المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عام النكتة



غالب ياسين
12/06/2008, 10:33 PM
توجه أكثر من مسؤول ووزير في حكومة أولمرت الي العرب الفلسطينيين داخل إسرائيل بأن يخجلوا من أنفسهم وأن لا يستعملوا كلمة نكبة لأنها قد تسيء للعلاقات بين الشعبين وتسبب توتراً دونما حاجة الي ذلك. وتعبيراً عن حسن النوايا قررنا أن نبادر ونسميه عام النكتة، وذلك لأن معظم الفلسطينيين ما زالوا يفرطون من الضحك كلما تذكروا أحداث ذلك العام المضحك، تذكرت بعض القصص الحقيقية بأسماء أبطالها الحقيقيين، وكلها تؤكد أن ما حدث ليس سوي نكتة أو مسلسل مقالب علي نمط حمام الهنا ، فأنا شخصياً ولفترة طويلة لم أكتشف أن أمي لاجئةً، وبما أن والدي ليس لاجئا فقد بقيت صفة اللجوء (برّه وبعيد)، وبالنسبة لأمي فلتصطفل... بل أنني عندما اكتشفت في طفولتي المتقدمة أنها لاجئة صرت أنظر إليها نظرة مختلفة، شعرت بعداء خفي نحوها، كأنها ألحقت بي عارا، من ناحيتها اجتهدت لتثبت لي وللأسرة ولجاراتها وأقرباء والدي علي مدار عقود أن والدها كان من وجهاء بلدة شعب ، وأنهم يملكون أراضي وكروم زيتون، وكانت لهم بقالة في عكا تقعد فيها عندما يذهب والدها الي صلاة الظهر أو العصر في جامع الجزار، فتوزع البندق والجوز علي صديقاتها وأقربائها المارين أمام البقالة الي أن قرر والدها التخلي عن خدمتها المخسرة، وبهذا تكون هي التي تنازلت عندما قبلت والدي اليتيم زوجا لها، وهي التي بنت له بيته وعمّرته بعد أن كان لا فوقه ولا تحته حسب تعبيرها، وطبعا هذا مصدر خلاف تاريخي مستمر بينهما ووجع راس وقفشات ونكات ما زالت مستمرة إلي يومنا هذا..
أقول لوالدتي: لولا حدوث النكتة لما تزوجت من والدي! فترد بسذاجة.. كانت إمرأة أخري ستكون والدتك! هل تقبل فلانة أماً لك؟ والدك كان يحبها!
فأرد... أعوذ بالله.. حتي لو تزوجتِ رجلا آخر فأنت تبقين أمي ولكن والدي هو الذي سيختلف!
فترد مستغربة... عزا كيف هالحكي!
تبعثرت أسرة والدتي في لبنان وسورية وغزة والأردن وبقي بعضهم لاجئاً علي بعد عشرات الأمتار من أرضه.
وبعد قفشة تل الزعتر ثم نكتة صبرا وشاتيلا اتسعت دائرة التبعثر لتصل الي أمريكا وكندا وطبعا الإمارات العربية، أما هولندا وألمانيا وغيرهما فهي من نصيب أقرباء الوالد وأبنائهم الذين صاروا رغم سمرة بشرتهم ينطقون العربية بلكنة جرمانية شاء من شاء وأبي من أبي!
بعد حفلة السمر في صبرا وشاتيلا، قام والدي بواسطة أحد معارفه بعمل تصريح لإحدي خالاتي فزارتنا، كان هذا حدثا عظيما بالنسبة لوالدتي التي تلتقي شقيقتها لأول مرة منذ النكتة الأولي!
عشنا أسبوعين من السعادة، وتمكن والدي من تمديد التصريح بضعة أيام أخر، ولكن كان لا بد من الفراق ووصلنا الي معبر الناقورة،وهناك أزفت لحظة الوداع، أمي التي لا تعرف إذا ما كانت ستحظي برؤية شقيقتها الكبري مرة أخري أم لا بكت وهذا طبيعي،ولكنها نشجت وهذا غير طبيعي، الدموع مسموحة ولكن بدون صوت قال خالي الأصغر... وحذر شقيقتيه.. تعزروش علينا ! فالعيب كل العيب أن تري الشعوب المتحضرة دموعنا وتسمع نشيجنا فتكتشف أننا شعب متخلف ونستاهل ما جري لنا.
عانقت والدتي شقيقتها التي قد لا تراها أبدا، والتصقتا ببعضهما بغوغائية، وبشكل بربري ارتفع نشيجهما الذي سبق وحذر خالي منه، فما كان منه إلا أن تدخل وصفع ماما علي فعلتها! ومن يومها بصراحة أشعر بحقد عليه، رغم أنها سامحت شقيقها المدلل، ولكن ما زالت صفعته لأمي تحز في نفسي، ومن يومها أنظر إليه كإنسان متخلف رغم تنظيراته السياسية ومتابعته لهيكل في الجزيرة وقبلها في صوت العرب من القاهرة، وحز في نفسي أكثر أنها كانت محقة ببكائها وعويلها فقد رحلت شقيقتها بعد بضعة أعوام عن الدنيا، وكان عناقهما الذي ختم بصفعة الشقيق المدلل في رأس الناقورة هو الأخير...

والدي لم يحطها واطية ولم يعدم شيئاً من المفاخر، قلت له مرة إن الحياة مسخرة ولا تستحق العناء، فرد: كيف تريدني أن اعتبرها مسخرة وفي الخامسة عشرة من عمري حملت بندقية لأحرس في الليل دفاعاً عن القرية،ثم انسحبت وراء جيش الإنقاذ حتي وصلت حلب، ثم عدت الي بيروت ففلسطين فاعتقلت و(كبوني) إلي لبنان، أقمت في بيروت سنة ونصف عملت خلالها في ورشة بناء، وعندما رفض خالي في مخيم شاتيلا أن يزوجني ابنته عدت الي فلسطين ف(كبوني) مرة أخري الي غور الأردن، فعدت مشيا من بيسان الي مجد الكروم، ثم سجنت في العزيزية بجانب حيفا أربعين يوما، ثم (كبّوني) مرة أخري الي لبنان،وحذرني الضابط بأن عودتي القادمة تعني نهايتي رميا بالرصاص، وبالفعل رأيت نهايات رجال أمامي ليس بالرصاص فقط، بل إن بعضهم كزّ ومات من شدة البرد!
ـ ماتوا من شدة البرد!
ـ أي نعم ؟
ـ قههههه فعلا نكتة ....
ولكنني عدت مع آخرين وحوصرت القرية بعدما كشف أمرنا ونجحت بالاختفاء، ثم سلمت نفسي للسلطات بواسطة المحامي حنا نقارة مع ثمانية وأربعين شخصا آخرين، هذا حدث بعد ثلاث سنوات من العيش متسللا ومهرباً، في المحكمة العليا حصلت علي إقامة دائمة بعدما أثبت المحامي نقاره أنني كنت في القرية يوم احتلالها...وشهدت إعدام أحد عشر شخصا علي ساحة العين..
ـ أحد عشر شخصاً...
ـ أي نعم ..أحد عشر رجلا...
ـ قهههههههههههههه هذا يثبت أن ما حدث ليس سوي نكتة!
ـ نكتة..!
ـ طبعاً نكتة...كي لا يزعل إخواننا اليهود..
http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=today\11z19.htm&storytitle=ffعام%20النكتة%20fff&storytitleb=سهيل%20كيوان&storytitlec=