المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المشروع الصهيوني في فلسطين التسويات والحلول، المقاومة والانتفاضة



عبدالوهاب محمد الجبوري
11/05/2008, 06:14 PM
المشروع الصهيوني في فلسطين التسويات والحلول، المقاومة والانتفاضة

منير شفيق*



يقول الله تعالى:

(وان قوتلتم لننصرنكم، والله يشهد انكم لكاذبون) (الحشر: 11)

(مالكم لا تناصرون) (الصافات: 25)

(يا أيها الذين آمنوا ان تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم) (محمد: 7)



طبيعة المشروع الصهيوني

أ ـ حمل المشروع الصهيوني في غزو فلسطين ضمن اطار الاستراتيجية الاستعمارية البريطانية هدف الاستيلاء على الارض واقتلاع شعبها والحلول مكانه. الامر الذي جعله يحدد طبيعة الصراع على أرض فلسطين باعتباره صراع وجود وليس صراع حدود، وليس صراعاً سياسياً او اقتصادياً حول طبيعة النظام، أيكون رأسمالياً ام يكون ديمقراطياً او ديكتاتورياً او غيره وليس صراعاً ضد نظام أبارتايد كما كان الحال في جنوبي أفريقيا.

وهذا ما نفذ فعلا بدعم مباشر من الانتداب البريطاني الذي فتح له ابواب الهجرة وحماها بالقوة ومكن لها بتسليحها وبنا قواتها المسلحة. ولم يغادر الانتداب البريطاني فلسطين الا بعد استصدار قرار التقسيم رقم 181 لكي يستند اليه المشروع الصهيوني بإعلان دولته، وقد تأكد أنه يمتلك من القوة العسكرية ما يسمح له بأن يحتل القسم الاعظم منها ويقتلع غالبية شعبها ويهجرهم بالعنف، وما يسمح له بان يهزم (الجيوش) العربية التي دخلت لانقاذ ما يمكن إنقاذه. فلكي يكون بالإمكان ان يبتلع العرب والمسلمين ضياع الجزء الاكبر من فلسطين وقيام الكيان الصهيوني كان من الضروري استبقاء القدس الشرقية وما عرف بالضفة الغربية وقطاع غزة.

ب ـ اما الطبيعة الثانية للمشروع الصهيوني والتي حددتها الاستراتيجية الاستعمارية في أن تقوم قاعدة عسكرية تمسك بخناق مصر وقناة السويس وتقف سداً بين المغرب العربي والمشرق العربي. وقد تحولت الدولة العبرية، من خلال المشروع الصهيوني أيديولوجياً وسياسياً واهدافاً خاصةً واندماجاً بالاستراتيجية الاستعمارية البريطانية ـ الغربية ثم الامريكية الغربية، وبعد ما اصابته من قوة عسكرية وتطور تقني، وبعد ما حل بالوضع العربي من ضعف إثر حرب الخليج الثانية الى دولة هيمنة تحمل استراتيجية فرض (سلامها) على المنطقة العربية لتعيد رسم خريطتها وتعمل على صهينتها.



التسويات 1917 ـ 1947

أ ـ يشيع البعض انه كان بالامكان التوصل الى التفاهم لو كانت القيادة الفلسطينية او قيادات الدول العربية مرنة وقبالة للمساومة ما بين 1917 و1947 ومن ثم كان بالإمكان التعايش للحيلولة دون الوصول الى إقامة الدولة العبرية، او كان بالامكان القبول بالتقسيم وتجنيب ما حدث من تهجير وتهويد وتوسيع للدولة العبرية.

في الحقيقة، تكذب الوقائع التاريخية هذا الرأي. فالقيادة الفلسطينية لم تترك مناسبة للتفاهم او المهادنة او المساومة الا أخذت بها. ولعل من ابرز امثلة ذلك الموقف من مذكرة ملز والموافقة على إقامة حكم وطني برلماني. وقد رحب المندوب السامي بهذه الايجابية ولكن وزارة المستعمرات البريطانية رفضت المذكرة تحت ضغط الحركة الصهيونية، وثمة مثال آخر من بين أمثلة كثيرة، وهو موافقة الحاج امين الحسيني على مشروع س. ج فيلبي في أكتوبر 1929مع تعديلات طفيفة تطالب بقيام جمهورية ديمقراطية في فلسطين. وقد قبل حتى باستمرار الهجرة، ضمن طاقة البلد الاقتصادية. ولكن بريطانيا عادت وتراجعت عن مشروع فيلبي تحت ضغوط الصهيونية. ثم أصدرت الحكومة البريطانية في تشرين الاول/ أكتوبر 1930 (الكتاب الابيض) الذي ووفق عليه من قبل القيادة الفلسطينية. فاستقال وايزمن رئيس الوكالة اليهودية وعمت تظاهرات اليهود مختلف مدن أوروبا وأمريكا في يوم واحد. فتراجعه بريطانيا مرة اخرى>[1]>.

بكلمة، طوال المرحلة الممتدة من 1917 ـ 1947 كان موقف القيادة الفلسطينية، واكثر مها العربية، مرناً جداً ومتعاوناً الى أقصى الحدود مع بريطانيا. وكان مطلبها الدائم اقامة حكومة ديمقراطية لكل فلسطيني مع القبول بالامر الواقع الذي قام نتاج الهجرة. واذا كان هنالك من نقد فيجب ان يتجه ضد تلك المرونة وذلك التعاون لانهما ميعا المقاومة ولم يكونا مجديين. فالمشروع الصهيوني كان قد حدد هدفه وهو واثق من الدعم والحماية الخارجيين، ومن ثم ما كان للمرونة والأريحية وحسن الاخلاق ان يقنعاه بقبول أي حل، في حينه، ما دام يستطيع ان يحقق اكثر فأكثر، بل كان كل تراجع يشجعه على المضي قدماً نحو الهدف، وبأقل ما يمكن من المخاسر مادام تمييع المقاومة واضعافها مصاحبين للمرونة وتقديم التنازلات. وهذا ليس رأياً وانما هو ما جرى على أرض الواقع الذي لامراء فيه.

ب ـ لم يكن الموقف الصهيوني يختلف لابنسبة الى قرار التقسيم رقم 181 لعام 1947. فالبعض يظن ان القرار كان سيطبق لو وافقت عليه القيادة الفلسطينية والجامعة العربية. وهو وهم كبير يقع تحت تأثير الدعاية الصهيونية او من اجل الترويج للدخول في التسوية لئلا (تضيع الفرصة) كما ضاعت عام 1947.

من يلقي نظرة الى خريطة التقسيم سيجدها فورا غير قابلة للتطبيق مطلقاً بسبب تداخل المناطق والسكان، وسجد ان القيادة الصهيونية لا تستطيع معها أن تقيم دولتها وهي أول من سينسفها على أرض الواقع فهنالك اغلبية عربية حتى في المناطق التي خصصت للدولة العبرية. وكان بريطانيا تعلم علم اليقين ان قرار التقسيم غير قابل للتطبيق. ولكنها أرادت منه ان يعطي (شرعية) دولية او يشكل سنداً لاعلام قيام دولة اسرائيل ليس أكثر. ومن ثم يعاد رسم الخريطة وفقاً لميزان القوى على الأرض.

ولم يكن هذا الامر بخاف على الفلسطينيين والعرب وهو أن المطلوب منهم ان يوافقوا عليه. أي ان يعطوا شرعية لقيام الدولة العبرية وبعد ذلك سيندلع القتال لا محالة. فجيش الهاغانا اصبح جاهز التسليح والتدريب والتنظيم والمستعمرات تحولت الى قلاع عسكرية ولهذا كان سيهتبل اول فرصة، ان لم يفتعلها هو، لاشعال القتال وبدء التطهير العرقي الذي لا غنى له عنه.

اذا اخذت الحقائق التالية في الاعتبار:

> 1) >ـ ان القوات العسكرية الضاربة المتحركة للهاغانا تكاد تكون عشرة اضعاف الجيوش العربية التي دخلت الى فلسطين. فقد كانت 63 ألفا بينما الجيوش العربية 23 الفاً، فإذا خصمت من هذه الاخيرة قوات الخدمات المختلفة يتبقى حوالي ستة آلاف قوات ضاربة متحركة. فالنتيجة عشرة الى واحد واذا تشكك احد في الارقام فليعتبرها خمسة الى واحد ثم ليضف التفوق في السلاح ونوعيته والامداد المستمر مع دخول الدعم العسكري السوفياتي (التشيكي) كذلك. ثم ليؤخذ في الاعتبار هزال تسلح المجاهدين الفلسطينيين. فقد كان يحكم على من يمتلك مسدسا منهم بالاعدام حتى أيار (مايو) 1948 الى انتهاء الانتداب.

> 2 >ـ الوضع العربي المجزأ والمتحكم فيه عموما من قبل بريطانيا. لا يشكل تهديدا يحسب له حساب بالنسبة الى قيام الدولة العبرية لا في مجال السياسة ولا في المجال العسكري.

> 3) >ـ الدول الكبرى كلها تقف الى جانب الطرف الاسرائيلي سياسيا ومعنويا وماديا وعسكريا.

> 4) >ـ المشروع الصهيوني يريد إقامة دولة يهودية خالصة وبإمكانه ان يفعل ذلك ضمن المعطيات الثلاثة أعلاه فكيف يمكن ان ينفذ قرار التقسيم؟

هنا يظهر الوهم في المقولة التي تدعي ان قرار التقسيم كان سيطبق ووافق عليه الفلسطينيون والعرب أو ان الموافقة كانت ستحرج الدولة العبرية عالميا وعند من؟ اعند بريطانيا وامريكا وفرنسا والاتحاد السوفياتي واوروبا؟ ومن ثم فان الموافقة ما كانت لتفعل غير إعطاء شرعية للدولة العبرية من قبل الفلسطينيين والعرب، وبالمجان بل مع الكارثة كذلك.

وبالمناسبة لم يصد تصريح رسمي اسرائيلي واحد حتى يومنا هذا أعلن موافقته على قرار التقسيم بل ان النص الذي أعلنت من خلاله الدولة استند الى ان هيئة الامم المتحدة اعترفت بحق اسرائيل بأقامة دولتها. أي اخذ نصف القرار او ما له علاقة به ولم يعترف بالقرار كل>[2]> اما في المشروع الذي قدمته الدولة الاسرائيلية الى لجنة التوفيق مايو 1949 فجاء فيه:

(1 ـ تعتبر الحدود الدولية لفلسطين ايام الانتداب البريطاني حدودا طبيعية لدولة اسرائيل،

2 ـ تكون المنطقة الوسطى لفلسطين (الضفة الغربية) استثناء مؤقتاً تحت السلطة العسكرية الاردنية الى حين التسوية النهائية،

3 ـ بحث قضية اللاجئين الفلسطينيين ووفق هذه الشروط ومع التسوية النهائية التي يجب ان تتم مع كل دولة عربية على انفراد)> [3]>.

ومن هنا يظهر بوضوح ان طريق المساومة او التفاهم او التنازلات كان مسدودا تماما من جانب المشروع الصهيوني. وان كل خطوة بهذا الاتجاه شكلت تنازلا مجانيا من قبل الفلسطينيين والعرب ومن دون ان تغير شيئا في تصميمه على تحقيق أهدافه، او في تغيير مواقف الغرب منه، وبلا أي كسب ملموس للرأي العام الغربي او الاسرائيلي. سيما عدم الاعتراف بقرار التقسيم وعقد معاهدة بين الدولتين ابقى الدولة العبرية غير شرعية من وجهة نظر القانون الدولي حتى يومنا هذا>[4]>.

النص الوارد في اعلان الدولة، وبالحرف الواحد: (أقرت الجمعية العامة للامم المتحدة في التاسع والعشرين من نوفمبر 1947 مشروعا يدعو الى اقامة دولة أرض اسرائيل. وطالبت الجمعية العامة سكان ارض اسرائيل باتخاذ الخطوات اللازمة من جانبهم لتنفيذ ذلك القرار. ان اعتراف الامم المتحدة هذا بحق الشعب اليهودي في إقامة دولة هو اعتراف يتعذر الرجوع عنه او الغاءه)> [5]> لاحظ ليس ثمة ذكر لفلسطين او لاسم القرار، ناهيك عن الاعتراف به.



الغدة السرطانية

ويؤكد ما تقدم ان الموقف العربي الرسمي الذي راح يطالب منذ 1950 الى 1967 بتطبيق قرارات هيئة الامم المتحدة كان مرفوضا تماما من جانب الدولة العبرية. ويكفي ان نلحظ ما مر اعلاه بأنها لم تعترف بالضفة الغربية جزءا من الاردن واعتبرت الوجود الاردني استثناء ومؤقتا. اما المواقف من القرارين 242 و338 فمعروف اذ لم توافق عليهما الدولة العبرية وجاء اتفاق اوسلو الى مفاوضات كامب يفيد 2 ليكشفا عن اطماع بالاستيلاء حتى على ارض الحرم القدسي الشريف وابقاء كل فلسطين تحت سيطرتها حدودا ومياها واجواء وأرضا، فقد اعتبرت ان انسحابها من المدن بموجب اتفاق اوسلو وما تلاه من اتفاق مجرد (اعادة انتشار) وليس انسحابا فضلا عن رفضها لحق العودة، وسعيها مقابل (تنازل) عن اراض عربية احتلتها عام 1967 الى اقامة شرق أوسط تحت هيمنتها (مشروع بيريز). أي اننا اليوم في مواجهة مشروع صهيوني يتعدى إقامة دولة يهودية في فلسطين، ويتعدى القيام بمهمات عسكرية في مصلحة الاستراتيجية الغربية، الى السعي للهيمنة على المنطقة كلها واعادة رسم خرائطها وأخضاعها للتغلغل والنفوذ الصهيونيين بما في ذلك تغيير هويتها. الامر الذي يؤكد مقولة الامام الخميني رحمه الله بوصف الدولة العبرية بالغدة السرطانية أي انها اكثر من دولة اغتصب فلسطين واكثر من قاعدة عسكرية ضمن الاستراتيجية الامبريالية الغربية، فهي سرطان يريد الانتشار في الجسم العربي والاسلامي كله. وهذا ما ظهر خلال التسعينيات من القرن الماضي بعد اطلاق ما سمي بعملية التسوية السلمية اكثر مما كان ظاهرا قبل ذلك من خلال حالة الحرب، او حالة لا حرب ولا سلم بمشروع اقامة الوطن القومي اليهودي والقاعدة العسكرية الامامية للإمبريالية تحولا الآن الى غدة سرطانية تهدد البلدان العربية والاسلامية كافة، وليس فلسطين فقط. وان خطرها في حالة (السلم) اشد منه، مرات مضاعفة، في حالة الحرب والمواجهة. لان خطر التغلغل في الجسد كله والانتشار فيه أسوأ من خطر اقتطاع بعض اطرافه.

وبالمناسبة، يمكن الاشارة الى مسألتين اشار اليهما الامام الخميني ظهرت اهميتهما وتكشف بعد نظره حولهما بعد خمسة عشر عاما من اطلاقهما: الاولى وصف الدولة العبرية بالغدة السرطانية وليس مجرد (قاعدة عسكرية عدوانية توسعية). والثانية فتواه المتعلقة باعتبار آخر جمعة من رمضان في كل عام يوما عالميا من اجل القدس فعندما جاءت الذكرى العشرين لتلك الفتوى في رمضان الفائت كانت قضية القدس قد احتلت رأس الاجندة واصبحت قضية الصراع الأولى واندلعت من اجل انتفاضة الاقصى والهبة الشعبية العربية والاسلامية التي شملت العالم الاسلامي كله، بينما كانت القدس في حينه عندما صدرت الفتوى في آخر الاجندة حتى في مشاغل الصورة الفلسطينية.



المقاومة بين 1917 ـ 1947

أ ـ اخذت مقاومة شعب فلسطين للمشروع الصهيوني والانتداب البريطاني اشكالا عدة فقد بدأت بالمؤتمرات والتظاهرات ووصلت الى ثورة البراق في 1929 ثم عادت تتراوح بين المؤتمرات والاضرابات والتظاهرات واشكال المقاطعة ومقاومة بيع الارض حتى وصلت عام 1934 ـ 1935 الى ارهاصات العمل المسلح والذي توجته ثورة الشيخ عز الدين القسام والتي لجأت الى الريف لتبدأ عملها من هناك. ورغم انها سرعان ما صفيت الا انها وضعت علامة بارزة تدل على الطريق وكانت ردود فعل الجماهير في جنازة القسام او يوم اعدام نائبه ابن السبعين الشيخ فرحان السعدي الذي صعد الى حبل المشنقة صائما تظاهرات واضرابات ومن يومها اصبح القدر يغلي اكثر من أي يوم مضى حتى اندلع اضراب عام 1936 (دام ستة أشهر)، ثم تحول الى ثورة مسلحة امتدت الى 1939>[6]>.

