فاطمه بنت السراة
11/06/2008, 02:23 AM
:
ساحرة بثلاثة رؤوس
◘ ◘ ◘ ◘ ◘ ◘ ◘
◘ انتهيت من قراءة كتاب عن الحسد ومن ثم كان هذا المقال:
◘ قبل سنوات تزوجت شقيقتاي في ليلة واحدة, وكان لي أيامها صديقة حجازية من أهل "جده", فقالت لي ونحن لا نزال في معمعة الإعداد للزفاف: ( لا تنسوا الحَمَام ), ودهشتُ مقاطِعة: ( أي حَمَام؟! ) فأكملت طيّبة الذِكْر إجابتها ووجهة نظرها الشخصية والعملية من ناحية الحَمَام بلهجتها الحجازية: ( وقت الزفة يجب أن يكون هناك شخص يتقدم العروسين, أفضل أن يكون طفل, ويا ليت ما يكون جميل, فيقوم المذكور بتطيير جوز حَمَام عشان العين تِصقع في الحَمَام وتعتق العروسين, ولا تنسي يا فاطمه إن العين فلقت الحَجَر ), وكنت أعرف أن كثير من الحجازيين وبالذات أهل - مكة وجده والمدينة - يخافون من العين خوفهم من العمى والأورام الخبيثة, فضحكت بيني وبين نفسي, وتزوجت شقيقتاي في زفتين منفصلتين, وبالطبع لم نُطيّر حَمام ولا يحزنون, تحصّنا بذكر الله فسلّمنَا الله, ولم تُصبنا عين والحمد لله.
◘ ومضمون الكتاب الذي قرأت يقول:
العين تأتي من الحسد, والحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب .. أحد علماء النفس الغربيين يُشبّه الحسد بساحرة لها ثلاثة رؤوس, أحدها الحسد, وثانيها الحقد, وثالثها الغيرة.
وأعتقد أن تشبيهه فيه كثير من الصدق, إذ أننا لو جمعنا هذه الثلاثة في نفس واحدة لكان ( الحسد الشرير ) مجسداً أمامنا.
◘ والحسد يؤدي الى المعصية, إذ يذكر بعض السلف أن أول خطيئة كانت: حسد إبليس على ( رتبة ) أبينا آدم عليه السلام عند الله, فأبى أن يسجد له,
◘ وهو الذي دفع بابن آدم الى قتل أخيه ( أول جريمة قتل في الدنيا ),
◘ وهو الذي يدفع الكفار الى تمني وقوعنا في الكفر حسداً, ولنكون معهم سواء: { ودّ كثير من أهل الكِتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم },
◘ وهو الذي جعل إخوة يوسف عليه السلام يكيدون له ويلقونه صغيراً في غيابة الجُبّ بعيداً عن حُب أبيه.
◘ وفي الخبر أنّ المؤمن ( يغبط ) والمنافق ( يحسد ), وكما يحسد المنافق ويؤذي غيره, فهو قد يؤذي نفسه ويُوردها من جرّاء حسده موارد الهلاك, ولهذا حكاية طريفة: إذ يُحكى أنه كان لرجل حُظوة ومقام ومقال عند أحد الملوك, فحسده رجل على تلك المكانة الكبيرة, فذهب الى الملك وقال له: إنّ هذا الذي يقوم بحذائك يزعم أن الملك أبخر - أي رائحة فمه كريهة - فقال الملك: وكيف نتثبت من أنه قال ذلك؟ فأجاب: تدعوه إليك فإذا دَنا منك وضع يدهُ على أنفه لكي لا يشم ريح البخر. ولما صرف الملك - الحاسد الواشي - ذهب من فوره الى الرجل فدعاه الى منزله وأطعمه طعاماً فيه ثوم, وخرج الرجل بعدها كعادته الى مجلس الملك, ولمّا اقترب منه الملك وضع يدهُ على فمه - تأدباً - لئلا يشم رائحة الثوم فيه, فقال الملك في نفسه: إنّ فلاناً قد صَدَق. فكتب الى عامل من عمّاله: ( إذا أتاك حامل كتابي هذا فاذبحه واسلخه واحشِ جلده تبناً وأرسله لي ), وقد كان الملك لا يكتب بخطه إلاّ بجائزة أو صِلة, فأخذ الرجل الكتاب, فلقيه الواشي في الخارج فسأله عنه, فقال: كتب الملك لي بصِلة, فحسده على ما أعطاه الملك وقال: هبه لي. قال: هو لك. فأخذه ومضى به الى العامل الذي أمر بذبحه وسلخه وحشو جلده بالتبن, فاستصرخ الرجل وطلب مراجعة الملك, لكن العامل أصمّ أذنيه ونفذ أمر الملك فيه, ولمّا رأي الملك الرجل الطيب في مجلسه وهو قد أمر بقتله, سأله عن الكتاب, فحكى له الرجل ما كان, فأخبره الملك بما قاله فلان فيه, فأنكر الرجل, فسأل الملك: ولِم وضعت يدك على فمك؟ فقال: أطعمني طعاماً فيه ثوم فكرهت أن تشمه. فقال الملك: صدقت. ارجع الى مكانك فقد كفى المسيء إساءته.
