المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دولة برسم الزوال رغم عامها الستين



رضوان حمدان
16/05/2008, 02:10 PM
دولة برسم الزوال رغم عامها الستين

ياسر الزعاترة

المهزومون وحدهم هم الذين لا يرون مسيرة التراجع التي يعيشها الكيان الصهيوني ، ويصرون على أننا إزاء دولة مدججة بالقوة تستحق أن نتنازل أمامها ونمنحها طائعين 78 من أرض فلسطين التاريخية ، بينما نفاوضها على البقية الباقية. من تابع أداء الجيش الصهيوني في حرب تموز مقابل حزب الله ، وتالياً عمليات الاجتياح لقطاع غزة ، يدرك تمام الإدراك أننا إزاء جيش تتراجع روحه المعنوية ، ويميل إلى الاعتماد المفرط على التكنولوجيا ، والجيش هو كما نعلم عماد الدولة الصهيونية التي قيل عنها إنها جيش له دولة ، لا دولة لها جيش.

إلى جانب تراجع معنويات الجيش ، ومن ورائه المجتمع الذي أرهقه التهديد الوجودي الذي شكلته انتفاضة الأقصى ، وبعد ذلك حرب لبنان ، هناك البؤس الذي يعانيه الكيان على صعيد القيادات التاريخية القادرة على التصدي للتحديات التي يواجهها. ولنتخيل حال كيان يدور بين رجل ضعيف ومحدود الإمكانات هزم في لبنان هزيمة مدوية عام 2006 اسمه إيهود أولمرت ، ينافسه على الزعامة قائدان ، أحدهما مكلل بهزيمة أخرى في لبنان عام 2000 اسمه إيهود باراك ، وآخر اسمه نتنياهو: أرعن لا يملك غير المزايدة السياسية بينما يعجز عن تركيع الشعب الفلسطيني أو فتح آفاق أرحب لكيانه المأزوم.

منذ عام 67 لم يتقدم الكيان خطوة إلى الأمام ، بل تراجع وهزم مرة إثر أخرى: من معركة الكرامة ، إلى حرب عام 73 ، إلى الانسحاب من سيناء ، إلى الانسحاب من لبنان إلى الانسحاب من غزة ، إلى الهزيمة الأخيرة من لبنان ، إلى جانب الشعور بالأزمة أمام بضعة الاف من المقاتلين بالسلاح الخفيف في قطاع غزة. في هذا نشر الصديق صالح النعامي شهادات إسرائيلية بالغة الأهمية تؤكد حالة البؤس التي يعيشها الكيان الصهيوني في ذكرى تشكيله الستين ، نحاول أن نقتطف منها ما تحتمله هذه السطور.

البروفيسور أمنون روبنشتاين ، وهو وزير عدل وتعليم في أكثر من حكومة ، وعمل أستاذا للقانون في جامعة تل أبيب ، يرى أن إسرائيل لا يمكنها البقاء ، أولاً بسبب التهديد الخارجي الذي تمثله الرغبة العربية في اجتثاثها ، والتهديد الداخلي الذي يمثله تآكل منظومة القيم الصهيونية. كما يرى أن ما يزيد الوضع تعقيداً هو ما يصفه بـأسلمة الصراع الأمر الذي يزيد في رقعة العداء للدولة العبرية ، مضيفاً أن من الحمق الاعتقاد بأن الأنظمة العربية الحالية ستبقى للأبد ، معتبراً أن إسرائيل قد تستيقظ ذات يوم لتجد من حولها أنظمة ذات توجه إسلامي ، لا ترفض وجود إسرائيل فحسب ، بل تتجنّد لإزالتها أيضا.

ناحوم برنياع ، كبير المعلقين في صحيفة يديعوت أحرونوت ، يرى أنه رغم القوة العسكرية والاقتصادية للدولة العبرية إلا أن الناس يفقدون ثقتهم بمستقبلها وقدرتها على البقاء ، والسبب هو عجزها عن توفير الأمن لليهود الذين يعيشون فيها ، أو منحهم الحياة الطبيعية. ويشير في هذا السياق أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي يعتبر مجرد وجودها مثار جدل.

رئيس الكنيست السابق أبراهام بورغ يرى أن المجتمع الإسرائيلي هو مجتمع مذعور ، مضيفاً إننا معوقون نفسياً ، إسرائيل تعاني صدمة نفسية مستديمة ، صدمة النازية. إسرائيل دولة فاشية ، بلطجية ومستقوية وقاسية وإمبريالية وسطحية ، فاقدة لأصالة لروح ومنطوية على نفسها.

من مظاهر انهيار الفكرة الصهيونية ، بحسب أبراهام تيروش ، سكرتير ثاني حكومة شكلها مناحيم بيغن ، هو توقف الهجرة ، مشيراً إلى دراسة أجريت مؤخراً بين اليهود الأمريكيين تقول إن 70 في المئة منهم لم يزوروا إسرائيل ولا يعتزمون زيارتها ، 50و في المئة منهم متزوجون زواجاً مختلطاً ، 50و في المئة من شبابهم لا يعنيهم إذا انمحت إسرائيل من الوجود.

سيرد البعض بالقول إن ثمة شهادات كثيرة: إسرائيلية وغير إسرائيلية تتحدث عن الإبداع الذي يحمله إنشاء هذا الكيان واستمراره وقوته ، الأمر الذي لا ننكره بحال ، لكن مزيداً من التأمل سيكشف أن كل ما سيرد في هذا السياق إنما يعود في جوهره إلى الدعم الغربي اللامحدود ، وهو دعم لن يتواصل بذات الوتيرة في أي حال.

في مقابل هذا الهزال الذي يعيشه الكيان الصهيوني فإن تيار المقاومة في الأمة قد اتسع في ظل الهوية الإسلامية والصحوة الدينية ، وهو تيار يصمد ويقدم التضحيات ويحقق الانتصارات ، وإذا كان من الصعب علينا الحديث عن انتصار سريع ، فإن ما يعنينا هو أن منحنى المقاومة والأمة صاعد ، بينما منحنى كيان العدو هابط ، ما يعني أننا نسير في الاتجاه الصحيح ، وأن النصر قادم لا محالة. سيقول المهزومون إننا نمارس الخطابة أو قول الشعر ، وهو تماماً ما قاله أمثالهم لكل حركات ورموز التحرر في التاريخ. ألم يكن حديث حزب الله قبل عشرين عاماً عن تحرير جنوب لبنان ضرباً من الهراء برأي هذه الفئة؟،