المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإستراتيجية العراقية لأمن الطاقة



عبدالكريم يحيى الزيباري
18/06/2008, 10:55 PM
الإستراتيجية العراقية لأمن الطاقة
عبدالكريم يحيى الزيباري
أيهما أهم وضع خطة استراتيجية لأمن الطاقة أم خطة أمنية جديدة للمنطقة الخضراء؟ أيهما أهم توفير المنتجات النفطية أم دراسة الأولى بحماية البرلمان العراقي الشركات الأمنية الأجنبية أم العراقية؟ هل يوجد في المنطقة الخضراء أزمة كهرباء أو أزمة وقود؟ هل لدينا خبراء في مجال النفط أم فروا إلى الخارج بحثا عن الأمن ووظائف أفضل؟
قال موفق الربيعي في لقاء تلفزيوني(أنَّ الوزراء والمدراء العامين ليست لديهم خبرة إدارية، وهم لم يتسلسلوا في الوظيفة، وكانوا في السابق منشغلين بالنضال ضد الدكتاتورية ولم تسنح لهم الفرصة)ولم يذكر صغر سن الكثير منهم، هل انشغل مسئولو النفط بمصالحهم الخاصة عن شعبهم البائس: بردٌ في الشتاء، وحرٌّ في الصيف؟ هل هناك استراتيجية عراقية لأمن الطاقة؟ هل هناك مراكز دراسات متخصصة في أمن الطاقة؟ لماذا بدأت أزمة المنتجات النفطية عام 2003 ولم تنته إلى اليوم؟ مَنْ هو المستفيد من استمرار الأزمة وارتفاع الأسعار وازدياد معاناة الشعب العراقي المنكوب؟ لماذا تستفحل الأزمة كل يوم وكيف؟ يقول صاحب محطة تعبئة(في حال وجود أزمة أحقق ربحاً يتراوح(30-40)ألف دولار، وفي حال عدم وجود أزمة، لا يتجاوز الربح 15 ألف دولار).
هل سيتناسى الشعب العراقي أصحاب محطات التعبئة وموظفي النفط الفاسدين، وسريع اللقم كبيرهم، صاروا أغنياء في ليلةٍ وضحاها؟ ولماذا لا يتوقف استيراد السيارات والمولدات إذا كانت الحكومة عاجزة عن توفير البنزين؟ وفي مصلحة مّنْ يصبُّ إثقال الحكومة والشعب بزيادة الاستهلاك والطلب؟ كانت بغداد تستهلك قبل 2003 مليوني لتر بنزين يومياً، والآن تحتاج بغداد إلى أكثر من خمسة ملايين لتر بنزين يومياً، وكانت محافظة نينوى تستهلك مليون لتر بنزين يومياً، واليوم هي بحاجة إلى أكثر من ثلاثة ملايين لتر بنزين يومياً، كيف حدثت هذه الطفرة الاستهلاكية؟ هل بسبب فتح باب استيراد السيارات البالة والمولدات؟ استورد العراق أكثر من مليون سيارة خلال عامي (2003-2004) بدون تخطيط أو دراسة للعواقب؟ لماذا في الاتحاد الأوربي تفرض ضريبة تكسر ظهر كل مَن يفكر في شراء سيارة من الطبقة المتوسطة، ولا أحد يمتلك سيارتين غير فاحشي الغنى، بينما في العراق تمتلك بعض العوائل متوسطة الدخل ثلاث إلى أربع سيارات؟
قال سبنسر أبراهام، وزير الطاقة الأمريكي "إن تزايد طلب أميركا على البترول يصحبه مجموعة من التحديات المتعلقة بالبيئة، وأن احتمالات حدوث اضطراب في إمدادت النفط كبيرة في عصر الإرهاب". ومن طمعهم في مصادر النفط، تسببوا في ثورة إرهابية عالمية، حيث يشهد العالم عنفاً لم يشهده أبداً من قبل، بصحبة تطورات خطيرة في أسواق الطاقة العالمية، ليس لأنَّ الإنتاج لم يغطِّ الاستهلاك العالمي فحسب، بل لأنَّ الدول المصدّرة للنفط الخام، تستورد المنتجات النفطية، فدولة كإيران تستورد منتوج البنزين، ومصافيها لا تغطي إلا 40% من احتياجاتها، ومن حمَّى بحث الدول المتقدمة عن وسائل بديلة للطاقة، إلى زيادة الطلب العالمي على النفط والغاز الطبيعي، نتيجة دخول لاعبين جدد إلى السوق العالمية، بدأت الدول الصناعية المتقدمة تميل نحو استهلاك الغاز الطبيعي المتمتع بجاذبية خاصة في مجال الطاقة، لكفاءته النسبية مقارنة بالمصادر الأخرى، كما أنه صديق للبيئة ومن مصادر الطاقة النظيفة مقارنة بالفحم والبترول، ولانخفاض سعره مقارنة بالنفط، فهو يحترق احتراقا كاملا ولا يتسبب في إطلاق غازات سامة.
