المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بيت الرعب - قصة مترجمة من الادب الاسبانى بتصرف ( الحلقه الثالثه والاخيرة ) لصلاح ابوشنب



صلاح م ع ابوشنب
23/06/2008, 02:50 AM
بيــــــت الرعــــــــب

قصة مترجمة من الادب الاسبانى بتصرف لصلاح ابو شنب

الحلقـــة الثالثـــــة والأخيــــــرة


اثناء غياب انريك وانشغاله بالحرب ضد عدوه وضعت كتالينا طفلا جميلا اسمته جونثالو انريكث ، وأخفــت أمرها عمن حولها عدا الخادمه العجوز التى كان الامير قد أوصاها برعايه كتالينا .
فى خضم مشاغل الامير انريك الذى اصبح ملكا على قشتاله ، نسى كتالينا ، وضاعت ذكراها فى زحمة همومه ، ولم يفكرفى الذهاب لرؤيتها أوحتى احضارها لزيارته ، فها قد اصبح ملكا ، وتزوج من امرأة اخرى اصبحت ملكة هى الاخرى ، ووقع ما كان يخشاه العجوز صاحب الدار ، ولكن انريك علم بواسطة جواسيسه بأن كاتالينا انجبت ولـــدا ، وهذا اقصى ما كان يهمه .
أمرأة اشتهرت بمعرفة الطالع رغب الملك فى زيارتها سرا تشوقا لمعرفة طالعه ، اصطحب معه بعض اصدقائه وتوجه الى مكمن تلك المرأة بعد أن تنكر فى ثياب العامة من ابناء الشعب .
كانت العجوز تجلس فى غرفة صغيرة مظلمة فوق مقعد خشبى متهالك وأمامها مائدة من الخشب البالى ، الحوائط رطبه ، والنوافذ مغلقه والرائحة عفنه والجو كئيب يطمس النفس ويجلب الغم .
كاد الملك أن يرجع من فوره لما رأى ذاك المنظر وأذكمته من الرائحة ، لكن العجوز بادرته بقولها :
- لماذا اتيت الى هنا ؟
- اجابها احد جنوده المتنكرين : علمنا بأنك تقرأين الطالع وتعرفين ما تعنيه خطوط الأكف ، فأحببنا
أن نجرب ، ونريدك أن تبدئى بهذا الرجل ، وأشار لها على الملك المتنكر. تناولت المرأة كف دون انريك وحملقت فيه بشدة ثم رفعت رأسها اليه قائلة : انت لست عاملا كما يدعى صاحبك ، وانما انت سيد فى قومك ، وصاحب سطوة ونفوذ كبيرين ، وأرى ان حولك سادة آخرين ، وهم اقل منك شأنا ، تتنكرت فى ثياب العوام كى لا اعرفك ، أما هؤلاء ، فهم فرسانك ، وهناك غيرهم الكثير كلهم جميعا يعملون باشارة من أصبعك .
كان انريك دى تراستمارا يصغى الى المرأة باهتمام شديد ، بينما كان من حوله ينصتون باندهاش وكأن فوق رؤسهم الطير لانكشاف امرهم من قبل العجوز .
قالت العجوز: أرى يديك ملطختان بالدماء ، وقد قتلت رجلا كان اقوى منك ، وانتزعت منه شيئا لم يكن ... لك خذ حذرك ، فقد يكال لك بنفس الكيل الذى كلت به لم يكن هناك مفر من الانكار فقد عرفت العجوز المستور ، وهنا سألها انريك على الفور : وما الذى يمكننى فعله كى اتجنب حدوث ذلك ؟
قالت العجوز : سيدى .. اسمع ما اقوله لك واعقله..
قد يكون الخطر كامن فى ابنائك ، وقد يأتى اليوم الذى يرفع فيه الاخ سلاحه فى وجه اخيه بصدر مليىء بالغل والحقد والانتقام ، بغية أن ينتزع منه ما ليس له فيه حق ، قد ينكل الاصغر بالاكبر ، وقد يستحل منه ما قد تكون قد ملـّكته اياه ، فان استطعت ان تحول بين حدوث ذلك فافعل .
