المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : درس المنهج / لطلبة الماجستير...



عبد العزيز غوردو
21/06/2008, 09:31 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

- بإهداء خاص إلى المتألقة غفران طحان -

أضع بين يدي القراء الكرام سلسلة من المحاضرات التي كنت ألقيها لطلبة الماجستير،
في مادة المناهج/ قسم التاريخ، مع تمنياتي أن تستفيد باقي التخصصات الأخرى منها...
- أطلب منكم الدعاء -

منهــجية البحــــث

إطار عام أو خطاطات مساعدة:
(مع الأسف لم أتمكن من وضع الجداول والخطاطات كما هي مثبتة في الأصل عندي/ من أرادها من الإخوة يرسل لي بريده الالكتروني وسأرسلها إليه في ملف وورد)

(1)
علاقة الموضوع والباحث
أ) الموضوع:

اتســــــاع وعمـــــــق الموضوع
الاهتمام الشخصي للباحث بالموضوع
مكانـــــــة الموضوع في الميدان المعرفي



ب) الباحث

إمكانيات وتكوين الباحث
القيمـــــــــة الاجتماعية للبحث
الوضعية الاجتماعية للباحث
صعوبـــــــة البحث
الإمكانيــــــات المادية

(2)
يفترض في أي بحث أن يمر بأربعة مراحل:

1) الموضوعة la thématique
2) الإشكالية la problématique
3) فن جمع المعلومات l’heuristique
4) فن التحرير والكتابة la didactique



(3)
من الكل إلى الجزء



مقدمة:
كثيرا ما يصل الطالب إلى السلك الثالث وقد استوعب الكثير من المعلومات والأفكار، لكنه عمليا يكون غير مستعد لتقديم "بحث علمي"، بفعل المشاكل والتعقيدات التقنية التي لم يتهيأ لمواجهتها، والتي تعترض كل باحث مبتدئ. لذلك فالهدف من هذه الورقة هو إرشاد الطالب إلى بعض التقنيات وتزويده بمنهج عمل، ينظم بواسطته مراحل عمله، ويساعده على اجتياز بعض الصعاب التي تعترضه. مع التنصيص على أن هذا المنهج يختلف من باحث لآخر، ومن مزاج لآخر، وعلى كل واحد أن يختار من مكوناته التقنية ما يناسبه ويلائم مزاجه الشخصي وطبيعة بحثه. وعموما ودرءا لكل التباس نقول: إنه إذا كان للتاريخ طريقة ومنهج في النقد méthode، فإنه، شأنه في ذلك شأن باقي العلوم الاجتماعية/الإنسانية، ما زال يفتقر إلى منهجية دقيقة بالفعلméthodologie .
فلكل واحد أن يدعي صناعة التاريخ، إذا كانت هذه الصناعة لا تحتاج لعدة منهجية وثقافة واسعة، لكن هذه العدة/الثقافة بالضبط هي ما يمكن المؤرخ الحقيقي من طرح الأسئلة الذكية والجديدة على الماضي، ويمكنه من ترتيب أحداث الماضي - والحاضر- الترتيب المناسب بغية فهم أمثل للظواهر موضوع البحث. فمن العدة/المنهجية، والثقافة الواسعة، تنبثق النظريات والآراء الجديدة.
البحث هو الحجة والشاهد على أن الباحث قد تمكن من تقنيات البحث، وأنه أصبح قادرا فعلا على تقديم إضافات نوعية لمجال المعرفة ولمجال الفكر والإبداع، لذلك لا بد أن يكون قوي التأثير في قارئه وأن يحشد له، الباحث، كل ما يسنده من معطيات وثائقية وتأمل نظري قادر على اختراق عالم التساؤل، لأنه لا بحث بدون تساؤل، ولا تساؤل بدون جهاز تصوري أو تفكير نظري، أي دراية بطرق التقريب، وأخيرا لا بحث بدون منهج: في التفكير وفي العمل التطبيقي الخاص بكل مرحلة من مراحل تهيئ وبناء البحث.

" "

(يتبع...)

عبد العزيز غوردو
21/06/2008, 09:31 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

- بإهداء خاص إلى المتألقة غفران طحان -

أضع بين القراء الكرام سلسلة من المحاضرات التي كنت ألقيها لطلبة الماجستير،
في مادة المناهج/ قسم التاريخ، مع تمنياتي أن تستفيد باقي التخصصات الأخرى منها...
- أطلب منكم الدعاء -

منهــجية البحــــث

إطار عام أو خطاطات مساعدة:
(مع الأسف لم أتمكن من وضع الجداول والخطاطات كما هي مثبتة في الأصل عندي/ من أرادها من الإخوة يرسل لي بريده الالكتروني وسأرسلها إليه في ملف وورد)

(1)
علاقة الموضوع والباحث
أ) الموضوع:

اتســــــاع وعمـــــــق الموضوع
الاهتمام الشخصي للباحث بالموضوع
مكانـــــــة الموضوع في الميدان المعرفي



ب) الباحث

إمكانيات وتكوين الباحث
القيمـــــــــة الاجتماعية للبحث
الوضعية الاجتماعية للباحث
صعوبـــــــة البحث
الإمكانيــــــات المادية

(2)
يفترض في أي بحث أن يمر بأربعة مراحل:

1) الموضوعة la thématique
2) الإشكالية la problématique
3) فن جمع المعلومات l’heuristique
4) فن التحرير والكتابة la didactique



(3)
من الكل إلى الجزء



مقدمة:
كثيرا ما يصل الطالب إلى السلك الثالث وقد استوعب الكثير من المعلومات والأفكار، لكنه عمليا يكون غير مستعد لتقديم "بحث علمي"، بفعل المشاكل والتعقيدات التقنية التي لم يتهيأ لمواجهتها، والتي تعترض كل باحث مبتدئ. لذلك فالهدف من هذه الورقة هو إرشاد الطالب إلى بعض التقنيات وتزويده بمنهج عمل، ينظم بواسطته مراحل عمله، ويساعده على اجتياز بعض الصعاب التي تعترضه. مع التنصيص على أن هذا المنهج يختلف من باحث لآخر، ومن مزاج لآخر، وعلى كل واحد أن يختار من مكوناته التقنية ما يناسبه ويلائم مزاجه الشخصي وطبيعة بحثه. وعموما ودرءا لكل التباس نقول: إنه إذا كان للتاريخ طريقة ومنهج في النقد méthode، فإنه، شأنه في ذلك شأن باقي العلوم الاجتماعية/الإنسانية، ما زال يفتقر إلى منهجية دقيقة بالفعلméthodologie .
فلكل واحد أن يدعي صناعة التاريخ، إذا كانت هذه الصناعة لا تحتاج لعدة منهجية وثقافة واسعة، لكن هذه العدة/الثقافة بالضبط هي ما يمكن المؤرخ الحقيقي من طرح الأسئلة الذكية والجديدة على الماضي، ويمكنه من ترتيب أحداث الماضي - والحاضر- الترتيب المناسب بغية فهم أمثل للظواهر موضوع البحث. فمن العدة/المنهجية، والثقافة الواسعة، تنبثق النظريات والآراء الجديدة.
البحث هو الحجة والشاهد على أن الباحث قد تمكن من تقنيات البحث، وأنه أصبح قادرا فعلا على تقديم إضافات نوعية لمجال المعرفة ولمجال الفكر والإبداع، لذلك لا بد أن يكون قوي التأثير في قارئه وأن يحشد له، الباحث، كل ما يسنده من معطيات وثائقية وتأمل نظري قادر على اختراق عالم التساؤل، لأنه لا بحث بدون تساؤل، ولا تساؤل بدون جهاز تصوري أو تفكير نظري، أي دراية بطرق التقريب، وأخيرا لا بحث بدون منهج: في التفكير وفي العمل التطبيقي الخاص بكل مرحلة من مراحل تهيئ وبناء البحث.

" "

(يتبع...)

عبد العزيز غوردو
22/06/2008, 02:01 PM
طبيعة المعرفة العلمية.

مفهوم العلم:

يعرف لالاند، في معجمه، العلم بوصفه مجموعة من المعارف والأبحاث التي وصلت درجة كافية من الوحدة والضبط والشمول، بحيث تفضي إلى نتائج متسقة تؤيدها مناهج محددة، ويمكن التحقق من صحتها. العلم بهذا المعنى شكل من أشكال المعرفة، والمعرفة هي مجموع المعاني والمفاهيم والمعتقدات والتصورات التي تتكون لدى الإنسان نتيجة احتكاكه بالبيئة ونتيجة محاولاته فهم الظواهر المحيطة به. والأساس الذي يتم عليه التمييز بين المعرفة العلمية والمعرفة غير العلمية هو أساليب التفكير وطبيعة المناهج المتبعة في تحصيلها والأدوات المستخدمة في ذلك. لهذا نعتبر المعرفة علما إذا أمكن التوصل إليها بالاعتماد على منهج علمي صحيح، وباستخدام الأدوات التي تتوفر فيها شروطه. كما يمكن للموضوع أن يصبح موضوع معرفة علمية إذا أمكن إخضاعه للمنهج العلمي: فالتعريف بالعلم يقتضي إذن تعريف المعرفة العلمية والمعرفة العامية.

