المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حقاً.. لماذا يكره العرب بعضهم بعضاً؟



غالب ياسين
15/06/2008, 10:18 PM
أشرف إحسان فقيه
حقاً.. لماذا يكره العرب بعضهم بعضاً؟
مع أن الدكتور (سليمان الهتلان) قد كتب تحت نفس العنوان الأسبوع الماضي، إلا أن السؤال يظل عالقاً، ويظل "التفكّر" في تفاصيله ومصفوفة إجاباته عريضاً بعرض الاتساع بين مضيقي (هرمز) و (طارق).
هل لأن العربي مجبول -و مجبور- على تبني خلافات ساسته واعتناقها؟ على النضال في سبيل مشاكل زعمائه الشخصية؟ لوهلة يبدو هذا الجواب مفهوماً ومنطقياً (!) لكن المنطق الأعوج نفسه الذي يسوغ لنا الرضا بإجابة كهذه سيضعنا مباشرة في مواجهة صور أشد عمقاً لأزمة العربي مع ذاته ومع المدنية. إنه سيفتح لنا دفاتر حسابات أعقد.. وسيضطرنا للخوض في تفاصيل أشد مرارة وإحراجاً. هل نحن معنيون حقاً بالإجابة على السؤال أعلاه؟ لنتحل بالصبر وطول البال إذاً..
بداية لنتفق على أن "العربي" الذي نتكلم عنه اليوم هو غير ذاك الذي "اخترع الصفر" و "حمل مشعل الحضارة وساد الدنيا" كما تنص لائحة المعلقات الشعاراتية إياها. ليس لأن هذه غير دقيقة في مجملها.. فقط. ولكن لأنه لا شيء يربط حالياً بين ذلك العربي وهذا الذي ألفى نفسه حياً في القرن الحادي والعشرين. هل نجرؤ على القول بأن الإرث الحضاري الثقيل الذي خلّفه لنا "أجدادنا" هو ذاته في صميم إشكاليتنا مع بعضنا؟ لنتريث ونرَ.
عربي اليوم إذاً هو كائن ضائع في جغرافيا التاريخ. إنه -في وطنه- يعاني من أزمة هوية مركبة. لأن مفهوم (الوطن) ومفهوم (العروبة) أيضاً بالنسبة له يظلان مائعين وفضفاضين. إنه يحسب نفسه على كل واحد شخصيات التاريخ والأساطير العربية ويهتف باسمها.. حتى لو كان يشتم التقسيمات الحدودية التي ينتمون إليها بحسب خرائط اليوم وحتى لو كانت هذه ذات أصول غير عربية! بل إن مفهوم "الخريطة" نفسه يشكل له معضلة حقيقية. فبالنسبة لـ "العربي القح" فهناك خريطة كبيرة لـ (الوطن) تمتد من الخليج الثائر للمحيط الهادر. هذا العربي هو ذاته الذي يقسم بتراب الأرض التي يرفرف عليها علمه.. علمه هو الذي يعلو فوق العشرين ونيف راية أخرى!