(بداية عام 1881 أجرت بعثة ألمانية بحوثات جيولوجية على منطقة بابا كركر في كركوك وقالت أنَّ هذه المنطقة تحتوي على كميات هائلة من النفط قريبة عن سطح الأرض، نهاية حزيران عام 1927 حُفِرَ أول بئر نفط، وانفجر عمود من النفط وصل إلى ارتفاع 140 قدماً، وتطايرت بعض الآلات والمعدَّات في الهواء، -قتل أربعة أشخاص وحدثت حالات تسمم كثيرة- واستمرَّ يتدفق بمعدل 80 ألف برميل يومياً، وبدأ العاملون ببناية سد لحصر نهر النفط المتدفق وفي يوم 21/10/1927 تمكنوا من إنزال أنبوب سعة أربعة إنجات وبطول ميلين لنقل الغاز المصاحب والتخلص منه)مجلة روافد نفطية- العدد 1- 2007- ص6. ومنذ ذلك الحين وإلى يومنا والغاز المصاحب للنفط المتدفق يحرق وكأنه نفايات، ولا يعلم إلا الله مدى الخسائر التي يتكبدها العراق من جراء إهمال الاستثمار في هذا المجال الحيوي، بالإضافة إلى التلوث البيئي، لأنَّ عملية حرق الغاز المصاحب ينتج عنها عناصر ملوثة مثل كبريتيد الهايدروجين السام، والهايدروكاربوانت الخفيفة(LPG)التي تؤدي إلى حموضة الهواء، ولهذا يعاني أهالي كركوك والبصرة والقريبة من الآبار العراقية الفعالة من انتشار أمراض السرطان، ويمتلك العراق نحو(6,3) تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي، ولأنَّه لا يعدُّ منتجاً مصدِّراً للغاز فإن عمر الاحتياطي يقدر بـ(750) سنة، ومخزون الغاز الطبيعي العالمي قد تزايد ليصل إلي 6067 تريليون قدم مكعبة، ويتركز 75% من احتياطي الغاز في الشرق الأوسط ودول الاتحاد السوفيتي السابق، وبينما تهمل الحكومات المتعاقبة في العراق أن تضع مشروعاً لصناعة الغاز، مدَّت إيطاليا أنبوب لاستيراد الغاز من روسيا عبر بلغاريا، وفازت شركة سلازغيتر مانيسمان الدولية الألمانية، بمناقصة تصنيع خط أنابيب الغاز الذي يبلغ وزنه 120 ألف طن وطول كل أنبوب 70 متر بقطر 48 بوصة وذلك بقيمة 200 مليون دولار، وهذا الخط سوف يربط بين مدينة سيئون الطويلة عاصمة وادي حضرموت اليمينة وبين مدينة الفجيرة الإماراتية، ويبلغ حجم الفساد الإداري في العراق أكثر من تسعة مليارات بحسب إعلان النزاهة وما خفيَ كان أعظم، فهل عجزت الحكومة العراقية أن تخصص مبلغ 200 مليون دولار، لكنَّ عقداً من هذا لو تم توقيعه في العراق فستتجاوز قيمته ملياري دولار بسبب العمولات الكبيرة التي يتقاضاها السادة المتعاقدون والغموض المصاحب للعقود والظروف الأمنية السيئة؟ ووالٍ عادل خيرٌ من مطرٍ وابل، وأسدٌ حطوم خيرٌ من والٍ ظلوم، ووالٍ ظلوم خيرٌ من فتنةٍ تدوم، وبعد اللتيا والتي أبتلينا ببرلمان وحكومة بينهم داء الضرائر، ورماهم الله بداء الذئب. تسبب نزاع سياسي بين موسكو وكييف في قطع امدادات الغاز عن الاتحاد الأوربي في عام 2006، فانشغلت أوربا في البحث عن بديل لروسيا التي تجهز ربع احتياج الاتحاد الأوربي، وأعلن وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي استعداد بلاده لتوريد الغاز إلى خط انابيب للاتحاد الأوروبي، وفي نوفمبر 2006 قال الاتحاد الأوروبي الذي دعم مشروع نابوكو لتقليل اعتماده على روسيا انه ليس في حاجة للغاز الإيراني ولا يرغب فيه لتزويد خط الانابيب المزمع مروره عبر تركيا ومنطقة البلقان إلى النمسا، وضمن المساهمون في المشروع الذي يتكلف خمسة مليارات يورو ويهدف لنقل الغاز من الشرق الأوسط وبحر قزوين إمدادات خط الانابيب من أذربيجان، وهذه المليارات لن تدفع مرةً واحدة، بل على وفق أقساط سنوية بحسب إنجاز مراحل العمل، وبالتالي لن تؤثر على ميزانية العراق البالغة 40 مليار، ولا على المليارات التسع التي زادت عند بعض الوزارات من ميزانية عام 2006.
