معتصم الحارث الضوّي
12/05/2008, 11:25 PM
صبيةٌ لفحتهم الشمسُ الحارقة.. وجوههم يعتليها شَعثُ السفر، وسِيماءُ الجوعِ والعطش.. وصخبِ الترقّب..
نظراتُهم زائغةٌ تشي بالرعبِ .. ملابسُهم أسمالٌ بالية.. بالكادِ تُغطي أجسادهم التي تناولها النحولُ بضراوة..
أحذيتُهم تتثاقلُ تطرقُ تراب الأزقّة وكأنها لا تعبأ بتسلخِ الأرجُلِ.. وتقرّحاتِ السيقان.. الأتربةُ تعانقُ شعورهم وكأنها رقصةُ الموت تصدحُ بها طبولُ الريح..
ينطلقون.. لا يلوون على شئ.. رؤوسهم تطنُّ بالدعايات الغوغائية..متعلمون تبدو عليهم آثارُ النعمة، ويفخرون بوضع حرفِ الدالِ أمام أسمائِهم يغسلون أدمغتهم -من حينٍ لآخرَ- بحديثٍ منمق.. مذكّرين إياهم بما فعلهُ بِهم أولئكَ "العرب"..
القافلةُ تقتربُ في خِفيةٍ مِن المدينة.. تبدو ربوعُها سحريةً في طيفِ السَراب.. وبعضهم يتنّهدُ في سرورٍ واضح: أخيراً وصلنا! سننتقمُ من أعدائِنا ونثخنُ فيهمُ الجراح..
البعضُ الآخرُ لا يفكرُ إلا في الاغتسالِ، وثوبٍ نظيفٍ، ووجبةٍ شهيةٍ، وسريرٍ دثيرٍ يُلقي عليه جسده المنهك.
نقطةٌ للشرطةِ في طريقِ الركب.. تتسللُ إليها جموعُ القوم.. نيرانٌ كثيفة تصنعُ من أجسادِ الجنود أشلاءَ مُمزَّقة..
البعضُ يفرحُ لذلك النصر، ويعتبرُ أولَ الغيثِ قطرة.
أرواحُ الشهداءِ تحتضنُ الزي الرسمي.. جذلةٌ وهي تنطلقُ في عنفوانٍ.. صوبَ عَنانِ السماء.
رؤوسُ الفتنة، يتابعونَ ما يحدُث، ونظراتُهم تنمُّ عن التشفّي والحقد الدفين.. اضربوهم.. اقتلوهم.. حطّموا قِلاعهم.. دكّوا أمنَهم.. اقضوا على استقرارِهم..
امرأةٌ تسعى مِن السوقِ محمّلةً بأغراضها.. بخطىً ثقيلةٍ.. تفكِرُ في وجومٍ..كيف سيكفيها مصروفُ البيتِ حتى نهايةِ الشهر؟!
فجأةً.. تجدُ نفسها في مسارِ رصاصةٍ أبتْ إلا أن تُنهي حياتَها البائسة.. ترفرفُ روحُها الطاهرةُ إلى بارئِها في ثوانٍ.. تسعدُ الآنَ في جوارِ كريمٍ.
القافلةُ تتقدمُ مدّمرة كل ما يقفُ في طريقها.. هذا جيشُ الحكومةِ فادحروه.. هذه شرطةُ النظامِ فدمّروها.. هذه عاصمةُ البلادِ فاحتلّوها.. النصرُ قريب،ٌ فثقوا بقدرتكم عليه..
أيُها الأشاوس.. هذه ساعةُ نصرِكم على الأعداء.. هذه ساعةُ "تحريركم" لعاصمة البلاد..
تلتمعُ أعيُنُ المغرَّرينَ بحُلُمِ السيطرة.. وطمعِ الغنيمة.. ورجاءِ النصر.. تتقدمُ جموعُهُمْ تقتحِمُ شرفَ العَرَصَات.. تخترِقُ طُهرَ الحواري.. لتلوغَ في عَفافِها غيرَ عابئة..
الأبرياءُ مُرَّوعون.. يتناقلونَ الأخبارَ.. ماذا يريدُ هؤلاءِ القوم؟! هل ينوونَ قتلنا؟ أم يرغبونَ في سلبنا؟ أم يرومونَ قتلنا؟
قلوبهُم تطيرُ حدباً على مدينتهم، وخوفاً على أحبائهم.. ما آخرُ الأخبار؟ هل وصلوا إلى مرزوق*؟ هل تجاوزوا وادي سيدنا**؟ هل تصدّى لهمُ الجيشُ في سوق ليبيا***؟
المعلومات شحيحة، والتكهنات تُضني عقولَ القوم.. هل عادَ فلانٌ من مدرسته؟ هل أتتْ فلانةٌ سالمةً مِن جامعتها؟ هل وصلَ جارُكُم بأمان؟ هل لديكم ما يكفي من الدقيقِ والسُكّرِ لِفترة؟
رأسٌ يخطُّها الشيبُ ترفع عيناها إلى السماءِ في ابتهالٍ صامت..