احتد الملك وقال للمرأة : ايتها المرأة تفحصى جيدا خطوط كف يدى واقرأى بعناية ما تعنيه ، من من ابنائى بالاسم هوالذى سيقف ضد أخيه ؟ وما الذى يمكن أن اصنعه بالتحديد كى احول بين ذلك ؟
العجوز : ابحث عن ولدك الغير شرعى .. وليس لك عندى قول آخر .. وصمتت العجوز عن الكلام واضطر الملك أن يأخذ رجاله وينصرف بعد أن القى فى حجر العجوز صرة من النقود الذهبيه .
ورغم تظاهر انريك بالتماسك امام العجوز وأمام رجاله الا ان ما سمعه من تلك المرأة هز كيانه هزا ، وكاد أن يسقط لولا استحياءه ممن حوله كان قد دخل الى حجرة العجوز المنتنه وهويتأفف من رائحتها ، مزهوا بملكه متشوقا لمعرفه طالعه ، لكنه ما لبث ان خرج من عندها كسيرا ، ومرت عليه لحظة تمنى فيها أن يكون واحدا من عامة الشعب بحق وليس تمثيلا ، اصابه الغم وهجره النعاس وانتابه الأرق وشغل باله الفكر ، وبرغم كل المحاولات التى بذلها رجاله الذين كانوا بصحبته لابعاده عن التفكير فى الامر ، الا انهم فشلوا جميعا. . فقد كان الامر اقوى مما يتحمل .
ذات مساء وبشكل مفاجىء شاهد اهالى كوينكا مجموعة من عسكر الملك تقتحم شوارع مدينتهم وأزقتها فى صمت تبحث عن شىء ما .
بدأ الناس يتهامسون ويتكهنون بينما يتابعون فى خوف قائد السرية وهو يخرج من بيت ويدخل فى آخر ، ولم يترك بيتا حتى بيوت كبارأهل البلد وأعيانها ولم يستطع أحد أن يعرف حقيقة الأمر. ولكن البعض تكهن بانه يحمل اليهم رسائل خطيه من الملك نفسه ، وقال آخرون : ان العسكر جاؤا بطلب من الملك انريك لمساعدة السرية فى أدآء مهمتها .
فجأة توقف العسكر أمام باب احد البيوت وطرقوه برقه حتى لا يسمع باقى الجيران ، بعد برهة من الزمن فتحت نافذة صغيرة وبرزت منها امرأة عجوز وهى تقول : من بالباب ؟
قال احد العساكر : افتحى ايتها المرأة ، نحن من قبل الملك انريك دى تراستمارا .
العجوز : لحظة ..
فتحت العجوز ضلفة الباب فاندفع الجنود الى الداخل بسرعة واغلقوا الباب من خلفهم وبادرها قائدهم : أين كتالينا ؟
- اجابت المرأة بحسن نيه : انها نائمه فى حجرتها ياسيدى .. هل تريدنى ان اوقظها ؟
- نعم .. أيقظيها وقولى لها ان لدينا رساله لها من الملك .
استيقظت كتالينا فزعه من هول المفاجأة فبادرها رئيس العسكر بقوله : سيدتى .. هذه رسالة اليك من
الملك دون انريك دى تراستمارا فيها يشرح لك ما يجب عليك فعله .
قالت كتالينا : ايها القائد أنا لا أعرف القراءة ، هلا تفضلت بقرآءتها لى ؟
نزع الرجل خاتم الرسالة الملكى الأحمر ، وبدأ فى قرائتها بصوت مسموع : أن الملك يطلب اليك ان تسلمينا الطفل لكى يعيش بجوار ابيه ، فهو يريد تنشأته تنشأة ملكيه تليق به .
قالت كتالينا : ان الطفل نائم الان ، وبمقدورك الاتيان غدا وسوف نذهب معك نحن الاثنان .
