المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أيدلوجية المأساة



الأسير باسم الخندقجي
15/05/2008, 12:05 AM
أيدلوجية المأساة
أقدم احتلال في العالم.. يرفقه مرور ستة عقود على نكبة الشعب الفلسطيني .. ولم يزل الاحتفال بذكرى هذه النكبة هو سيد الموقف .. دون إن ندرك إن هذه الاحتفالات والمهرجانات التي تقام سنويا في الأراضي المحتلة وفي مخيمات ومناطق الشتات هي من أهم أسباب تحويل قصة التشريد ألقصري والمجازر إلى مسرحية تراجيدية بائسة .. بدا جمهورها يمل ويسأم من مشاهدتها عام بعد عام .. وبدأ إبطالها يموتون جيلا بعد جيل .. ولم يتبقى منهم سوى القليل من كبار السن اللذين يروون قصة تهجيرهم من مدنهم وقراهم إلى عابري السبيل الأجانب اللذين لا يملكون بدورهم .. سوى رسم ملامح الحزن والمواساة على وجوههم ثم النسيان بعد رجوعهم إلى بلادهم ..
هؤلاء الأجداد اللذين لم يرحلوا بعد .. منحوا أيضا أبنائهم وأحفادهم .. مفاتيح بيوتهم (وأوراق الطابو ) وزودوهم بقصة النكبة لكي لا ينسوا.. ولكن هل هذا يكفي ؟ أو هل هذا الواجب التقليدي يسد رمق جميع هذه الأجيال الجديدة التي تولد وتعيش في أجواء جديدة مزدحمة باتفاقيات ومعاهدات النظام العالمي الجديد .. والعديد من الظروف التي تبني حاجزاً ضبابياً اسود بين هذه الأجيال وبين الذاكرة التي توجد في داخلها مدنهم وقراهم ومأساتهم ! إن الحاجة الملحة التي يفرضها رحيل الأجداد من معاصري النكبة .. هي حماية قصة المأساة واد لجيتها .. من خلال تحويلها إلى مشروع يجدد ويوثق بديمومة مستمرة هذه المأساة وذلك ليس من خلال المهرجان السنوي وإحصاء السنوات .. والوقوف دقيقة صمت على أرواح حيفا ويافا فقط بل من خلال التعبئة الدائمة لهذه الأجيال الجديدة باستخدام وسائل جديدة بعيد كل البعد عن الشعارات العاطفية التي لا تكفل ولا تسهم إلا بإيداع تواريخ وأحداث وأسماء المجازر والقرى المدمرة داخل عقول هذه الأجيال .. بحيث أنها لا تتفاعل بهذا التراث المأساوي بطريق واعية مع المحيط .. كأداة مواجهة موظفة سلميا لخدمة قضيتنا العادلة ..
إن الوسيلة الجديدة للتعبئة هي تعليم هذه الأجيال كيفية نشر المأساة وحمايتها من الاندثار .. وأنا لا اعني هنا الاستجداء بل بناء شكل جديد يتضمن خطاباً متجددا يتلاءم ويحاكي المحيط العالمي .. وتستطيع من خلاله هذه الأجيال نشر القصة بالشكل الذي يكفل مساهمتها في توفير زيادة الدعم الدولي الرسمي والشعبي للقضية الفلسطينية .. وإعادة إنتاج القصة من جهة .. وتوجيهها إلى الأجيال الجديدة عبر المؤسسات المدنية والحكومية من جهة أخرى .. سيؤدي إلى خلق أداة جديدة تواكب وتحاور وتنقل أفكارها إلى المحيط الإعلامي العالمي .. وإعادة إنتاج القصة يعني إعادة خطاب إعلامي جماهيري عالمي ننطلق به إلى المجتمع الدولي بشكليه الرئيسين الحكومي والمدني..
واد لجة المأساة والشكل الجديد لها .. بحاجة إلى أدوات تنقلها إلى ممارسة عملية ناجحة .. وهذه لا تتحقق من خلال الكلمات التأبينية .. بل من خلال تحليل الواقع العالمي الجديد .. من اجل معرفة كيفية اختراقه للاستثمار القصة فيه .. ووحده التراكم الناجح والصبور سيؤدي إلى هذا الاختراق وهناك عدة عوامل ومحددات مساعدة تسهم في هذا الأمر من أهما :
أولا: إنسانية القصة البعيدة كل البعد عن الأطياف السياسية والمصالح الفئوية .. وهذا هو العامل الرئيسي الذي يتركز عليه الشكل الجديد للمأساة إذ أن لغة المأساة غالبا ما تكون لغة أدبية فنية متجاوزة للمعادلات السياسية وتخدم في نفس الوقت المصالح الوطنية وتهدف إلى تجسيد المأساة في إعمال أدبية وفنية كبيرة مثل أعمال محمود درويش وغسان كنفاني ...
ثانيا : استثمار الحركة الدائمة للمتضامنين الدوليين مع الشعب الفلسطيني وذلك من خلال عقد مؤتمرات و ورشات عمل ينتج عنها لجان وهيئات ومؤسسات دولية مدنية ..
تسهم في نشر ودعم القصة .. فاستثمار هذه الحركة يؤدي إلى إيجاد وإقامة شبكة علاقات دولية هي بحد ذاتها تشكل عولمة مضادة مهمتها إعلامية بالدرجة الأساسية..

ثالثا : إعادة صياغة للعلاقات الداخلية الفلسطينية بالشتات من اجل وضع أجندة عمل ذات طابع مرن للانطلاق على ارض الواقع في أوروبا خاصة والتي يعقد الفلسطينيون المقتربون فيها مؤتمرا سنويا لهم إن أيدلوجية المأساة عبارة عن جبهة إنسانية تحارب من اجل تحقيق الأهداف الإنسانية السامية ..عبر شكل ثوري جديد وتكتيكي تلتئم مع الامتداد التاريخي لثورتنا ونضالنا من جهة .. ويحمي وينشر قصة المأساة وهذا النضال في العالم جهة أخرى ...
والمأساة تتمتع بوهج عظيم لا يقبل التزوير والتحريف .. ولكن القصة هي أداة وقناة اتصال ..
ننقل ونروي من خلالها المأساة إلى المحيط الجماهيري .. وقصتنا ما زالت بالأبيض والأسود كما شاهدها العالم بصمت منذ عام 1948 مما أدى إلى خمولها .. ووحده التجدد يقي المأساة الفلسطينية
من مصير الهنود الحمر في أمريكا ....

الأسير باسم خندقجي
سجن جلبوع المركزي
عضو اللجنة المركزية في حزب الشعب الفلسطيني
الحكم مدى الحياة