في سبعينيات القرن بدأ العالم استهلاكا متزايد للغاز بوصفه طاقة نظيفة، وخاصة في توليد الطاقة الكهرباء، ويستخدم في صناعة البتروكيمياويات وفي صناعة الحديد والصلب، ومادة خام في صناعة الاسمدة. والطلب على الغاز يتضاعف سنوياً، كان الطلب نحو 195 مليار متر مكعب/ 1995، ووصل الى 2400 مليار متر مكعب/2007، وتتسابق الدول المنتجة في الحصول على مستهلكين جدد، ووتنافس في مدّ الأنابيب الناقلة للغاز عبر الأقاليم والدول كما في قطر وبين ايران والصين والهند وباكستان، وبين الجزائر وأوروب، وبين النرويج وفرنسا، وينتج العراق 2 مليار متر مكعب، وتنتج مصر 26 مليار متر مكعب، والجزائر 84 مليار مكعب، وفيما لو استثمر العراق في مجال صناعة الغاز بدلاً من إحراقه، فقد يعود بفوائد على الميزانية العامة لا تقلُّ أهميةً عن توريد النفط الخام، نظراً لزيادة وتيرة الطلب العالمي المتزايد على الغاز وتطور تقنيات معالجته وتحويله الى سوائل. وقال التقرير الصادر عن منظمة الدول العربية المصدرة للبترول(أوابك): إن الغاز الطبيعي يحتل المرتبة الثانية لمصادر الطاقة في العالم بعد النفط حيث تبلغ حصة الغاز في مزيج الطاقة العالمي نحو 26 في المائة ويقدر استهلاكه عالمياً حالياً بنحو 2.8 تريليون متر مكعب والتي سترتفع بحلول عام 2030 الى نحو 4.7 تريليون متر مكعب. وأضاف التقرير، إن تكنولوجيا تطوير تسييل الغاز استخدمت لأول مرة في العالم العربي قبل 43 عاماً في الجزائر ثم أصبحت تستخدم بعد ذلك في قطر والإمارات ومصر وليبيا وسلطنة عمان، مشيراً إلى أن عملية تحويل الغاز إلى سائل يُسَهِّل نقله من خلال خفض تكاليف أنابيب نقل الغاز العابرة للحدود والبحار، وذكر التقرير أن المملكة العربية السعودية استثمرت احتياطياتها الضخمة من الغاز ومدَّت شبكة مترامية الأطراف من أنابيب الغاز لتلبية حاجاتها وإقامة مشاريع صناعية متكاملة ومحطات كهربائية ومصانع بتروكيماوية باستثمارات تقدر بنحو 25 مليار دولار.
الإستراتيجية العراقية المقترحة لأمن الطاقة:
1- تحقيق التوازن بين تزايد الطلب وانخفاض مستويات الإنتاج: بإيقاف تزايد أعداد السيارات، بفرض ضريبة مضاعفة على كل عائلة تملك سيارتين فأكثر، ووقف استيراد المولدات الصغيرة والكبيرة، وأية إجراءات من شأنها السيطرة على تزايد الاستهلاك، والمباشرة في استثمارات قطَّاع النفط ولو بالاعتماد على القطاع الخاص أو المختلط في تشييد المصافي الصغيرة في كل محافظة على تكون ذات كفاءة إنتاجية ووفق المواصفات العالمية لا كالمصافي التي انتشرت في الموصل مجرد قدر كبيرة لغلي النفط الخام.