فعلى الرغم من التضحيات الجسام، ومن الاصرار على المقاومة بكل اشكالها، وعلى الرغم من الاستعداد لتقديم المزيد الا ان عاملين لعبا دورا في عدم النجاح بفرض توقف الهجرة وطرد الاستعمار البريطاني: الاول كان موقف الدول العربية، في حينه، والذي لم يؤمن قاعدة الحماية والدعم الا بحدود ضيقة جدا، بل كثيرا ما راح يضغط لوقف الثورة مراعاة لوعود الصديقة بريطانيا العظمى>[7]>، والثاني يرجع الى المرونة الزائدة التي مارستها القيادة الفلسطينية على أمل ان تحل المسألة بالتفاوض والتفاهم واظهار حسن النية. ولكن العامل الاول مرتبط بميزان القوى العالمي الذي تشكل بعد الحرب العالمية الاولى ومن ثم يجب ان يستحضر هنا باستمرار ان ميزان القوى اقليميا وعالميا لم يكن مؤاتيا لا بصورة مباشرة ولا غير مباشرة بالنسبة الى كفاح الشعب الفلسطيني، وان وصول المشروع الصهيوني الى يوم اقامة الدولة العبرية تم تحت الحماية البريطانية فكانت بريطانيا هي التي تقاتل مباشرة نيابة عنه فمسار الاحداث كان أكثر تعقيدا من ان يغيره موقفا هنا او موقف هناك.

ب ـ وجاءت هزيمة حرب 1948/1949 وإقامة الدولة العبرية، واعلان البيان الثلاثي البريطاني ـ الفرنسي ـ الامريكي عام 1950 في المحافظة على خطوط الهدنة القائمة لتدخل الاردن الذي ضمن الضفة الغربية، ومصر التي بقيت في قطاع غزة، ولبنان وسوريا في مواجه مباشرة مع الدولة العبرية عبر الحدود الممتدة من العريش حتى شواطئ مباشرة مع الدولة العبرية عبر الحدود الممتدة من العريش حتى شواطئ طبريا. وليتمزق الشعب الفلسطيني شر ممزق: جزء صغير بقي تحت الدولة العبرية، وجزء في الضفة والقطاع واجزاء مهجرة في الضفة والقطاع والاردن وسوريا ولبنان ومصر والعراق غير الذين راحوا يتسربون الى كل أقطار الدنيا إما بحثا عن عمل او طلبا للدراسة. اما الطلائع السياسية التي نشأت بعد النكبة فقد اتجهت بانظارها الى العمل من اجل التغيير العربي باعتباره شرط التحرير والعودة. ثم بدأت تتشكل بعد العدوان الثلاثي، 1956 واحتلال غزة والانسحاب منها نويات تفكر بالعودة الى الكفاح على أرض فلسطين. وقد توج ذلك باعلان الثورة الفلسطينية في 1/1/1965 من خلال قوات العاصفة الذراع المسلح لحركة فتح>[8]>. وكان قد سبق ذلك تشكل م. ت. ف عام 1964 وتأليف جيش فلسطيني تابع لها بقرار قمة عربية عقدت في ذلك العام للرد على تحويل مجاري نهر الاردن من جانب الدولة الاسرائيلية>[9]>.



المقاومة بعد عدوان 1967

على ان عدوان حزيران 1967 سمح بتحول ما كان مرحلة متواضعة الى تيار مقاومة مسلحة وقد عرفت هذه التجربة من 1968 الى 1973 اشكال النضال التالية:

> 1)> مقاومة مسلحة ذات قواعد ارتكازية في الاردن وسوريا ولبنان وعرفت اشتباكات على القشرة في الحدود الاردنية ثم في جنوبي لبنان كما عرفت حروب عدوان أهمها، 1973، 1978، 1982 في لبنان، وعدوان 1968 (معركة الكرامة في الاردن).

> 2)>قامت مقامة مسلحة من خلال خلايا سرية داخل فلسطين، وعمليات عسكرية من خلال التسلل عبر الحدود. اما العمل السياسي فقد تركز على خدمة هدف المقاومة والتحرير وتعزيز خط الكفاح المسلح او حرب الشعب.

> 3) >حدث تطور هام بعد العام 1985 بدخول قوى اسلامية الى ميدان العمل المسلح مستقلة عن م. ت. ف. مما اعاد جزء ا من الامور الى نصابها بعد ان غيبت الاسلام عن المقاومة الفلسطينية.

> 4) >اما التطور الثاني فكان اندلاع الانتفاضة 1987 ـ 1993 والى جانبها استمرار العمل المسلح او المقاومة المسلحة.



تنفيذ 1987 ـ 1993

يمكن اعتبار الشكل النضالي الذي سمي بالانتفاضة أبداعا شعبيا عفويا لم يخطط له احد لا باعتبارها استراتيجية ولا من جهة الاشكال التي عرفها. وإن اعطته فصائل المقاومة من فتح والفصائل المنظمة لـم. ت. ف وحماس وحركة الجهاد زخما ووفرت له قيادة مركزية. اما اشكال عمل الانتفاضة فأخذت:

> 1)>ـ شكل العمل الجماهيري الواسع من تظاهرات واعتصامات اضرابات.

> 2) >ـ التكافل الاجتماعي لدعم الانتفاضة.

> 3) > مجموعات الاشتباك مع قوات العدو بالحجارة واستخدام تكتيك المناوشة وانتقال مركز الثقل في المواجهة من منطقة الى أخرى.

> 4)> العمل المسلح من القاء قنابل المولوتوف الى العمليات العسكرية.

على ان السلبية التي ظهرت خلال هذه المرحلة جاء من تشكل الميليشيات ومحاولة السيطرة على الشارع تحت حجة تنظيمه وضبطه. فكان من نتائج ذلك اضعاف زخم المشاركة الجماهيرية وبروز سلبيات وانخفاض منسوب المواجهات. وكان ذلك سياسة قادتها فتح لضبط الشارع تهيئة لما يمكن ان ينجم عن المفاوضات التي بدأت في مؤتمر مدريد وانتقلت الى واشنطن. ومن ثم عندما جاء اتفاق اوسلو لينهي الانتفاضة كان الشارع قد أرهق من داخله، لا من المواجهات مع قوات الاحتلال وإنما من خلال السنوات الثلاث الاخيرة.



البرامج السياسية والاستراتيجية 1967 ـ 1993

عرفت المرحلة الممتدة من 1967 الى 1993 تغيرات برنامجية مست جوهر ميثاق م. ت. ف ومنطقات فتح.

> (أ‌) >بدأت بإدخال شعار الدولة الديمقراطية العلمانية حلا للقضية الفلسطينية ولكنه اشترط تصفية الكيان الصهيوني. الجيش والدولة والاجهزة والمؤسسات واريد من هذا الشعار كما يبدو مخاطبة الرأي العام الغربي والاسرائيلي، ودحض التهمة الاسرائيلية بان هدف الفلسطينيين القاء اليهود في البحر. وكان شعارا قادرا على التأثير في اجواء اليسار الجديد والمنظمات الماركسية ـ اللينينية ـ افكار مائو تسي تونغ. وفتح الباب لحوار مع اليهود داخل فلسطين وخارجها ممن يؤيدون اقامة ديمقراطية علمانية يعيش فيها ويتساوى المسلمون والمسيحيون واليهود في فلسطين.

ولكن هذا الشعار عرض فتح الضغوط شديدة من قبل السوفيات والاحزاب الشيوعية الغربية وعدد من القوى الصهيونية والليبرالية الاوروبية باعتباره غير عملي. وكان من اصابه من تأييد خارجي محدودا جدا اقتصر على بعض القوى اليسارية او الليبرالية الهامشية.

> (ب‌) >جاء التغير الثاني بطرح ما سمي بالبرنامج المرحلي برنامج النقاط العشر، 1974 وهو العمل على اقامة سلطة فلسطينية مقاتلة على أي جزء يتحرر من فلسطين، مع التأكيد على كل ثوابت ميثاق م. ت. ف ورفض التفاوض وقراري 242 و338. وذلك من اجل امكان تمرير (هدف اقامة سلطة وطنية فلسطينية) ثم بدأت تتهاوى كل البنود الاخرى من النقاط العشر ليبلور الهدف بإقامة دولة فلسطينية ثم اعلان دولة فلسطينية تعترف بقرار 242 عام 1988 في الجزائر.

ج ـ كان وراء هذا لتغيير عام 1973 الرئيس المصري انور السادات والاتحاد السوفياتي الذي راح يتعاظم نفوذه في الساحتين اللبنانية والفلسطينية. وهو ما دعم في قمة الرباط 1974 باعتبار م. ت. ف الممثل الشرعي والوحيد. وقد اتضح فيما بعد ان السادات اراد من ذلك اما ادخال الفلسطينيين معه الى التسوية او نفض يديه من مسؤولية قطاع غزة ما دام هنالك ممثل شرعي ووحيد. اما الاتحاد السوفياتي فكان ذلك مدخله للتوفيق بين دعم م. ت. ف واحتوائها من جهة وقرار 242 من جهة اخرى. أي لم تعد م. ت. ف تهدف الى اقامة الدولة الديمقراطية او تصفية الدولة العبرية.

ان طرح موضوع السلطة او الدولة كان مدخلا لحوار اوساط اوسع داخل الكيان الصهيوني ممن يقبلون بإقامة دولة فلسطينية الى جانب الدولة العبرية كما على مستوى عالمي وكان المحاورون الاساسيون هنا من الاتجاه السوفياتي. وهؤلاء لا يقلون هامشية عن سابقيهم داخل الكيان الصهيوني، وان اختلف الوضع على مستوى المنظومة الاشتراكية والاحزاب الشيوعية الأوروبية. وهنا بدأت الضغوط والإغراءات للحديث مع القوى اليسارية داخل حزب العمل او اليسار الصهيوني ممن يقبلون اقامة (دولة فلسطينية)، وهكذا بدأت كرة الثلج تكبر حتى وصلت اتفاق اوسلو وتداعياته.



اشكالية طرح الحلول للقضية الفلسطينية

أ ـ إن أهم الدروس التي يجب ان تستقي هنا هي الفخ الذي يقع فيه من يبدأون بطرح الحلول للقضية الفلسطينية ابتداء من حل الدولة الديمقراطية الى حل الدولتين، الى حل دولة لكل مواطنيها او دولة ثنائية القومية. لان كل حل يطرح يحمل تنازلا مجانيا ما للمشروع الصهيوني، وتخليا عن ثابت ما من ثوابت القضية الفلسطينية. وكل حل يتعرض فورا لضغوط تدفعه للسير على النهج نفسه من اجل ان يكون اكثر عملية وواقعية، فيبدأ الاستدراج لتنازلات اخرى خطوة بعد خطوة. ولعل مما يشجع البعض ان يجدوا ما يقترحونه من حل تعارضه الصهيونية، او القوى المتطرفة، فيتصورون انهم به يقاومون او يحرجون الصهيونية او انه سيقضي على المشروع الصهيوني. ولكن عليهم ان يلحظوا ان كل حل حتى اتفاق اوسلو وما هو أسوأ من اوسلو لا يقبل به المشروع الصهيوني. فالمشروع الصهيوني ترك حدوده الفعلية والهيمنية ومطامحه ومطامعه مفتوحة للتوسع المستمر بها، فترى قادته حين يطرحون حلا تعجيزيا او مغاليا، ثم تقبل يه يندمون فورا ويلحسون تعهداتهم وتوقيعهم قائلين لانفسهم ما داموا قبلوا بهذا كان يجب ان نطلب المزيد فلا بد يقبلوه. أي أن حجة معارضتهم لمشروع ما ليست حجة في مصلحته، فهم يعارضون أنفسهم طمعا بالمزيد. وهذه تجربة اتفاق اوسلو وما تلاه من اتفاقات على سبيل المثال.

ثم ان من الوهم التصور ان طرح مشروع حل إنساني يحرجهم ما داموا مؤيدين من ساسة الغرب والاعلام العالمي وما داموا متفوقين في ميزان القوي ولهذا ان التجربة تعلم ان علينا طرح هدف مباشر قبال للتنفيذ وعدم الخوض في تقديم حل نهائي للصراع. وذلك مثل تحديد هدف دحر الاحتلال عن جنوبي لبنان من دون ان يقرن بحل لما بعد ذلك ناهيك عن طرح حل نهائي ونحدد هدف دحر الاحتلال من الاراضي التي احتلت في حرب الخامس من حزيران من دون ان نقول ماذا سيكون الهدف اللاحق او ماذا سنعمل تاركين الجواب لحينه إذ عندئذ لكل حادث حديث. وكان هذا النهج منسجما مع منطلقات فتح لو تبنته بدلا من مشروع الدولة الديمقراطية او السلطة، والدولة وهو ما طبقه بنجاح منقطع النظير حزب الله في تحديده لهدف المقاومة وفي إدارته للصراع. وهو ما تتبناه حماس وحركة الجهاد في تحديد هدف استراتيجية انتفاضة الاقصى والمقاومة أي هدف دحر الاحتلال وبلا قيد او شرط الى خطوط الرابع من حزيران.

ب ـ أثبتت تجربة طرح الحلول أن كل حل يحمل في كل مرة إستراتيجيته المناسبة له. فحل الدولة الديمقراطية العلمانية ارتبط بتصفية الكيان الصهيوني واعتماد سياسة الكفاح المسلح مع اختلاط بين هدف التحرير الكامل والمقاومة للاحتلال. وحمل هدف إقامة الدولة على أي جزء يتحرر او في حدود 242 استراتيجية الشعب للانخراط في التسوية مما هبط باستراتيجية الكفاح المسلح والمقاومة واخضعهما لمقتضيات الحل السياسي من خلال المعادلة الدولية والعربية. وعند ما تحقق الانخراط في عملية التسوية بعد مؤتمر مدريد اخضعت الانتفاضة والمقاومة لاتفاق أوسلو ـ الحكم الذاتي على أمل التحول الى دولة مستقلة من خلال استراتيجية المفاوضات.

ج ـ اما الابتعاد عن طرح الحلول النهائية او المرحلية وحصر الهدف بدحر الاحتلال الذي وقع في حرب حزيران فمن شأنه المحافظة على كل الثوابت وعدم الدخول في لعبة التسوية وتقديم التنازلات، ويسمح بالتقاطع مع مواقف الدول العربية ومع القرارات الدولية ذات الشأن.

هذا من جهة أما من جهة أخرى فيمكنه وحده تحقيق وحدة وطنية فلسطينية واعطاء زخم هائل لاستراتيجية الانتفاضة والمقاومة، وتعبئة اوسع القوى العربية والاسلامية والعالم ثالثة، والرأي العام العالمي حوله. اما الدخول في عملية التسوية او عقد اتفاقات تمس جوهر القضية الفلسطينية مثل الاعتراف بالدولة العبرية والمساومة على حق العودة وحق تقرير مصير الشعب الفلسطيني على كل فلسطيني فمن شأنه ان يحدث شروخا داخل الصف الفلسطيني وداخل الصف العربي والاسلامي. وان الامر كذلك بالنسبة الى طرح الحلول المستقبلية للصراع اذ لا يمكن تحقيق اجماع حولها.

ولهذا إذا كنا نردي ان نكون عمليين وواقعيين وقادرين على احداث التغيير ولو جزئيا فان هدف دحر الاحتلال وبلا قيد او شرط هو الهدف العملي الواقعي والممكن التحقيق، والذي يسمح بتشكيل اوسع وحدة وطنية فلسطينية، واعرض جبهة عربية وإسلامية، وباعطاء الشرعية للانتفاضة والمقاومة المسلحة باعتبارهما استراتيجية كفاح وجهاد ضد احتلال.