المعرفة العامية:
معرفة يغلب عليها الطابع الذاتي، يفسر فيها الإنسان الظواهر بإسقاط ذاته عليها، وهي تتكون من أفكار شخصية وآراء عرضية وأوهام ذاتية، لأنها لا ترتكز على أساس موضوعي ولا يمكن تبريرها إلا بالقناعات الشخصية، وذلك لأنها سابقة للوقائع وليست نتيجة لها. فهي عرضية لأنها أفكار مستوحاة بشكل عرضي ويمكن أن تتغير بشكل عرضي أيضا، أي بالصدفة. وهي ذاتية لأنها استجابة لأوامر ذاتية، والتشبث بها يكون فقط لأنها تلبي حاجيات ذاتية. وهي لا تقوم على أساس موضوعي لأنها مؤسسة على لغة مبهمة مجازية قابلة للتأويل وهنا يكمن سر قدرتها على مقاومة الوقائع.
المعرفة العامية مبنية على مجموعة من المقاييس الخاطئة للحقيقة ومن جملتها:
المقاييس السلطوية: ومعناها إثبات فكرة أو رأي بإسناده إلى سلطة ما.
مقياس الأغلبية: أي كلما كانت أغلبية الناس تؤمن بفكرة أو قضية ما إلا ودل ذلك على صحتها. لكن الخروج عن الإجماع يشكل أحيانا الشرط الضروري لتقدم المعرفة العلمية.
المقاييس العرقية: حيث كل ما يصدر عن الذات (جماعة عرقية – حزب – أمة...) صحيح، وكل ما يصدر عن الغير خطأ.
والمعرفة العامية تعتمد على مقاييس انتقائية، بمعنى أنها تنتقي من الأحداث ما يؤيد تصوراتها وتغض الطرف عن الوقائع التي تتعارض مع تلك التصورات. كما أنها براغماتية مبنية على أساس المنفعة حيث تتميز بالميل إلى أن كل معرفة نافعة تمكن من الحصول على نتيجة عملية هي معرفة صحيحة. غير أن هذا المقياس ليس علميا لأنه لا شيء يمنع من أن تكون فكرة ما صحيحة دون أن تكون لها نتائج نفعية أو عملية، ومن جهة أخرى قد تكون هناك أفكار وهمية ومع ذلك تمكن من الحصول على نتائج عملية. والمعارف العامية بصفة عامة تقوم على أساس التصديق الساذج في حين أن المعرفة العلمية تقوم على النقد وقديما قال باستور L. Pasteur: "لا تقرروا شيئا دون أن تبرهنوا عليه. آمنوا بالفكر النقدي... فكل ما عداه باطل."
تتميز المعرفة العامية أيضا بأنها مؤسسة على الجهل، والجهل ثلاثة أنواع:
الجهل الطبيعي أو المبسط: ناتج عن قلة، أو انعدام، المعرفة في موضوع، أو مواضيع معينة، وما من إنسان إلا وله نصيب من هذا الجهل، لأن المعرفة البشرية محدودة.
الجهل المؤسس: والمقصود به الجهل الذي يؤسسه المجتمع وهو ضروري للحياة الاجتماعية والاستمرارية.
الجهل الناتج عن سوء استخدام الفكر: عن عادات ذهنية فاسدة (وهذا أخطر أنواع الجهل لأنه راجع إلى نوع من الاعوجاج في الفكر) وميزة هذا التفكير:
أ) التعصب.
ب) إعادة تأويل الفكرة، أي إدراك جانب آخر من قضية مطروحة للنقاش.
ج) قبول الرأي المضاد، لكن بشكل جزئي بحيث يتم إنقاذ الفكرة الجوهرية.

المعرفة العلمية:
مؤسسة على لغة مضبوطة محددة بشكل دقيق بحيث يصعب الخلاف حولها. وهذا الذي تقوم به يسمى بالتعاريف الإجرائية. وتتميز المعرفة العلمية عن الفلسفية فيما يلي:
1) الموضوعات التي تعالجها الفلسفة موضوعات مجردة لا يمكن الحسم فيها بالرجوع إلى التجربة، بخلاف الموضوعات التي يعالجها العلم فيشترط فيها أن تكون قابلة للملاحظة...
2) تتميز المعرفة العلمية أيضا بأنها موضوعية، فالعالم يحاول قدر الإمكان دراسة الظواهر دون إصدار أحكام عليها، لهذا يفترض فيه التجرد من ذاتيته والترفع عن معتقداته وأهوائه. بينما تتناول الفلسفة قضايا فلسفية واجتماعية تحتم تدخل المقاييس الذاتية.
3) العلم يعمل على تفسير الظواهر استنادا إلى القوانين التي تخضع لها تلك الظواهر. ومعلوم أن القوانين نوعان: سببية ووظيفية. فالقانون السببي عبارة عن علاقة ثابتة بين ظاهرتين أو أكثر، بحيث يؤدي حضور، أو تغيير، إحدى هذه الظواهر إلى حدوث تغيير في الظواهر الأخرى بالضرورة. وقد عارض كثير من العلماء القوانين السببية لكون القانون العلمي لا يتضمن الضرورة التي تفرضها السببية. أما القوانين العلمية فكلها قوانين تقريرية، لهذا استعاض العلماء عن القوانين السببية بالقوانين الوظيفية وهي قوانين تعبر عن وجود ترابطات بين ظواهر بحيث يعد كل منها شرطا لوقوع الظواهر الأخرى، ومن مميزات القوانين العلمية أنها نسبية، وأنها تقريبية قابلة للتعديل والتدقيق وفي هذا يقول راسل B. Russel: "إن العالم الحقيقي مسكون بفكرة التقريب، وإذا أخبرك أحد ما بأنه يعرف الحقيقة عن أي شيء، فكن على يقين بأنه غير علمي تماما... إذ لا يوجد إنسان علمي التفكير يؤكد أن ما يعرفه الآن من علم هو الحقيقة المطلقة، بل كل ما يمكنه أن يؤكده هو أن معرفته الآنية هي مجرد مرحلة من مراحل الطريق المؤدية إلى الحقيقة المطلقة."
4) مهمة الفلسفة توضيح المعاني وتعقيد الأشياء، وهذا أمر يتم بإبراز التماسك المنطقي بين فكرة معينة وما يترتب عنها من نتائج أو ما ترتكز عليه من مقدمات.
5) يمتاز العلم بصفة التراكم، بمعنى أنه لا بد أن يعتمد المتأخر على المتقدم، بحيث لا يمكن للعالم أن يبدأ في البحث إلا إذا تعرف على المستوى الذي وصل إليه البحث العلمي في مجاله. فالعلم إذن تراكمي بخلاف الفلسفة التي لا تتوفر فيها هذه السمة، إذ يمكن للفيلسوف أن ينشئ مذهبا فلسفيا من مجرد النقد أو من هدم الفلسفات السابقة، ولكن هذا لا يلغي التأثير/التأثر الفلسفي.
6) تنطلق كل معرفة علمية من نظرية علمية عموما، فما المقصود بالنظرية العلمية وما هي وظائفها؟
النظرية العلمية: Théorie scientifique (المذهب ═ Doctrine) نسق فكري استنباطي يتضمن مجموعة من المسلمات والمفاهيم والقوانين تساعد على فهم وتفسير مجموعة من الظواهر المتجانسة والتنبؤ بها ولو بصورة احتمالية.

مميزات التفكير العلمي: يتميز التفكير العلمي بمجموعة من الصفات أهمها:
1) التحرر من كل سلطة ماعدا سلطان العقل والمنطق، ويعبر ديكارت عن هذا المبدأ بقوله: "من مبادئي أنني لا أسلم بصحة شيء إلا إذا عرفت صحته ببديهة العقل."
2) رفض التفسيرات الميتافيزيقية: فالعلم ينطلق من مسلمة أساس وهي أن كل الظواهر الطبيعية تقبل تفسيرا طبيعيا، لأنها تخضع لقوانين طبيعية، والعلم يحاول الكشف عن هذه القوانين. أما التفسير الغيبي فليس في الحقيقة سوى تعبيرا عن جهل بهذه الأسباب. لكن هذا لا يعني أن العلم يتنافى مع الميتافيزيقا أو يلغيها، فلكل منهما مجاله الخاص.
3) النزاهة والتواضع: وهي صفات أخلاقية لا يستطيع العالم بدونها التخلص من أفكاره المسبقة أو حتى التواصل والتفاهم مع غيره. فالنزاهة الفكرية تساعده على التخلص من التعصب الأعمى، والتواضع يساعده على إدراك أخطائه وتصحيحها. فمن صفات العالم أنه يسعى دائما إلى تصحيح أفكاره، وتجديد تصوراته، علما منه بأن المعرفة العلمية في تطور دائم، وأن الحقائق نسبية وقابلة للتغيير والتعديل. فالعالم الحقيقي لا يخاف أن توضع أفكاره موضع تساؤل أو أن تتغير أو تصحح.
" "
" "

(يتبع...)

عبد العزيز غوردو
22/06/2008, 02:01 PM
طبيعة المعرفة العلمية.

مفهوم العلم:

يعرف لالاند، في معجمه، العلم بوصفه مجموعة من المعارف والأبحاث التي وصلت درجة كافية من الوحدة والضبط والشمول، بحيث تفضي إلى نتائج متسقة تؤيدها مناهج محددة، ويمكن التحقق من صحتها. العلم بهذا المعنى شكل من أشكال المعرفة، والمعرفة هي مجموع المعاني والمفاهيم والمعتقدات والتصورات التي تتكون لدى الإنسان نتيجة احتكاكه بالبيئة ونتيجة محاولاته فهم الظواهر المحيطة به. والأساس الذي يتم عليه التمييز بين المعرفة العلمية والمعرفة غير العلمية هو أساليب التفكير وطبيعة المناهج المتبعة في تحصيلها والأدوات المستخدمة في ذلك. لهذا نعتبر المعرفة علما إذا أمكن التوصل إليها بالاعتماد على منهج علمي صحيح، وباستخدام الأدوات التي تتوفر فيها شروطه. كما يمكن للموضوع أن يصبح موضوع معرفة علمية إذا أمكن إخضاعه للمنهج العلمي: فالتعريف بالعلم يقتضي إذن تعريف المعرفة العلمية والمعرفة العامية.