◘ وحكاية الرجل الذي لم يحسد أحداً, والذي أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بين أصحابه أنه من أهل الجنّة: ( يطلع عليكم من هذا الفجّ رجل من أهل الجنّة, فطلع رجل من الأنصار ينفض لحيته من وضوئه قد علَق نعليه في يده الشمال, فسلّم........ الى آخر الحديث ), وقد قالها النبي عليه السلام ثلاثة أيام والرجل يطلع في حاله ذاك, مما حدا بـ "عبدالله بن عمرو بن العاص" الى تتبعه وانتحال الأعذار للمبيت عنده ليالِ ثلاث, ليعرف ماذا يصنع الرجل حتى يصفه الرسول بأنه من أهل الجنّة, فيبيت يُراقب الرجل فلا يرى من عبادته إلاّ قليلا, ولمّا مضت الليالي الثلاث أخبره بما قاله النبي فيه لكنه لم يرَ عليه شيئا يُذكر. فاستدرك الرجل أمراً فقال: إنه لم يحسد في نفسه أحداً من المسلمين على خير أعطاه الله إيّاه. فقال عبدالله بن عمرو بن العاص مقولته الجميلة والصادقة: ( هي التي بلغت بك, وهي التي لا نُطيق ).
◘ يذكر الكاتب أنّ الحسد من غير - فِعْل إيجابي - من الحاسد لا يضرّ مخلوق, إذ لو تمنّى الحاسد زوال نعمة المحسود فلن يضرّهُ هذا, لذلك تأتي الاستعاذة في سورة ( الفلق ) لا من الحاسد نفسه, بل من شرّه, وليس من شرّهِ فقط, بل من شرّه إذا حَسَد, وهذا هو الفعل الإيجابي.
◘ ◘ ◘ ◘
◘ نقش من ورق التقويم:
يكفيك من الحاسد أنه يغتمّ وقت سرورك, ويسرّ وقت غمّك.
ساحرة بثلاثة رؤوس
◘ ◘ ◘ ◘ ◘ ◘ ◘
◘ انتهيت من قراءة كتاب عن الحسد ومن ثم كان هذا المقال:
◘ قبل سنوات تزوجت شقيقتاي في ليلة واحدة, وكان لي أيامها صديقة حجازية من أهل "جده", فقالت لي ونحن لا نزال في معمعة الإعداد للزفاف: ( لا تنسوا الحَمَام ), ودهشتُ مقاطِعة: ( أي حَمَام؟! ) فأكملت طيّبة الذِكْر إجابتها ووجهة نظرها الشخصية والعملية من ناحية الحَمَام بلهجتها الحجازية: ( وقت الزفة يجب أن يكون هناك شخص يتقدم العروسين, أفضل أن يكون طفل, ويا ليت ما يكون جميل, فيقوم المذكور بتطيير جوز حَمَام عشان العين تِصقع في الحَمَام وتعتق العروسين, ولا تنسي يا فاطمه إن العين فلقت الحَجَر ), وكنت أعرف أن كثير من الحجازيين وبالذات أهل - مكة وجده والمدينة - يخافون من العين خوفهم من العمى والأورام الخبيثة, فضحكت بيني وبين نفسي, وتزوجت شقيقتاي في زفتين منفصلتين, وبالطبع لم نُطيّر حَمام ولا يحزنون, تحصّنا بذكر الله فسلّمنَا الله, ولم تُصبنا عين والحمد لله.
◘ ومضمون الكتاب الذي قرأت يقول:
العين تأتي من الحسد, والحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب .. أحد علماء النفس الغربيين يُشبّه الحسد بساحرة لها ثلاثة رؤوس, أحدها الحسد, وثانيها الحقد, وثالثها الغيرة.
وأعتقد أن تشبيهه فيه كثير من الصدق, إذ أننا لو جمعنا هذه الثلاثة في نفس واحدة لكان ( الحسد الشرير ) مجسداً أمامنا.