الوحدة الوطنية الفلسطينية

أ ـ لو راجعنا التجربة التاريخية في مقاومة المشروع الصهيوني منذ 1917 حتى اليوم سنجد ان الوحدة الوطنية كانت تتحقق في المواجهات الكبرى مثل إضراب 1936 أو الثورات 1937 و1948 ـ 1948 وفي مرحلة المقاومة الفلسطينية 1968 ـ 1973 وسنجدها تتعرض للتصدع عند كل مساومة، او طرح حلول مستجيبة لما يعرض من مشاريع. فمن أهم التصدعات التي عرفتها م. ت. ف كان مشروع النقاط العشر، ومن ثم الاشارة للسعي نحو الدخول في عملية التسوية. ويكفي ان نلحظ الشرح العميق الذي حدث بعد اتفاق اوسلو ومع تداعياته والاتفاقات اللاحقة به. هنا انقسم الصف الفلسطيني بين اتجاه اعلن استعداده للاعتراف بشرعية الدولة العبرية وعقد صلح معها وتنبيه لاستراتيجية المفاوضة باعتباره البديل الوحيد الذي يمكنه ان يحقق شيئا، واتجاه اساسا حماس وحركة الجهاد والفصائل المعارضة في دمشق استمسك بالثوابت وباستراتيجية المقاومة المسلحة والتهيئة للانتفاضة ان أمكن، واتجاه ثالث التقى جزئيا مع الاتجاه الاول حتى مؤتمر مدريد، وجزئيا مع الاتجاه الثاني في رفض اتفاق اوسلو. وحدثت شروخ موازية، في الوقت نفسه، ضمن الصف العربي والاسلامي. ثم ها نحن اولا شهدنا كيف عادت الصفوف لتلتئم في ظل العودة الى استراتيجية الانتفاضة والمقاومة. ولكنه التئام ميداني في المواجهة وليس في الهدف السياسي واستراتيجية تحقيق الهدف، إذا ظل الاتجاه الاول مستمسكا بخط المفاوضات وبنهج اتفاق اوسلو بل يريد ان يشرع بالمفاوضات من حيث انتهت. وقد ورط الموقف العربي كله في مؤتمر عمان، بتأييد هذا التوجه، علما ان اغلب الذين وافقوا على شعار استئناف المفاوضات من حيث انتهت لا يعلمون يقينا اين توقفت، وما هي التنازلات الفلسطينية التي قدمت فيما يتعلق بالقدس الشرقية والمستوطنات والحدود وقضية اللاجئين، الامر الذي يهدد مرة أخرى بشق الموقف العربي إذا ما استؤنفت المفاوضات وتبيين ان هنالك تنازلات عن دحر الاحتلال الى ماوراء خطوط الرابع من حزيران، 1967 وربما عن قضايا تمس جوهر المسألة الفلسطينية.

ب ـ المهم أن نلحظ ان الوحدة الوطنية الفلسطينية كانت تتحقق في ميدان المواجهة وليس في مجال المفاوضات او المقاومات او تقديم الحلول! ولهذا عرفت الساحة الفلسطينية الوانا من العلاقات الداخلية الى جانب الوحدة في ميدان المواجهة، او بكلمة أخرى، عندما كانت الشروخ تبرز حوفظ على مستوى من العلاقات التي لا تصل الى الانقسام الدموي وأن وصلت أحيانا الى حدوده. ويجب ان يسجل هنا لحركة فتح حتى اتفاق اوسلو انها كانت حريصة على عدم تعدي الخطوط الحمر التي توصل الى الصراع الدموي. ولكن يجب ان يسجل لحركتي حماس والجهاد الفضل الاول في عدم تعدي تلك الخطوط بعد اتفاق اوسلو وما اتخذته السلطة الفلسطينية بحقهما من اجراءات قمعية او مجهضة لعمليات عسكرية كانتا تعدان لها ولا سيما اثر اتفاق واي ريفر المشؤوم الذي سعت إدارة كلينتون من خلاله الى إغراق الداخل الفلسطيني بالدم.

لقد جاءت تجربة ثماني السنوات الماضية منذ اتفاق اوسلو حتى اليوم لتعطي درسا للجميع ان العدو الصهيوني يستهدف الارض الفلسطينية كلها والثوابت كلها والشعب الفلسطيني كافة كما يستهدف العرب والمسلمين. وانه سيظل عدو الجميع وان حاول ان يبتسم لهذا ويركز سهامه على ذاك. ما يفترض دائما ان تبقي خطوط حمر لكل صراع فلسطيني ـ فلسطيني، او فلسطيني ـ عربي أو عربي ـ عربي، او فيما بين الدول الاسلامية عموما بحيث لا يصل الى حد القطيعة التامة او الدم، او نسيان العدو رقم واحد. فهذه الحالة يجب الا نصل اليها الا في حالة انتقال فئة الى العمل ضمن المشروع الصهيوني وأخذ الاوامر منه وتنفيذ خططه مثل نموذج جيش إنطوان لحد. بل حتى في هذه الحالة ابقي حزب الله وهو يقاتله باب العودة عن هذا الطريق مفتوحا، وعامل كل حالة وفق حالتها.

المهم أثبتت التجربة ان تدهور العلاقات الفلسطينية ـ الفلسطينية يجب الا يصل الى نقطة اللاعودة، او إراقة الدم، مع المعارضة الحازمة لكل تنازل ولكل إجراءات تعسفية او تعاون أمني مع العدو الصهيوني.

ج ـ اذا كان الوضع الفلسطيني اليوم قد عاد ميدانيا الى استراتيجية الانتفاضة والمقاومة، وحقق وحدة وطنية ميدانية فان كل ذلك سيظل مهددا في حالة العودة الى نهج اتفاق اوسلو ومفاوضات كامب ديفيد 2 وطابا. ولكن بالرغم من ذلك يتوجب دفع الانتفاضة، والمقاومة الى أقصى مدى حتى كسر إرادة الاحتلال وافشال استراتيجية الاجرامية، كما يتوجب تعبئة اوسع جبهة عربية واسلامية لدعم الانتفاضة والمقاومة، ومحاصرة الدولة العبرية وضرب العزلة على السياسة الامريكية، والتوسع في المقاطعة الشعبية للبضائع الامريكية بما ذلك تلك التي تعمل وطنيا من خلال امتيازات مثل الكوكاكولا وماكدونالدز وما شابه. وهنا يجب ان يشار بقوة الى ضرورة استنهاض العمل الشعبي والجماهيري عربيا وإسلاميا ليأخذ مكانه في المواجهة وعدم الاقتصار على مواقف الحكومات او الاحزاب المعارضة.



دروس من التجربة اللبنانية

سمعت أصوات كثيرة بعد انتصار المقاومة في جنوبي لبنان تقول ان من غير الممكن استنساخ التجربة اللبنانية فلسطينيا. فبعضهما أشر الى ما تلقاه حزب الله من دعم سوري وايراني مشددا على الدعم المادي الذي تلقاه من الجمهورية الاسلامية في ايران. علما ان هذين الدعمين كانا ممكنين او متاحين دائما للمقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني لو كانت هنالك إرادة أو سياسة للإفادة منهما. وبعضها لمح الى اختلاف الواقع الميداني بين جنوب لبنان والوضع في الضفة والقطاع. علما ان مزايا المقاومة المسلحة في فلسطين من جهة انزال الخسائر بالعدو وهي افضل عدة مرات مما كان عليه الحال في جنوبي لبنان حيث كان الوصول الى جيش الاحتلال يحتاج الى قطع المسافات الوعرة والخطرة الطويلة، والى مهارات عالية وفائقة لتخطي المراقبة وحقول الالغام والوصول الى المواقع الحصينة، او الافلات من الملاحقة وبعضها أشر الى ان استمساك العدو في احتلال جنوبي لبنان غيره في الضفة والقطاع فإذا صح هذا الرأي جزئيا الا ان جيش الاحتلال لم يتخل عن الجنوب والشريط الحدودي إلا وأنفه راغم، والا كيف دام الاحتلال اكثر من 22 عاما؟ وقد نسي هؤلاء ماذا كان يكتب ويحكي عن الاطماع في المياه اللبنانية او بالأهمية الاستراتيجية للشريط المحتل اما من الجهة الاخرى فلا يتذكر هؤلاء ان الدول العبرية عاشت حوالي العشرين عاما بلا قدس شرقية وبلا قطاع غزة وضفة غربية أي من الممكن ان يفرض عليها الانسحاب أذا توفرت شروط ذلك. ثم يصار الى نسيان ما اشيع في اثناء عملية المفاوضات ان ثمة استعدادا اسرائيليا للانسحاب من (93% من الضفة والقطاع) (بالرغم من انه رقم وهمي وغير صحيح)، فإن هذا يعني ان الاشكال بقي حول 7% ولنقل حول أربعين في المئة او ستين في المئة. فهذا يعني ان مبدأ الانسحاب قائم وليس محالا ومن ثم يكفي ان يوضع ما تبقى في كفة مقابل خسارة ما تحقق له من مكاسب في عملية التسوية او من خلال المعاهدتين المصرية والاردنية واتفاق اوسلو والهرولة التي تلته او ما راح يفتح أمامه من آفاق للتطبيع والعلاقات مع الدول العربية الأخرى، حتى يبين ان فرض الانسحاب عليه ممكن بلا شك.

على أن هؤلاء الذين أثاروا اشكالية عدم أمكانية نسخ التجربة اللبنانية في المقاومة فلسطينيا، وراحوا يتحدثون عن الفروق والميزات نسوا ما يلي:

1 ـ ان المقاومة المسلحة الفلسطينية سابقة للمقاومة الاسلامية في لبنان وانها لم تتوقف قط فهي ليست بحاجة الى ان تستنسخ التجربة اللبنانية وإنما أن تدرسها جيدا.

2 ـ في الساحة الفلسطينية ثمة ميزة الانتفاضة وانخراط جماهير وقوى أوسع من خلالها في مقاومة الاحتلال وإنزال خسائر اكبر به. ففي الانتفاضة الاولى اصبح الجيش الاسرائيلي يقوم بمهمة الشرطة ضد الاهالي مما ولد قلقا شديدا لدى القيادات الاسرائيلية بل فكر جديا بالانسحاب من قطع غزة بلا قيد او شرط وقد حمل هذا المعنى تصريح رابين حين تمنى ان يرى قطاع غزة يغرق في البحر.

3 ـ الدعم العربي والاسلامي، رسميا وشعبيا، بالنسبة الى الحالة الفلسطينية أقوى بكثير مما تمتعت به المقاومة في جنوبي لبنان بل ان ما تمتعت به تلك المقامة يندرج ضمن هذا الدعم للحالة الفلسطينية، بل هي نفسها دخلت معركة المقاومة مع اندلاع الانتفاضة في فلسطين. بل يمكن القول مسكينة المقاومة الاسلامية في جنوبي لبنان اذا ما قورن ما تلقته من مساندة ودعم مادي ومعنوي بما توفر ويمكن ان يتوفر المقاومة والانتفاضة في فلسطين.

4 ـ قضية القدس وأهميتها تعمل في الاتجاهين وليس في اتجاه واحد هو استمساك العدو الصهيوني بها. بل ان فعلها في الاتجاه الفلسطيني ـ العربي الاسلامي اشد مما كان عليه الحال بالنسبة الى تحرير ارض الجنوب، واشد ما يمكن ان يكون عليه الموقف الصهيوني.

ولهذا كان حديث الاستنساخ شكلي وسطحي في أحسن حالاته. ولكن ما يجب التعلم منه فهو دراسة تجربة حزب الله ولا سيما من النواحي التالية:

1 ـ أهمية التعبئة الايمانية للمقاتلين ولأهل الجنوب في مواجهة عدوان العدو وبطشه والقدرة على تحديده وصعوبات ميزان القوى مع رفع مستوى مهارة المجاهدين وصبرهم ومصابرتهم الى درجات عالية جداً متسلحين بالآية الكريمة ان تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم (محمد 7).

2 ـ وفر حزب الله قيادة ميدانية متماسكة ومصممة لا تحيد عن الهدف.

3 ـ حدد هدفا دقيقا قابلا للتحقيق هو دحر الاحتلال بلا قيد أو شرط، مع المحافظة على المبدأ من جهة عدم الاعتراف بحدود الدولة العبرية او القرارات الدولية التي تتضمن مثل هذا الاعتراف. ولهذا رفض ان يجيب عما سيفعله بعد انسحاب قوات الاحتلال. وكان من ميزات تحديد هذا الهدف أنه قابل لتوحيد الشعب اللبناني كله حوله وكذلك الموقف العربي والاسلامي، فضلاً عن انسجامه مع القرار 425 كما ان رفض التفاوض حتى على الانسحاب جعله ينسحب مهرولا بليل، وبفضيحة مجلجلة إذا غدر بحليفه وتركه ليلقي أسوأ مصير.

4 ـ وحد الموقف في الجنوب من خلال علاقة متينة مع حركة أمل والمشاركة في المقاومة، ونأى بنفسه عن الصراعات الداخلية بل أخذ موقفا ايجابية من مختلف الفرقاء اللبنانيين وفي المقدمة مع الدولة اللبنانية رئاسة وحكومة وجيشا وأجهزة. ووصل الذروة في تعامله بعد النصر مع فلول جيش انطوان لحد وأهالي الجنوب حيث لم تقع حادثة انتقام واحدة.

5 ـ عزز علاقات تحالف وتعاون مع سوريا التي امنت له الحماية والاسناد وطريق الامداد وقد ضرب مثلا على المبدئية فيما يعقد من تحالفات وعهود.

6 ـ وثق علاقته بالجمهورية الاسلامية في ايران والتي اسهمت اسهاما كبيرا في دعمه ودعم صمود أهالي الجنوب، وتوحيد صفوفهم.

7 ـ أخذ موقفا من الانظمة العربية امتاز بالمرونة والحكمة ونأى بنفسه عن الصراعات الجانبية مركزا على حشد التأييد للمقاومة وهدف دحر الاحتلال.

8 ـ تميز الطرح السياسي الذي عبر عنه السيد حسن نصر الله واسلوب مخاطبته لجماهير العرب والمسلمين، بدقة عالية أكسبته محبة الرأي العام ودعمه بمن في ذلك المسيحيون العرب.

9 ـ أدير الصراع إدارة دقيقه وقدر الموقف في كل مرة تقديرا صحيحا مما جعل المقاومة المسلحة تتجنب المغامرات، وتترك ضرباتها حيثما يجب توقيتا وهدفا مع امتلاك المرونة في الرد وتحديد زمانه. فزمام المبادرة بقي دائما بيد قيادة حزب الله. وهو ما جعل شامير رئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق يعتبر ان قيادة السيد حسن نصر الله كانت في مستوى التحدي.

20 ـ لقد أثبت حزب الله بعد تحقيق الانتصار انه أبعد ما يكون عن الوقوع في الغرور والادعاء او التعالي. فحافظ على تواضع جم، وأشرك كل من كان له دور في الانتصار. واستمر في المقاومة على مشارف شبعا، مواصلا عملية التحرير ومساندا للانتفاضة الفلسطينية، ومعززا علاقته بحركة الجهاد وحماس وبكل القوى العربية والاسلامية على النطاق العربي كله. هذا بالاضافة الى جهده التوحيدي بين السنة والشيعة وتوحيد الامة كلها.



انتفاضة الاقصى واشكال المقاومة

أ ـ إن الانتفاضة باعتبارها شكل من أشكال الكفاح والجهاد ولدتها تجربة المقاومة الشعبية الفلسطينية في مواجهة الدول العبرية والاحتلال في الضفة والقطاع. وقد اتخذت سمات محدودة فريدة مما جعل الكلمة تستخدم بلفظها العربي بكل اللغات ولا تترجم لانها حملت تلك القراءة.

هي ليست من نمط الانتفاضة العامة لاسقاط نظام حكم معين او طاغية بعينه، وهي ليست عصيانا مدنيا يستمر بضعة أيام تتخلله تظاهرات جماهيرية واسعة وليس نضالا شعبيا سليما يعتمد التظاهر والمقاومة السلبية.

انها شيء من كل ذلك ولكن بصورة مركبة ومختلفة نوعيا، فهي شكل من اشكال المقاومة احتلال ذي طبيعة صهيونية استيطانية عنصرية لا يسعى للسيطرة على الارض والشعب، انما يهدف الى الاستيلاء على الارض وتهويدها واقتلاع شعبها الاصلي منها وإجباره على الرحيل او ترحيله بالقوة. وهو ما يجعله مختلفا عن الاحتلال الاستعماري التقليدي ومتميزا عن أنظمة الكيانات العنصرية (الابارتايد ـ انظمة العزل العنصري) التي عرفتها جنوبي أفريقيا وروسيا وزيمبابوي فالانتفاضة وان حملت بعض ملامح من هذا وذاك إلا انها اختلفت نوعيا عن هذا وذاك. ولهذا يخطئ من يعتبر الدولة العبرية نظام ابارتايد او اعتبار احتلالها مجرد احتلال استعماري بما في ذلك احتلال الضفة والقطاع إثر حرب حزيران 1967.

ويكفي ان نلحظ تنوع أشكال المقاومة الفلسطينية للمشروع الصهيوني منذ 1917 حتى الآن حيث ندرك اننا امام حالة يجب ان تقرأ كما هي ولا تقارن بغيرها سواء أكان حالة الاستيلاء الصهيوني على فلسطين واستراتيجيته لتهويدها واقتلاع شعبها أم كانت حالة المقاومة الفلسطينية وتعدد أشكالها.