المعرفة العامية:
معرفة يغلب عليها الطابع الذاتي، يفسر فيها الإنسان الظواهر بإسقاط ذاته عليها، وهي تتكون من أفكار شخصية وآراء عرضية وأوهام ذاتية، لأنها لا ترتكز على أساس موضوعي ولا يمكن تبريرها إلا بالقناعات الشخصية، وذلك لأنها سابقة للوقائع وليست نتيجة لها. فهي عرضية لأنها أفكار مستوحاة بشكل عرضي ويمكن أن تتغير بشكل عرضي أيضا، أي بالصدفة. وهي ذاتية لأنها استجابة لأوامر ذاتية، والتشبث بها يكون فقط لأنها تلبي حاجيات ذاتية. وهي لا تقوم على أساس موضوعي لأنها مؤسسة على لغة مبهمة مجازية قابلة للتأويل وهنا يكمن سر قدرتها على مقاومة الوقائع.
المعرفة العامية مبنية على مجموعة من المقاييس الخاطئة للحقيقة ومن جملتها:
المقاييس السلطوية: ومعناها إثبات فكرة أو رأي بإسناده إلى سلطة ما.
مقياس الأغلبية: أي كلما كانت أغلبية الناس تؤمن بفكرة أو قضية ما إلا ودل ذلك على صحتها. لكن الخروج عن الإجماع يشكل أحيانا الشرط الضروري لتقدم المعرفة العلمية.
المقاييس العرقية: حيث كل ما يصدر عن الذات (جماعة عرقية – حزب – أمة...) صحيح، وكل ما يصدر عن الغير خطأ.
والمعرفة العامية تعتمد على مقاييس انتقائية، بمعنى أنها تنتقي من الأحداث ما يؤيد تصوراتها وتغض الطرف عن الوقائع التي تتعارض مع تلك التصورات. كما أنها براغماتية مبنية على أساس المنفعة حيث تتميز بالميل إلى أن كل معرفة نافعة تمكن من الحصول على نتيجة عملية هي معرفة صحيحة. غير أن هذا المقياس ليس علميا لأنه لا شيء يمنع من أن تكون فكرة ما صحيحة دون أن تكون لها نتائج نفعية أو عملية، ومن جهة أخرى قد تكون هناك أفكار وهمية ومع ذلك تمكن من الحصول على نتائج عملية. والمعارف العامية بصفة عامة تقوم على أساس التصديق الساذج في حين أن المعرفة العلمية تقوم على النقد وقديما قال باستور L. Pasteur: "لا تقرروا شيئا دون أن تبرهنوا عليه. آمنوا بالفكر النقدي... فكل ما عداه باطل."
تتميز المعرفة العامية أيضا بأنها مؤسسة على الجهل، والجهل ثلاثة أنواع:
الجهل الطبيعي أو المبسط: ناتج عن قلة، أو انعدام، المعرفة في موضوع، أو مواضيع معينة، وما من إنسان إلا وله نصيب من هذا الجهل، لأن المعرفة البشرية محدودة.
الجهل المؤسس: والمقصود به الجهل الذي يؤسسه المجتمع وهو ضروري للحياة الاجتماعية والاستمرارية.
الجهل الناتج عن سوء استخدام الفكر: عن عادات ذهنية فاسدة (وهذا أخطر أنواع الجهل لأنه راجع إلى نوع من الاعوجاج في الفكر) وميزة هذا التفكير:
أ) التعصب.
ب) إعادة تأويل الفكرة، أي إدراك جانب آخر من قضية مطروحة للنقاش.
ج) قبول الرأي المضاد، لكن بشكل جزئي بحيث يتم إنقاذ الفكرة الجوهرية.

المعرفة العلمية:
مؤسسة على لغة مضبوطة محددة بشكل دقيق بحيث يصعب الخلاف حولها. وهذا الذي تقوم به يسمى بالتعاريف الإجرائية. وتتميز المعرفة العلمية عن الفلسفية فيما يلي:
1) الموضوعات التي تعالجها الفلسفة موضوعات مجردة لا يمكن الحسم فيها بالرجوع إلى التجربة، بخلاف الموضوعات التي يعالجها العلم فيشترط فيها أن تكون قابلة للملاحظة...
2) تتميز المعرفة العلمية أيضا بأنها موضوعية، فالعالم يحاول قدر الإمكان دراسة الظواهر دون إصدار أحكام عليها، لهذا يفترض فيه التجرد من ذاتيته والترفع عن معتقداته وأهوائه. بينما تتناول الفلسفة قضايا فلسفية واجتماعية تحتم تدخل المقاييس الذاتية.
3) العلم يعمل على تفسير الظواهر استنادا إلى القوانين التي تخضع لها تلك الظواهر. ومعلوم أن القوانين نوعان: سببية ووظيفية. فالقانون السببي عبارة عن علاقة ثابتة بين ظاهرتين أو أكثر، بحيث يؤدي حضور، أو تغيير، إحدى هذه الظواهر إلى حدوث تغيير في الظواهر الأخرى بالضرورة. وقد عارض كثير من العلماء القوانين السببية لكون القانون العلمي لا يتضمن الضرورة التي تفرضها السببية. أما القوانين العلمية فكلها قوانين تقريرية، لهذا استعاض العلماء عن القوانين السببية بالقوانين الوظيفية وهي قوانين تعبر عن وجود ترابطات بين ظواهر بحيث يعد كل منها شرطا لوقوع الظواهر الأخرى، ومن مميزات القوانين العلمية أنها نسبية، وأنها تقريبية قابلة للتعديل والتدقيق وفي هذا يقول راسل B. Russel: "إن العالم الحقيقي مسكون بفكرة التقريب، وإذا أخبرك أحد ما بأنه يعرف الحقيقة عن أي شيء، فكن على يقين بأنه غير علمي تماما... إذ لا يوجد إنسان علمي التفكير يؤكد أن ما يعرفه الآن من علم هو الحقيقة المطلقة، بل كل ما يمكنه أن يؤكده هو أن معرفته الآنية هي مجرد مرحلة من مراحل الطريق المؤدية إلى الحقيقة المطلقة."
4) مهمة الفلسفة توضيح المعاني وتعقيد الأشياء، وهذا أمر يتم بإبراز التماسك المنطقي بين فكرة معينة وما يترتب عنها من نتائج أو ما ترتكز عليه من مقدمات.
5) يمتاز العلم بصفة التراكم، بمعنى أنه لا بد أن يعتمد المتأخر على المتقدم، بحيث لا يمكن للعالم أن يبدأ في البحث إلا إذا تعرف على المستوى الذي وصل إليه البحث العلمي في مجاله. فالعلم إذن تراكمي بخلاف الفلسفة التي لا تتوفر فيها هذه السمة، إذ يمكن للفيلسوف أن ينشئ مذهبا فلسفيا من مجرد النقد أو من هدم الفلسفات السابقة، ولكن هذا لا يلغي التأثير/التأثر الفلسفي.
6) تنطلق كل معرفة علمية من نظرية علمية عموما، فما المقصود بالنظرية العلمية وما هي وظائفها؟
النظرية العلمية: Théorie scientifique (المذهب ═ Doctrine) نسق فكري استنباطي يتضمن مجموعة من المسلمات والمفاهيم والقوانين تساعد على فهم وتفسير مجموعة من الظواهر المتجانسة والتنبؤ بها ولو بصورة احتمالية.

مميزات التفكير العلمي: يتميز التفكير العلمي بمجموعة من الصفات أهمها:
1) التحرر من كل سلطة ماعدا سلطان العقل والمنطق، ويعبر ديكارت عن هذا المبدأ بقوله: "من مبادئي أنني لا أسلم بصحة شيء إلا إذا عرفت صحته ببديهة العقل."
2) رفض التفسيرات الميتافيزيقية: فالعلم ينطلق من مسلمة أساس وهي أن كل الظواهر الطبيعية تقبل تفسيرا طبيعيا، لأنها تخضع لقوانين طبيعية، والعلم يحاول الكشف عن هذه القوانين. أما التفسير الغيبي فليس في الحقيقة سوى تعبيرا عن جهل بهذه الأسباب. لكن هذا لا يعني أن العلم يتنافى مع الميتافيزيقا أو يلغيها، فلكل منهما مجاله الخاص.
3) النزاهة والتواضع: وهي صفات أخلاقية لا يستطيع العالم بدونها التخلص من أفكاره المسبقة أو حتى التواصل والتفاهم مع غيره. فالنزاهة الفكرية تساعده على التخلص من التعصب الأعمى، والتواضع يساعده على إدراك أخطائه وتصحيحها. فمن صفات العالم أنه يسعى دائما إلى تصحيح أفكاره، وتجديد تصوراته، علما منه بأن المعرفة العلمية في تطور دائم، وأن الحقائق نسبية وقابلة للتغيير والتعديل. فالعالم الحقيقي لا يخاف أن توضع أفكاره موضع تساؤل أو أن تتغير أو تصحح.
" "
" "

(يتبع...)