- قال الرجل فى نبرة حزم : لا يا سيدتى ان الملك يريد ابنه فقط ، اما انت فسوف تبقين فى مكانك هنا وأشار الى البيت . صرخت كتالينا بمجرد سماعها لكلمات الرجل : لا هذا لن يحدث لن تستطيعوا أن تأخذوا ولدى وحده .. لا .. لايمكن ان اسلمه لكم ابدا ....
قال الرجل بلطف : لا تنزعجى يا سيدتى فالطفل سوف يكون فى مأمن وهو بجوار ابيه ، وسيوفر له كل شىء ، فلا داعى للخوف ، وأرجو ان تتفهمى الامور ، فأنت لا يمكن أن تحضرى معه بحال من الاحوال ، لانك تعلمين أن الملك يعيش مع زوجته الملكه ، ومن المستحيل وجودك هناك .
اجابت كتالينا بحده : لا .. لن اتركه لكم .. اتريدون ان اموت حسرة على فلذة كبدى .. ؟
هنا احتد الرجل وقال فى نبرة صارمة وقاطعة :
اسمعى يا سيدة كتالينا : نحن لانريد الازعاج ، ولا نريد الشوشرة ، لكن اذا رغبت فيها فسوف نأخذ الطفل بالقوة ، لدينا أمر من الملك ولا بد من تنفيذه ، واشار بعد ذلك الى رجاله قائلا : ابحثوا عن الطفل فى كل مكان فى هذا البيت واحضروه لى فورا .
صرخت كتالينا باكيه والدمع من مقلتيها ينهمر بغزاره وهى تقول : لا لا .. لا تأخذوا ولدى .. سأموت حسرة عليه .. يا الهى ... يا الهى واخذت تضرب خديها بكلتا يديها . ماهى الا لحظات استطاع الحراس بعدها احضار الطفل بين يدى قائدهم بينما جثت كتالينا على قدمى القائد تقبلها وتتضرع اليه ان يترك لها طفلها ولكنه لم يأبه بها ولم يهتز لتوسلاتها .
قال القائد لاثنين من رجاله :
أبقيا انتما هنا مع هاتين المرأتين، حتى لا يشوشران علينا اثناء خروجنا بالطفل ، فان صاحا ولم يمتثلا للاوامر واستدعى الامر لقتلهما فاقتلوهما ، وسوف نكون فى انتظاركما فى المكان الذى سبق لناالاتفاق عليه ، فاذا غادرتما هذه الدار فى الصباح فأغلقاها من الخارج والحقا بنا .
كانت تلك ا لليلة هى أسوأ ليلة عاشتها كتالينا وخادمتها ، ظلا يبكيان ويندبان حتى تورمت اعينهما ، وما كاد الفجر ينبثق حتى غشى عليهما سويا من شدة البكاء والحزن .
ظل الحارسان يقظان بينما المرأتان غارقتان فى غيبوبتيهما ، فتسللا فى هدوء وخرجا من المنزل بعد أن أغلقاه من الخارج حسب اوامر قائدهما .
عندما استفاقت كتالينا وخادمتها من الغيبوبة تذكرتا ما حدث فعادتا الى البكاء من جديد ، كانت كتالينا لا تنام الليل من كثرة البكاء والحسرة على ما اصابها وهى تتذكر طفلها الذى انتزع منها عنوة أمام عينيها ، دون أن تقوى على حمايته من ايادى مختطفيه . تدهورت حالة كتالينا بمرور الايام واصابها ما يشبه الجنون وصارت تقضى النهار تطوف الدار صارخة بأعلى صوتها ، وتهرع الى النوافذ تفتحها على مصراعيها وتنادى على طفلها بأعلى صوتها ، فاذا اتى الليل اصابها الاعياء والتعب فتستلقى على أى مكان فى الارض يصادفها ويأخذها النوم غصبا عنها ، حتى اذا اتى الصباح وداعبت اشعة الشمس وجنتيها الذابلتين استيقظت لتمارس الكرة من جديد وهلم جرا ..........
ومرت الايام على كتالينا من سوء الى أسوأ حتى بح صوتها وجفت حباله ، وغدت غير قادره على اخراجه من فمها ، فان حاولت بكل جهدها ان تصرخ أو تبكى خرج من فمها بحيح كبحيح صافرة حزين أطلقتها سفينة منكوبه آتيه من بعيد من بين عباب المحيط .