ب ـ ثمة خاصية يجب تذكرها دائما من قبل كل من يتعاطى والشأن الفلسطيني او يتحدث عن الصراع في فلسطين وهي خطة المشروع الصهيوني الهادفة الى تهويد الارض واقتلاع الشعب الفلسطيني. واذا كانت قد حققت جزءا كبيرا منها في حرب 1948/ 1949 ثم في حرب 1967 الا انها ما زالت على رأس الاجندة ويعمل في سبيلها بالنسبة الى من تبقى من الفلسطينيين سواء أكانوا أولئك الذين بقوا ضمن الدولة العبرية ام كانوا اولئك الذين بقوا في الضفة الغربية وقطاع غزة. فخطر الاقتلاع أو (الترانسفير) ما زال يعد له في الاجندة الاسرائيلية، كما ان التضييق على الفلسطينيين او اغرائهم على الهجرة سياسة اسرائيلية مستمرة. بل هنالك مخططات لفرض تحديد النسل عليهم.

من هنا تجدر الاشارة الى أهمية العمل السياسي والتعبوي والاقتصادي من اجل بقاء الفلسطيني فوق ارضه والتكاثر فيها ومقاومة التهجير المباشر وغير المباشر. وهذا ما يعطي بعدا آخر لمعنى الصراع الذي يحمل طبيعة صراع وجود. الامر الذي يفترض وجود استراتيجية كاملة تتعلق بمسألة البقاء في الارض والحيلولة دون التهجير والهجرة والاقتلاع.

ج ـ اندلعت انتفاضة الاقصى في 28/9/2000 بعد محاولتين للانتفاضة اجهضتها سريعا وكانت اهمها الانتفاضة التي اندلعت اثر فتح النفق الذي حفر تحت ارض الحرم القدسي الشريف، بعد تسليم نتنياهو رئاسة وزراء الدولة العبرية. الامر الذي يؤكد ان الانتفاضة خصوصية فلسطينية مثلها مثل المقاومة المسلحة تشكل جزءا لا يتجزأ من اشكال مقاومة الاحتلال.

لابد من ان يلاحظ هنا ان وجود السلطة الفلسطينية احدث اختلافا في الوضع الذي اندلعت فيها الانتفاضة الاولى 1987 ـ 1993. وهو في غير مصلحة استمرارية انتفاضة الاقصى او كل المواجهات فيها او الصورة الاجمالية للمواجهة، فالانتفاضة الاولى أخذت شكل مواجهة بين الشعب كله والاحتلال. وكان الاحتلال مضطرا على المواجهة من داخل المدن والقرى وفي كل النقاط والمواقع مما سبب لجيشه ارهابا شديدا وجعل الصورة، بلا رتوش، شعب يقاوم احتلالا، واحتلال يقمع شعبا. ولم يكن هنالك من يستطيع ان يطالب بوقف العنف بين الطرفين، او يحمل السلطة مسؤولية العنف. ولم يكن بمقدور جيش الاحتلال ان يستخدم شكل الحرب بين جبهتين فيقصف من بعد أو من الجو على اهداف مختارة او يرسم حدودا للمواجهة مع رماة الحجارة، ثم لم تكن هنالك في الانتفاضة الاولى التزامات لسلطة قائمة تتهددها في كل لحظة بطلب التهدئة او فرضها والعودة الى مائدة المفاوضات. لان التفاوض والانتفاضة مثل الجمع بين الماء والجمر.

قبل ان نضع هذا الاعتبار جانبا ونركز على دراسة انتفاضة الاقصى باعتبارها شكلا من اشكال المقاومة للاحتلال يجب ان نلاحظ ان الاحتلال مازال قائما بالرغم من وجود سلطة فلسطينية وجدت نفسها مشاركة في انتفاضة قلبت معادلة مسار التسوية راسا على عقب. وهي تحاول ان تعود الى ذلك المسار ولو بالعودة الى اوضاع ما قبل 28/9/2000 الأمر الذي ولد تعقيدا آخر ليس بالنسبة الى الانتفاضة بسبب وجود السلطة فحسب وانما ايضا للسلطة التي جاءت مع اتفاق اوسلو ووليده اتفاق القاهرة بسبب انخراطها في الانتفاضة، ولا سيما مع تصاعد المقاومة المسلحة في الوقت نفسه. فانتفاضة ومقاومة من جهة وتفاوض من جهة اخرى لا يجتمعان كذلك، خصوصا في نظر حكومة شارون وائتلافه ومجيء ادارة جورج دبليو بوش برأس حمامية.

وبهذا تكون السلطة امام خيارين: الاول وقف الانتفاضة ومنع العمل العسكري، او السير في هذا الاتجاه، من اجل العودة الى التفاوض، الامر الذي يتدخلها مأزقا خانقا، والثاني المضي بالانتفاضة والمقاومة حتى تكسر إرادة شارون وائتلافه.

د ـ والآن، ما هي السمات الاساسية للانتفاضة من جهة المواجهة مع قوات الاحتلال:

1 ـ تظاهرات، اضرابات، مسيرات احتجاجية، جنائز شعبية جماهيرية، ضم وحدة وطنية واسلامية ميدانية.

2 ـ سمة الفتيان والشبان الذين يشتبكون مع قوات الاحتلال بالحجارة مقابل الرشاش والقناص او بكلمة ادق مواجهة السيف بالدم.

3 ـ المقاومة المسلحة باشكالها المختلفة. وقد اتسمت انتفاضة الاقصى بانتشار السلاح الخفيف بيد قوات الامن الفلسطيني، وتسرب جزءا منه الى (من يهمه الامر)!

4 ـ تعاظم ظاهرة التكافل الشعبي حيث شهدت الانتفاضتين الكبيرتين ألوانا من التكافل والتعاون العفويين والمنظمين من خلال هيئات شعبية في ظروف حصار اقتصادي شديد، وتوقف الاعمال الى حد بعيد.

هذه الاشكال الاربعة الكفاحية متكاملة. ولا يجوز اعتبار احدها بديلا عن الاشكال الثلاثة الأخرى. بل اثبتت التجربة ان كلا منهما يغذي المقاومة ككل. وان كلا منها ينبري ليتقدم الصفوف عندما يواجه هذا الشكل او ذاك ظروفا او صعوبات تضغط عليه لكبته. ولهذا من الخلل الغاء أي شكل من هذا الاشكال لحساب الآخر، او التصور ان الهدف من التعبئة الشعبية او التظاهرات والمواجهة بالحجارة الوصول الى المقاومة المسلحة او المواجهة العسكرية بين جبهتين. فعلى العكس من مقولة الماركسيين المشهورة التي تعتبر الكفاح المسلح اعلى مراحل النضال. ففي التجربة الفلسطينية كان الكفاح المسلح اول اشكال النضال أو المقاومة، وانه يرتفع بالمقاومة الى مستوى الانتفاضة من دون ان يخلي مكانه او ينتهي دوره. بل يمكن القول ان ارتفاع مستوى المقاومة الى مستوى التظاهرات والمسيرات والحشود في الجنائز واقتحام الحواجز بلا استخدام للسلاح، وبلا حاجرة شكل للمقاومة لا يقل اهمية او مرتبة عن شكل المواجهة بالحجارة أو بالعمليات العسكرية. ويجب ان يقال الامر نفسه بالنسبة الى شكل المواجهة بالحجارة والعمليات المسلحة. بل تمكن الاشارة الى ان كل شكل من هذه الاشكال قد يكون الاكثر أهمية في ظروف محدودة وان كان الشكل الأرقى للمقاومة الفلسطينية هو الجمع المتناغم فيما بين هذه الاشكال جميعا.



كيف نفهم انتفاضة الاقصى

حاول البعض ان يفسر انتفاضة الاقصى بانها نتاج اليأس والاحباط بسبب فشل مفاوضات ما يسمى (بالحل السلمي) وما شابه. ولكن اليأس والاحباط لا يولدان انتفاضة ممتدة أسابيع وشهورا، وباذلة للدم انهارا، فاليأس والاحباط قد يفجران غضبا سريعا سرعان ما يخفت وينتهي هذا إذا قبلنا بالفرضية الخاطئة التي تحاول ان تصور الجماهير وقد علقت آمالها على المفاوضات. فالجماهير صبرت وانتظرت ولم تعلق آمالا. فهي تعرف بتجربتها ووعيها التاريخي ماذا تحمل جعبة العدو الصهيوني. فالغضب الذي تفجر مع الانتفاضة ليس وليد فشل المفاوضات وانما هو نتاج تراكم طويل ووعي عميق، لم يخدع يوما بما يبيته العدو، وان سكت وصبر وانتظر تجبنا لصراع داخلي، او قبل اعطاء الفرصة لبحث عن سراب ظنه البعض ماء.

عندما تنزل الجماهير الى الشوارع وتتلقى الرصاص بصدورها العارية، ويتكرر المشهد يوما بعد يوم، واسبوعا بعد أسبوع، وشهرا بعد شهر واكثر، فلا تفسير لذلك غير انها تشم رائحة النصر وتريد ان تحقق نصرا. انها تشم رائحة ضعف في عدوها يسمح لها بالهجوم.

ولهذا يجب الا تقاد الانتفاضة، او تدعم، بروحية اليأس والاحباط، فتعبأ بنفسية الهزيمة والفشل، وانما يجب ان تقدم رؤية سياسية في تقدير الوضع تثبت ان العوامل والاسباب التي سمحت للمقاومة الاسلامية بقيادة حزب الله في لبنان ان تنتصر ذلك النصر المؤزر هي متوفرة بدورها، ويمكن توفير ما نقص منها، وفي الساحة الفلسطينية. أي البحث عن العوامل والاسباب التي احست الجماهير بها، ودفعتها الى الانتفاضة في فلسطين، أي اعلان الدعم والغضب في الشارع العربي والاسلامي من طنجة الى جاكرتا بل في كل مكان تواجد فيه عرب ومسلمون في الغرب نفسه. فالسؤال الذي طرحه النصر اللبناني اوحى للجماهير ان تجيب: ولماذا لا نصنع نحن نصرا كذلك؟

العدو هو العدو نفسه، والاحتلال في جنوبي لبنان وفي الضفة والقطاع هو وأمريكا وهي أمريكا هنا وهناك، وكذلك الغرب والوضع العالمي بصورة عامة، والقرارات الدولية، 242، و338 و425 المتعلقة بالاحتلال تكاد تكون اياها بل هنالك عشرات القرارات الاخرى في مصلحة الوضع الفلسطيني تدين الاحتلال والتهويد والاستيطان والمساس بوضع القدس. ثم ان الوضع العربي والاسلامي هو نفسه وان كان من بعض النواحي هو اكثر ايجابية في مصلحة الحالة الفلسطينية ولا سيما عندما يمس الامر وضع القدس والمسجد الأقصى. اما العوامل الذاتية فهي متفاوتة ولا شك خصوصا من جهة الاختلاف في موقف السلطة اللبنانية والسلطة الفلسطينية في التأمل والمقاومة وطريقة إدارة الصراع، كما من جهة خصوصية قيادة حزب الله للمقاومة سواء أكان من ناحية وحدانية القرار، وربانية التعبئة، والتصميم على الهدف، وعدم القبول بأية مساومة تضعف زخم المواجهة والتضحيات، أو تترك للعدو مجالا، حين تنكسر ارادته، غير الانسحاب بلا قيد او شرط. ولكن يجب ان يلحظ هنا وجود قوى اسلامية في الساحة الفلسطينية كان من الممكن ان تعطي للمقاومة المزايا نفسها لو كانت هي التي تمتلك القرار في إدارة الصراع.

ولهذا لو توفرت وحدة فلسطينية وحددت هدفا لا تراجع عنه ولا خلط له باهداف اخرى، ولا مفاوضات حوله، هو دحر الاحتلال بلا قيد او شرط، واندفعت بالانتفاضة بربانية وتصميم، ولم تقبل بالذهاب الى مؤتمر شرم الشيخ. ووضعت باراك وكلينتون اما امام خيار فقدان كل ما انجزاه خلال عشر السنوات الماضية (وحتى منذ المعاهدة المصرية ـ الاسرائيلية وما امام التسليم بالانسحاب الى ما وراء الخط الاخضر) أي الى خطوط الرابع من حزيران لكان من الممكن في تلك الظروف التي ولدت النصر اللبناني ان تفعل فعلها في الساحة الفلسطينية. ولكن القبول بالعودة الى التفاوض اضاع تلك الفرصة وسمح بتمييع الوضع وباعطاء الفرصة الكافية لما حدث من تغيير في الوضع بمجيء ادارة جورج دبليو بوش وحكومة شارون الائتلافية. الامر الذي راح يصعد المواجهة ويطيل امدها ويعقدها. فالانتفاضة التي فاجأت بيل كلينتون وباراك وهما في حالة مأزق تكشف عنه النصر اللبناني وما راحا يواجهانه من ازمات داخلية وارتباك سياسي وعالمي، اصبحت الآن تواجه وضعا جديدا، ومعادلة عالمية واقليمية مختلفة الامر الذي سيتطلب وحدة وطنية اقوى، والتزاما بهدف واحد وهو دحر الاحتلال وتفكيك المستوطنات، وتصميما اشد عزما على الصمود وتقديم التضحيات، وانزال الخسائر بالجيش الاسرائيلي، كما يتطلب موقفا عربيا واسلاميا، رسميا وشعبيا، يفرض على الموقف الامريكي ان يعيد حساباته وعلى الدولة العبرية ان تحسب التكلفة المترتبة ومن ثم ايصال الادارة الامريكية والحكومة الاسرائيلية الى قناعة بعدم امكانية فك إرادة الشعب الفلسطيني أو تصفية انتفاضته، انها معركة يحسمها صراع الارادات ومن سيصرخ اولا آخذين بعين الاعتبار ان لدى امريكا والدولة العبرية ما يخسرانه على المستوى السياسي والمادي والمصالح والمكاسب المحققة. بل ان ما يهددان الشعب الفلسطيني بخسارته أي السلطة الفلسطينية والعودة الى ما قبل اتفاق اوسلو سيزيد من مأزقها وخسائرهما.

المهم ان تدرك القيادات الفلسطينية نقاط قوتها ونقاط ضعف الادارة الامريكية والحكومة الاسرائيلية. وكذلك بالنسبة الى القيادات العربية والاسلامية. او بكلمة اخرى لو افترضنا ان الوضع في فلسطين عاد الى نقطة الصفر فمن سيكون الخاسر الاكبر، وافترضنا ان امريكا قررت ان تؤزم علاقتها مع العرب والمسلمين الى الحد الاقصى فمن سيكون الخاسر الأكبر، علما أن امريكا تواجه من المشاكل والتحديات في علاقتها بروسيا والصين وأوروبا ما لا يسهل مهمتها في تأزيم علاقتها العربية والاسلامية.

ولهذا فالمطلوب هو الصمود امام الموجة الراهنة من الضغط الامريكي ـ الاسرائيلي على الفلسطينيين والعرب والمسلمين. لان الرضوخ والتراجع امامها لا يكشفان عما تحمله في طياتها من نقاط ضعف وإمكانات هزيمة وخسائر، وسيؤديان الى تخريب ما تحقق من انجازات في جبهتها ويلحقان بنا أشد الاضرار والكوارث. اما الصمود فهو ممكن بل يحمل وعودا بتحقيق انتصارات.

وبالمناسبة يجب ان يقرأ ما تقدم باعتباره تقديرا للموقف وليس باعتباره مجردا موقف جهادي ومبدئي فقط.



>

--------------------------------------------------------------------------------
>
* مفكر وباحث اسلامي.

>[1]> انظر: ناجي علوش، (المقاومة العربية في فلسطين)، اصدار مركز الأبحاث الفلسطيني، 1967، الصفحات: 66،67، 73،74،77،78.

>[2]> النص الوارد في اعلان الدولة بالحرف الواح: (اقرت الجمعية العامة للامم المتحدة في التاسع والعشرين من نوفمبر 1974 مشروعاً يدعو الى اقامة دولة يهودية في ارض اسرائيل. وطالبت الجمعية العامة سكان أرض اسرائيل باتخاذ الخطوات اللازمة من ما نبهم لتنفيذ ذلك القرار. ان اعتراف الامم المتحدة هذا بحق الشعب اليهودي في اقامة دولة هو اعتراف يتعذر الرجوع عنه او الغاؤه).

>[3]> (وثائق فلسطينية) ص 315.

>[4]> انظر: مونيك شيمبي جاندور، البروفيسورة في القانون الدولي جامعة باريس 7 دونيه ديدرو، في مجلة (ملتقى المتوسط) لامارتان، باريس، عدد 26 من عام 1998.

>[5]> انظر: ناجي علوش، المقاومة العربية في فلسطين 1917 ـ 1948 (مصدر سابق)، الفصل الثالث، ص 73 ـ 149.

>[6]> (وثائق فلسطينية) دائرة الثقافة / منظمة التحرير الفلسطينية، 1987، ص 32.

>[7]> انظر: محمد عزة دروزة، حول الحركة العربية الحديثة ج1، المكتبة العصرية، صيدا، لبنان، ص 138.

>[8]> انظر: غازي خورشيد، دليل المقاومة الفلسطينية، م. ت. ف، مركز الأبحاث الفلسطيني، بيروت، 1971، ص 11 ـ 15.