عبد العزيز غوردو
23/06/2008, 08:40 PM
في معنى البحث العلمي:
بالمعنى العام هو سعي وراء المعرفة، عن طريق الاستقصاء الدقيق والشامل للأدلة التي يمكن التأكد منها. ويكون هادفا إما:
1) إلى إيجاد حل (أو حلول) لمشكلة ما.
2) أو تقديم إضافات نوعية إلى المعرفة الإنسانية.
3) أو اختبار بعض النظريات أو توسيعها أو تعميقها.
أما البحث بالمعنى الخاص (رسالة أو أطروحة) فقد عرفه Arthur Cole بأنه تقرير واف يقدمه باحث عن عمل تعهده وأتمه، على أن يشمل التقرير كل مراحل الدراسة، منذ كانت فكرة حتى صارت نتائج مدونة، مؤيدة بالحجج والبراهين.

منهجية (أو مناهج) البحث وإشكالية التصنيف:
يعرف لالاند المنهج بأنه: "برنامج ينظم بشكل مسبق سلسلة العمليات التي ينبغي القيام بها، وتحديد المتاهات التي ينبغي تلافيها، قصد الوصول إلى نتيجة معينة." ولا يبتعد عبد الرحمان بدوي عن هذا التعريف عندما يصف المنهج ب"الطريق المؤدي إلى الكشف عن الحقيقة بواسطة طائفة من القواعد العامة التي تهيمن على سير العقل وتحدد عملياته حتى يصل إلى نتيجة معلومة". وعليه فالمنهج هو مجموع الخطوات التي يقطعها الفكر في بحثه عن حقائق أو نتائج معينة، بعبارة أخرى: مجموع الخطوات التي يقطعها الباحث حتى يتم بحثه (معروف أن التمام غير الكمال).
وتطرح إبستيمولوجيا البحث إشكالية التصنيف في المناهج المرتبطة بالعلوم الإنسانية، وهكذا اقترح الأمريكي ويتني Whiteney (في كتابه: عناصر البحث) تصنيفا يتكون من: المنهج الوصفي، والمنهج التاريخي، والمنهج التجريبي، والمنهج الفلسفي. بينما صنف ماركيز Marquies المناهج إلى ستة أنواع هي: المنهج الإثنولوجي، ومنهج دراسة الحالة، والمنهج التاريخي، والمنهج التجريبي، ومنهج المسح الاجتماعي، والمنهج الفلسفي. أما الباحثان كود وسكاتس Good and scates فيقترحان التالي: المنهج التاريخي، والمنهج الوصفي، والمنهج التجريبي، ومنهج دراسة الحالة، والمنهج التتبعي. في حين اقترح أودم Odum تصنيفا آخر يميز بين: المنهج الإحصائي، ومنهج دراسة الحالة، ومنهج المسح الاجتماعي، والمنهج التجريبي، والمنهج التاريخي.
هذه عينة عن الاختلاف الحاصل في تصنيف المناهج، ورغم أنها تفرد للتاريخ منهجا خاصا، فإننا نشكك في أحادية هذا المنهج، ونميل إلى القول بوجود مناهج مختلفة داخل المنهج التاريخي نفسه (لا نقصد بهذا الاختلاف، الخلاف الدائر بين المدارس التاريخية والذي تطرحه فلسفة التاريخ: الهيغلية والماركسية والبنيوية والوضعية والتاريخانية... فذاك نقاش آخر)، أي الطريقة الإجرائية لإنجاز بحث في التاريخ، فمنهج دراسة الحالة، مثلا، يعرف عادة بأنه دراسة حالة فردية أو جماعية محددة في الزمان والمكان. نجد هذا المنهج مطبقا في علوم التربية بالاسم نفسه، أي دراسة الحالة، ونجده مطبقا في علم النفس بالمنهج العيادي Méthode clinique واشتهر به فرويد، بينما يطبقه المؤرخون والسوسيولوجيون باسم المنهج المونوغرافي monographique Méthode . كما نجد في حالات أخرى تداخلا بين المنهج الوصفي والمنهج التاريخي، في المونغرافيات بالذات، أو بين المنهج التاريخي والتجريبي في حالات أخرى. وهكذا نعتقد أنه من الأنسب، وحتى في الحالات التي يعين فيها الباحث منهجه، أن يعتمد على أكثر من منهج، وأكثر من أداة (ليست الأداة مرادفا للمنهج، بل هي تقنية أو وسيلة البحث التي تمكن الباحث من جمع بياناته وتصنيفها)، حتى تتأتى الفاعلية وتتحقق الفائدة.

أنواع البحوث:
تختلف البحوث وتتعدد، لكن أهمها نوعان:
أ) المؤلَـف: يقوم فيه الباحث بعملية جمع وتحليل ونقد لأهم ما كتب في موضوع بحثه، عاملا على إبراز أهم الآراء والمواقف، محاولا مناقشتها والتعبير عن رأيه الشخصي فيها.
ب) البحث الرائد: يطرح إشكالية بكرا مما يتطلب جهدا إضافيا على مستوى التنظير، ومنهجية خاصة قائمة على التحليل والتركيب.

لماذا البحث؟
يهدف البحث عموما إلى الكشف عن "الحقيقة"، فإذا ظفر بها الباحث أعلن عنها سواء وافقت ميوله أم لا. وهو إلى هذا يحقق أهدافا نوعية أخرى منها: إشباع الفضول الثقافي، واكتشاف عوالم جديدة، وقد يحقق مصلحة مادية مباشرة، فضلا عن الخبرة المنهجية التي يكتسبها الطالب من خلاله والمتمثلة فيما يلي: 1) رصد الإشكالية(ات). 2) التنقيب عن الوثائق وجمعها وتصنيفها. 3) ترتيب وتنسيق مواد البحث. 4) تنمية التفكير الشخصي في معالجة القضايا والإشكاليات. 5) الاتصال مباشرة بالشخصيات والمؤسسات. 6) التعبير كتابة عن النتائج والآراء. 7) الاشتراك في تراكم المعرفة الإنسانية.
هذه الفوائد قطعا من شأنها أن تطور الحدس الشخصي وتنمي براعة وكياسة ومرونة الباحث، وهي صفات ضرورية لكل حياة اجتماعية ومهنية. غير أن فترة البحث، ولاسيما عندما تتعذر الوسائل، تتخللها أوقات حرجة يشعر أثناءها الباحث بأنواع من الاهتزاز والتأثر، كما تتولد لديه مشاعر ناتجة عن الانتظار والإحباط، والتردد والارتباك، والتشكك والتذمر...

كيف يتم اختيار موضوع البحث؟
مقاييس اختيار المواضيع كثيرة ومتنوعة ويصعب حصرها، إلا أن انتهاز الفرصة الملائمة يلعب دورا حاسما في هذا الاختيار. ومع ذلك هناك احتياطات ضرورية يفترض في الطالب أن يتخذها عند اختيار الموضوع تلافيا للعقبات والصعاب، منها:
1) أن يخضع للضوابط والأنظمة التي تفرضها المؤسسة التي يهيئ داخلها البحث.
2) أن يختار موضوعا مرتبطا بالثقافة المألوفة لديه (يوافق ذوقه في القراءة)، لأن ذلك يشكل حافزا يساعد الباحث على بذل جهد إضافي، لكن شرط ألا يسحبه ذلك نحو منطقة الدفاع عن الأهواء والنزوات.
3) أن يرتبط الموضوع باهتمامات الأستاذ المشرف حتى تتحقق الاستفادة.
4) أخذ الوقت الكافي للاطلاع على إشكالية الموضوع والقيام بالاتصالات الأولية.
5) عدم اختيار الموضوع "الملتزم" سياسيا واجتماعيا، وأن يستحق الجهد الذي سيبذل فيه.
6) تجنب المواضيع الواسعة والمواضيع الضيقة، واحترام الزمن المحدد للبحث.
7) اختيار موضوع وثائقه متيسرة، وملائم لمزاج الطالب، ومطابق لمنهجيته في طرق التقريب.

اختيار الأستاذ المشرف:
يلعب الأستاذ المشرف دور الموجه والمشجع والمؤطر، ويفترض أن يرافق الطالب في مسيرة بحثه التي تستغرق عدة سنوات، لذا ينبغي أن يوفق هذا في اختيار أستاذه. وهذه بعض الإرشادات التي من شأنها أن تساعد الطالب على تحقيق أنسب اختيار:
1) استفسار الطلبة الذين سبق لهم أن عملوا مع الأستاذ المرشح للإشراف.
2) تحديد موعد يقدم فيه الطالب نفسه لأستاذه، ويقترح فيه موضوع بحثه، وقد يقترح عليه الأستاذ موضوعا آخر.
3) خلال المعاملة مع أستاذه يجب على الطالب أن يتحلى بالأخلاق الحميدة، وأن يتميز بالصبر والمرونة، ويتحمل الانتقادات التي توجه إليه. لذا وقبل الإقدام على هذا الاختيار، يفترض أن يجد إجابات للتساؤلات التالية:
- هل الأستاذ مخول له بالإشراف إداريا؟
- ما مدى عنايته واهتمامه بعمل الطلبة؟
- هل هو صاحب اختصاص في الميدان الذي يريد الطالب أن يبحث فيه؟
- هل له استعداد لقبول الموضوع المقترح؟
- هل يمكن للأستاذ أن يقبل المنهجية التي يتبعها الطالب؟

" "

" "

(يتبع...)

