المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تأملات في العودة إلى العراق: محو الغربة و تدوين الاغتراب



باقر جاسم محمد
01/10/2006, 11:24 PM
محو الغربة و تدوين الاغتراب

باقر جاسم محمد
1. حكاية من زمن العودة
منذ أن قررت أن أضع حدا ً لغربتي التي دامت ثمانية أعوام بالعودة إلى الوطن و أسئلة الاستغراب تلاحقني حيثما ذهبت. أسئلة قلق يتفوه بها الأهل و الأصدقاء في ليبيا. و هي أسئلة تعبر عن محبة و حرص من يطرحونها: هل درست الأمر جيدا ً؟ هل تعتقد أن الوقت مناسب للعودة؟ أنت مسالم بطبعك، فكيف ستعيش في البلاد التي تجتاحها حمى القتل؟
و حين عدت إلى العراق، سيد َ آلامنا و معقد َ آمالنا، و أنا أفاجأ بردود أفعال مستغربة من هذا الصديق أو ذاك. قال أحد الأصدقاء بعد أن سمع مني خبر القرار بالبقاء في الوطن، هل أنت ... .( و توقف فجأة عن الكلام). قلت أكملها: هل أنا مجنون ؟ قال كالمحرج : نعم هل أنت مجنون؟ الآخرون يفعلون كل شيء حتى يخرجوا و أنت تعود!!! أليس ذلك جنونا ً.
قلت: نعم. إنه نوع جنون على وفق وجهة نظر البعض, و هو عين العقل في آن واحد.
قال: لا أفهمك. كيف ذلك.
قلت: أعرف شيئا ً واحدا ً. إن الموقف الذي لا ثمن له ليس بموقف. و حين يكون الوطن جريحا ً، لا يكفى أن نراقبه من الخارج و نتأسف لما يعانيه. بل يجب أن نقف إلى جانبه في محنته. و حين أعود سأعيش مع الآخرين و بينهم. لست أفضل منهم. و سأحاول أن أكون صوت حق و صدق. ربما أنجح، و ربما أفشل. لكنني لن أتراجع قط.
سألني: و لماذا كل ذلك العناء و التعرض للمخاطر؟ بإمكانك البقاء في الخارج إلى حين أن يستقر الوضع و تتضح الأمور.
قلت: إن الموقف الذي لا ثمن له ليس بموقف.

2. حكاية من زمن الخروج
خرج من البلاد باحثا ً عن مصدر عيش له بعد أن عاني من الجوع و الفقر و القهر السياسي. اقترض من الأصدقاء و الأخوة مبالغ كبيرة بالنسبة لقدراته المادية حينها؛ لكنها بالكاد تكفي لدفع ضريبة السفر و تكاليفه. و حين وصل إلى مدينة زليتن إلى الشرق من طرابلس الغرب حيث عمل أستاذا جامعيا ً، نبهه بعض الأصدقاء بضرورة أن يغير توقيت الساعة. تذكر هذه الحقيقة المرعبة؛ العراق صار بعيدا ً. لكنه رفض أن يغير التوقيت في ساعته. اشترى ساعة ثانية للتوقيت الجديد محتفظا ً بالأولى التي ظلت تقرأ توقيت العراق في صيفه و شتائه حتى عودته. و لكن ذلك جعله موضع تندر من البعض، و موضع عطف و فهم من آخرين. فقال البعض الأول أنه يفتقر إلى القدرة على التكيف. أما الآخرون فقد ازدادت مكانته علوا ً في نفوسهم. أما هو، فكلما ضيقت الغربة عليه، كانت نفسه تتسع آفاقها و يتدفق الحب فيها كما النهر في مضايق الجبال العالية.