2- الإسراع في إبرام عقود دولية شفافة وعلنية تمر من خلال جلسات البرلمان مع منح الإعلام فرصته لإطلاع الشعب عليها، دون الإخلال بالمصلحة الوطنية على حساب العمولات التي يتعاطاها السادة موقعو العقود بقبض صكوك غير قابلة للتعقب مع دول غير مجاورة ليست لها مصالح سياسية ولا سوابق تاريخية في التدخل بالشؤون الداخلية للعراق.
3- تشجيع وتمرير أية قرارات تتعلق بالقضاء على الأزمة المستفحلة للمنتجات النفطية بدلاً من المزايدات الوطنية على حساب الشعب الذي يرتجف برداً في الشتاء ويغرق في حرِّ الصيف، بينما يستمتع أعضاء البرلمان برواتب خيالية لا يقتاضاها عضو في الكونغرس الأمريكي، تصل إلى ثلاثين ألف دولار، ومخصصات حماية وسكن وبنزبن وتغذية ووو ولا يلاقي أيُّ قرارٍ يخصُّ مخصصاتهم أية اعتراضات أو تأخيرات أو مزايدات وطنية. 4- كان العراق قبل عام 2003 يستهلك 11 مليون لتر من منتوج البنزين، والآن يستهلك أكثر من 25 مليون لتر، ولدينا مصفى بيجي ينتج 300 ألف برميل يومياً، ومصفى الدورة ينتج 100 ألف برميل يومياً، ومصفى البصرة ينتج 100 ألف برميل يومياً، في أفضل الأحوال، ليصير مجموع إنتاج المصافي العراقية 500 ألف برميل يومياً، أي ما يعادل أكثر من 100 مليون لتر بنزين يومياً، وهو أكثر من الاحتياج أربع مرات، فلماذا الأزمة إذن؟ بسبب التوقفات، وأنَّ المصفى لا يعود إلى كامل طاقته الإنتاجية إلا بالتدريج.
5- لا يوجد في العراق إلا شركتين لإنتاج الغاز فقط، شركة غاز الشمال تأسست عام 1980، وبعد ثلاث سنوات نصبت أربعة مراجل بخارية بطاقة 160 طن/ساعة للمرجل الواحد، غير ان طاقتها الحالية لا تتجاوز 100طن/ساعة، في حال عدم انقطاع امدادهم بالغاز المصاحب ولا انقطاع الطاقة الكهربائية، تم إكمال تأهيل مرجل واحد لحد الآن من قبل شركة المعدات الهندسية الثقيلة بإشراف شركة ماكلي الإيطالية، وهذا وشركة غاز الشمال لا تنتج أكثر من 400 طن/يومياً، بينما تنتج شركة غاز الجنوب 800 طن/يومياً، أي أنَّ مجمعو إنتاجهما 1200 طن/يوم، بافتراض أنَّ كل طن يعبَّأ في 100 أسطوانة، فإنَّ مجموع الإنتاج هو 120،000 أسطوانة، ولو فرضنا عمر الأسطوانة الاستهلاكي هو أسبوع واحد، سيكون الرقم 840،000 وبافتراض أنَّ معدل عدد العائلة العراقية هو 5 أفراد، وبتقسيم 30 مليون عدد سكان العراق، على 5 خمسة أفراد، سيكون لدينا 6 مليون عائلة، وبهذا يكون لكل 8 ثمانية عائلات أسطوانة غاز واحدة في كل أسبوع، ناهيك عن المطاعم والمقاهي والمختبرات التحليلية، ومحلات الصياغة وبعض الصناعات الصغيرة كاللحيم والحدادة...الخ، هذا وعلماً إنَّ إنتاج الغاز يكون بنوعين الأول مزيج بيوتان وبروبان يستعمل للطهي، والثاني مزيج ميثان وإيثان يستخدم في المحطات الغازية لتوليد الطاقة الكهربائية.
6- إنْ كنتَ بي تشدُّ أزرك فأرخه، هذا لسان حال الحكومة لانشغالها بمحاربة الإرهاب، فلماذا لا يشرَّع قانون يسهل الاستثمار للقطَّاع الخاص، فلربما استطاع القضاء على شيء من الأزمة، وهو لن يعود على الدولة إلا بفوائد من خلال دفع الضريبة وتشغيل عدد أكبر من الأيدي العاملة.