شيرين عبد العظيم
23/06/2008, 08:55 PM
لا تفي كل كلمات الشكر حق ابداعك و افادتك لكل باحث يقرأ موضوعك الرائع ، شكراً جزيلاً و جعلك الله ممن ينفعون الناس بعلمهم

غفران طحّان
24/06/2008, 08:27 PM
الأستاذ الدكتور عبد العزيز
تحيّة من القلب
سؤالي
إلى أيّ مدى يستطيع الباحث أن يتحرر من نظرته الذاتيّة للموضوع ويتصف بالموضوعيّة
إذا كان قد اختار بحثاً يوافق ميوله؟؟ وخصوصاً في الأدب
فحتماً لا يستطيع الباحث أن يقوم بدراسة لغة أديب ما وهو غير معجب به وبما يكتب؟؟؟
وكيف يتصرّف الباحث عندما يتعارض مع المشرف في فكرةٍ ما ؟؟
أستاذي
دمت ألقاً وبهاء...
احترامي وتقديري

عبد العزيز غوردو
26/06/2008, 02:08 AM
لا تفي كل كلمات الشكر حق ابداعك و افادتك لكل باحث يقرأ موضوعك الرائع ، شكراً جزيلاً و جعلك الله ممن ينفعون الناس بعلمهم

*************

شكرا لك أختي الفاضلة شيرين، على الدعاء... وأرجو من الله القبول...

وأحمده أن وضعني في خدمة عباده...

مع خالص مودتي وتقديري...

:fl:

عبد العزيز غوردو
26/06/2008, 02:13 AM
الأستاذ الدكتور عبد العزيز
تحيّة من القلب
سؤالي
إلى أيّ مدى يستطيع الباحث أن يتحرر من نظرته الذاتيّة للموضوع ويتصف بالموضوعيّة
إذا كان قد اختار بحثاً يوافق ميوله؟؟ وخصوصاً في الأدب
فحتماً لا يستطيع الباحث أن يقوم بدراسة لغة أديب ما وهو غير معجب به وبما يكتب؟؟؟
وكيف يتصرّف الباحث عندما يتعارض مع المشرف في فكرةٍ ما ؟؟
أستاذي
دمت ألقاً وبهاء...
احترامي وتقديري

************

وصلت تحيتك أيتها المتألقة غفران... ولك مني مثلها،

ومثلها،

ومثلها،

وزيادة...

بالنسبة لتساؤلاتك الكريمة، أرجو أن تجدي لها جوابا فيما سيأتي من تتمة الموضوع...

فإذا ظلت الإشكالات قائمة، أعدك بموضوع خاص عن "الذاتية" و"الموضوعية"...

ولك أجمل باقة...

:fl:

عبد العزيز غوردو
26/06/2008, 02:17 AM
المراحل الأساس لإنجاز البحث:
المرحلة الأولى: كثيرا ما يطلق المهتمون بالمناهج على "مرحلة الموضوعة ومرحلة الإشكالية" تجاوزا عبارة: "المرحلة التحضيرية"، ويتم فيها ما يلي:
1) اختيار موضوعة البحث وصياغتها في إشكالية واضحة للقارئ.
2) رصد المفاهيم والفرضيات.
3) تحديد نوع البحث ومنهجه.
4) ضبط أدوات البحث وتحديد زمانه ومكانه.
المرحلة الثانية: أو مرحلة جمع المعطيات المعرفية التي يحتاجها البحث. ومعروف أن البحث التاريخي يتوقف غالبا على الوثائق المختلفة وفحصها وانتقادها للتأكد من صلاحيتها وقدرتها على الإجابة على الإشكالية المطروحة. ما عدا في بعض الحالات التي يحتاج فيها الباحث للنزول إلى الميدان كما هو الحال في بعض المونوغرافيات، وفي هذه الحالة يكون الباحث ملزما بالنزول إلى الميدان بنفسه، حتى تكون له رؤية واضحة عن ميدان بحثه.
المرحلة الثالثة: مرحلة تنظيم المعرفة التي تم تركيمها، في المرحلة الثانية، قبل تحليلها ومقارنتها واستخلاص النتائج التركيبية وبالتالي تحرير الموضوع.
هكذا إذن، يمر كل بحث بمسيرة طويلة قبل أن يخرج للوجود في صيغته النهائية. وتعتبر مرحلة التهذيب الأولي للموضوع الخطوة الأولى في هذه المسيرة، حيث يعتبر النظام والتنظيم وسيلتان رئيستان للتحكم في العمل. ولا يتأتى هذا التنظيم إلا إذا انتبه الباحث لما يلي:
1) الاطلاع على كل - أو أكبر قدر من - المصادر والمراجع، وهذا يتطلب من الباحث أن يكون قارئا نهما.
2) المعرفة الجيدة بميدان البحث.
3) تدوين المعلومات في جذاذات.
كل هذه الإجراءات الأولية تساعد على تقييم كمية المواد الممكن استغلالها، وتقييم مدى صعوبة البحث واتساعه. كما تساعد على طرح الإشكالية المؤقتة، وعلى وضع التصميم الدال.

ما هو التصميم الدال؟
هو التصميم الذي يوضع عند الشروع في العمل، وهو التصميم القابل للإضافة والتغيير والتحويل والتصحيح، بحيث نقترح ما يلي:
1) وضع عنوان للإشكالية موضوع البحث.
2) بيان المشكلات الرئيسة المتفرعة عن هذه الإشكالية، وكل مشكلة تسمى بابا.
3) تقسم كل مشكلة من هذه المشكلات إلى مشكلات فرعية كل منه يسمى فصلا.

الإشكالية المؤقتة:
هي المسألة الرئيسة التي يطرحها الباحث ويطلب منه حلها بالطرق العملية والمعرفية والعقلية. والإشكالية عربون عن قيمة البحث، وقد تكون غير واضحة المعالم في البداية، إلا أنها تتطور وتنضج كلما تقدم البحث، ولهذا سميناها بالإشكالية المؤقتة التي يتخذها الباحث مطية لوضع تصميم عمل يوضح الأعمال التي يجب القيام بها. ويجعل الباحث في مأمن من ركوب الطرق غير الموصلة، والتي تؤدي به إلى تقديم أبحاث غير مجدية. وخلال هذه المرحلة تطرح التخمينات المدعمة بأدوات فكرية وتصورية، وبأدوات نظرية متلاحمة وصارمة ومدققة.
إن كل هذه المعطيات والإجراءات تكون العناصر الرئيسية لتقرير يرفع للأستاذ المشرف، وعلى أساس مناقشة هذا التقرير يقع التوجيه وتقع كيفية تطبيق المنهجية ويقع اتفاق على المراحل التي يجب قطعها.

تعريف الإشكالية:
تعرف الإشكالية اصطلاحا بأنها موضوع يحيط به غموض، أو ظاهرة تحتاج إلى تفسير، أو قضية فيها خلاف. وتبعا لهذا التعريف يكون الهدف من البحث إما إزالة لغموض يحوم حول قضية، أو تفسير لظاهرة تسترعي الانتباه، أو الإدلاء برأي في مسألة حولها جدل.

أهمية وصعوبة اختيار الإشكالية:
يعتبر اختيار إشكالية البحث من أصعب الخطوات في البحث العلمي على الإطلاق، بل إنها هي التي تحدد قيمة البحث وأهميته العلمية. يقول داروين: "إنك لتعجب كم قضيت من الوقت حتى استقرت في ذهني بوضوح الإشكاليات التي تحتاج إلى بحث وتفسير. وإنني إذ أعود بذاكرتي إلى الوراء أتبين أن تحديد الإشكاليات أعقد بكثير من إيجاد الحلول لها. ألا أن ذلك عجيب حقا!". ويقول أينشتاين: "عندما نكون صغارا نطرح أسئلة وننتظر إجابات شافية عليها، وعندما نصبح بالغين لا نعود لطرح تلك الأسئلة أبدا. ولأني تأخرت في البلوغ فقد ظلت تلك الأسئلة تحاصرني... في الحقيقة إن كل ما فعلته في حياتي هو أنني طرحت بعض الأسئلة." ويقول كابلان: "إن معظم الباحثين يخطئون الطريق الصحيح منذ البداية إما لكون أسئلتهم غير مطروحة بشكل دقيق، وإما لكونها تافهة، وإما لأنها عامة جدا أو غامضة... وهكذا يتم هدر سنوات من العمل الجدي لإنجاز بحث غير مقنع تماما."
وترجع أهمية هذه المرحلة إلى أنها تتحكم عمليا في كل المراحل الأخرى. ذلك أن الإشكالية هي التي تحدد نوع الدراسة ومنهجها، والأدوات التي يتطلبها جمع المادة المعرفية ونوع هذه المادة، والإمكانات المرصودة للبحث والمدة الزمنية التي سيستغرقها إنجازه.

مصادر اختيار الإشكالية:
غالبا ما تكون الإشكالية بنت مطالعات وتأملات سابقة، وقد تكون من وحي الأستاذ المشرف، أو من وحي المناخ العام الذي يعيشه الباحث (مجال التخصص)، إذ من خلاله يعرف الباحث المشاكل التي تمت معالجتها، والقضايا التي ما زالت بحاجة لمزيد من البحث، والإشكاليات التي لم يسبق طرحها. وبالإضافة لهذا تلعب الممارسة العملية، أو التجربة، أدوارها في رصد الإشكاليات، كما أن المقررات بالنسبة للطالب قد تثير انتباهه إلى بعض القضايا فيسعى إلى التعمق فيها.