3. حكاية الغربة و الاغتراب
الغربة ( و هي بالإنجليزية (estrangement نأي عن المكان الأول. المكان الذي يتشكل فيه الوعي و تكتوي فيه النفس بنار التجربة بحلوها و مرها. إنها تشبه نقل الشجرة إلى مكان غريب فتتقطع عروقها التي تصلها بالأرض و تبدأ بالجفاف و الموت. لا نسغ صاعد و لا نسغ نازل. فالغربة تأكل الروح شيئا ً فشيئا ً حتى يجد المغتربون أنفسهم مثل أعجاز نخل خاوية.
أما الاغتراب( و هو بالإنجليزية alienation ) فأنه نوع من الوحشة الروحية التي يستشعرها الإنسان حين يكون مختلفا ً في رؤياه الاجتماعية و السياسية عمن سواه. فلا شعور بالاغتراب لدى المتماثلين و المتطابقين اجتماعيا ًُ. إذن الاغتراب موقف فكري واع ٍ يتسم بالمسؤولية الأخلاقية. و إذا كانت الغربة مشكلة مكان في الأصل، إلا أنها و إن كانت عظيمة الأثر في النفس، تكون في نهاية المطاف هينة و يسيرة الحل؛ إذ يمكن محوها بالعودة إلى الوطن. أما الاغتراب فإنه أعمق أثرا ً و أكثر تعقيدا ً. و هو ليس مما يستطيع المرء الوقوع على حل له مهما أوتي من ذكاء و فطنة. إنه تدوين قصدي لخيار واع ٍ يتعلق بالسياقات الاجتماعية و السياسية السائدة التي تغرب الإنسان عن محيطه الاجتماعي، و تنهش روحه و تضيق عليه في حريته و فرديته و فرادته و في رزقه. فهل يمكن أن يتخلى المرء عن وعيه!؟ هل يمكن إطفاء شعلة الحقيقة، تلك النار الأبدية، بعد أن تتوهج في الروح و العقل!؟ بل يمكن القول بأنه كلما ازداد المرء ذكاء ً و فطنة، و كلما فهم أكثر، ازداد اغترابا ً في مجتمعه.
و الآن، أيجوز أن نقول بأن العودة إلى الوطن، التي هي ليست منة من المرء أو فضل على الوطن و المواطنين، ليست بحثا ً عن الراحة و إيثارا ً للسلامة؟
نقول: نعم. قد يعود المرء إلى مدينته و يحل بين أهله و ذويه. فتكون هذه العودة للوطن محوا ً للغربة و إنهاء ً لمعاناتها، و لكن ما أن يعود المرء إلى وطنه حتى تعود مشكلة الاغتراب إلى الظهور بقوة. فحين يعود المرء إلى مجتمعه الأول فهو يكون قد اختار اختيارا ً واعيا ً أن يبدأ بتدوين الاغتراب، اغترابه هو، عما يدور حوله و رفضه له رفضا ً منهجيا ً و سياسيا ً . فهو الآن إنسان قد خبر العيش في مجتمعات أخرى. و عرف منها طرائق حياة مختلفة. و هذا مما يعمق من إحساسه بالاغتراب. لذلك نقول أن العودة للوطن تحتاج إلى فلسفة و تنظير بقدر حاجتها إلى موقف أخلاقي شجاع و إلى عمل مثابر و جهد خلاق. فالأوطان ليست حقائب كما يقول الشاعر محمود درويش. فحين يكون الظلام دامسا ً تشتد الحاجة إلى من يضيء شمعة ً هنا و شمعة ً هناك. و تشتد الحاجة إلى من يقول الحقيقة دونما خوف أو وجل. و حين يكثر أصحاب الرأي الحر و الشجاع يقترب فجر الحرية، و ينهض الوطن، كما العنقاء، من رماد الحروب و الاحتلال. أليس كذلك؟؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحلة 11/9/2006

صبيحة شبر
02/10/2006, 02:07 AM
مرحبا بك ايها الاخ الكريم ، ان كان الوطن في حرب ، يشعل اوارها الطامعون ، فانه اكثر ما يكون احتياجا لقدرات كل مواطن مخلص من ابنائه البررة الميامين ، الوطن العزيز بحاجة الى تكاتف ابنائه ، وان كان كل منهم ييمم وجهه بعيدا ليحظى ببعض الامان ، فمن يبقى لهذا الوطن الجريح ، ليضمد جراحه ،، ويشفي الامه ،، ويخفف اوجاعه ، العراق يمر باحلك الظروف ،، يجب ان نضع امكاناتي مع امكاناتك ، لنعيد لهذا الوطن البهي ، بعض الجميل الذي اغدفه علينا بكرم منقطع النظير ، الملايين من العراقيين اليوم ، يتعرضون للابادة الجماعية ، ولحرمان من ابسط الحاجات الانسانية مثل الماء والكهرباء ، يقررون الا مغادرة للعراق ، ويقولون : من يبقى للوطن العزيز ان كان ابناؤه يفرون خوفا ، ويتركونه وحيدا ، يعاني الامرين