◘ والحسد يؤدي الى المعصية, إذ يذكر بعض السلف أن أول خطيئة كانت: حسد إبليس على ( رتبة ) أبينا آدم عليه السلام عند الله, فأبى أن يسجد له,
◘ وهو الذي دفع بابن آدم الى قتل أخيه ( أول جريمة قتل في الدنيا ),
◘ وهو الذي يدفع الكفار الى تمني وقوعنا في الكفر حسداً, ولنكون معهم سواء: { ودّ كثير من أهل الكِتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم },
◘ وهو الذي جعل إخوة يوسف عليه السلام يكيدون له ويلقونه صغيراً في غيابة الجُبّ بعيداً عن حُب أبيه.
◘ وفي الخبر أنّ المؤمن ( يغبط ) والمنافق ( يحسد ), وكما يحسد المنافق ويؤذي غيره, فهو قد يؤذي نفسه ويُوردها من جرّاء حسده موارد الهلاك, ولهذا حكاية طريفة: إذ يُحكى أنه كان لرجل حُظوة ومقام ومقال عند أحد الملوك, فحسده رجل على تلك المكانة الكبيرة, فذهب الى الملك وقال له: إنّ هذا الذي يقوم بحذائك يزعم أن الملك أبخر - أي رائحة فمه كريهة - فقال الملك: وكيف نتثبت من أنه قال ذلك؟ فأجاب: تدعوه إليك فإذا دَنا منك وضع يدهُ على أنفه لكي لا يشم ريح البخر. ولما صرف الملك - الحاسد الواشي - ذهب من فوره الى الرجل فدعاه الى منزله وأطعمه طعاماً فيه ثوم, وخرج الرجل بعدها كعادته الى مجلس الملك, ولمّا اقترب منه الملك وضع يدهُ على فمه - تأدباً - لئلا يشم رائحة الثوم فيه, فقال الملك في نفسه: إنّ فلاناً قد صَدَق. فكتب الى عامل من عمّاله: ( إذا أتاك حامل كتابي هذا فاذبحه واسلخه واحشِ جلده تبناً وأرسله لي ), وقد كان الملك لا يكتب بخطه إلاّ بجائزة أو صِلة, فأخذ الرجل الكتاب, فلقيه الواشي في الخارج فسأله عنه, فقال: كتب الملك لي بصِلة, فحسده على ما أعطاه الملك وقال: هبه لي. قال: هو لك. فأخذه ومضى به الى العامل الذي أمر بذبحه وسلخه وحشو جلده بالتبن, فاستصرخ الرجل وطلب مراجعة الملك, لكن العامل أصمّ أذنيه ونفذ أمر الملك فيه, ولمّا رأي الملك الرجل الطيب في مجلسه وهو قد أمر بقتله, سأله عن الكتاب, فحكى له الرجل ما كان, فأخبره الملك بما قاله فلان فيه, فأنكر الرجل, فسأل الملك: ولِم وضعت يدك على فمك؟ فقال: أطعمني طعاماً فيه ثوم فكرهت أن تشمه. فقال الملك: صدقت. ارجع الى مكانك فقد كفى المسيء إساءته.
◘ وحكاية الرجل الذي لم يحسد أحداً, والذي أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بين أصحابه أنه من أهل الجنّة: ( يطلع عليكم من هذا الفجّ رجل من أهل الجنّة, فطلع رجل من الأنصار ينفض لحيته من وضوئه قد علَق نعليه في يده الشمال, فسلّم........ الى آخر الحديث ), وقد قالها النبي عليه السلام ثلاثة أيام والرجل يطلع في حاله ذاك, مما حدا بـ "عبدالله بن عمرو بن العاص" الى تتبعه وانتحال الأعذار للمبيت عنده ليالِ ثلاث, ليعرف ماذا يصنع الرجل حتى يصفه الرسول بأنه من أهل الجنّة, فيبيت يُراقب الرجل فلا يرى من عبادته إلاّ قليلا, ولمّا مضت الليالي الثلاث أخبره بما قاله النبي فيه لكنه لم يرَ عليه شيئا يُذكر. فاستدرك الرجل أمراً فقال: إنه لم يحسد في نفسه أحداً من المسلمين على خير أعطاه الله إيّاه. فقال عبدالله بن عمرو بن العاص مقولته الجميلة والصادقة: ( هي التي بلغت بك, وهي التي لا نُطيق ).
◘ يذكر الكاتب أنّ الحسد من غير - فِعْل إيجابي - من الحاسد لا يضرّ مخلوق, إذ لو تمنّى الحاسد زوال نعمة المحسود فلن يضرّهُ هذا, لذلك تأتي الاستعاذة في سورة ( الفلق ) لا من الحاسد نفسه, بل من شرّه, وليس من شرّهِ فقط, بل من شرّه إذا حَسَد, وهذا هو الفعل الإيجابي.
◘ ◘ ◘ ◘
◘ نقش من ورق التقويم:
يكفيك من الحاسد أنه يغتمّ وقت سرورك, ويسرّ وقت غمّك.