بعض الاعتبارات والشروط التي ينبغي استحضارها عند اختيار الإشكالية:

من جملة هذه الشروط:
1) الأهمية: تكون الإشكالية مهمة إذا كانت تضيف إلى المجال المعرفي الذي تنتمي إليه جديدا، أو تفتح أفقا جديدا للبحث، أو تفيد على مستوى الممارسة، أو تسد بعض النقص المعرفي في مجال تخصصها.
2) العمق: يفترض أن تتصف الإشكالية بالعمق والدلالة العلمية.
3) الأصالة: ما كل إشكالية أصيلة إلا إذا لم تكن مسبوقة، وهذه ميزة قلما تتصف بها البحوث عامة (البحث الرائد)، ويعتبر محظوظا من اهتدى إليها. لكل هذا فليس ضروريا أن تتميز كل الإشكاليات بالأصالة، شرط أن يتم التطرق إليها من زاوية مختلفة، أو بطرح فرضيات جديدة، أو إعادة النظر في النتائج التي توصل إليها الغير.

صياغة إشكالية البحث:
1) يفترض أن تصاغ الإشكالية بعبارات واضحة لا تحتمل التأويل ولا تدع مجالا للخلط أو الغموض.
2) وأن تبرز الهيكلة العامة التي سيتناولها البحث.
3) ويستحسن أن تتضمن دوافع البحث وأهميته.

" "

" "
(يتبع...)

عبد العزيز غوردو
27/06/2008, 11:50 PM
رصد المفاهيم:
نقصد برصد المفاهيم عملية تحديدها وضبطها، وهي عملية ضرورية لكل بحث يتحرى الدقة والوضوح العلمي، وذلك تلافيا للغة المبهمة القابلة للتأويل، وتجنبا للمتاهات التي تؤدي إليها المفاهيم المغلوطة. والمفهوم عند المناطقة كلمة عامة مجردة تشير إلى مجموعة من الصفات المجردة التي تشترك فيها بعض الأشياء أو المواضيع، وهو يختلف عن المصطلح الذي يعتبر أكثر ضبطا ودقة. ذلك أن المفهوم مرتهن بالأنساق الفكرية والأطر المرجعية، إضافة إلى وجود بعض المفاهيم التي تحتمل أكثر من معنى، كما أن مفاهيم أخرى قد تتداخل فيما بينها كالعدل والمساواة والذكاء والفطنة...
والمقصود برصد مفاهيم البحث تحديد مفاهيمه الأساس المركزية أو المحورية Les concepts clefs. وهناك عدة طرق لضبطها أشهرها طريقة أرسطو (تحديد الجنس والفصل) التي تطبق على المحسوسات دون التجريدات. وطريقة استقصاء المعاني التي تهدف الوصول إلى التعريف الذي يتفق عليه أغلبية الباحثين. والطريقة الوظيفية أي جرد مختلف الوظائف التي يقوم بها المفهوم للوصول إلى التعريفات الإجرائية (التي دخلت مجال إبستيمولوجيا البحث عبر الفيزيائي بريدجنسون Bridgenson عندما انتهى إلى أن مفاهيم الفيزياء لا تعرف بدقة إلا عبر القياس كالحرارة التي لم تضبط بدقة إلى بعد أن تخلى الفيزيائيون عن الانطباعات الحسية واخترعوا الترموميتر). التي حاول بعض المشتغلين بالعلوم الإنسانية اقتباسها، وأشهرهم لازلسفيلد Lazalsfield الذي اقترح طريقة الانتقال من العام إلى الخاص اعتمادا على الخطوات التالية:
1) الانطلاق من المفهوم العام: أو ما يسميه Lazalsfield التصور المنمق للمفهوم، ثم محاولة ترجمته إلى مجموعة من المؤشرات.
2) تخصيص المفهوم: وذلك بتحديد أبعاده أو مظاهره أو مكوناته.
وكمثال على ذلك من التاريخ نقترح مفهوم "الرومنة"، فالمفهوم العام فيه هو: إضفاء جزء من الامتيازات الرومانية على بعض الزعماء الأمازيغ أثناء الاحتلال الروماني لشمال أفريقيا. أما تخصيص المفهوم فتشمل: السماح للأمازيغ بحمل الأسماء الرومانية والترخيص لهم بعبادة آلهة الرومان وامتلاك الحيازات العقارية وحضور الاحتفالات الرسمية... وفي مقابل ذلك يقوم هؤلاء الزعماء بوظيفة التهدئة داخل مجال نفوذهم لفائدة الاحتلال الروماني.

البحث البيبليوغرافي:
هو البحث عن المصادر والمراجع وكيفية تنظيم البحث، وهناك منهجيتان عموما لحصر ذلك:
أ‌- منهج "الاصطياد" البيبليوغرافي أو التمشيط البيبليوغرافي: ويقوم فيه الطالب بإعداد قائمة للمراجع (فهرسا عاما لها)، حيث يثبت أمام كل مرجع مكان وجوده، ويسعى في هذه الطريقة إلى حصر أكبر قدر ممكن من المراجع قبل بدء عملية القراءة.
ب‌- منهج الجرد البيبليوغرافي المنتظم La recherche systématique: يبدأ الطالب، مثلا، بقراءة ما كتب حول موضوعه بدوائر المعارف والموسوعات العالمية، وهذه ستضع بين يديه قائمة بالمراجع التي اعتمدتها، والتي تتحول بالنسبة إليه مادة مصدرية وهكذا... أو يستعين بالكتب، أو الأبحاث، الحديثة التي تثبت مراجع ما احتوته في أسفل الصفحات، ومن هذه الحواشي سيحصل الطالب على كثير من المراجع الأصلية، يضيفها إلى قوائم مراجعه.
ولنجاح البحث البيبليوغرافي يحسن تتبع التوجيهات التالية: * على الباحث أن يتصل بمن لهم خبرة بالموضوع. * أن يعرف القوانين الداخلية للخزانات ويعقد صلات ودية مع أمنائها. * عندما تتوفر البيبليوغرافيا يوضع تصميم القراءة، حيث يتم ترتيب المصادر والمراجع حسب أهميتها. كما ينبغي الرجوع إلى بعض الكتب على ضوء ما أنجز (المقارنة مع موضوع متشابه مع موضوع البحث).

تصميم التحرير:
الكل واع بفائدة وجدوى ومنفعة التصاميم، ففيما يخص البحث العلمي، فقد سبقت الإشارة إلى أهمية التصميم الدال وإلى تصميم العمل. والآن وقد تقدم البحث واتضحت الإشكالية وتوفرت المعرفة، فعلى الباحث أن يعيد قراءة وهيكلة معرفته، وانطلاقا من هذه الهيكلة ومن النتائج المحصل عليها ومن التصاميم المؤقتة التي وضعت أثناء القراءات والتفكير، ينبثق تصميم التحرير المفصل الواضح الذي يحترم طرق التفريع. وللوصول إلى هذه النتيجة يجب إتباع النصائح التالية:
- أن يتبع الباحث طريقا واضحا منظما، وكلما استدعت دراسته تفريعا لأصل واحد قام بذلك.
- عليه أن يبين بوضوح عناوين الأبواب والفصول والفقرات، ويصوغها في عبارات قصيرة قدر الإمكان.
- عليه أيضا أن يقدر لكل باب وفصل ومبحث، عددا معينا من الصفحات حتى لا يتيه أثناء التحرير، وحتى لا يحدث خلل في توازن وبناء النص، الذي يفترض أن يكون ترتيبه سليما، ويستحسن أن يطلع الطالب على نماذج من التصاميم لمواضيع مشابهة لموضوع بحثه.
- على الباحث ألا يشرع في التحرير إلا بعد استشارة الأستاذ المشرف، والقراء، ومناقشة عناصر التصميم.
وقد تكون هذه المبادئ والالتزامات مؤقتة، إذ تبقى أجزاء التصميم قابلة للتعديل والتقويم عند الضرورة وعند اكتشاف أشياء جديدة عند التحرير، وقد يشمل التعديل بعض الفصول أو الأبواب وقد يشمل عنوان البحث نفسه، لكن شريطة استشارة الأستاذ المشرف، المهم أن يخرج البحث في أبهى حلة.

