المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : السير بقدم واحدة .. أدب ساخر .. فاطمه بنت السراة



فاطمه بنت السراة
03/06/2008, 08:10 PM
:

السير بقدم واحدة
◘ ◘ ◘ ◘ ◘ ◘ ◘

◘ مقالتي عبارة عن حكاية (ما قبل) الشروع في تصوير (فلم) .. وهي حكاية شاب مصري ولأسمه من باب الوفاء "أحمد عبد الهادي"..
يكون أحمد من أسرة مطحونة, فاقدة الأب, كثيرة الأبناء .. ويصدف أن يكون هو الابن الأكبر وبالتالي العائل الوحيد للأسرة المكونة من احدى عشرة نفسا, ويصدف أيضا أن (حرفة الأدب الحرّاقة) قد تمكنت من أحمد حتى جعلته يهمل الوظيفة (الميري) التي جاءته بعد عناء ومن واسطة معترف بها.

المهم يهمل أحمد وظيفته ليحترق في دنيا الأدب: قصص, قصائد, مسرحيات, رواية وأخرى وثالثة, وكلها لا تقبل, فالمؤلف وإن كان رائع الأسلوب, متمكنا من حرفته, إلا أنه غير معروف, لذلك كانت ترفض نصوصه الأدبية قبل أن تقرأ, وأمه المسكينة بعد أن فقدت الأمل في عودته للوظيفة انكبت على (ماكينة الخياطة) لتعوله هو وبقية إخوته.

ولأن أمثال التفاؤل عندنا جميلة كالصبر مفتاح الفرج, وشق بيت الشعر " فرجت وكنت أظنها لا تفرج ", فرجت على أحمد ولله الحمد, تعهده ناقد مثقف حين قرأ إحدى رواياته (السير بقدم واحدة) فأعجبته وأثنى على الفتى بصدق: (إنت فين يا راجل, أهو دا الأدب ولا بلاش, مش زي كتّاب اليومين دول), وانتشى أحمد وهو يقبض العربون الصغير لشراء بدله وحذاء وربطة عنق, وإذا أمكن - كما أوصوه - ساعة يد للوجاهة ثم للدقة في المواعيد, ونظارة شمس ونظر.

ومر أسبوعان وأحمد في حلم لذيذ, يومياً في اجتماع مع كاتب السيناريو الشهير, والمخرج الفلاني, والممثلة الأولى, والممثل النجم الذي يجيد جميع الأدوار من الجد الطيب, الى ألأب الحازم, الى الشاب المطحون, الى المراهق الطائش, الى تلميذ المرحلة الابتدائية.

انتهت كتابة سيناريو (السير بقدم واحدة) والذي كان يُعبّر بالتمام عن الحال المائل في بلد الشاب, فكل شيء في البلد (نص ونص) مع الاعتذار للأخت "نانسي" لا شيء كامل فالكمال لله وحده, أي كأنك تسير بقدم واحدة.

بعض الإدارات تنفق على (الشكل) الأثاث والديكور وتترك (المضمون) الذي هو أساس عملها,
والإدارة التي بها مدير كفؤ تقي يخاف الله في مصلحة البلاد والعباد, لابد وأن يكون فوقه أو تحته عكس ذلك, والنتيجة يكون إنتاج العمل والسمعة نص ونص, وقِس على ذلك جميع فصول السيناريو التي يُرجى أن تصبح (فيلماً) ولكن أين المنتج؟

