المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كل الطرق لا تؤدي إلى غزة



د. محمد اسحق الريفي
03/06/2008, 11:00 AM
كل الطرق لا تؤدي إلى غزة

هبة محمد

http://www.watanews.com/filemanager.php?action=image&id=719

كلما تغرق الأماني في المستحيل .. نوقن أنها لن تعود، وكلما تغادرنا الألحان المفرحة.. نميل لاستثارة الحزن الساكن في قلوبنا، والمتهيئ للاشتعال كل حين، ونحن الذين يقتلنا الحنين، وتدمينا الذكريات والآهات.

قبل يومين، وفي مثل هذا التاريخ تماماً من العام الماضي، كانت الطائرة التابعة لخطوط مصر للطيران تقلع من دبي إلى القاهرة، وهي تحملني إلى الطرق المؤدية إلى غزة، لقضاء إجازة الصيف عند الأهل بعد غياب استمر قرابة عامين.

وهناك في غزة .. دفعتُ ثمن هذه الزيارة غالياً، حيث أغلقت كل الطرق بوجهي، ولم ألتحق بجامعتي في الإمارات إلاّ بعد كسر الحدود المصرية الفلسطينية في أواخر شهر يناير الماضي
."حبيسة غرفتي"

الآن.. وقد أنهيت فصليّ الدراسي، لا زلت أجلس في سكن الطالبات التابع للمدينة الجامعية بينما كل الفتيات قد عادوا لأهلهن .. وبمعنى أدق أنا حبيسة غرفتي، لأن مطارنا قد كُسر منذ أعوام، ولأن غول "الحصار" قد انقض على كل الطرق، فأصبحت لا تؤدي إلى غزة أبدا.
ربما سأستغل وقتي في متابعة أخبار الموتى الجدد في العالم العربي، وسأتفرغ تفرغا كاملاً لأخبار غزة، وملاحقة تداعيات الأحداث هناك، وألعن الوحدة والحصار، وألعن الصمت والمطارات المحطمة، وألعن الطرق المغلقة، وأمنّي نفسي بصيفٍ قادم، أعود فيه وأنا أحمل شهادة تخرجي، والكثير من الذكريات والأشواق.

لن يزعجني هذا الهدوء القاتل الذي خلفته لي زميلاتي في السكن، فيمكنني البكاء بحرارة دون أن يسمعني أحد، ويمكنني أكثر أن أسمع صوت بكائي، ويمكنني أن أرفع صوت المذياع، وأصرخ أكثر، فلا أحد هنا يمكن أن يلومني، خاصة وأنني قد انتقلت إلى غرفة أخرى في سكنٍ جمعوا فيه الطالبات الباقيات "الصالحات"..

بيتي وطعام أمي

فرصة هي لأتذكر بيتنا.. البيت الصغير الدافئ، وأذكر تلك الشجرة العملاقة التي تقف على مدخله الصغير، وقد ملأت الأرض ربيعاً من ورقها المتناثر هنا وهناك، كنت أعشق ظلها، وغروبها مع الشمس، وكأن بالطبيعة تحكي أروع الأغنيات، حينما تناجي الشمسُ الشجر، وتقف أمي الجميلة، تلتقط بعض "الجرادة الخضراء" (نوع من النباتات) من أمام المنزل، وتتعهد الزهرات والوردات بالماء والسقاية، وتهتم بـ "كتاكيتنا الصغار" وأشجار الزيتون والرمان التي زرعها أخي مؤخراً فكبرت وكبرت، حتى صارت تسبق بيتنا طولاً، وتثلج صدورنا باخضرار الحياة من جديد.
ولا يؤرقني إلا ذلك الطعام الذي أشتهيه من يد أمي، خاصة وهي تعد لي "المقلوبة" و"البسارة" و"صينية البطاطس"، بينما هنا تمزق معدتي تلك الوجبات التي نأكلها من "هوت برجر" وغيره من الأكلات السريعة، أو ساندويشات الجبنة بالشيبس، وإذا ما فكرتُ مرة بالطهو، فتكون المرة الأولى والأخيرة، لأنني لا أجيد الأكل وحدي، ولا يحفزني إلا وجود الفريق الذي قفل عائداً إلى بلاده بعد انتهاء الامتحانات.