>[9]> المصدر أعلاه، ص 11.

عبدالوهاب محمد الجبوري
11/05/2008, 06:14 PM
المشروع الصهيوني في فلسطين التسويات والحلول، المقاومة والانتفاضة

منير شفيق*



يقول الله تعالى:

(وان قوتلتم لننصرنكم، والله يشهد انكم لكاذبون) (الحشر: 11)

(مالكم لا تناصرون) (الصافات: 25)

(يا أيها الذين آمنوا ان تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم) (محمد: 7)



طبيعة المشروع الصهيوني

أ ـ حمل المشروع الصهيوني في غزو فلسطين ضمن اطار الاستراتيجية الاستعمارية البريطانية هدف الاستيلاء على الارض واقتلاع شعبها والحلول مكانه. الامر الذي جعله يحدد طبيعة الصراع على أرض فلسطين باعتباره صراع وجود وليس صراع حدود، وليس صراعاً سياسياً او اقتصادياً حول طبيعة النظام، أيكون رأسمالياً ام يكون ديمقراطياً او ديكتاتورياً او غيره وليس صراعاً ضد نظام أبارتايد كما كان الحال في جنوبي أفريقيا.

وهذا ما نفذ فعلا بدعم مباشر من الانتداب البريطاني الذي فتح له ابواب الهجرة وحماها بالقوة ومكن لها بتسليحها وبنا قواتها المسلحة. ولم يغادر الانتداب البريطاني فلسطين الا بعد استصدار قرار التقسيم رقم 181 لكي يستند اليه المشروع الصهيوني بإعلان دولته، وقد تأكد أنه يمتلك من القوة العسكرية ما يسمح له بأن يحتل القسم الاعظم منها ويقتلع غالبية شعبها ويهجرهم بالعنف، وما يسمح له بان يهزم (الجيوش) العربية التي دخلت لانقاذ ما يمكن إنقاذه. فلكي يكون بالإمكان ان يبتلع العرب والمسلمين ضياع الجزء الاكبر من فلسطين وقيام الكيان الصهيوني كان من الضروري استبقاء القدس الشرقية وما عرف بالضفة الغربية وقطاع غزة.

ب ـ اما الطبيعة الثانية للمشروع الصهيوني والتي حددتها الاستراتيجية الاستعمارية في أن تقوم قاعدة عسكرية تمسك بخناق مصر وقناة السويس وتقف سداً بين المغرب العربي والمشرق العربي. وقد تحولت الدولة العبرية، من خلال المشروع الصهيوني أيديولوجياً وسياسياً واهدافاً خاصةً واندماجاً بالاستراتيجية الاستعمارية البريطانية ـ الغربية ثم الامريكية الغربية، وبعد ما اصابته من قوة عسكرية وتطور تقني، وبعد ما حل بالوضع العربي من ضعف إثر حرب الخليج الثانية الى دولة هيمنة تحمل استراتيجية فرض (سلامها) على المنطقة العربية لتعيد رسم خريطتها وتعمل على صهينتها.



التسويات 1917 ـ 1947

أ ـ يشيع البعض انه كان بالامكان التوصل الى التفاهم لو كانت القيادة الفلسطينية او قيادات الدول العربية مرنة وقبالة للمساومة ما بين 1917 و1947 ومن ثم كان بالإمكان التعايش للحيلولة دون الوصول الى إقامة الدولة العبرية، او كان بالامكان القبول بالتقسيم وتجنيب ما حدث من تهجير وتهويد وتوسيع للدولة العبرية.

في الحقيقة، تكذب الوقائع التاريخية هذا الرأي. فالقيادة الفلسطينية لم تترك مناسبة للتفاهم او المهادنة او المساومة الا أخذت بها. ولعل من ابرز امثلة ذلك الموقف من مذكرة ملز والموافقة على إقامة حكم وطني برلماني. وقد رحب المندوب السامي بهذه الايجابية ولكن وزارة المستعمرات البريطانية رفضت المذكرة تحت ضغط الحركة الصهيونية، وثمة مثال آخر من بين أمثلة كثيرة، وهو موافقة الحاج امين الحسيني على مشروع س. ج فيلبي في أكتوبر 1929مع تعديلات طفيفة تطالب بقيام جمهورية ديمقراطية في فلسطين. وقد قبل حتى باستمرار الهجرة، ضمن طاقة البلد الاقتصادية. ولكن بريطانيا عادت وتراجعت عن مشروع فيلبي تحت ضغوط الصهيونية. ثم أصدرت الحكومة البريطانية في تشرين الاول/ أكتوبر 1930 (الكتاب الابيض) الذي ووفق عليه من قبل القيادة الفلسطينية. فاستقال وايزمن رئيس الوكالة اليهودية وعمت تظاهرات اليهود مختلف مدن أوروبا وأمريكا في يوم واحد. فتراجعه بريطانيا مرة اخرى>[1]>.

بكلمة، طوال المرحلة الممتدة من 1917 ـ 1947 كان موقف القيادة الفلسطينية، واكثر مها العربية، مرناً جداً ومتعاوناً الى أقصى الحدود مع بريطانيا. وكان مطلبها الدائم اقامة حكومة ديمقراطية لكل فلسطيني مع القبول بالامر الواقع الذي قام نتاج الهجرة. واذا كان هنالك من نقد فيجب ان يتجه ضد تلك المرونة وذلك التعاون لانهما ميعا المقاومة ولم يكونا مجديين. فالمشروع الصهيوني كان قد حدد هدفه وهو واثق من الدعم والحماية الخارجيين، ومن ثم ما كان للمرونة والأريحية وحسن الاخلاق ان يقنعاه بقبول أي حل، في حينه، ما دام يستطيع ان يحقق اكثر فأكثر، بل كان كل تراجع يشجعه على المضي قدماً نحو الهدف، وبأقل ما يمكن من المخاسر مادام تمييع المقاومة واضعافها مصاحبين للمرونة وتقديم التنازلات. وهذا ليس رأياً وانما هو ما جرى على أرض الواقع الذي لامراء فيه.

ب ـ لم يكن الموقف الصهيوني يختلف لابنسبة الى قرار التقسيم رقم 181 لعام 1947. فالبعض يظن ان القرار كان سيطبق لو وافقت عليه القيادة الفلسطينية والجامعة العربية. وهو وهم كبير يقع تحت تأثير الدعاية الصهيونية او من اجل الترويج للدخول في التسوية لئلا (تضيع الفرصة) كما ضاعت عام 1947.

من يلقي نظرة الى خريطة التقسيم سيجدها فورا غير قابلة للتطبيق مطلقاً بسبب تداخل المناطق والسكان، وسجد ان القيادة الصهيونية لا تستطيع معها أن تقيم دولتها وهي أول من سينسفها على أرض الواقع فهنالك اغلبية عربية حتى في المناطق التي خصصت للدولة العبرية. وكان بريطانيا تعلم علم اليقين ان قرار التقسيم غير قابل للتطبيق. ولكنها أرادت منه ان يعطي (شرعية) دولية او يشكل سنداً لاعلام قيام دولة اسرائيل ليس أكثر. ومن ثم يعاد رسم الخريطة وفقاً لميزان القوى على الأرض.

ولم يكن هذا الامر بخاف على الفلسطينيين والعرب وهو أن المطلوب منهم ان يوافقوا عليه. أي ان يعطوا شرعية لقيام الدولة العبرية وبعد ذلك سيندلع القتال لا محالة. فجيش الهاغانا اصبح جاهز التسليح والتدريب والتنظيم والمستعمرات تحولت الى قلاع عسكرية ولهذا كان سيهتبل اول فرصة، ان لم يفتعلها هو، لاشعال القتال وبدء التطهير العرقي الذي لا غنى له عنه.

اذا اخذت الحقائق التالية في الاعتبار:

> 1) >ـ ان القوات العسكرية الضاربة المتحركة للهاغانا تكاد تكون عشرة اضعاف الجيوش العربية التي دخلت الى فلسطين. فقد كانت 63 ألفا بينما الجيوش العربية 23 الفاً، فإذا خصمت من هذه الاخيرة قوات الخدمات المختلفة يتبقى حوالي ستة آلاف قوات ضاربة متحركة. فالنتيجة عشرة الى واحد واذا تشكك احد في الارقام فليعتبرها خمسة الى واحد ثم ليضف التفوق في السلاح ونوعيته والامداد المستمر مع دخول الدعم العسكري السوفياتي (التشيكي) كذلك. ثم ليؤخذ في الاعتبار هزال تسلح المجاهدين الفلسطينيين. فقد كان يحكم على من يمتلك مسدسا منهم بالاعدام حتى أيار (مايو) 1948 الى انتهاء الانتداب.

> 2 >ـ الوضع العربي المجزأ والمتحكم فيه عموما من قبل بريطانيا. لا يشكل تهديدا يحسب له حساب بالنسبة الى قيام الدولة العبرية لا في مجال السياسة ولا في المجال العسكري.

> 3) >ـ الدول الكبرى كلها تقف الى جانب الطرف الاسرائيلي سياسيا ومعنويا وماديا وعسكريا.

> 4) >ـ المشروع الصهيوني يريد إقامة دولة يهودية خالصة وبإمكانه ان يفعل ذلك ضمن المعطيات الثلاثة أعلاه فكيف يمكن ان ينفذ قرار التقسيم؟

هنا يظهر الوهم في المقولة التي تدعي ان قرار التقسيم كان سيطبق ووافق عليه الفلسطينيون والعرب أو ان الموافقة كانت ستحرج الدولة العبرية عالميا وعند من؟ اعند بريطانيا وامريكا وفرنسا والاتحاد السوفياتي واوروبا؟ ومن ثم فان الموافقة ما كانت لتفعل غير إعطاء شرعية للدولة العبرية من قبل الفلسطينيين والعرب، وبالمجان بل مع الكارثة كذلك.

وبالمناسبة لم يصد تصريح رسمي اسرائيلي واحد حتى يومنا هذا أعلن موافقته على قرار التقسيم بل ان النص الذي أعلنت من خلاله الدولة استند الى ان هيئة الامم المتحدة اعترفت بحق اسرائيل بأقامة دولتها. أي اخذ نصف القرار او ما له علاقة به ولم يعترف بالقرار كل>[2]> اما في المشروع الذي قدمته الدولة الاسرائيلية الى لجنة التوفيق مايو 1949 فجاء فيه:

(1 ـ تعتبر الحدود الدولية لفلسطين ايام الانتداب البريطاني حدودا طبيعية لدولة اسرائيل،

2 ـ تكون المنطقة الوسطى لفلسطين (الضفة الغربية) استثناء مؤقتاً تحت السلطة العسكرية الاردنية الى حين التسوية النهائية،

3 ـ بحث قضية اللاجئين الفلسطينيين ووفق هذه الشروط ومع التسوية النهائية التي يجب ان تتم مع كل دولة عربية على انفراد)> [3]>.

ومن هنا يظهر بوضوح ان طريق المساومة او التفاهم او التنازلات كان مسدودا تماما من جانب المشروع الصهيوني. وان كل خطوة بهذا الاتجاه شكلت تنازلا مجانيا من قبل الفلسطينيين والعرب ومن دون ان تغير شيئا في تصميمه على تحقيق أهدافه، او في تغيير مواقف الغرب منه، وبلا أي كسب ملموس للرأي العام الغربي او الاسرائيلي. سيما عدم الاعتراف بقرار التقسيم وعقد معاهدة بين الدولتين ابقى الدولة العبرية غير شرعية من وجهة نظر القانون الدولي حتى يومنا هذا>[4]>.

النص الوارد في اعلان الدولة، وبالحرف الواحد: (أقرت الجمعية العامة للامم المتحدة في التاسع والعشرين من نوفمبر 1947 مشروعا يدعو الى اقامة دولة أرض اسرائيل. وطالبت الجمعية العامة سكان ارض اسرائيل باتخاذ الخطوات اللازمة من جانبهم لتنفيذ ذلك القرار. ان اعتراف الامم المتحدة هذا بحق الشعب اليهودي في إقامة دولة هو اعتراف يتعذر الرجوع عنه او الغاءه)> [5]> لاحظ ليس ثمة ذكر لفلسطين او لاسم القرار، ناهيك عن الاعتراف به.



الغدة السرطانية

ويؤكد ما تقدم ان الموقف العربي الرسمي الذي راح يطالب منذ 1950 الى 1967 بتطبيق قرارات هيئة الامم المتحدة كان مرفوضا تماما من جانب الدولة العبرية. ويكفي ان نلحظ ما مر اعلاه بأنها لم تعترف بالضفة الغربية جزءا من الاردن واعتبرت الوجود الاردني استثناء ومؤقتا. اما المواقف من القرارين 242 و338 فمعروف اذ لم توافق عليهما الدولة العبرية وجاء اتفاق اوسلو الى مفاوضات كامب يفيد 2 ليكشفا عن اطماع بالاستيلاء حتى على ارض الحرم القدسي الشريف وابقاء كل فلسطين تحت سيطرتها حدودا ومياها واجواء وأرضا، فقد اعتبرت ان انسحابها من المدن بموجب اتفاق اوسلو وما تلاه من اتفاق مجرد (اعادة انتشار) وليس انسحابا فضلا عن رفضها لحق العودة، وسعيها مقابل (تنازل) عن اراض عربية احتلتها عام 1967 الى اقامة شرق أوسط تحت هيمنتها (مشروع بيريز). أي اننا اليوم في مواجهة مشروع صهيوني يتعدى إقامة دولة يهودية في فلسطين، ويتعدى القيام بمهمات عسكرية في مصلحة الاستراتيجية الغربية، الى السعي للهيمنة على المنطقة كلها واعادة رسم خرائطها وأخضاعها للتغلغل والنفوذ الصهيونيين بما في ذلك تغيير هويتها. الامر الذي يؤكد مقولة الامام الخميني رحمه الله بوصف الدولة العبرية بالغدة السرطانية أي انها اكثر من دولة اغتصب فلسطين واكثر من قاعدة عسكرية ضمن الاستراتيجية الامبريالية الغربية، فهي سرطان يريد الانتشار في الجسم العربي والاسلامي كله. وهذا ما ظهر خلال التسعينيات من القرن الماضي بعد اطلاق ما سمي بعملية التسوية السلمية اكثر مما كان ظاهرا قبل ذلك من خلال حالة الحرب، او حالة لا حرب ولا سلم بمشروع اقامة الوطن القومي اليهودي والقاعدة العسكرية الامامية للإمبريالية تحولا الآن الى غدة سرطانية تهدد البلدان العربية والاسلامية كافة، وليس فلسطين فقط. وان خطرها في حالة (السلم) اشد منه، مرات مضاعفة، في حالة الحرب والمواجهة. لان خطر التغلغل في الجسد كله والانتشار فيه أسوأ من خطر اقتطاع بعض اطرافه.

وبالمناسبة، يمكن الاشارة الى مسألتين اشار اليهما الامام الخميني ظهرت اهميتهما وتكشف بعد نظره حولهما بعد خمسة عشر عاما من اطلاقهما: الاولى وصف الدولة العبرية بالغدة السرطانية وليس مجرد (قاعدة عسكرية عدوانية توسعية). والثانية فتواه المتعلقة باعتبار آخر جمعة من رمضان في كل عام يوما عالميا من اجل القدس فعندما جاءت الذكرى العشرين لتلك الفتوى في رمضان الفائت كانت قضية القدس قد احتلت رأس الاجندة واصبحت قضية الصراع الأولى واندلعت من اجل انتفاضة الاقصى والهبة الشعبية العربية والاسلامية التي شملت العالم الاسلامي كله، بينما كانت القدس في حينه عندما صدرت الفتوى في آخر الاجندة حتى في مشاغل الصورة الفلسطينية.



المقاومة بين 1917 ـ 1947

أ ـ اخذت مقاومة شعب فلسطين للمشروع الصهيوني والانتداب البريطاني اشكالا عدة فقد بدأت بالمؤتمرات والتظاهرات ووصلت الى ثورة البراق في 1929 ثم عادت تتراوح بين المؤتمرات والاضرابات والتظاهرات واشكال المقاطعة ومقاومة بيع الارض حتى وصلت عام 1934 ـ 1935 الى ارهاصات العمل المسلح والذي توجته ثورة الشيخ عز الدين القسام والتي لجأت الى الريف لتبدأ عملها من هناك. ورغم انها سرعان ما صفيت الا انها وضعت علامة بارزة تدل على الطريق وكانت ردود فعل الجماهير في جنازة القسام او يوم اعدام نائبه ابن السبعين الشيخ فرحان السعدي الذي صعد الى حبل المشنقة صائما تظاهرات واضرابات ومن يومها اصبح القدر يغلي اكثر من أي يوم مضى حتى اندلع اضراب عام 1936 (دام ستة أشهر)، ثم تحول الى ثورة مسلحة امتدت الى 1939>[6]>.