هنا يسقط في أيد الجميع .. أين المنتج الذي سيمول العمل؟
ويتذكر الممثل الذي يجيد جميع الأدوار, منتج فلمه الأخير: (شبَرا أمرَا شمس نجوم) الذي (كسّر الدنيا) على حد قوله, وأربك حركة المرور أمام كل دور العرض الذي عرضت الفلم..
وحضر المنتج الذي كان (تاجر مواشي, فتح الله عليه بعد تصدير مئات الرؤوس الضأني جيدة التغذية الى السعودية في موسم الحج لأعوام متتالية) .. خرج من سيارته ذات الستة أمتار طولا, وفص خاتم يخطف الأبصار غرَزهُ في لحم بنصره السمين فوق حلقة ذهبية بالكاد ترى .. ومع دخان (المعسِّل) وفتل شاربه المدهون بالفازلين باليد التي بها الخاتم, كان يهز رأسه مستمعاً للمخرج الذي كان (يُبسّط) له تفاصيل العمل,
(ولا مؤاخذة ليه الاسم الطويل ده, مانسميه الأعرج ونخلص؟), وشهق أحمد من سؤال المنتج الجاهل, وتفادى المخرج الأمر وأفهمه بالمعنى الحقيقي للعنوان.
(والرقاصة لامؤاخذة حتكون مين فيهم؟), وهنا غَلا الدم في عروق أحمد وكاد أن يخطف أوراقه من بين أيديهم ويمضي لحال سبيله إلا أن الناقد هو الذي غمز له هذه المرة بالصبر والتروي..
وبدأت المحايلات: (يامعلم دي حكاية موظف شاب مطحون ومش راضي أبدا عن وضع بعض الإدارات في البلد و.و.. متى سيقابل الراقصة المشهورة؟ ومن أين وهو مُعدم؟)
ولا يعدم المنتج حيلة: (في الملهى ياروح أمك), ويبتلع الناقد هواء لمزيد من الصبر: (كلامك على العين والراس يا معلم, بس حيجيب منين الفلوس وهو ياحيلة أمه طفران, وكلك نظر, تعرف يعني ايه ملهى, ويعني ايه رقاصة)
ويكركر المنتج بمعسِّله طويلا دليلا على التفكير ومن ثم يرفع رأسه: (لقيتها, حيكون بسلامته ماشي ناحية الملهى [بالمناسبة حيكون التصوير في الملهى ركم 3 بتاعي اللي في شارع ...], نرجع لكلامنا, قبل ما يوصل للملهى حيلاقي محفظة مليانة فلوس, حياخدها ويطير بيها ع الملهى, ويشوف الرقاصة),
(يا سلام كلام من دهب, بس يا معلم الشاب اللي في الحدوته شاب أمين يعجبك, مليء بالمثاليات, فمش ممكن يفكر إنه أول ما يلاقي محفظة مليانة ياخدها ولا ايه)؟,
وينفخ المعلم من أنفه في الهواء دلالة على قلة الصبر: (لا إله إلا الله .. يا أستاز الشيطان شاطر), ثم يسعل ويلقي بنصيحة أخيرة دلالة على نفاذ الصبر, وأنه هو الأقوى: (اسمع ياحبيبي الحدوتة بتاعتكم, ما تجيش بثلاثة تعريفة في السوق, لكن إذا حبّشتها باللي قلتلك عليه, الرقاصة, والملهى, ومايضرش بلقاء عابر في فندق خمس نجوم, ماهو معاه محفظة فيها ألوفات, ومتنساش إن التصوير حيكون في الفندق بتاعي ركم اتنين اللي في شارع (...), الجمهور عاوز كده .. أما تقولي مثاليات, ورجل واحدة, وفقر, وأمانة, يابني فووووق, اِصحىَ).

وتغلق حكاية مكررة في كل بلد عربي, وفي كل قطاع عام, أُطرها وأسسها واحدة: روتين, وكبير, وقوة, ونفوذ وإن كان هو الغلّط مُجسما.
وما قطاع السينما إلا مَثل, وباللهجة التي دخلت (بخفة دمها) كل بيت, ولشهرتها في هذا القطاع, اخترتها لكم..ووو
وتسكت "ابنة السُراة" عن الكلام (غير) المباح.


◘ ◘ ◘ ◘ ◘ ◘ ◘ ◘

الحاج بونيف
25/09/2008, 12:13 AM
لا فض فوك يا ابنة السراة
هو ذا وضع المثقف العربي ..
إما أن يسلم أمره للجهلة او الضياع..
دمت متألقة.

فاطمه بنت السراة
08/10/2008, 10:53 PM
لا فض فوك يا ابنة السراة
هو ذا وضع المثقف العربي ..
إما أن يسلم أمره للجهلة او الضياع..
دمت متألقة.
:
أخي الفاضل الحاج بونيف
كانت تحل دائماً بالحل الأول الذي ذكرت,
أما اليوم وبعد أن زاد الوعي عند المثقف العربي أصبحت تحل بالحل الثاني,
و ( يا قلب لا تحزن )

شرفني كريم المرور