وازدادت حالة كتالينا سوءا يوما بعد يوم ، حتى اصبحت تتخيل أن ولدها ينادى عليها من قاع النهر الذى كان يجرى اسفل الدار ، وكانت تقول لخادمتها : افتحى النافذة حتى اسمع صوت ولدى. وتفتح الخادمه النافذة شفقة عليها ، وتقف الى جانبها ترعاها وتبكى .
ذات يوم استيقظت كتالينا من نومها مبكرة وهى تتخيل سماع صوت ولدها ينادى عليها من النهر فهرعت الى النافذة ففتحتها ثم وقفت اعلاها وقالت: حبيب قلبى وفلذة كبدى .. كم اشتقت الى رؤياك !
ثم القت بنفسها الى النهر .. تحطم جسد كتالينا تحطيما ، وهو يسقط من نافذة البيت القائم على اعلى التل الصخرى الحاد يتخبط يمينا ويسارا فى الصخور الصلدة الحادة الى أن انتهى فى قاع النهر .
استيقظت الخادمه على صوت الارتطام الحاد بالصخور فظنت ان جزءا من الجبل قد انهار ، هرعت الى البهو فاذا بالنافذة التى تركتها مغلقة ليلة البارحة قد فتحت .
نظرت خارج النافذة فاذا الصخور قد تلطخت بلون الاحمر القانى ، واذا ببركة من الدماء فوق سطح ماء النهر تموج ، وقد امتزحت بمياهه... صرخت بجنون : ... كتالينا .. كتالينا .. يا حسرتى عليك وعلى ما اصابك يا ابنتى !


تمــــــــــت

صلاح م ع ابوشنب
23/06/2008, 02:50 AM
بيــــــت الرعــــــــب

قصة مترجمة من الادب الاسبانى بتصرف لصلاح ابو شنب

الحلقـــة الثالثـــــة والأخيــــــرة


اثناء غياب انريك وانشغاله بالحرب ضد عدوه وضعت كتالينا طفلا جميلا اسمته جونثالو انريكث ، وأخفــت أمرها عمن حولها عدا الخادمه العجوز التى كان الامير قد أوصاها برعايه كتالينا .
فى خضم مشاغل الامير انريك الذى اصبح ملكا على قشتاله ، نسى كتالينا ، وضاعت ذكراها فى زحمة همومه ، ولم يفكرفى الذهاب لرؤيتها أوحتى احضارها لزيارته ، فها قد اصبح ملكا ، وتزوج من امرأة اخرى اصبحت ملكة هى الاخرى ، ووقع ما كان يخشاه العجوز صاحب الدار ، ولكن انريك علم بواسطة جواسيسه بأن كاتالينا انجبت ولـــدا ، وهذا اقصى ما كان يهمه .
أمرأة اشتهرت بمعرفة الطالع رغب الملك فى زيارتها سرا تشوقا لمعرفة طالعه ، اصطحب معه بعض اصدقائه وتوجه الى مكمن تلك المرأة بعد أن تنكر فى ثياب العامة من ابناء الشعب .
كانت العجوز تجلس فى غرفة صغيرة مظلمة فوق مقعد خشبى متهالك وأمامها مائدة من الخشب البالى ، الحوائط رطبه ، والنوافذ مغلقه والرائحة عفنه والجو كئيب يطمس النفس ويجلب الغم .
كاد الملك أن يرجع من فوره لما رأى ذاك المنظر وأذكمته من الرائحة ، لكن العجوز بادرته بقولها :
- لماذا اتيت الى هنا ؟
- اجابها احد جنوده المتنكرين : علمنا بأنك تقرأين الطالع وتعرفين ما تعنيه خطوط الأكف ، فأحببنا
أن نجرب ، ونريدك أن تبدئى بهذا الرجل ، وأشار لها على الملك المتنكر. تناولت المرأة كف دون انريك وحملقت فيه بشدة ثم رفعت رأسها اليه قائلة : انت لست عاملا كما يدعى صاحبك ، وانما انت سيد فى قومك ، وصاحب سطوة ونفوذ كبيرين ، وأرى ان حولك سادة آخرين ، وهم اقل منك شأنا ، تتنكرت فى ثياب العوام كى لا اعرفك ، أما هؤلاء ، فهم فرسانك ، وهناك غيرهم الكثير كلهم جميعا يعملون باشارة من أصبعك .