ولأن عربي اليوم لم تكن له يد طولى في رسم خريطته نفسها.. فهو سيظل في صراع. صراع مع التاريخ القريب ومعطياته التي أنجبت له هذه الخريطة بتقسيماتها. وصراع مع التاريخ البعيد المستعصي بطبيعة الحال على هذه التقسيمات. هل يكون كره العرب لبعضهم هو مجرد تنفيس عن نقمتهم الكامنة على تقلبات الدهر، وغيظهم الوراثي من المستر (سايكس) والمسيو (بيكو)؟
ولأننا مررنا على (شمّاعة) الاستعمار فتعالوا لنعترف.. عربي اليوم هو ابن صريح لهذا المستعمر. إنه بخيباته ونكباته، باستبداده وبطشه بذاته، وبتخلفه المتوارث كابراً عن كابر لايزال يحيا عقدة نقص عهد الاستعمار. العربي ما يزال يعيش زمن النضال ضد المستعمر. وهو نضال بات مضحكاً لأن دول الاستعمار التقليدية هي اليوم أقرب إلى قلوبنا من كل لائحة "الإخوة والأشقاء" الأخرى.. بشهادة سفريات التعليم والعلاج والاستجمام وبشهادة سجلات الصادرات والواردات أيضاً. هل يكره العربي نفسه قهراً من الاستعمار الذي قسّم له خريطته و "بذر له بذور الفرقة".. ليبتلعها هو كالدجاجة العمياء؟ أم لأن هذا الاستعمار ونظريته الإمبريالية قد (لخبط) له توازن القوى التقليدي بين "العربي المتفوق" و "العربي التابِع".. هل أثارتكم هذه التسميات؟ هل نفخت أوداجكم؟ هل تكون هي بالذات مربط فرس سؤالنا الهائم؟
إلى حد بعيد الجواب: نعم. لأن العربي المرتبط أبداً بأسطورة العظمة والتفوق التي خلفها له أسلافه البائدون.. العربي المولع بخرائط التوسع والفتوح والقابع في الوقت نفسه داخل المساحات التي حددها لها مستعمره الموقر.. هذا العربي مقتنع تماماً بأنه الوريث الشرعي لكل ذلك (المجد). إنه ينظر شزراً لكل "إخوته وأشقائه" على أساس أنهم هم سبب نكبة أمته.. إنهم هم (بطريقة ما) يمثلون العقبات الكؤودة أمام محاولته العبقرية للنهوض!
وأكثر من ذلك.. العربي المحصور داخل رقعته من الخريطة العتيدة مقتنع تماماً بأن كل الرقاع الأخرى من حوله معتالة عليه. مجرد "عمق استراتيجي" للمشروع العظيم الذي يمثل (هو) بالذات قلبه.
هل يكون كره العرب لبعضهم البعض نابعاً عن الحسد.. فقط؟ وعلى ماذا سيحسدون بعضهم؟ على الفقر المتفشي.. إلا في بضع دول فاحشة الثراء؟ على الجهل والأمية.. إلا في بضع منارات يتطاول ويطغى ضوء بعضها الخافت على بعض؟ هل سيحسدون بعضهم على ضعف خطط التنمية والتطوير؟ على سوء التخطيط الحضري والبنى التحتية وعلى الفساد والمحسوبية والقمع.. اللهم إلا من بضع واحات هنا وهناك؟ هل تكون هذه الاستثناءات بالذات هي المبرر الحقيقي لمقت العرب أنفسهم.. على أساس أن السيئة يجب أن تعم وإلا. أم إن العربي يكره شقيقه حباً فيه.. لأنه لم يصر أحسن منه هو؟ لأنه تتبع ذات عثراته وكرر نفس أخطائه.. لأنه صار صورة أخرى للفشل الذي يمثله هو إنما صورة ذات لكنه مختلفة قليلاً وعلى رقعة مختلفة من "الخريطة"؟!
هناك تساؤل أخير جدير بالاهتمام.. هل يكره العربي مواطنه.. ذلك الذي يحمل نفس "الجنسية".. بالضبط كما يكره العربي (الآخر)؟ هل يكرهه إنما بدرجة أخف؟ أم إن هذا الكره سيختفي بمجرد توحد الراية وجواز السفر؟ لأننا والحال كذلك نكون قد أوجدنا حلاً سحرياً لهذا التساؤل العتيد الذي حير الأجيال. أم إن فكرة "الوحدة" هذه مجربة وفاشلة هي الأخرى؟ ماذا يريد العرب إذاً إذا كانت الوحدة لن تلبي مطالبهم.. تردم هوات شقاقهم؟
الحقيقة.. والحال كذلك.. أن العرب لا يكرهون بعضهم بعضاً. بل يكرهون أنفسهم.. يكرهون ذواتهم! وكرههم هذا ليس إلا نتيجة مباشرة للإحباط الذي يعيشونه بسبب كل المبررات الواردة أعلاه. وحتى يجد العرب.. في الأوطان الكبيرة والصغيرة.. الغنية والفقيرة.. المحسوبة تاريخياً تحت بند الريادة وتلك التي تعتبر نفسها كذلك. حتى يجد العرب في تلك الأوطان المتفرقة المحددة حلولاً لمشاكلهم هم.. عندها ربما وسعهم أن يتخلصوا من أي كره لأي أحد عربياً كان أم سواه
منقول