فعلى الرغم من التضحيات الجسام، ومن الاصرار على المقاومة بكل اشكالها، وعلى الرغم من الاستعداد لتقديم المزيد الا ان عاملين لعبا دورا في عدم النجاح بفرض توقف الهجرة وطرد الاستعمار البريطاني: الاول كان موقف الدول العربية، في حينه، والذي لم يؤمن قاعدة الحماية والدعم الا بحدود ضيقة جدا، بل كثيرا ما راح يضغط لوقف الثورة مراعاة لوعود الصديقة بريطانيا العظمى>[7]>، والثاني يرجع الى المرونة الزائدة التي مارستها القيادة الفلسطينية على أمل ان تحل المسألة بالتفاوض والتفاهم واظهار حسن النية. ولكن العامل الاول مرتبط بميزان القوى العالمي الذي تشكل بعد الحرب العالمية الاولى ومن ثم يجب ان يستحضر هنا باستمرار ان ميزان القوى اقليميا وعالميا لم يكن مؤاتيا لا بصورة مباشرة ولا غير مباشرة بالنسبة الى كفاح الشعب الفلسطيني، وان وصول المشروع الصهيوني الى يوم اقامة الدولة العبرية تم تحت الحماية البريطانية فكانت بريطانيا هي التي تقاتل مباشرة نيابة عنه فمسار الاحداث كان أكثر تعقيدا من ان يغيره موقفا هنا او موقف هناك.

ب ـ وجاءت هزيمة حرب 1948/1949 وإقامة الدولة العبرية، واعلان البيان الثلاثي البريطاني ـ الفرنسي ـ الامريكي عام 1950 في المحافظة على خطوط الهدنة القائمة لتدخل الاردن الذي ضمن الضفة الغربية، ومصر التي بقيت في قطاع غزة، ولبنان وسوريا في مواجه مباشرة مع الدولة العبرية عبر الحدود الممتدة من العريش حتى شواطئ مباشرة مع الدولة العبرية عبر الحدود الممتدة من العريش حتى شواطئ طبريا. وليتمزق الشعب الفلسطيني شر ممزق: جزء صغير بقي تحت الدولة العبرية، وجزء في الضفة والقطاع واجزاء مهجرة في الضفة والقطاع والاردن وسوريا ولبنان ومصر والعراق غير الذين راحوا يتسربون الى كل أقطار الدنيا إما بحثا عن عمل او طلبا للدراسة. اما الطلائع السياسية التي نشأت بعد النكبة فقد اتجهت بانظارها الى العمل من اجل التغيير العربي باعتباره شرط التحرير والعودة. ثم بدأت تتشكل بعد العدوان الثلاثي، 1956 واحتلال غزة والانسحاب منها نويات تفكر بالعودة الى الكفاح على أرض فلسطين. وقد توج ذلك باعلان الثورة الفلسطينية في 1/1/1965 من خلال قوات العاصفة الذراع المسلح لحركة فتح>[8]>. وكان قد سبق ذلك تشكل م. ت. ف عام 1964 وتأليف جيش فلسطيني تابع لها بقرار قمة عربية عقدت في ذلك العام للرد على تحويل مجاري نهر الاردن من جانب الدولة الاسرائيلية>[9]>.



المقاومة بعد عدوان 1967

على ان عدوان حزيران 1967 سمح بتحول ما كان مرحلة متواضعة الى تيار مقاومة مسلحة وقد عرفت هذه التجربة من 1968 الى 1973 اشكال النضال التالية:

> 1)> مقاومة مسلحة ذات قواعد ارتكازية في الاردن وسوريا ولبنان وعرفت اشتباكات على القشرة في الحدود الاردنية ثم في جنوبي لبنان كما عرفت حروب عدوان أهمها، 1973، 1978، 1982 في لبنان، وعدوان 1968 (معركة الكرامة في الاردن).

> 2)>قامت مقامة مسلحة من خلال خلايا سرية داخل فلسطين، وعمليات عسكرية من خلال التسلل عبر الحدود. اما العمل السياسي فقد تركز على خدمة هدف المقاومة والتحرير وتعزيز خط الكفاح المسلح او حرب الشعب.

> 3) >حدث تطور هام بعد العام 1985 بدخول قوى اسلامية الى ميدان العمل المسلح مستقلة عن م. ت. ف. مما اعاد جزء ا من الامور الى نصابها بعد ان غيبت الاسلام عن المقاومة الفلسطينية.

> 4) >اما التطور الثاني فكان اندلاع الانتفاضة 1987 ـ 1993 والى جانبها استمرار العمل المسلح او المقاومة المسلحة.



تنفيذ 1987 ـ 1993

يمكن اعتبار الشكل النضالي الذي سمي بالانتفاضة أبداعا شعبيا عفويا لم يخطط له احد لا باعتبارها استراتيجية ولا من جهة الاشكال التي عرفها. وإن اعطته فصائل المقاومة من فتح والفصائل المنظمة لـم. ت. ف وحماس وحركة الجهاد زخما ووفرت له قيادة مركزية. اما اشكال عمل الانتفاضة فأخذت:

> 1)>ـ شكل العمل الجماهيري الواسع من تظاهرات واعتصامات اضرابات.

> 2) >ـ التكافل الاجتماعي لدعم الانتفاضة.

> 3) > مجموعات الاشتباك مع قوات العدو بالحجارة واستخدام تكتيك المناوشة وانتقال مركز الثقل في المواجهة من منطقة الى أخرى.

> 4)> العمل المسلح من القاء قنابل المولوتوف الى العمليات العسكرية.

على ان السلبية التي ظهرت خلال هذه المرحلة جاء من تشكل الميليشيات ومحاولة السيطرة على الشارع تحت حجة تنظيمه وضبطه. فكان من نتائج ذلك اضعاف زخم المشاركة الجماهيرية وبروز سلبيات وانخفاض منسوب المواجهات. وكان ذلك سياسة قادتها فتح لضبط الشارع تهيئة لما يمكن ان ينجم عن المفاوضات التي بدأت في مؤتمر مدريد وانتقلت الى واشنطن. ومن ثم عندما جاء اتفاق اوسلو لينهي الانتفاضة كان الشارع قد أرهق من داخله، لا من المواجهات مع قوات الاحتلال وإنما من خلال السنوات الثلاث الاخيرة.



البرامج السياسية والاستراتيجية 1967 ـ 1993

عرفت المرحلة الممتدة من 1967 الى 1993 تغيرات برنامجية مست جوهر ميثاق م. ت. ف ومنطقات فتح.

> (أ‌) >بدأت بإدخال شعار الدولة الديمقراطية العلمانية حلا للقضية الفلسطينية ولكنه اشترط تصفية الكيان الصهيوني. الجيش والدولة والاجهزة والمؤسسات واريد من هذا الشعار كما يبدو مخاطبة الرأي العام الغربي والاسرائيلي، ودحض التهمة الاسرائيلية بان هدف الفلسطينيين القاء اليهود في البحر. وكان شعارا قادرا على التأثير في اجواء اليسار الجديد والمنظمات الماركسية ـ اللينينية ـ افكار مائو تسي تونغ. وفتح الباب لحوار مع اليهود داخل فلسطين وخارجها ممن يؤيدون اقامة ديمقراطية علمانية يعيش فيها ويتساوى المسلمون والمسيحيون واليهود في فلسطين.

ولكن هذا الشعار عرض فتح الضغوط شديدة من قبل السوفيات والاحزاب الشيوعية الغربية وعدد من القوى الصهيونية والليبرالية الاوروبية باعتباره غير عملي. وكان من اصابه من تأييد خارجي محدودا جدا اقتصر على بعض القوى اليسارية او الليبرالية الهامشية.

> (ب‌) >جاء التغير الثاني بطرح ما سمي بالبرنامج المرحلي برنامج النقاط العشر، 1974 وهو العمل على اقامة سلطة فلسطينية مقاتلة على أي جزء يتحرر من فلسطين، مع التأكيد على كل ثوابت ميثاق م. ت. ف ورفض التفاوض وقراري 242 و338. وذلك من اجل امكان تمرير (هدف اقامة سلطة وطنية فلسطينية) ثم بدأت تتهاوى كل البنود الاخرى من النقاط العشر ليبلور الهدف بإقامة دولة فلسطينية ثم اعلان دولة فلسطينية تعترف بقرار 242 عام 1988 في الجزائر.

ج ـ كان وراء هذا لتغيير عام 1973 الرئيس المصري انور السادات والاتحاد السوفياتي الذي راح يتعاظم نفوذه في الساحتين اللبنانية والفلسطينية. وهو ما دعم في قمة الرباط 1974 باعتبار م. ت. ف الممثل الشرعي والوحيد. وقد اتضح فيما بعد ان السادات اراد من ذلك اما ادخال الفلسطينيين معه الى التسوية او نفض يديه من مسؤولية قطاع غزة ما دام هنالك ممثل شرعي ووحيد. اما الاتحاد السوفياتي فكان ذلك مدخله للتوفيق بين دعم م. ت. ف واحتوائها من جهة وقرار 242 من جهة اخرى. أي لم تعد م. ت. ف تهدف الى اقامة الدولة الديمقراطية او تصفية الدولة العبرية.

ان طرح موضوع السلطة او الدولة كان مدخلا لحوار اوساط اوسع داخل الكيان الصهيوني ممن يقبلون بإقامة دولة فلسطينية الى جانب الدولة العبرية كما على مستوى عالمي وكان المحاورون الاساسيون هنا من الاتجاه السوفياتي. وهؤلاء لا يقلون هامشية عن سابقيهم داخل الكيان الصهيوني، وان اختلف الوضع على مستوى المنظومة الاشتراكية والاحزاب الشيوعية الأوروبية. وهنا بدأت الضغوط والإغراءات للحديث مع القوى اليسارية داخل حزب العمل او اليسار الصهيوني ممن يقبلون اقامة (دولة فلسطينية)، وهكذا بدأت كرة الثلج تكبر حتى وصلت اتفاق اوسلو وتداعياته.



اشكالية طرح الحلول للقضية الفلسطينية

أ ـ إن أهم الدروس التي يجب ان تستقي هنا هي الفخ الذي يقع فيه من يبدأون بطرح الحلول للقضية الفلسطينية ابتداء من حل الدولة الديمقراطية الى حل الدولتين، الى حل دولة لكل مواطنيها او دولة ثنائية القومية. لان كل حل يطرح يحمل تنازلا مجانيا ما للمشروع الصهيوني، وتخليا عن ثابت ما من ثوابت القضية الفلسطينية. وكل حل يتعرض فورا لضغوط تدفعه للسير على النهج نفسه من اجل ان يكون اكثر عملية وواقعية، فيبدأ الاستدراج لتنازلات اخرى خطوة بعد خطوة. ولعل مما يشجع البعض ان يجدوا ما يقترحونه من حل تعارضه الصهيونية، او القوى المتطرفة، فيتصورون انهم به يقاومون او يحرجون الصهيونية او انه سيقضي على المشروع الصهيوني. ولكن عليهم ان يلحظوا ان كل حل حتى اتفاق اوسلو وما هو أسوأ من اوسلو لا يقبل به المشروع الصهيوني. فالمشروع الصهيوني ترك حدوده الفعلية والهيمنية ومطامحه ومطامعه مفتوحة للتوسع المستمر بها، فترى قادته حين يطرحون حلا تعجيزيا او مغاليا، ثم تقبل يه يندمون فورا ويلحسون تعهداتهم وتوقيعهم قائلين لانفسهم ما داموا قبلوا بهذا كان يجب ان نطلب المزيد فلا بد يقبلوه. أي أن حجة معارضتهم لمشروع ما ليست حجة في مصلحته، فهم يعارضون أنفسهم طمعا بالمزيد. وهذه تجربة اتفاق اوسلو وما تلاه من اتفاقات على سبيل المثال.

ثم ان من الوهم التصور ان طرح مشروع حل إنساني يحرجهم ما داموا مؤيدين من ساسة الغرب والاعلام العالمي وما داموا متفوقين في ميزان القوي ولهذا ان التجربة تعلم ان علينا طرح هدف مباشر قبال للتنفيذ وعدم الخوض في تقديم حل نهائي للصراع. وذلك مثل تحديد هدف دحر الاحتلال عن جنوبي لبنان من دون ان يقرن بحل لما بعد ذلك ناهيك عن طرح حل نهائي ونحدد هدف دحر الاحتلال من الاراضي التي احتلت في حرب الخامس من حزيران من دون ان نقول ماذا سيكون الهدف اللاحق او ماذا سنعمل تاركين الجواب لحينه إذ عندئذ لكل حادث حديث. وكان هذا النهج منسجما مع منطلقات فتح لو تبنته بدلا من مشروع الدولة الديمقراطية او السلطة، والدولة وهو ما طبقه بنجاح منقطع النظير حزب الله في تحديده لهدف المقاومة وفي إدارته للصراع. وهو ما تتبناه حماس وحركة الجهاد في تحديد هدف استراتيجية انتفاضة الاقصى والمقاومة أي هدف دحر الاحتلال وبلا قيد او شرط الى خطوط الرابع من حزيران.

ب ـ أثبتت تجربة طرح الحلول أن كل حل يحمل في كل مرة إستراتيجيته المناسبة له. فحل الدولة الديمقراطية العلمانية ارتبط بتصفية الكيان الصهيوني واعتماد سياسة الكفاح المسلح مع اختلاط بين هدف التحرير الكامل والمقاومة للاحتلال. وحمل هدف إقامة الدولة على أي جزء يتحرر او في حدود 242 استراتيجية الشعب للانخراط في التسوية مما هبط باستراتيجية الكفاح المسلح والمقاومة واخضعهما لمقتضيات الحل السياسي من خلال المعادلة الدولية والعربية. وعند ما تحقق الانخراط في عملية التسوية بعد مؤتمر مدريد اخضعت الانتفاضة والمقاومة لاتفاق أوسلو ـ الحكم الذاتي على أمل التحول الى دولة مستقلة من خلال استراتيجية المفاوضات.

ج ـ اما الابتعاد عن طرح الحلول النهائية او المرحلية وحصر الهدف بدحر الاحتلال الذي وقع في حرب حزيران فمن شأنه المحافظة على كل الثوابت وعدم الدخول في لعبة التسوية وتقديم التنازلات، ويسمح بالتقاطع مع مواقف الدول العربية ومع القرارات الدولية ذات الشأن.

هذا من جهة أما من جهة أخرى فيمكنه وحده تحقيق وحدة وطنية فلسطينية واعطاء زخم هائل لاستراتيجية الانتفاضة والمقاومة، وتعبئة اوسع القوى العربية والاسلامية والعالم ثالثة، والرأي العام العالمي حوله. اما الدخول في عملية التسوية او عقد اتفاقات تمس جوهر القضية الفلسطينية مثل الاعتراف بالدولة العبرية والمساومة على حق العودة وحق تقرير مصير الشعب الفلسطيني على كل فلسطيني فمن شأنه ان يحدث شروخا داخل الصف الفلسطيني وداخل الصف العربي والاسلامي. وان الامر كذلك بالنسبة الى طرح الحلول المستقبلية للصراع اذ لا يمكن تحقيق اجماع حولها.

ولهذا إذا كنا نردي ان نكون عمليين وواقعيين وقادرين على احداث التغيير ولو جزئيا فان هدف دحر الاحتلال وبلا قيد او شرط هو الهدف العملي الواقعي والممكن التحقيق، والذي يسمح بتشكيل اوسع وحدة وطنية فلسطينية، واعرض جبهة عربية وإسلامية، وباعطاء الشرعية للانتفاضة والمقاومة المسلحة باعتبارهما استراتيجية كفاح وجهاد ضد احتلال.