الغضبُ يعتملُ في النفوس.. لن نرضى الهوانَ.. يا شرطي.. هذا مارقٌ فاقبِضْ عليه.. يا جندي.. هذا ساعٍ في فسادِ الأرضِ.. فدافِعْ عن شرفِ وطنك..
يا أخي.. ويا جاري.. هذا أوانُ الجَدِّ.. فَضَعْ يمينك بيميني...
يلتحمُ الشعبُ والجيشُ في لحظةٍ تاريخية..
تتوحدُ الصفوفُ والأحزابُ والإثنياتُ لهدفٍ واحد..
هدفُ الذودِ عن الأرضِ والعرض..
هدفُ دحرِ الخونةِ المعتدين..
المُغرّرونَ يُلقونَ مذعورين أسلِحتَهُم الأثيمة.. أرطالٌ من الأحجبةِ والتعويذات تلوّثُ الطُرُقات.. يلوذونُ بِالفرار.. الأزِقّةُ تلفظُ وجودَهُمُ الغاشم.. فتُلقيهم في أيدي العدالة..
رؤوسُ الفتنةِ تهرَعُ مذعورةً لتختبئُ في جُحورِها.... لا تطيقُ وجوههم الكريهةُ ضوءَ الشمس.. تعوي ألسِنتُهُم بِكُلِّ صَلافة.. فعلنا.. ونفعلُ.. وسنفعلُ.. لا "عدل"ٌ ولا "مساواة"..
حمائِمُ السكينةِ تعودُ إلى أعشاشِها..
تتعانقُ أجنِحتُها في سكينة..
لهيبُ الشمسِ يغسِلُ دَرنَ المدينة..
أزيزُ الرصاصِ يخفُتُ مُصغياً لصوتِ العقل..
مُنصتاً لداعي السلام.
*، **، ***: أسماء مناطق في أم درمان، العاصمة الوطنية للسودان.
* يُنشر بالتزامن مع منتديات الوحدة العربية
نظراتُهم زائغةٌ تشي بالرعبِ .. ملابسُهم أسمالٌ بالية.. بالكادِ تُغطي أجسادهم التي تناولها النحولُ بضراوة..
أحذيتُهم تتثاقلُ تطرقُ تراب الأزقّة وكأنها لا تعبأ بتسلخِ الأرجُلِ.. وتقرّحاتِ السيقان.. الأتربةُ تعانقُ شعورهم وكأنها رقصةُ الموت تصدحُ بها طبولُ الريح..
ينطلقون.. لا يلوون على شئ.. رؤوسهم تطنُّ بالدعايات الغوغائية..متعلمون تبدو عليهم آثارُ النعمة، ويفخرون بوضع حرفِ الدالِ أمام أسمائِهم يغسلون أدمغتهم -من حينٍ لآخرَ- بحديثٍ منمق.. مذكّرين إياهم بما فعلهُ بِهم أولئكَ "العرب"..
القافلةُ تقتربُ في خِفيةٍ مِن المدينة.. تبدو ربوعُها سحريةً في طيفِ السَراب.. وبعضهم يتنّهدُ في سرورٍ واضح: أخيراً وصلنا! سننتقمُ من أعدائِنا ونثخنُ فيهمُ الجراح..
البعضُ الآخرُ لا يفكرُ إلا في الاغتسالِ، وثوبٍ نظيفٍ، ووجبةٍ شهيةٍ، وسريرٍ دثيرٍ يُلقي عليه جسده المنهك.
نقطةٌ للشرطةِ في طريقِ الركب.. تتسللُ إليها جموعُ القوم.. نيرانٌ كثيفة تصنعُ من أجسادِ الجنود أشلاءَ مُمزَّقة..
البعضُ يفرحُ لذلك النصر، ويعتبرُ أولَ الغيثِ قطرة.
أرواحُ الشهداءِ تحتضنُ الزي الرسمي.. جذلةٌ وهي تنطلقُ في عنفوانٍ.. صوبَ عَنانِ السماء.