مرحلة الكتابة أو التحرير:
بعد قراءة المراجع، وجمع المادة، وفرز البطاقات، يبدأ الباحث في الاختيار من المادة المجموعة، وترتيب ما اختير ثم كتابته، وتلك مرحلة شاقة من دون شك سيجد فيها الطالب أن من المستحيل، ومن غير المرغوب فيه، إثبات كل ما جمع. وهنا تظهر مهارته في تقدير المادة التي جمعها والاختيار منها. ذلك أن الاختيار، أو التصفية، تتوقف قبل كل شيء على مقدرة الطالب على تقويم بضاعته. ويدخل في هذا التقويم طرافة المادة وعدم ذيوعها ودقتها المصدرية وخصوصا قيمتها بالنسبة لموضوع البحث.
وإذا ظهر أن بعض المادة لا فائدة منها، فعلى الطالب ألا يتردد في تركها، إذ أن حشرها في بحثه سيؤدي حتما إلى نتائج عكسية. على أن ذلك لا يمنعه من الاحتفاظ بها للاستفادة منها في حياته العلمية مستقبلا.
وتستلزم عملية الاختيار أو التصفية قراءة متأنية للمادة المعرفية التي راكمها الطالب، والتفكير فيها بعناية لتكوين رأي يسير مع الخطة التي رسمها لبحثه، أو مع المسار الكرونولوجي الذي اختاره، أو مع بنائه الحجاجي... وفي هذا يجب أن تبرز شخصية الطالب في مقابلة النصوص ومقارنتها، وعليه أن يتذكر بأنه مسؤول عن كل ما يرد في رسالته، ولا يعفيه من هذه المسؤولية أنه أخذ عن كاتب مشهور. ويتحاشى عبارات من نوع: أرى... وتوصلت... والبحث الذي قمت به يجعلني أعتقد... ويستعيض عنها بعبارات هادئة مثل: يبدو أنه... ويغلب على الظن... ويتضح مما سبق...
يمكن للطالب أن يفتتح الباب أو الفصل الذي يكتبه بمقدمة قصيرة، ويختتمه بموجز يعرض فيه النتائج التي توصل إليها، ويعرضها نهائية إذا كانت فصل الخطاب، أما إذا لم تكن نهائية فيعرضها على أنها نهاية ما توصل إليه، ويرجو أن يتمكن هو، أو سواه، من مواصلة البحث في المسألة مستقبلا.
أما الأسلوب الحجاجي أو إيراد الأدلة، فيستحسن أن يبدأ بأبسطها، ثم يتبعه بآخر أقوى، وهكذا يتدرج في إبراز فكرته، حتى إذا ما نقل السامع أو القارئ من جانب المعارضة إلى جانب التشكيك، ألقى بأقوى أدلته لتصادف عقلا مترددا فتجذبه وتنال تأييده، وليحذر من الاستطراد لأن ذلك يربك القارئ، كما يشترط في الأسلوب الحجاجي عدم التناقض الداخلي للنص، وعدم مناقضته لقضايا وأفكار عامة مسلم بها منطقيا. وعلى الطالب أن ينتقد عمله بلا هوادة كلما سار فيه، مقتنعا بأنه إذا لم يفعل ذلك فإن آخرين سيقومون به، لذلك عليه ألا يفر من الأسئلة الحرجة التي تصادفه وتزعجه بل عليه أن يواجهها، حتى إذا لم يتمكن من إيجاد الأجوبة المقنعة لها، فعلى الأقل يكون قد انتبه إلى طرحها، وليتذكر أنه في كثير من الأحيان يكون طرح السؤال أهم من إيجاد الجواب. ثم ليدع ما انتهى من كتابته جانبا بضعة أيام، أو أسابيع، ثم يعود إليه وينظر فيه لا بالفكر الذي أملاه بل بفكر الناقد له، الباحث عن السبل التي ترفع مستوى بحثه، سواء في منهجها أو بنائها أو معلوماتها أو خطتها.

القواعد والأسلوب:
لابد من سلامة قواعد اللغة والإملاء، وإذا لم يكن الطالب واثقا من صحة ما يكتب فلا بد له أن يرجع إلى من يجيد هذه القواعد ليصحح له ما يمكن أن يقع فيه من هفوات أو أخطاء. وليس من مهمة الأستاذ المشرف أن يقوم بهذا التصحيح لأن مهمته أسمى من ذلك. ويشترط في أسلوب الأبحاث دقة اختيار الكلمات، وحسن انتظامها في جمل وعبارات، لذا يفترض أن يكون معجم الطالب واسعا، في اللغة التي يكتب بها، بحيث يمده باللفظة المناسبة للتعبير عن أفكاره دون إطناب أو تكرار، فإذا استطاع أن يبلغ فكرته في ثماني كلمات فلا يبلغها في عشرة، وليَشكُل بعضها إذا دعت الضرورة. وينبغي أن تتميز الجمل بالقصر قدر الإمكان، وأن تكون بسيطة ومترابطة، وألا يثقلها بالأدلة على مبادئ مسلم بها، أو يمكن التسليم بها بسهولة، وأن يتحاشى المبالغات وعبارات التهكم أو السخرية، وأن يتجنب الجدل من أجل الجدل. أو باختصار عليه أن يتجنب كل ما يفتح عليه باب الخلاف، وهنا تكمن براعة الطالب الذي لا يحذف شيئا مهما ولا يتورط في الوقت نفسه في مشكلات يمكنه أن يتجنبها منذ البداية.

" "

" "

(يتبع...)

نضال سيف الدين خالد
29/06/2008, 09:00 AM
سعادة الدكتور عبدالعزيز غوردو الموقر
السلام عليكم و رحمة الله وبركاتـــــــــــــه
جزاكم الله خيراً على هذه التوجيهات القيمة .
تفضلوا بقبول فائق الإحترام و التقدير
مع تحيات نضال سيف الدين خالد

نضال سيف الدين خالد
29/06/2008, 09:00 AM
سعادة الدكتور عبدالعزيز غوردو الموقر
السلام عليكم و رحمة الله وبركاتـــــــــــــه
جزاكم الله خيراً على هذه التوجيهات القيمة .
تفضلوا بقبول فائق الإحترام و التقدير
مع تحيات نضال سيف الدين خالد

عبد العزيز غوردو
02/07/2008, 10:13 PM
سعادة الدكتور عبدالعزيز غوردو الموقر
السلام عليكم و رحمة الله وبركاتـــــــــــــه
جزاكم الله خيراً على هذه التوجيهات القيمة .
تفضلوا بقبول فائق الإحترام و التقدير
مع تحيات نضال سيف الدين خالد

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته

أخي العزيز والأستاذ الفاضل نضال سيف الدين خالد...

أشكر لك متابعة الموضوع..

أشكر لك التعليق عليه..

أشكر لك دعواتك الكريمة، وأتمنى من الله أن يثيبك عليها، بمثلها وزيادة...

وباقة ورد لقلبك الماطر حبا...

:fl:

عبد العزيز غوردو
02/07/2008, 10:17 PM
الاستشهادات:
لماذا الاستشهاد؟ جل البحوث العلمية تحتوي على استشهادات مأخوذة من المراجع أو المصادر، والاستشهاد هو نص، وأحيانا كلمة لا غير، ينسب لكاتب آخر، يعرضه الباحث ضمن مكتوبه. ويوضع الاستشهاد بين مزدوجتين ليميز عن كلام الباحث، ماعدا في الاقتباس حيث يجوز حذف المزدوجتين مع الإبقاء على الإحالة برقم مرجعي. وقيمة الاستشهاد لا تأتي إلا من قيمة مكان هذا الاستشهاد في النص، ومن الدينامية التي تتركها القيمة داخل حركة التفكير. والاستشهاد نوعان: أ) نص يقصد منه التحليل أو النقد، أو كلاهما معا. ب) نص يدعم أو يفند رأيا أو وجهة نظر أخرى.
فعلى الباحث ألا يستعمل الاستشهادات بلا تمييز، وألا يكثر منها لأن ذلك ينم عن كسل أو عدم مقدرة على التركيب والتحليل، ويلغي شخصيته في البحث. ذلك أنه إذا اقتصر على تلخيص عدة استشهادات (اقتباسات) فعمله هذا عمل جمع وتأليف لا غير compilation، أما إذا قام بنقل كلام كتاب دون أن يضعه بين مزدوجتين، ودون الإحالة على مصدره أو مرجعه، فهذا عبارة عن انتحال (سرقة: plagiat)، وهو عمل غير علمي.

كيف نتعامل مع الاستشهادات؟
على الباحث أن يتبع القواعد العامة التالية:
1) لا يستشهد إلا بما هو مهم لتدعيم أو تفنيد موقف أو رأي.
2) يشار بواسطة أرقام الإحالات والهوامش إلى المعلومات الكاملة للمرجع الذي أتى منه الاستشهاد.
3) إذا جاء الاستشهاد بلغة أجنبية يجب الاحتفاظ به كما جاء في الأصل مع ترجمته.
4) إذا كان الاستشهاد قصيرا يوضع في المتن وبين مزدوجتين، أما إذا اتسم بالطول فيعزل في فقرة خاصة، يكون البياض المتروك على يمين سطورها أكثر من بياض الحاشية المعتادة. ننبه إلى أن الاستشهادات الطويلة كثيرا ما تكسر نسق الفكر الرئيسي.
5) إذا كان الباحث ينوي وضع عدة مسودات قبل المبيضة النهائية، فلا ينقل الاستشهاد إلا عندما يريد وضع الكتابة النهائية، وذلك اجتنابا لأخطاء النقل.
6) ينسخ الاستشهاد كما جاء في النص الأصلي دون أن يدخل الباحث أي تغيير أو تبديل عليه، فإذا أراد أن يسقط جزء من الاستشهاد عليه أن يضع علامة (...) محل الكلمات أو الجمل المسكوت عنها، وإذا أراد أن ينبه إلى خطأ فيشير إلى ذلك بكلمة [هكذا] المحصورة بين معقوفين، وذلك مباشرة بعد الخطأ المراد التنبيه إليه.
7) الاستشهاد بأبيات شعرية لا يحتاج إلى مزدوجتين.
8) إذا كان الاستشهاد يحتوي هو نفسه على استشهاد فتوضع مزدوجتان عند بداية ونهاية الاستشهاد الثاني، أما الأول فيطبق عليه ما يطبق على الاستشهاد العادي.