الوحدة الوطنية الفلسطينية

أ ـ لو راجعنا التجربة التاريخية في مقاومة المشروع الصهيوني منذ 1917 حتى اليوم سنجد ان الوحدة الوطنية كانت تتحقق في المواجهات الكبرى مثل إضراب 1936 أو الثورات 1937 و1948 ـ 1948 وفي مرحلة المقاومة الفلسطينية 1968 ـ 1973 وسنجدها تتعرض للتصدع عند كل مساومة، او طرح حلول مستجيبة لما يعرض من مشاريع. فمن أهم التصدعات التي عرفتها م. ت. ف كان مشروع النقاط العشر، ومن ثم الاشارة للسعي نحو الدخول في عملية التسوية. ويكفي ان نلحظ الشرح العميق الذي حدث بعد اتفاق اوسلو ومع تداعياته والاتفاقات اللاحقة به. هنا انقسم الصف الفلسطيني بين اتجاه اعلن استعداده للاعتراف بشرعية الدولة العبرية وعقد صلح معها وتنبيه لاستراتيجية المفاوضة باعتباره البديل الوحيد الذي يمكنه ان يحقق شيئا، واتجاه اساسا حماس وحركة الجهاد والفصائل المعارضة في دمشق استمسك بالثوابت وباستراتيجية المقاومة المسلحة والتهيئة للانتفاضة ان أمكن، واتجاه ثالث التقى جزئيا مع الاتجاه الاول حتى مؤتمر مدريد، وجزئيا مع الاتجاه الثاني في رفض اتفاق اوسلو. وحدثت شروخ موازية، في الوقت نفسه، ضمن الصف العربي والاسلامي. ثم ها نحن اولا شهدنا كيف عادت الصفوف لتلتئم في ظل العودة الى استراتيجية الانتفاضة والمقاومة. ولكنه التئام ميداني في المواجهة وليس في الهدف السياسي واستراتيجية تحقيق الهدف، إذا ظل الاتجاه الاول مستمسكا بخط المفاوضات وبنهج اتفاق اوسلو بل يريد ان يشرع بالمفاوضات من حيث انتهت. وقد ورط الموقف العربي كله في مؤتمر عمان، بتأييد هذا التوجه، علما ان اغلب الذين وافقوا على شعار استئناف المفاوضات من حيث انتهت لا يعلمون يقينا اين توقفت، وما هي التنازلات الفلسطينية التي قدمت فيما يتعلق بالقدس الشرقية والمستوطنات والحدود وقضية اللاجئين، الامر الذي يهدد مرة أخرى بشق الموقف العربي إذا ما استؤنفت المفاوضات وتبيين ان هنالك تنازلات عن دحر الاحتلال الى ماوراء خطوط الرابع من حزيران، 1967 وربما عن قضايا تمس جوهر المسألة الفلسطينية.

ب ـ المهم أن نلحظ ان الوحدة الوطنية الفلسطينية كانت تتحقق في ميدان المواجهة وليس في مجال المفاوضات او المقاومات او تقديم الحلول! ولهذا عرفت الساحة الفلسطينية الوانا من العلاقات الداخلية الى جانب الوحدة في ميدان المواجهة، او بكلمة أخرى، عندما كانت الشروخ تبرز حوفظ على مستوى من العلاقات التي لا تصل الى الانقسام الدموي وأن وصلت أحيانا الى حدوده. ويجب ان يسجل هنا لحركة فتح حتى اتفاق اوسلو انها كانت حريصة على عدم تعدي الخطوط الحمر التي توصل الى الصراع الدموي. ولكن يجب ان يسجل لحركتي حماس والجهاد الفضل الاول في عدم تعدي تلك الخطوط بعد اتفاق اوسلو وما اتخذته السلطة الفلسطينية بحقهما من اجراءات قمعية او مجهضة لعمليات عسكرية كانتا تعدان لها ولا سيما اثر اتفاق واي ريفر المشؤوم الذي سعت إدارة كلينتون من خلاله الى إغراق الداخل الفلسطيني بالدم.

لقد جاءت تجربة ثماني السنوات الماضية منذ اتفاق اوسلو حتى اليوم لتعطي درسا للجميع ان العدو الصهيوني يستهدف الارض الفلسطينية كلها والثوابت كلها والشعب الفلسطيني كافة كما يستهدف العرب والمسلمين. وانه سيظل عدو الجميع وان حاول ان يبتسم لهذا ويركز سهامه على ذاك. ما يفترض دائما ان تبقي خطوط حمر لكل صراع فلسطيني ـ فلسطيني، او فلسطيني ـ عربي أو عربي ـ عربي، او فيما بين الدول الاسلامية عموما بحيث لا يصل الى حد القطيعة التامة او الدم، او نسيان العدو رقم واحد. فهذه الحالة يجب الا نصل اليها الا في حالة انتقال فئة الى العمل ضمن المشروع الصهيوني وأخذ الاوامر منه وتنفيذ خططه مثل نموذج جيش إنطوان لحد. بل حتى في هذه الحالة ابقي حزب الله وهو يقاتله باب العودة عن هذا الطريق مفتوحا، وعامل كل حالة وفق حالتها.

المهم أثبتت التجربة ان تدهور العلاقات الفلسطينية ـ الفلسطينية يجب الا يصل الى نقطة اللاعودة، او إراقة الدم، مع المعارضة الحازمة لكل تنازل ولكل إجراءات تعسفية او تعاون أمني مع العدو الصهيوني.

ج ـ اذا كان الوضع الفلسطيني اليوم قد عاد ميدانيا الى استراتيجية الانتفاضة والمقاومة، وحقق وحدة وطنية ميدانية فان كل ذلك سيظل مهددا في حالة العودة الى نهج اتفاق اوسلو ومفاوضات كامب ديفيد 2 وطابا. ولكن بالرغم من ذلك يتوجب دفع الانتفاضة، والمقاومة الى أقصى مدى حتى كسر إرادة الاحتلال وافشال استراتيجية الاجرامية، كما يتوجب تعبئة اوسع جبهة عربية واسلامية لدعم الانتفاضة والمقاومة، ومحاصرة الدولة العبرية وضرب العزلة على السياسة الامريكية، والتوسع في المقاطعة الشعبية للبضائع الامريكية بما ذلك تلك التي تعمل وطنيا من خلال امتيازات مثل الكوكاكولا وماكدونالدز وما شابه. وهنا يجب ان يشار بقوة الى ضرورة استنهاض العمل الشعبي والجماهيري عربيا وإسلاميا ليأخذ مكانه في المواجهة وعدم الاقتصار على مواقف الحكومات او الاحزاب المعارضة.



دروس من التجربة اللبنانية

سمعت أصوات كثيرة بعد انتصار المقاومة في جنوبي لبنان تقول ان من غير الممكن استنساخ التجربة اللبنانية فلسطينيا. فبعضهما أشر الى ما تلقاه حزب الله من دعم سوري وايراني مشددا على الدعم المادي الذي تلقاه من الجمهورية الاسلامية في ايران. علما ان هذين الدعمين كانا ممكنين او متاحين دائما للمقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني لو كانت هنالك إرادة أو سياسة للإفادة منهما. وبعضها لمح الى اختلاف الواقع الميداني بين جنوب لبنان والوضع في الضفة والقطاع. علما ان مزايا المقاومة المسلحة في فلسطين من جهة انزال الخسائر بالعدو وهي افضل عدة مرات مما كان عليه الحال في جنوبي لبنان حيث كان الوصول الى جيش الاحتلال يحتاج الى قطع المسافات الوعرة والخطرة الطويلة، والى مهارات عالية وفائقة لتخطي المراقبة وحقول الالغام والوصول الى المواقع الحصينة، او الافلات من الملاحقة وبعضها أشر الى ان استمساك العدو في احتلال جنوبي لبنان غيره في الضفة والقطاع فإذا صح هذا الرأي جزئيا الا ان جيش الاحتلال لم يتخل عن الجنوب والشريط الحدودي إلا وأنفه راغم، والا كيف دام الاحتلال اكثر من 22 عاما؟ وقد نسي هؤلاء ماذا كان يكتب ويحكي عن الاطماع في المياه اللبنانية او بالأهمية الاستراتيجية للشريط المحتل اما من الجهة الاخرى فلا يتذكر هؤلاء ان الدول العبرية عاشت حوالي العشرين عاما بلا قدس شرقية وبلا قطاع غزة وضفة غربية أي من الممكن ان يفرض عليها الانسحاب أذا توفرت شروط ذلك. ثم يصار الى نسيان ما اشيع في اثناء عملية المفاوضات ان ثمة استعدادا اسرائيليا للانسحاب من (93% من الضفة والقطاع) (بالرغم من انه رقم وهمي وغير صحيح)، فإن هذا يعني ان الاشكال بقي حول 7% ولنقل حول أربعين في المئة او ستين في المئة. فهذا يعني ان مبدأ الانسحاب قائم وليس محالا ومن ثم يكفي ان يوضع ما تبقى في كفة مقابل خسارة ما تحقق له من مكاسب في عملية التسوية او من خلال المعاهدتين المصرية والاردنية واتفاق اوسلو والهرولة التي تلته او ما راح يفتح أمامه من آفاق للتطبيع والعلاقات مع الدول العربية الأخرى، حتى يبين ان فرض الانسحاب عليه ممكن بلا شك.

على أن هؤلاء الذين أثاروا اشكالية عدم أمكانية نسخ التجربة اللبنانية في المقاومة فلسطينيا، وراحوا يتحدثون عن الفروق والميزات نسوا ما يلي:

1 ـ ان المقاومة المسلحة الفلسطينية سابقة للمقاومة الاسلامية في لبنان وانها لم تتوقف قط فهي ليست بحاجة الى ان تستنسخ التجربة اللبنانية وإنما أن تدرسها جيدا.

2 ـ في الساحة الفلسطينية ثمة ميزة الانتفاضة وانخراط جماهير وقوى أوسع من خلالها في مقاومة الاحتلال وإنزال خسائر اكبر به. ففي الانتفاضة الاولى اصبح الجيش الاسرائيلي يقوم بمهمة الشرطة ضد الاهالي مما ولد قلقا شديدا لدى القيادات الاسرائيلية بل فكر جديا بالانسحاب من قطع غزة بلا قيد او شرط وقد حمل هذا المعنى تصريح رابين حين تمنى ان يرى قطاع غزة يغرق في البحر.

3 ـ الدعم العربي والاسلامي، رسميا وشعبيا، بالنسبة الى الحالة الفلسطينية أقوى بكثير مما تمتعت به المقاومة في جنوبي لبنان بل ان ما تمتعت به تلك المقامة يندرج ضمن هذا الدعم للحالة الفلسطينية، بل هي نفسها دخلت معركة المقاومة مع اندلاع الانتفاضة في فلسطين. بل يمكن القول مسكينة المقاومة الاسلامية في جنوبي لبنان اذا ما قورن ما تلقته من مساندة ودعم مادي ومعنوي بما توفر ويمكن ان يتوفر المقاومة والانتفاضة في فلسطين.

4 ـ قضية القدس وأهميتها تعمل في الاتجاهين وليس في اتجاه واحد هو استمساك العدو الصهيوني بها. بل ان فعلها في الاتجاه الفلسطيني ـ العربي الاسلامي اشد مما كان عليه الحال بالنسبة الى تحرير ارض الجنوب، واشد ما يمكن ان يكون عليه الموقف الصهيوني.

ولهذا كان حديث الاستنساخ شكلي وسطحي في أحسن حالاته. ولكن ما يجب التعلم منه فهو دراسة تجربة حزب الله ولا سيما من النواحي التالية:

1 ـ أهمية التعبئة الايمانية للمقاتلين ولأهل الجنوب في مواجهة عدوان العدو وبطشه والقدرة على تحديده وصعوبات ميزان القوى مع رفع مستوى مهارة المجاهدين وصبرهم ومصابرتهم الى درجات عالية جداً متسلحين بالآية الكريمة ان تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم (محمد 7).

2 ـ وفر حزب الله قيادة ميدانية متماسكة ومصممة لا تحيد عن الهدف.

3 ـ حدد هدفا دقيقا قابلا للتحقيق هو دحر الاحتلال بلا قيد أو شرط، مع المحافظة على المبدأ من جهة عدم الاعتراف بحدود الدولة العبرية او القرارات الدولية التي تتضمن مثل هذا الاعتراف. ولهذا رفض ان يجيب عما سيفعله بعد انسحاب قوات الاحتلال. وكان من ميزات تحديد هذا الهدف أنه قابل لتوحيد الشعب اللبناني كله حوله وكذلك الموقف العربي والاسلامي، فضلاً عن انسجامه مع القرار 425 كما ان رفض التفاوض حتى على الانسحاب جعله ينسحب مهرولا بليل، وبفضيحة مجلجلة إذا غدر بحليفه وتركه ليلقي أسوأ مصير.

4 ـ وحد الموقف في الجنوب من خلال علاقة متينة مع حركة أمل والمشاركة في المقاومة، ونأى بنفسه عن الصراعات الداخلية بل أخذ موقفا ايجابية من مختلف الفرقاء اللبنانيين وفي المقدمة مع الدولة اللبنانية رئاسة وحكومة وجيشا وأجهزة. ووصل الذروة في تعامله بعد النصر مع فلول جيش انطوان لحد وأهالي الجنوب حيث لم تقع حادثة انتقام واحدة.

5 ـ عزز علاقات تحالف وتعاون مع سوريا التي امنت له الحماية والاسناد وطريق الامداد وقد ضرب مثلا على المبدئية فيما يعقد من تحالفات وعهود.

6 ـ وثق علاقته بالجمهورية الاسلامية في ايران والتي اسهمت اسهاما كبيرا في دعمه ودعم صمود أهالي الجنوب، وتوحيد صفوفهم.

7 ـ أخذ موقفا من الانظمة العربية امتاز بالمرونة والحكمة ونأى بنفسه عن الصراعات الجانبية مركزا على حشد التأييد للمقاومة وهدف دحر الاحتلال.

8 ـ تميز الطرح السياسي الذي عبر عنه السيد حسن نصر الله واسلوب مخاطبته لجماهير العرب والمسلمين، بدقة عالية أكسبته محبة الرأي العام ودعمه بمن في ذلك المسيحيون العرب.

9 ـ أدير الصراع إدارة دقيقه وقدر الموقف في كل مرة تقديرا صحيحا مما جعل المقاومة المسلحة تتجنب المغامرات، وتترك ضرباتها حيثما يجب توقيتا وهدفا مع امتلاك المرونة في الرد وتحديد زمانه. فزمام المبادرة بقي دائما بيد قيادة حزب الله. وهو ما جعل شامير رئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق يعتبر ان قيادة السيد حسن نصر الله كانت في مستوى التحدي.

20 ـ لقد أثبت حزب الله بعد تحقيق الانتصار انه أبعد ما يكون عن الوقوع في الغرور والادعاء او التعالي. فحافظ على تواضع جم، وأشرك كل من كان له دور في الانتصار. واستمر في المقاومة على مشارف شبعا، مواصلا عملية التحرير ومساندا للانتفاضة الفلسطينية، ومعززا علاقته بحركة الجهاد وحماس وبكل القوى العربية والاسلامية على النطاق العربي كله. هذا بالاضافة الى جهده التوحيدي بين السنة والشيعة وتوحيد الامة كلها.



انتفاضة الاقصى واشكال المقاومة

أ ـ إن الانتفاضة باعتبارها شكل من أشكال الكفاح والجهاد ولدتها تجربة المقاومة الشعبية الفلسطينية في مواجهة الدول العبرية والاحتلال في الضفة والقطاع. وقد اتخذت سمات محدودة فريدة مما جعل الكلمة تستخدم بلفظها العربي بكل اللغات ولا تترجم لانها حملت تلك القراءة.

هي ليست من نمط الانتفاضة العامة لاسقاط نظام حكم معين او طاغية بعينه، وهي ليست عصيانا مدنيا يستمر بضعة أيام تتخلله تظاهرات جماهيرية واسعة وليس نضالا شعبيا سليما يعتمد التظاهر والمقاومة السلبية.

انها شيء من كل ذلك ولكن بصورة مركبة ومختلفة نوعيا، فهي شكل من اشكال المقاومة احتلال ذي طبيعة صهيونية استيطانية عنصرية لا يسعى للسيطرة على الارض والشعب، انما يهدف الى الاستيلاء على الارض وتهويدها واقتلاع شعبها الاصلي منها وإجباره على الرحيل او ترحيله بالقوة. وهو ما يجعله مختلفا عن الاحتلال الاستعماري التقليدي ومتميزا عن أنظمة الكيانات العنصرية (الابارتايد ـ انظمة العزل العنصري) التي عرفتها جنوبي أفريقيا وروسيا وزيمبابوي فالانتفاضة وان حملت بعض ملامح من هذا وذاك إلا انها اختلفت نوعيا عن هذا وذاك. ولهذا يخطئ من يعتبر الدولة العبرية نظام ابارتايد او اعتبار احتلالها مجرد احتلال استعماري بما في ذلك احتلال الضفة والقطاع إثر حرب حزيران 1967.

ويكفي ان نلحظ تنوع أشكال المقاومة الفلسطينية للمشروع الصهيوني منذ 1917 حتى الآن حيث ندرك اننا امام حالة يجب ان تقرأ كما هي ولا تقارن بغيرها سواء أكان حالة الاستيلاء الصهيوني على فلسطين واستراتيجيته لتهويدها واقتلاع شعبها أم كانت حالة المقاومة الفلسطينية وتعدد أشكالها.

ب ـ ثمة خاصية يجب تذكرها دائما من قبل كل من يتعاطى والشأن الفلسطيني او يتحدث عن الصراع في فلسطين وهي خطة المشروع الصهيوني الهادفة الى تهويد الارض واقتلاع الشعب الفلسطيني. واذا كانت قد حققت جزءا كبيرا منها في حرب 1948/ 1949 ثم في حرب 1967 الا انها ما زالت على رأس الاجندة ويعمل في سبيلها بالنسبة الى من تبقى من الفلسطينيين سواء أكانوا أولئك الذين بقوا ضمن الدولة العبرية ام كانوا اولئك الذين بقوا في الضفة الغربية وقطاع غزة. فخطر الاقتلاع أو (الترانسفير) ما زال يعد له في الاجندة الاسرائيلية، كما ان التضييق على الفلسطينيين او اغرائهم على الهجرة سياسة اسرائيلية مستمرة. بل هنالك مخططات لفرض تحديد النسل عليهم.

