات ظلت تسير هذا البلد بشوفينية لا تصلح الا لتفريخ البيروقراطية واعداد المواطنين لممارسة العنف وتقبله..ومرة بتواطئنا مع تلك الايديولوجيات المتطرفة التي ظلت تعمل بشتى الاساليب والحيل من أجل سلخ الجزائر عن جلدها الذي يحميها من الحر والقر.. ومرة بالوقوف في وجه ارادة الشعب بحجة أن هذا الشعب قاصر وعاجز عن الفهم والتفكير، وهو في حاجة الى من يفكر وبحس ويعبر نيابة عنه..ومرة بايقاف المسار الانتخابي بحجة الخوف على الجزائر من الجزائريين أنفسهم، ولحماية الديمقراطية من الذين فازوا عبر صناديق الاقتراع بأغلب الاصوات والمقاعد البرلمانية.
تلك هي جرائمنا التي ستظل تحاصرنا وتغذي أحقادنا وأحقاد أحفادنا جيلا بعد جيل اذا لم نتصالح فيما بيننا اليوم قبل الغد.
ولسنا في هذه الجزئية أحسن من غيرنا ممن عصفت ببلدانهم رياح الفتن والحروب. ولست هنا لادافع عن هذا الرجل أو أسعى جاهدا لتبرئة ساحته من ذنوب اقترفها في حق هذا الشعب العظيم، وانما فقط لكي أقول للناس بأن الرجل في هذه الجزئية التي اتهمه فيها محمد عباس بعدم القدرة على استخلاص النتائج والعبر من تجربته النضالية الى جانب التسرع قد عالجها بفكر ثاقب في كتابه "أزمة الفكر الحديث و.."
عندما كتب قائلا:"بيد أننا نأسف شديد الاسف لهؤلاء الذين نصبوا أنفسهم علماء وخولوها حق التكلم علن لسان الانسانية، ويطرحون اسئلة على الدين والفكر والعلم دون أن يتقيدوا بشريعة الدين ومنطقية الفكر ومنهجية العلم، فغدت آراؤهم أهون ما تكون عليه الاراء الشخصية في عمومياتها وتناقضها وذاتيتها".
إن مطالبة أي شخص بالاعتراف بمسؤولياته لم يعد من حق الافراد كيفما كانت مسؤولياتهم ما دام الشعب قد استدعى وبصفة نهائية لكي يقول كلمته في المصالحة وذلك يوم 05.09.29 .واذا ما سمحنا لانفسنا بأن نفعل ذلك بصفتنا الفردية فاننا نكون فد عدنا من جديد وبخطوات غير مسبوقة الى سنوات الموت والاختطاف ، والى الكثير من تلك الملفات التي لفها النسيان..وما أكثر هذه الملفات التي تحمل بين طياتها ملفات عن الانقلابات والاغتيالات وأخرى عن الاختلاسات والتزوير و.
وأظن أن الاستاذ محمد عباس يدرك جيدا بأنه ليس في حاجة الى رجل مثلي همشه اتحاد عز الدين ميهوبي وجماعته ، لكي يذكره بهذه الملفات التي أثقلت كاهل التاريخ بطابوهاتها، ومع ذلك فان الحكمة تقضي بأن لا نجازف بهذا الوطن الجميل الذي يتسع لجميع المواطنين على اختلاف مذاهبهم وأفكارهم، والا أي معنى سيكون للديمقراطية أو المصالحة، اذا طالبنا عباسي مدني بأن يعترف بذنوبه وسكتنا عمن شاركوه في اقتراف نفس الذنوب؟!.
إن المصلحة العامة كما يعرفها أحد المفكرين :"هي ما قد يختاره الناس اذا حسن بصرهم، واتزن فكرهم، وتصرفوا ابتغاء وجه الخير العام".والجزائر ما زالت تملك ثلة من هؤلاء الرجال والا لما كان الوئام والمصالحة..والحديث نيشان .

ملاحظة: هذا الرد لم تنشره جريدة الشروق في حينه الشئ الذي جعلني أدفع به الى واتا الحضارية.