باقر جاسم محمد
02/10/2006, 01:37 PM
الأخت العزيزة صبيحة شبر المحترمة: سرني كثيرا ً أن أقرأ تعقيبك المهم الذي تضمن تنويها ً في أهمية الكتابة عن مسألة العودة إلى الوطن بوصفها مسألة أساسية و قضية غاية في الأهمية في هذا الوقت الراهن. ذلك أن العودة إلى وطن آمن مستقر و البحث عن مغانم في مثل ذلك الوطن أمر مختلف تماما ً عن العودة إلى وطن يحتاجنا كأعظم ما تكون الحاجة، و تكون عودتنا مقترنة بروح التضحية و البر بوطننا العظيم. أرجو أن تتضافر جهود الكاتبات و الكتاب الخيرين للكتابة عن هذه الموضوعة المهمة و جعلها محورا ً للفكر السياسي المستقل و الحر و الديمقراطي الذي يرى الوطن بعين العاشق لا بعين التاجر.
أقرأ لك دائما، و أرى فيما تكتبين عمقا ً معبرا عن نضج التجربة. مع محبتي مرة أخرى.
باقر جاسم محمد

صبيحة شبر
03/10/2006, 06:42 PM
الأخت العزيزة صبيحة شبر المحترمة: سرني كثيرا ً أن أقرأ تعقيبك المهم الذي تضمن تنويها ً في أهمية الكتابة عن مسألة العودة إلى الوطن بوصفها مسألة أساسية و قضية غاية في الأهمية في هذا الوقت الراهن. ذلك أن العودة إلى وطن آمن مستقر و البحث عن مغانم في مثل ذلك الوطن أمر مختلف تماما ً عن العودة إلى وطن يحتاجنا كأعظم ما تكون الحاجة، و تكون عودتنا مقترنة بروح التضحية و البر بوطننا العظيم. أرجو أن تتضافر جهود الكاتبات و الكتاب الخيرين للكتابة عن هذه الموضوعة المهمة و جعلها محورا ً للفكر السياسي المستقل و الحر و الديمقراطي الذي يرى الوطن بعين العاشق لا بعين التاجر.
أقرأ لك دائما، و أرى فيما تكتبين عمقا ً معبرا عن نضج التجربة. مع محبتي مرة أخرى.
باقر جاسم محمد
الاخ العزيز باقر جاسم محمد
سرني تعقيبك على ردي ، يحاول الكثير ان يجعلوا ابناء العراق يهرعون لمغادرة وطنهم الحبيب ، بحثا عن الامان ، والعيش المطمئن ، يهدد الاطباء والاساتذة بترك اعمالهم او لقاء الموت ، يخطف المهرة من العاملين ، وتفرض عليهم اتاوة عالية لايستطيعون دفعها ، لماذا ، كي يفرغ هذا الوطن الحبيب من اناسه الطيبين ، هددوا معتنقي الديانات غير المسلمة اولا ، ثم فرضوا علينا حربا طائفية قذرة ، وكأن اهل العراق كانوا يميزون بين الاديان او الطوائف او القوميات
العراق في خطر كبير ،، من يحميه من الخطر المحدق به ؟؟ انهم ابناؤه الشجعان ، الذين ما عرفوا التخاذل ولا الاستكانة ، لابد ان يبقى العراقيون في بلدهم العزيز ، يتعلمون ويبنون ، ولابد ان يعود من ارغموا على مغادرة الارض الطيبة ، ولابد ان يتعاون الجميع من اجل ان يعود العراق بلدا للحضارة والمدنية