أبي وصديقتي

حينما وصلتُ في الصيف الفائت.. كنتُ أبحث دائماً عن روح أبي، خاصة في اقتراب ذكرى وفاته الحادية عشرة، فأفتش عن رائحته المكتنزة في بقايا ثيابه، وخزانته القديمة، وعلبة الأوراق خاصته، وأبحث عنه في صورته وهو لا يزال شاباً، وهي تحتل محفظتي، وصندوق ذكرياتي، وأشتم في كل ركن من أركان البيت، أنفاسه وهو يحفزني على المزيد من العطاء، ويشمخ بي، ويسألني أن أكون نعم الزهرة التي تنشر الرحيق أينما حلت، وتحيي في الدنيا ذكرى زارعها.
وحينما يضيق قلبي بأسراره، وتتقرح جفوني من حرارة الدمع، وتكاد الضلوع تتمزق من مخبآت الصدور، أجدني قد هرعتُ إلى قلبها الدافئ، إنها "الصديقة" التي تحسن إلىّ كمطر السماء، وتشاركني فرحة الأرض بالمطر، وتدور معي كالريح الرقيقة بين جنوننا العذري في أروقة غزة المحاصرة..

ليلة الشموع

أتذكر كل ذلك.. لذا سأشعل الشموع هذه الليلة، وسأشارك الساكنين تحت الظلام ليلهم، وسأغلق "المكيّف" والحر يكاد يذيبني، لأسمع صوت المحترقين من الشمس، وسأمتنع عن أكل "الشوكولا" لأشارك أطفال غزة فقدهم لمسلياتهم، وسأشتاق كما دوماً، وسأضع رأسي بين كتب المنفلوطي وجبران ومنيف، ولكنني سأنام كثيراً وأنا أحلم بذلك اليوم الذي أقف فيه على معبر رفح عـائدة إلى حبيبتي "غزة".

1/6/2008

د. محمد اسحق الريفي
03/06/2008, 11:00 AM
كل الطرق لا تؤدي إلى غزة

هبة محمد

http://www.watanews.com/filemanager.php?action=image&id=719

كلما تغرق الأماني في المستحيل .. نوقن أنها لن تعود، وكلما تغادرنا الألحان المفرحة.. نميل لاستثارة الحزن الساكن في قلوبنا، والمتهيئ للاشتعال كل حين، ونحن الذين يقتلنا الحنين، وتدمينا الذكريات والآهات.

قبل يومين، وفي مثل هذا التاريخ تماماً من العام الماضي، كانت الطائرة التابعة لخطوط مصر للطيران تقلع من دبي إلى القاهرة، وهي تحملني إلى الطرق المؤدية إلى غزة، لقضاء إجازة الصيف عند الأهل بعد غياب استمر قرابة عامين.

وهناك في غزة .. دفعتُ ثمن هذه الزيارة غالياً، حيث أغلقت كل الطرق بوجهي، ولم ألتحق بجامعتي في الإمارات إلاّ بعد كسر الحدود المصرية الفلسطينية في أواخر شهر يناير الماضي
."حبيسة غرفتي"

الآن.. وقد أنهيت فصليّ الدراسي، لا زلت أجلس في سكن الطالبات التابع للمدينة الجامعية بينما كل الفتيات قد عادوا لأهلهن .. وبمعنى أدق أنا حبيسة غرفتي، لأن مطارنا قد كُسر منذ أعوام، ولأن غول "الحصار" قد انقض على كل الطرق، فأصبحت لا تؤدي إلى غزة أبدا.
ربما سأستغل وقتي في متابعة أخبار الموتى الجدد في العالم العربي، وسأتفرغ تفرغا كاملاً لأخبار غزة، وملاحقة تداعيات الأحداث هناك، وألعن الوحدة والحصار، وألعن الصمت والمطارات المحطمة، وألعن الطرق المغلقة، وأمنّي نفسي بصيفٍ قادم، أعود فيه وأنا أحمل شهادة تخرجي، والكثير من الذكريات والأشواق.

لن يزعجني هذا الهدوء القاتل الذي خلفته لي زميلاتي في السكن، فيمكنني البكاء بحرارة دون أن يسمعني أحد، ويمكنني أكثر أن أسمع صوت بكائي، ويمكنني أن أرفع صوت المذياع، وأصرخ أكثر، فلا أحد هنا يمكن أن يلومني، خاصة وأنني قد انتقلت إلى غرفة أخرى في سكنٍ جمعوا فيه الطالبات الباقيات "الصالحات"..