الهوامش والإحالات:
هي الكلام الذي يشمل الملاحظات والإحالات وكل العناصر التي تعتبر مكملة للنص دون أن تكون قابلة للانتماء إليه، كالتعاليق والشروح التقنية وبعض الأرقام والتواريخ التي تثقل النص أو تقطع نسق التحليل. وتكتب الهوامش والإحالات في أسفل الصفحة في إطار مفصول عن النص بخط أفقي، ومن المستحسن أن تكون سطور الهوامش أضيق من سطور المتن حتى يسهل التمييز، وتستعمل الأرقام لترتيب الهامش.

مهمة الهوامش الإحالات:
زيادة على ما ذكر:
أ) الإشارة إلى مراجع ومصادر الاستشهادات.
ب) الإشارة إلى مصادر أو مراجع تكميلية.
ج) الإشارة إلى ذكر معلومات سبقت الإشارة إليها، يكتب (انظر أعلاه، ص...)، بالفرنسية إذا كانت سابقة يكتب: Supra. P…، وإذا كانت لاحقة تستعمل العبارة (انظر أسفله، ص... بالفرنسية: Infra. P…).
د) ذكر استشهاد يدعم ما جاء في النص، وذلك عندما يخشى حدوث الزخم أو التثاقل.
هـ) إعطاء تفاصيل أو شروح إضافية.
و) التلطيف من موقف أو فكرة شخصية إذا حصل الشك أو قلت الأدلة.
ز) يعطي الباحث للقارئ فرصة التحقق من صحة ما قدمه.

أين توضع الهوامش والإحالات؟
1) في أسفل الصفحة: تسهيلا لمهمة القارئ، وإذا كان الهامش طويلا فتنقل التتمة على الصفحة الموالية.
2) في آخر الفصل، أو آخر الباب، أو في آخر البحث، وهذه تقنية تسهل مهمة الكاتب والناشر، ولكنها لا تسهل مهمة القارئ، أو تجعل القراء غير المتخصصين لا يبالون بهذه الهوامش.

طريقة إنجاز البيبليوغرافيا:
1) المصادر:
o الوثائق.
o المخطوطات.
o المطبوعة.
2) المراجع "أ":
o طبعة حجرية.
o طبعة حديثة.
3) المراجع "ب" - والدراسات -:
o الكتب.
o الدوريات.
وترتب البيبليوغرافيا عادة ترتيبا أبجديا تبعا لأسماء المؤلفين، لكن قد ترتب ترتيبا تحليليا حسب الموضوعات أو حسب نوعية المرجع، وقد يتم الدمج بين هذه الطرق معا (مثلا حسب نوعية المرجع: كتب أو مقالات أو ندوات... / مثلا: كتب، نميز داخلها بين المصادر والمراجع / نرتبها تبعا للمواضيع / داخل كل موضوع نرتبها أبجديا حسب أسماء الكتاب).
وكيفما كان اختيارنا يفترض أن نضبط بالنسبة:
للكتب: اسم الكاتب، عنوان الكتاب، دار النشر، مكانه، سنته.
المقالات: تحديد اسم الكاتب، عنوان المقال، عنوان المجلة، مكان صدورها، العدد، السنة.
الأطروحات والرسائل: اسم صاحب الأطروحة (أو الرسالة)، عنوانها ونوعيتها، الكلية التي نوقشت فيها، المكان الذي توجد فيه، إذا كانت مرقونة، أما إذا كانت مطبوعة فيسري عليها ما يسري على الكتاب.
الندوات: تحدد نوعية الندوة (مؤتمر – محاضرة – مناقشة جماعية...)، موضوعها، مكان وتاريخ انعقادها، عنوان العرض (أو التدخل/المداخلة) وصاحبه.
الوثائق: نوعية الوثيقة، صاحبها، رقمها (إذا كان لها رقم)، المكان الذي توجد فيه.
الموسوعات: إذا كانت الموسوعة لمؤلف واحد يسري عليها ما يسري على الكتاب، أما إذا كانت لعدد من المؤلفين فيجب إضافة عنوان الموضوع و صاحبه.
الأقراص المضغوطة: تحديد نوع القرص وموضوعه، الشركة التي أصدرته، السنة إن أمكن، عنوان المادة.
الإنترنيت: يثبت عنوان الموقع كاملا، وتاريخ الأخذ منه.



خاتمـــــــة:
هكذا شيئا فشيئا، نبدأ باكتشاف الطفل، أقصد البحث الذي سيولد، والذي ينمو بالتدريج. والبحث في التاريخ، أكثر من غيره، يومئ إلى هذا المعنى، لأنه يحاول بعث الحياة في الماضي، في الذاكرة الجماعية التي تجنح نحو السقوط إما في غيابات النسيان وإما في تيه التزييف.
البحث La recherche في موضوع ما، بالمعنى الإبستمولوجي العام، ينطلق من دوافع معرفية صرف، واقتراح هذا الموضوع عنوانا لبحث Thèse يحوله من ورش مفتوح إلى مشروع للحصول على شهادة، وفي مقابل هذا التحول يصبح من الضروري إنهاؤه في وقت محدد، حتى لو استدعى الأمر خنقه في النهاية.
ليس تحديد الوقت مجرد تبرير لسلبيات البحث، لأننا نؤمن سلفا بأنه لا بحث من دون نقص، لكنه - أي الوقت - يجسد إشكالا أكبر من المبررات بكثير: إنه يمثل المفارقة الكامنة بين "البحث" كموضوع لذاته والذي يرتفع عن إطار الزمن، وبين "البحث" كمشروع... كوسيلة بررتها الغاية، وهذه مأساة كل بحث حتى لو استغرق مدة طويلة، إذ لا شك أن صاحبه لو استمر في البحث مدة أطول لانتهى إلى نتائج أخرى جديدة، أو ربما مناقضة للنتائج التي انتهى إليها: إن إتمام البحث يعني اعترافا ضمنيا بنقصانه، ويعني بالتالي إمكانية تجاوز نتائجه في أية لحظة.

(تم بحمد الله، وللتمام معنى غير الكمال)

غفران طحّان
03/07/2008, 12:13 AM
ماالذي سيكفيك هنا....؟؟؟
هل ألف شكراً تكفي...!!؟؟؟
أستاذي العزيز الدكتور عبد العزيز غوردو

تأتي كما المطر...تجلب الخير ...أينما حللت
أيضاً ألف شكراً...
وأظنّها لا...لن تكفي

وهذا فقط ما أستطيعه...
ود وورد لمطر روحك...
احترامي وتقديري وامتناني

عبد العزيز غوردو
03/07/2008, 10:25 PM
ماالذي سيكفيك هنا....؟؟؟
هل ألف شكراً تكفي...!!؟؟؟
أستاذي العزيز الدكتور عبد العزيز غوردو

تأتي كما المطر...تجلب الخير ...أينما حللت
أيضاً ألف شكراً...
وأظنّها لا...لن تكفي

وهذا فقط ما أستطيعه...
ود وورد لمطر روحك...
احترامي وتقديري وامتناني

*********
المتألقة أبدا غفران...

ليس هناك ما يستوجب الشكر، فعفوا...

تشرقين كما الفجر،

تنيرين، ببهائك، المكان...

فيتنفس الصبح من خلف روابي عذب المفردات...

تحية لنبضك...

:fl:

ريهام زمان
04/07/2008, 04:07 PM
الأستاذ الكبير الدكتور عبد العزيز غوردو/
وجدت هنا المتعة والفائدة الكبيرة/
لا حرمنا الله من كتاباتك/
وجازاك عنا كل خير/

مع خالص المودة والتقدير

عبد العزيز غوردو
07/07/2008, 08:45 PM
الأستاذ الكبير الدكتور عبد العزيز غوردو/
وجدت هنا المتعة والفائدة الكبيرة/
لا حرمنا الله من كتاباتك/
وجازاك عنا كل خير/

مع خالص المودة والتقدير

********

اشكر ك دعواتك الكريمة أختي الفاضلة ريهام...

وأرجو منه، عز وجل، أن يثيبك عليها...

مودة وتقدير متبادلان...

عبد العزيز غوردو
07/07/2008, 08:45 PM
الأستاذ الكبير الدكتور عبد العزيز غوردو/
وجدت هنا المتعة والفائدة الكبيرة/
لا حرمنا الله من كتاباتك/
وجازاك عنا كل خير/

مع خالص المودة والتقدير

********

اشكر ك دعواتك الكريمة أختي الفاضلة ريهام...

وأرجو منه، عز وجل، أن يثيبك عليها...

مودة وتقدير متبادلان...

شوقي بن حاج
17/03/2009, 09:42 PM
الدكتور الموقر / عبد العزيز غوردو

رغم أني لست طالب ماجستير
إلا أني استفدت كثيرا في موضوع المنهجية العلمية

بوركت وننتظر المزيد

تقبل الألق الموصول بالتقدير

عبد العزيز غوردو
11/06/2009, 10:15 AM
الدكتور الموقر / عبد العزيز غوردو
رغم أني لست طالب ماجستير
إلا أني استفدت كثيرا في موضوع المنهجية العلمية
بوركت وننتظر المزيد
تقبل الألق الموصول بالتقدير

*** *** ***

أخي العزيز شوقي...

كنتُ، بسبب تقصير مني، قد أهملت قسم التاريخ...

فلم أزره منذ مدة...

فوجدت أن الكثير من الأمور قد فاتتني، بفضل جهود الإخوة هنا، مشكورين...

منها سقوط الرد، سهوا، على تعليقك الكريم...

فأرجو أن تقبل اعتذاري على هذا التأخر في الرد...

مع خالص مودتي وتقديري...

:)