كان انريك دى تراستمارا يصغى الى المرأة باهتمام شديد ، بينما كان من حوله ينصتون باندهاش وكأن فوق رؤسهم الطير لانكشاف امرهم من قبل العجوز .
قالت العجوز: أرى يديك ملطختان بالدماء ، وقد قتلت رجلا كان اقوى منك ، وانتزعت منه شيئا لم يكن ... لك خذ حذرك ، فقد يكال لك بنفس الكيل الذى كلت به لم يكن هناك مفر من الانكار فقد عرفت العجوز المستور ، وهنا سألها انريك على الفور : وما الذى يمكننى فعله كى اتجنب حدوث ذلك ؟
قالت العجوز : سيدى .. اسمع ما اقوله لك واعقله..
قد يكون الخطر كامن فى ابنائك ، وقد يأتى اليوم الذى يرفع فيه الاخ سلاحه فى وجه اخيه بصدر مليىء بالغل والحقد والانتقام ، بغية أن ينتزع منه ما ليس له فيه حق ، قد ينكل الاصغر بالاكبر ، وقد يستحل منه ما قد تكون قد ملـّكته اياه ، فان استطعت ان تحول بين حدوث ذلك فافعل .
احتد الملك وقال للمرأة : ايتها المرأة تفحصى جيدا خطوط كف يدى واقرأى بعناية ما تعنيه ، من من ابنائى بالاسم هوالذى سيقف ضد أخيه ؟ وما الذى يمكن أن اصنعه بالتحديد كى احول بين ذلك ؟
العجوز : ابحث عن ولدك الغير شرعى .. وليس لك عندى قول آخر .. وصمتت العجوز عن الكلام واضطر الملك أن يأخذ رجاله وينصرف بعد أن القى فى حجر العجوز صرة من النقود الذهبيه .
ورغم تظاهر انريك بالتماسك امام العجوز وأمام رجاله الا ان ما سمعه من تلك المرأة هز كيانه هزا ، وكاد أن يسقط لولا استحياءه ممن حوله كان قد دخل الى حجرة العجوز المنتنه وهويتأفف من رائحتها ، مزهوا بملكه متشوقا لمعرفه طالعه ، لكنه ما لبث ان خرج من عندها كسيرا ، ومرت عليه لحظة تمنى فيها أن يكون واحدا من عامة الشعب بحق وليس تمثيلا ، اصابه الغم وهجره النعاس وانتابه الأرق وشغل باله الفكر ، وبرغم كل المحاولات التى بذلها رجاله الذين كانوا بصحبته لابعاده عن التفكير فى الامر ، الا انهم فشلوا جميعا. . فقد كان الامر اقوى مما يتحمل .
ذات مساء وبشكل مفاجىء شاهد اهالى كوينكا مجموعة من عسكر الملك تقتحم شوارع مدينتهم وأزقتها فى صمت تبحث عن شىء ما .
بدأ الناس يتهامسون ويتكهنون بينما يتابعون فى خوف قائد السرية وهو يخرج من بيت ويدخل فى آخر ، ولم يترك بيتا حتى بيوت كبارأهل البلد وأعيانها ولم يستطع أحد أن يعرف حقيقة الأمر. ولكن البعض تكهن بانه يحمل اليهم رسائل خطيه من الملك نفسه ، وقال آخرون : ان العسكر جاؤا بطلب من الملك انريك لمساعدة السرية فى أدآء مهمتها .
فجأة توقف العسكر أمام باب احد البيوت وطرقوه برقه حتى لا يسمع باقى الجيران ، بعد برهة من الزمن فتحت نافذة صغيرة وبرزت منها امرأة عجوز وهى تقول : من بالباب ؟
قال احد العساكر : افتحى ايتها المرأة ، نحن من قبل الملك انريك دى تراستمارا .
