خالد السروجي
08/12/2006, 11:08 AM
الفريسة
كانت السيدة الصغيرة تشعر بالإحباط وهى تقف أمام باب عيادة طبيب الأسنان . كان الباب مغلقا . لم تنم الليلة الفائتة بسبب ألم أحد الأضراس . وضعت يدها على زر الجرس . ضغطت الزر ثلاث مرات ، ثم أنزلت يدها بحركة يائسة . ولم تكن تدرى أن عينا تراقبها من وراء العين السحرية للباب المقابل لعيادة الطبيب وأن هذه العين تنتظرها منذ أن طقطق حذاؤها على أول درجات السلم . ولم تدر أيضا أن هذه العين تتربص – دائما – لطقطقات الأحذية النسائية التى تعلو بشكل لافت بفعل رخام السلم وهدوء المنزل الشديد ، فتلتقطه الأذن المتربصة المتربة .
أنفرج باب الشقة المواجه لباب عيادة الطبيب ببطيء، ليكشف عن امرأة عجوز . كانت العجوز تلبس ثوبا طويل ، وعلى رأسها طرحة سوداء – أيضا انحسرت قليلاً عن الرأس لتكشف عن شعر فضى لامع كانت منحنية ، وتكاد تكون فى انحنائها تشبه رقم أثنين.
مظهرها كان كئيبا إلى الدرجة التى جعلت قلب السيدة الصغيرة ينقبض لمرآها ، خاصة وقد صاحب فتح باب شقة العجوز هبوب رائحة عفونة .
قالت المرأة العجوز بصوت مرتعش :
-" الممرضة تأخرت عن موعد فتح العيادة "
قالت السيدة الصغيرة :
-" لا باس . سأنتظرها هنا "
قالت المرأة العجوز :
-" تفضلى أنا أعرف تليفون منزل الدكتور . سأتصل به ليأتى حالا . منزله قريب من هنا "
فتحت العجوز الباب عن أخره :
- " تفضلى "
السيدة – بدافع الإحراج – عبرت باب الشقة بخطوات خجولة، ولكنها بمجرد أن خطت داخل الشقة ، حتى شعرت بالخوف . الإضاءة داخل الشقة كانت ضعيفة . الأثاث قديم متهالك . براويز الصور الأبيض والأسود المعلقة على حائط الصالة ، توحى بالكآبة ، بالإضافة إلى رائحة العفونة التى تغمر الشقة .
أنخلع قلب السيدة الصغيرة ، عندما أغلقت المرأة العجوزة باب الشقة . استولت عليها – على الفور – وساوس واخيله عن أشخاص يخرجون من إحدى الغرف يذبحونها ثم يستولون على حليها الذهبية . شعرت بالسخط على نفسها لأنها قبلت الدخول فى شقة غربية . تساءلت فى نفسها : هل استدرجتها العجوز إلى فخ ؟ . شعرت بالندم كانت لا تزال تقف أمام العجوز بالقرب من الباب .
قالت السيدة الصغيرة بصوت هامس :-
- " أشكرك سأنتظرك الدكتور بالخارج " .
ربتت العجوز على كتف السيدة فشعرت السيدة بقشعريرة تسرى فى جسدها :
- " أنت مثل ابتنى . لا يصح أن تنتظرى على السلم "
دفعت العجوز السيدة الصغيرة برفق إلى الداخل ، فأزداد توجس السيدة وفكرت في الصراخ ولكن شيئا فى داخلها أحبط هذه الصراخ وأجله إلى أول بادرة سوء .
ما أن جلست السيدة الصغيرة على أحد كراسى الصالة ، حتى جالت ببصرها فى أرجاء الشقة التى تنبعث رائحة العفونة من كل أرجائها . توقف نظرها على الحائط المرصع بالصور الأبيض والأسود . كانت العجوز تتابع نظرتها .
أشارت العجوز إلى صورة رجل غليظ الملامح يحمل شارب غليظ أيضا :
- " أنه المرحوم زوجى . كان طبعه صعبا .؟ معاملته كانت جافة ، ولكن تعودت عليها . فى أول الأمر كنت أحزن عندما كان يشتمنى ، أو تمتد يده إلى ، ولكننى فى نهاية الآمر لم أعد أتأثر كثيرا من ذلك . تعودت عليه . كل رجل له بعض الطباع السيئة . رحل منذ عشر سنوات . صراخه وشتائمه أرحم بكثير من أن يجلس الإنسان ليكلم نفسه طوال النهار " …
السيدة الصغيرة التى بدأ أثر الدواء المسكن يزول عنها ، بدأت آلام الضرس تعاودها من جديد ، وأخذت تفكر بغيظ – بعد أن هدأت هواجسها قليلا من ناحية العجوز – فى الممرضة التى لم تفتح العيادة حتى الآن والطبيب الذى تأخر.