بيتي وطعام أمي

فرصة هي لأتذكر بيتنا.. البيت الصغير الدافئ، وأذكر تلك الشجرة العملاقة التي تقف على مدخله الصغير، وقد ملأت الأرض ربيعاً من ورقها المتناثر هنا وهناك، كنت أعشق ظلها، وغروبها مع الشمس، وكأن بالطبيعة تحكي أروع الأغنيات، حينما تناجي الشمسُ الشجر، وتقف أمي الجميلة، تلتقط بعض "الجرادة الخضراء" (نوع من النباتات) من أمام المنزل، وتتعهد الزهرات والوردات بالماء والسقاية، وتهتم بـ "كتاكيتنا الصغار" وأشجار الزيتون والرمان التي زرعها أخي مؤخراً فكبرت وكبرت، حتى صارت تسبق بيتنا طولاً، وتثلج صدورنا باخضرار الحياة من جديد.
ولا يؤرقني إلا ذلك الطعام الذي أشتهيه من يد أمي، خاصة وهي تعد لي "المقلوبة" و"البسارة" و"صينية البطاطس"، بينما هنا تمزق معدتي تلك الوجبات التي نأكلها من "هوت برجر" وغيره من الأكلات السريعة، أو ساندويشات الجبنة بالشيبس، وإذا ما فكرتُ مرة بالطهو، فتكون المرة الأولى والأخيرة، لأنني لا أجيد الأكل وحدي، ولا يحفزني إلا وجود الفريق الذي قفل عائداً إلى بلاده بعد انتهاء الامتحانات.

أبي وصديقتي

حينما وصلتُ في الصيف الفائت.. كنتُ أبحث دائماً عن روح أبي، خاصة في اقتراب ذكرى وفاته الحادية عشرة، فأفتش عن رائحته المكتنزة في بقايا ثيابه، وخزانته القديمة، وعلبة الأوراق خاصته، وأبحث عنه في صورته وهو لا يزال شاباً، وهي تحتل محفظتي، وصندوق ذكرياتي، وأشتم في كل ركن من أركان البيت، أنفاسه وهو يحفزني على المزيد من العطاء، ويشمخ بي، ويسألني أن أكون نعم الزهرة التي تنشر الرحيق أينما حلت، وتحيي في الدنيا ذكرى زارعها.
وحينما يضيق قلبي بأسراره، وتتقرح جفوني من حرارة الدمع، وتكاد الضلوع تتمزق من مخبآت الصدور، أجدني قد هرعتُ إلى قلبها الدافئ، إنها "الصديقة" التي تحسن إلىّ كمطر السماء، وتشاركني فرحة الأرض بالمطر، وتدور معي كالريح الرقيقة بين جنوننا العذري في أروقة غزة المحاصرة..

ليلة الشموع

أتذكر كل ذلك.. لذا سأشعل الشموع هذه الليلة، وسأشارك الساكنين تحت الظلام ليلهم، وسأغلق "المكيّف" والحر يكاد يذيبني، لأسمع صوت المحترقين من الشمس، وسأمتنع عن أكل "الشوكولا" لأشارك أطفال غزة فقدهم لمسلياتهم، وسأشتاق كما دوماً، وسأضع رأسي بين كتب المنفلوطي وجبران ومنيف، ولكنني سأنام كثيراً وأنا أحلم بذلك اليوم الذي أقف فيه على معبر رفح عـائدة إلى حبيبتي "غزة".

1/6/2008

احمد دلول
13/06/2008, 09:14 AM
السلام عليكم


بارك الله في قلم فلسطين ، ابى الا ان يخرج من قلب الحصار ليكتب ، لا لبني صهيون


فهذا هو العقل الفلسطيني ، الذي يحارب من قبل اعداء الله ، و هذا هو القلم الفلسطيني الذي حاصروه و منعوا عنه الحبر ، فأبى الا ان يكتب بالدماء الزكية : سأظل أكتب للأجيال مادمت حيّا


اسال الله ان يديم قلمك بيننا ، و ان نقرأ منه رونق السياسة وعبير الشعر


تحياتي :

احمد دلول