من هنا تجدر الاشارة الى أهمية العمل السياسي والتعبوي والاقتصادي من اجل بقاء الفلسطيني فوق ارضه والتكاثر فيها ومقاومة التهجير المباشر وغير المباشر. وهذا ما يعطي بعدا آخر لمعنى الصراع الذي يحمل طبيعة صراع وجود. الامر الذي يفترض وجود استراتيجية كاملة تتعلق بمسألة البقاء في الارض والحيلولة دون التهجير والهجرة والاقتلاع.

ج ـ اندلعت انتفاضة الاقصى في 28/9/2000 بعد محاولتين للانتفاضة اجهضتها سريعا وكانت اهمها الانتفاضة التي اندلعت اثر فتح النفق الذي حفر تحت ارض الحرم القدسي الشريف، بعد تسليم نتنياهو رئاسة وزراء الدولة العبرية. الامر الذي يؤكد ان الانتفاضة خصوصية فلسطينية مثلها مثل المقاومة المسلحة تشكل جزءا لا يتجزأ من اشكال مقاومة الاحتلال.

لابد من ان يلاحظ هنا ان وجود السلطة الفلسطينية احدث اختلافا في الوضع الذي اندلعت فيها الانتفاضة الاولى 1987 ـ 1993. وهو في غير مصلحة استمرارية انتفاضة الاقصى او كل المواجهات فيها او الصورة الاجمالية للمواجهة، فالانتفاضة الاولى أخذت شكل مواجهة بين الشعب كله والاحتلال. وكان الاحتلال مضطرا على المواجهة من داخل المدن والقرى وفي كل النقاط والمواقع مما سبب لجيشه ارهابا شديدا وجعل الصورة، بلا رتوش، شعب يقاوم احتلالا، واحتلال يقمع شعبا. ولم يكن هنالك من يستطيع ان يطالب بوقف العنف بين الطرفين، او يحمل السلطة مسؤولية العنف. ولم يكن بمقدور جيش الاحتلال ان يستخدم شكل الحرب بين جبهتين فيقصف من بعد أو من الجو على اهداف مختارة او يرسم حدودا للمواجهة مع رماة الحجارة، ثم لم تكن هنالك في الانتفاضة الاولى التزامات لسلطة قائمة تتهددها في كل لحظة بطلب التهدئة او فرضها والعودة الى مائدة المفاوضات. لان التفاوض والانتفاضة مثل الجمع بين الماء والجمر.

قبل ان نضع هذا الاعتبار جانبا ونركز على دراسة انتفاضة الاقصى باعتبارها شكلا من اشكال المقاومة للاحتلال يجب ان نلاحظ ان الاحتلال مازال قائما بالرغم من وجود سلطة فلسطينية وجدت نفسها مشاركة في انتفاضة قلبت معادلة مسار التسوية راسا على عقب. وهي تحاول ان تعود الى ذلك المسار ولو بالعودة الى اوضاع ما قبل 28/9/2000 الأمر الذي ولد تعقيدا آخر ليس بالنسبة الى الانتفاضة بسبب وجود السلطة فحسب وانما ايضا للسلطة التي جاءت مع اتفاق اوسلو ووليده اتفاق القاهرة بسبب انخراطها في الانتفاضة، ولا سيما مع تصاعد المقاومة المسلحة في الوقت نفسه. فانتفاضة ومقاومة من جهة وتفاوض من جهة اخرى لا يجتمعان كذلك، خصوصا في نظر حكومة شارون وائتلافه ومجيء ادارة جورج دبليو بوش برأس حمامية.

وبهذا تكون السلطة امام خيارين: الاول وقف الانتفاضة ومنع العمل العسكري، او السير في هذا الاتجاه، من اجل العودة الى التفاوض، الامر الذي يتدخلها مأزقا خانقا، والثاني المضي بالانتفاضة والمقاومة حتى تكسر إرادة شارون وائتلافه.

د ـ والآن، ما هي السمات الاساسية للانتفاضة من جهة المواجهة مع قوات الاحتلال:

1 ـ تظاهرات، اضرابات، مسيرات احتجاجية، جنائز شعبية جماهيرية، ضم وحدة وطنية واسلامية ميدانية.

2 ـ سمة الفتيان والشبان الذين يشتبكون مع قوات الاحتلال بالحجارة مقابل الرشاش والقناص او بكلمة ادق مواجهة السيف بالدم.

3 ـ المقاومة المسلحة باشكالها المختلفة. وقد اتسمت انتفاضة الاقصى بانتشار السلاح الخفيف بيد قوات الامن الفلسطيني، وتسرب جزءا منه الى (من يهمه الامر)!

4 ـ تعاظم ظاهرة التكافل الشعبي حيث شهدت الانتفاضتين الكبيرتين ألوانا من التكافل والتعاون العفويين والمنظمين من خلال هيئات شعبية في ظروف حصار اقتصادي شديد، وتوقف الاعمال الى حد بعيد.

هذه الاشكال الاربعة الكفاحية متكاملة. ولا يجوز اعتبار احدها بديلا عن الاشكال الثلاثة الأخرى. بل اثبتت التجربة ان كلا منهما يغذي المقاومة ككل. وان كلا منها ينبري ليتقدم الصفوف عندما يواجه هذا الشكل او ذاك ظروفا او صعوبات تضغط عليه لكبته. ولهذا من الخلل الغاء أي شكل من هذا الاشكال لحساب الآخر، او التصور ان الهدف من التعبئة الشعبية او التظاهرات والمواجهة بالحجارة الوصول الى المقاومة المسلحة او المواجهة العسكرية بين جبهتين. فعلى العكس من مقولة الماركسيين المشهورة التي تعتبر الكفاح المسلح اعلى مراحل النضال. ففي التجربة الفلسطينية كان الكفاح المسلح اول اشكال النضال أو المقاومة، وانه يرتفع بالمقاومة الى مستوى الانتفاضة من دون ان يخلي مكانه او ينتهي دوره. بل يمكن القول ان ارتفاع مستوى المقاومة الى مستوى التظاهرات والمسيرات والحشود في الجنائز واقتحام الحواجز بلا استخدام للسلاح، وبلا حاجرة شكل للمقاومة لا يقل اهمية او مرتبة عن شكل المواجهة بالحجارة أو بالعمليات العسكرية. ويجب ان يقال الامر نفسه بالنسبة الى شكل المواجهة بالحجارة والعمليات المسلحة. بل تمكن الاشارة الى ان كل شكل من هذه الاشكال قد يكون الاكثر أهمية في ظروف محدودة وان كان الشكل الأرقى للمقاومة الفلسطينية هو الجمع المتناغم فيما بين هذه الاشكال جميعا.



كيف نفهم انتفاضة الاقصى

حاول البعض ان يفسر انتفاضة الاقصى بانها نتاج اليأس والاحباط بسبب فشل مفاوضات ما يسمى (بالحل السلمي) وما شابه. ولكن اليأس والاحباط لا يولدان انتفاضة ممتدة أسابيع وشهورا، وباذلة للدم انهارا، فاليأس والاحباط قد يفجران غضبا سريعا سرعان ما يخفت وينتهي هذا إذا قبلنا بالفرضية الخاطئة التي تحاول ان تصور الجماهير وقد علقت آمالها على المفاوضات. فالجماهير صبرت وانتظرت ولم تعلق آمالا. فهي تعرف بتجربتها ووعيها التاريخي ماذا تحمل جعبة العدو الصهيوني. فالغضب الذي تفجر مع الانتفاضة ليس وليد فشل المفاوضات وانما هو نتاج تراكم طويل ووعي عميق، لم يخدع يوما بما يبيته العدو، وان سكت وصبر وانتظر تجبنا لصراع داخلي، او قبل اعطاء الفرصة لبحث عن سراب ظنه البعض ماء.

عندما تنزل الجماهير الى الشوارع وتتلقى الرصاص بصدورها العارية، ويتكرر المشهد يوما بعد يوم، واسبوعا بعد أسبوع، وشهرا بعد شهر واكثر، فلا تفسير لذلك غير انها تشم رائحة النصر وتريد ان تحقق نصرا. انها تشم رائحة ضعف في عدوها يسمح لها بالهجوم.

ولهذا يجب الا تقاد الانتفاضة، او تدعم، بروحية اليأس والاحباط، فتعبأ بنفسية الهزيمة والفشل، وانما يجب ان تقدم رؤية سياسية في تقدير الوضع تثبت ان العوامل والاسباب التي سمحت للمقاومة الاسلامية بقيادة حزب الله في لبنان ان تنتصر ذلك النصر المؤزر هي متوفرة بدورها، ويمكن توفير ما نقص منها، وفي الساحة الفلسطينية. أي البحث عن العوامل والاسباب التي احست الجماهير بها، ودفعتها الى الانتفاضة في فلسطين، أي اعلان الدعم والغضب في الشارع العربي والاسلامي من طنجة الى جاكرتا بل في كل مكان تواجد فيه عرب ومسلمون في الغرب نفسه. فالسؤال الذي طرحه النصر اللبناني اوحى للجماهير ان تجيب: ولماذا لا نصنع نحن نصرا كذلك؟

العدو هو العدو نفسه، والاحتلال في جنوبي لبنان وفي الضفة والقطاع هو وأمريكا وهي أمريكا هنا وهناك، وكذلك الغرب والوضع العالمي بصورة عامة، والقرارات الدولية، 242، و338 و425 المتعلقة بالاحتلال تكاد تكون اياها بل هنالك عشرات القرارات الاخرى في مصلحة الوضع الفلسطيني تدين الاحتلال والتهويد والاستيطان والمساس بوضع القدس. ثم ان الوضع العربي والاسلامي هو نفسه وان كان من بعض النواحي هو اكثر ايجابية في مصلحة الحالة الفلسطينية ولا سيما عندما يمس الامر وضع القدس والمسجد الأقصى. اما العوامل الذاتية فهي متفاوتة ولا شك خصوصا من جهة الاختلاف في موقف السلطة اللبنانية والسلطة الفلسطينية في التأمل والمقاومة وطريقة إدارة الصراع، كما من جهة خصوصية قيادة حزب الله للمقاومة سواء أكان من ناحية وحدانية القرار، وربانية التعبئة، والتصميم على الهدف، وعدم القبول بأية مساومة تضعف زخم المواجهة والتضحيات، أو تترك للعدو مجالا، حين تنكسر ارادته، غير الانسحاب بلا قيد او شرط. ولكن يجب ان يلحظ هنا وجود قوى اسلامية في الساحة الفلسطينية كان من الممكن ان تعطي للمقاومة المزايا نفسها لو كانت هي التي تمتلك القرار في إدارة الصراع.

ولهذا لو توفرت وحدة فلسطينية وحددت هدفا لا تراجع عنه ولا خلط له باهداف اخرى، ولا مفاوضات حوله، هو دحر الاحتلال بلا قيد او شرط، واندفعت بالانتفاضة بربانية وتصميم، ولم تقبل بالذهاب الى مؤتمر شرم الشيخ. ووضعت باراك وكلينتون اما امام خيار فقدان كل ما انجزاه خلال عشر السنوات الماضية (وحتى منذ المعاهدة المصرية ـ الاسرائيلية وما امام التسليم بالانسحاب الى ما وراء الخط الاخضر) أي الى خطوط الرابع من حزيران لكان من الممكن في تلك الظروف التي ولدت النصر اللبناني ان تفعل فعلها في الساحة الفلسطينية. ولكن القبول بالعودة الى التفاوض اضاع تلك الفرصة وسمح بتمييع الوضع وباعطاء الفرصة الكافية لما حدث من تغيير في الوضع بمجيء ادارة جورج دبليو بوش وحكومة شارون الائتلافية. الامر الذي راح يصعد المواجهة ويطيل امدها ويعقدها. فالانتفاضة التي فاجأت بيل كلينتون وباراك وهما في حالة مأزق تكشف عنه النصر اللبناني وما راحا يواجهانه من ازمات داخلية وارتباك سياسي وعالمي، اصبحت الآن تواجه وضعا جديدا، ومعادلة عالمية واقليمية مختلفة الامر الذي سيتطلب وحدة وطنية اقوى، والتزاما بهدف واحد وهو دحر الاحتلال وتفكيك المستوطنات، وتصميما اشد عزما على الصمود وتقديم التضحيات، وانزال الخسائر بالجيش الاسرائيلي، كما يتطلب موقفا عربيا واسلاميا، رسميا وشعبيا، يفرض على الموقف الامريكي ان يعيد حساباته وعلى الدولة العبرية ان تحسب التكلفة المترتبة ومن ثم ايصال الادارة الامريكية والحكومة الاسرائيلية الى قناعة بعدم امكانية فك إرادة الشعب الفلسطيني أو تصفية انتفاضته، انها معركة يحسمها صراع الارادات ومن سيصرخ اولا آخذين بعين الاعتبار ان لدى امريكا والدولة العبرية ما يخسرانه على المستوى السياسي والمادي والمصالح والمكاسب المحققة. بل ان ما يهددان الشعب الفلسطيني بخسارته أي السلطة الفلسطينية والعودة الى ما قبل اتفاق اوسلو سيزيد من مأزقها وخسائرهما.

المهم ان تدرك القيادات الفلسطينية نقاط قوتها ونقاط ضعف الادارة الامريكية والحكومة الاسرائيلية. وكذلك بالنسبة الى القيادات العربية والاسلامية. او بكلمة اخرى لو افترضنا ان الوضع في فلسطين عاد الى نقطة الصفر فمن سيكون الخاسر الاكبر، وافترضنا ان امريكا قررت ان تؤزم علاقتها مع العرب والمسلمين الى الحد الاقصى فمن سيكون الخاسر الأكبر، علما أن امريكا تواجه من المشاكل والتحديات في علاقتها بروسيا والصين وأوروبا ما لا يسهل مهمتها في تأزيم علاقتها العربية والاسلامية.

ولهذا فالمطلوب هو الصمود امام الموجة الراهنة من الضغط الامريكي ـ الاسرائيلي على الفلسطينيين والعرب والمسلمين. لان الرضوخ والتراجع امامها لا يكشفان عما تحمله في طياتها من نقاط ضعف وإمكانات هزيمة وخسائر، وسيؤديان الى تخريب ما تحقق من انجازات في جبهتها ويلحقان بنا أشد الاضرار والكوارث. اما الصمود فهو ممكن بل يحمل وعودا بتحقيق انتصارات.

وبالمناسبة يجب ان يقرأ ما تقدم باعتباره تقديرا للموقف وليس باعتباره مجردا موقف جهادي ومبدئي فقط.



>

--------------------------------------------------------------------------------
>
* مفكر وباحث اسلامي.

>[1]> انظر: ناجي علوش، (المقاومة العربية في فلسطين)، اصدار مركز الأبحاث الفلسطيني، 1967، الصفحات: 66،67، 73،74،77،78.

>[2]> النص الوارد في اعلان الدولة بالحرف الواح: (اقرت الجمعية العامة للامم المتحدة في التاسع والعشرين من نوفمبر 1974 مشروعاً يدعو الى اقامة دولة يهودية في ارض اسرائيل. وطالبت الجمعية العامة سكان أرض اسرائيل باتخاذ الخطوات اللازمة من ما نبهم لتنفيذ ذلك القرار. ان اعتراف الامم المتحدة هذا بحق الشعب اليهودي في اقامة دولة هو اعتراف يتعذر الرجوع عنه او الغاؤه).

>[3]> (وثائق فلسطينية) ص 315.

>[4]> انظر: مونيك شيمبي جاندور، البروفيسورة في القانون الدولي جامعة باريس 7 دونيه ديدرو، في مجلة (ملتقى المتوسط) لامارتان، باريس، عدد 26 من عام 1998.

>[5]> انظر: ناجي علوش، المقاومة العربية في فلسطين 1917 ـ 1948 (مصدر سابق)، الفصل الثالث، ص 73 ـ 149.

>[6]> (وثائق فلسطينية) دائرة الثقافة / منظمة التحرير الفلسطينية، 1987، ص 32.

>[7]> انظر: محمد عزة دروزة، حول الحركة العربية الحديثة ج1، المكتبة العصرية، صيدا، لبنان، ص 138.

>[8]> انظر: غازي خورشيد، دليل المقاومة الفلسطينية، م. ت. ف، مركز الأبحاث الفلسطيني، بيروت، 1971، ص 11 ـ 15.

>[9]> المصدر أعلاه، ص 11.