واصلت العجوز :
- " الأيام تمضى متشابهة .لا يزورنى أحد كما ترين . أحاول خدمة نفسى على قدر استطاعتى " .
أشارت العجوز إلى برواز كبير يحمل صورة نصفية لشاب فى ملابس عسكرية :
- " أبنى . مات فى النكسة . كادت عينى تنطفى حزنا عليه ".
نهنهت بصوت خفيض . مسحت عينيها فى الطرحة السوداء ، ثم تمخطت فى طرفها :
- " لا زلت أبكيه حتى الآن .
كانت السيدة الصغيرة قد أصابها الملل وهاجمها آلم الضرس بضراوة ، وشعرت بعدم قدرتها على الإنصات للمرأة العجوز .
قالت السيدة الصغيرة بنفاد صبر :
- " قلت أنك تعرفين رقم تليفون الدكتور . هل يمكننى الاتصال به "
قالت العجوز بلهجة مذنب يعترف :
- " معذرة يا أبنتنى . ليس لدى تليفون " .
انتقضت السيدة الصغيرة واقفة ، وهى توجه إلى العجوز نظرات ملتهبة .
قالت العجوز بود :
- " لا تتعجلى . سيأتى الطبيب حالا . أنظرى إلى هذه الصورة . أنها أبنتى . هذه صورة زفافها . هى فى أمريكا الآن مع زوجها… " .
دون أن ترد السيدة الصغيرة ، اندفعت تجاه باب الشقة . فتحت الباب . أغلقته وراءها بعنف . اندفعت تعدو إلى السلم غاضبة . كادت أن تصطدم بسيدة أخرى كانت تصعد السلم . السيدة الصاعدة كان كعب حذاءها يطقطق على درجات السلم ، بينما شرعت عين فى أن تتخذ مكانها خلف العبن السحرية للباب المغلق توا .
كانت السيدة الصغيرة تشعر بالإحباط وهى تقف أمام باب عيادة طبيب الأسنان . كان الباب مغلقا . لم تنم الليلة الفائتة بسبب ألم أحد الأضراس . وضعت يدها على زر الجرس . ضغطت الزر ثلاث مرات ، ثم أنزلت يدها بحركة يائسة . ولم تكن تدرى أن عينا تراقبها من وراء العين السحرية للباب المقابل لعيادة الطبيب وأن هذه العين تنتظرها منذ أن طقطق حذاؤها على أول درجات السلم . ولم تدر أيضا أن هذه العين تتربص – دائما – لطقطقات الأحذية النسائية التى تعلو بشكل لافت بفعل رخام السلم وهدوء المنزل الشديد ، فتلتقطه الأذن المتربصة المتربة .
أنفرج باب الشقة المواجه لباب عيادة الطبيب ببطيء، ليكشف عن امرأة عجوز . كانت العجوز تلبس ثوبا طويل ، وعلى رأسها طرحة سوداء – أيضا انحسرت قليلاً عن الرأس لتكشف عن شعر فضى لامع كانت منحنية ، وتكاد تكون فى انحنائها تشبه رقم أثنين.
مظهرها كان كئيبا إلى الدرجة التى جعلت قلب السيدة الصغيرة ينقبض لمرآها ، خاصة وقد صاحب فتح باب شقة العجوز هبوب رائحة عفونة .
قالت المرأة العجوز بصوت مرتعش :
-" الممرضة تأخرت عن موعد فتح العيادة "
قالت السيدة الصغيرة :
-" لا باس . سأنتظرها هنا "
قالت المرأة العجوز :
-" تفضلى أنا أعرف تليفون منزل الدكتور . سأتصل به ليأتى حالا . منزله قريب من هنا "
فتحت العجوز الباب عن أخره :
- " تفضلى "
السيدة – بدافع الإحراج – عبرت باب الشقة بخطوات خجولة، ولكنها بمجرد أن خطت داخل الشقة ، حتى شعرت بالخوف . الإضاءة داخل الشقة كانت ضعيفة . الأثاث قديم متهالك . براويز الصور الأبيض والأسود المعلقة على حائط الصالة ، توحى بالكآبة ، بالإضافة إلى رائحة العفونة التى تغمر الشقة .