رؤوسُ الفتنة، يتابعونَ ما يحدُث، ونظراتُهم تنمُّ عن التشفّي والحقد الدفين.. اضربوهم.. اقتلوهم.. حطّموا قِلاعهم.. دكّوا أمنَهم.. اقضوا على استقرارِهم..
امرأةٌ تسعى مِن السوقِ محمّلةً بأغراضها.. بخطىً ثقيلةٍ.. تفكِرُ في وجومٍ..كيف سيكفيها مصروفُ البيتِ حتى نهايةِ الشهر؟!
فجأةً.. تجدُ نفسها في مسارِ رصاصةٍ أبتْ إلا أن تُنهي حياتَها البائسة.. ترفرفُ روحُها الطاهرةُ إلى بارئِها في ثوانٍ.. تسعدُ الآنَ في جوارِ كريمٍ.
القافلةُ تتقدمُ مدّمرة كل ما يقفُ في طريقها.. هذا جيشُ الحكومةِ فادحروه.. هذه شرطةُ النظامِ فدمّروها.. هذه عاصمةُ البلادِ فاحتلّوها.. النصرُ قريب،ٌ فثقوا بقدرتكم عليه..
أيُها الأشاوس.. هذه ساعةُ نصرِكم على الأعداء.. هذه ساعةُ "تحريركم" لعاصمة البلاد..
تلتمعُ أعيُنُ المغرَّرينَ بحُلُمِ السيطرة.. وطمعِ الغنيمة.. ورجاءِ النصر.. تتقدمُ جموعُهُمْ تقتحِمُ شرفَ العَرَصَات.. تخترِقُ طُهرَ الحواري.. لتلوغَ في عَفافِها غيرَ عابئة..
الأبرياءُ مُرَّوعون.. يتناقلونَ الأخبارَ.. ماذا يريدُ هؤلاءِ القوم؟! هل ينوونَ قتلنا؟ أم يرغبونَ في سلبنا؟ أم يرومونَ قتلنا؟
قلوبهُم تطيرُ حدباً على مدينتهم، وخوفاً على أحبائهم.. ما آخرُ الأخبار؟ هل وصلوا إلى مرزوق*؟ هل تجاوزوا وادي سيدنا**؟ هل تصدّى لهمُ الجيشُ في سوق ليبيا***؟
المعلومات شحيحة، والتكهنات تُضني عقولَ القوم.. هل عادَ فلانٌ من مدرسته؟ هل أتتْ فلانةٌ سالمةً مِن جامعتها؟ هل وصلَ جارُكُم بأمان؟ هل لديكم ما يكفي من الدقيقِ والسُكّرِ لِفترة؟
رأسٌ يخطُّها الشيبُ ترفع عيناها إلى السماءِ في ابتهالٍ صامت..
الغضبُ يعتملُ في النفوس.. لن نرضى الهوانَ.. يا شرطي.. هذا مارقٌ فاقبِضْ عليه.. يا جندي.. هذا ساعٍ في فسادِ الأرضِ.. فدافِعْ عن شرفِ وطنك..
يا أخي.. ويا جاري.. هذا أوانُ الجَدِّ.. فَضَعْ يمينك بيميني...
يلتحمُ الشعبُ والجيشُ في لحظةٍ تاريخية..
تتوحدُ الصفوفُ والأحزابُ والإثنياتُ لهدفٍ واحد..
هدفُ الذودِ عن الأرضِ والعرض..
هدفُ دحرِ الخونةِ المعتدين..
المُغرّرونَ يُلقونَ مذعورين أسلِحتَهُم الأثيمة.. أرطالٌ من الأحجبةِ والتعويذات تلوّثُ الطُرُقات.. يلوذونُ بِالفرار.. الأزِقّةُ تلفظُ وجودَهُمُ الغاشم.. فتُلقيهم في أيدي العدالة..
رؤوسُ الفتنةِ تهرَعُ مذعورةً لتختبئُ في جُحورِها.... لا تطيقُ وجوههم الكريهةُ ضوءَ الشمس.. تعوي ألسِنتُهُم بِكُلِّ صَلافة.. فعلنا.. ونفعلُ.. وسنفعلُ.. لا "عدل"ٌ ولا "مساواة"..
حمائِمُ السكينةِ تعودُ إلى أعشاشِها..
تتعانقُ أجنِحتُها في سكينة..
لهيبُ الشمسِ يغسِلُ دَرنَ المدينة..
أزيزُ الرصاصِ يخفُتُ مُصغياً لصوتِ العقل..
مُنصتاً لداعي السلام.
*، **، ***: أسماء مناطق في أم درمان، العاصمة الوطنية للسودان.
* يُنشر بالتزامن مع منتديات الوحدة العربية