أنخلع قلب السيدة الصغيرة ، عندما أغلقت المرأة العجوزة باب الشقة . استولت عليها – على الفور – وساوس واخيله عن أشخاص يخرجون من إحدى الغرف يذبحونها ثم يستولون على حليها الذهبية . شعرت بالسخط على نفسها لأنها قبلت الدخول فى شقة غربية . تساءلت فى نفسها : هل استدرجتها العجوز إلى فخ ؟ . شعرت بالندم كانت لا تزال تقف أمام العجوز بالقرب من الباب .
قالت السيدة الصغيرة بصوت هامس :-
- " أشكرك سأنتظرك الدكتور بالخارج " .
ربتت العجوز على كتف السيدة فشعرت السيدة بقشعريرة تسرى فى جسدها :
- " أنت مثل ابتنى . لا يصح أن تنتظرى على السلم "
دفعت العجوز السيدة الصغيرة برفق إلى الداخل ، فأزداد توجس السيدة وفكرت في الصراخ ولكن شيئا فى داخلها أحبط هذه الصراخ وأجله إلى أول بادرة سوء .
ما أن جلست السيدة الصغيرة على أحد كراسى الصالة ، حتى جالت ببصرها فى أرجاء الشقة التى تنبعث رائحة العفونة من كل أرجائها . توقف نظرها على الحائط المرصع بالصور الأبيض والأسود . كانت العجوز تتابع نظرتها .
أشارت العجوز إلى صورة رجل غليظ الملامح يحمل شارب غليظ أيضا :
- " أنه المرحوم زوجى . كان طبعه صعبا .؟ معاملته كانت جافة ، ولكن تعودت عليها . فى أول الأمر كنت أحزن عندما كان يشتمنى ، أو تمتد يده إلى ، ولكننى فى نهاية الآمر لم أعد أتأثر كثيرا من ذلك . تعودت عليه . كل رجل له بعض الطباع السيئة . رحل منذ عشر سنوات . صراخه وشتائمه أرحم بكثير من أن يجلس الإنسان ليكلم نفسه طوال النهار " …
السيدة الصغيرة التى بدأ أثر الدواء المسكن يزول عنها ، بدأت آلام الضرس تعاودها من جديد ، وأخذت تفكر بغيظ – بعد أن هدأت هواجسها قليلا من ناحية العجوز – فى الممرضة التى لم تفتح العيادة حتى الآن والطبيب الذى تأخر.
واصلت العجوز :
- " الأيام تمضى متشابهة .لا يزورنى أحد كما ترين . أحاول خدمة نفسى على قدر استطاعتى " .
أشارت العجوز إلى برواز كبير يحمل صورة نصفية لشاب فى ملابس عسكرية :
- " أبنى . مات فى النكسة . كادت عينى تنطفى حزنا عليه ".
نهنهت بصوت خفيض . مسحت عينيها فى الطرحة السوداء ، ثم تمخطت فى طرفها :
- " لا زلت أبكيه حتى الآن .
كانت السيدة الصغيرة قد أصابها الملل وهاجمها آلم الضرس بضراوة ، وشعرت بعدم قدرتها على الإنصات للمرأة العجوز .
قالت السيدة الصغيرة بنفاد صبر :
- " قلت أنك تعرفين رقم تليفون الدكتور . هل يمكننى الاتصال به "
قالت العجوز بلهجة مذنب يعترف :
- " معذرة يا أبنتنى . ليس لدى تليفون " .
انتقضت السيدة الصغيرة واقفة ، وهى توجه إلى العجوز نظرات ملتهبة .
قالت العجوز بود :
- " لا تتعجلى . سيأتى الطبيب حالا . أنظرى إلى هذه الصورة . أنها أبنتى . هذه صورة زفافها . هى فى أمريكا الآن مع زوجها… " .
دون أن ترد السيدة الصغيرة ، اندفعت تجاه باب الشقة . فتحت الباب . أغلقته وراءها بعنف . اندفعت تعدو إلى السلم غاضبة . كادت أن تصطدم بسيدة أخرى كانت تصعد السلم . السيدة الصاعدة كان كعب حذاءها يطقطق على درجات السلم ، بينما شرعت عين فى أن تتخذ مكانها خلف العبن السحرية للباب المغلق توا .