العجوز : لحظة ..
فتحت العجوز ضلفة الباب فاندفع الجنود الى الداخل بسرعة واغلقوا الباب من خلفهم وبادرها قائدهم : أين كتالينا ؟
- اجابت المرأة بحسن نيه : انها نائمه فى حجرتها ياسيدى .. هل تريدنى ان اوقظها ؟
- نعم .. أيقظيها وقولى لها ان لدينا رساله لها من الملك .
استيقظت كتالينا فزعه من هول المفاجأة فبادرها رئيس العسكر بقوله : سيدتى .. هذه رسالة اليك من
الملك دون انريك دى تراستمارا فيها يشرح لك ما يجب عليك فعله .
قالت كتالينا : ايها القائد أنا لا أعرف القراءة ، هلا تفضلت بقرآءتها لى ؟
نزع الرجل خاتم الرسالة الملكى الأحمر ، وبدأ فى قرائتها بصوت مسموع : أن الملك يطلب اليك ان تسلمينا الطفل لكى يعيش بجوار ابيه ، فهو يريد تنشأته تنشأة ملكيه تليق به .
قالت كتالينا : ان الطفل نائم الان ، وبمقدورك الاتيان غدا وسوف نذهب معك نحن الاثنان .
- قال الرجل فى نبرة حزم : لا يا سيدتى ان الملك يريد ابنه فقط ، اما انت فسوف تبقين فى مكانك هنا وأشار الى البيت . صرخت كتالينا بمجرد سماعها لكلمات الرجل : لا هذا لن يحدث لن تستطيعوا أن تأخذوا ولدى وحده .. لا .. لايمكن ان اسلمه لكم ابدا ....
قال الرجل بلطف : لا تنزعجى يا سيدتى فالطفل سوف يكون فى مأمن وهو بجوار ابيه ، وسيوفر له كل شىء ، فلا داعى للخوف ، وأرجو ان تتفهمى الامور ، فأنت لا يمكن أن تحضرى معه بحال من الاحوال ، لانك تعلمين أن الملك يعيش مع زوجته الملكه ، ومن المستحيل وجودك هناك .
اجابت كتالينا بحده : لا .. لن اتركه لكم .. اتريدون ان اموت حسرة على فلذة كبدى .. ؟
هنا احتد الرجل وقال فى نبرة صارمة وقاطعة :
اسمعى يا سيدة كتالينا : نحن لانريد الازعاج ، ولا نريد الشوشرة ، لكن اذا رغبت فيها فسوف نأخذ الطفل بالقوة ، لدينا أمر من الملك ولا بد من تنفيذه ، واشار بعد ذلك الى رجاله قائلا : ابحثوا عن الطفل فى كل مكان فى هذا البيت واحضروه لى فورا .
صرخت كتالينا باكيه والدمع من مقلتيها ينهمر بغزاره وهى تقول : لا لا .. لا تأخذوا ولدى .. سأموت حسرة عليه .. يا الهى ... يا الهى واخذت تضرب خديها بكلتا يديها . ماهى الا لحظات استطاع الحراس بعدها احضار الطفل بين يدى قائدهم بينما جثت كتالينا على قدمى القائد تقبلها وتتضرع اليه ان يترك لها طفلها ولكنه لم يأبه بها ولم يهتز لتوسلاتها .
قال القائد لاثنين من رجاله :
أبقيا انتما هنا مع هاتين المرأتين، حتى لا يشوشران علينا اثناء خروجنا بالطفل ، فان صاحا ولم يمتثلا للاوامر واستدعى الامر لقتلهما فاقتلوهما ، وسوف نكون فى انتظاركما فى المكان الذى سبق لناالاتفاق عليه ، فاذا غادرتما هذه الدار فى الصباح فأغلقاها من الخارج والحقا بنا .
كانت تلك ا لليلة هى أسوأ ليلة عاشتها كتالينا وخادمتها ، ظلا يبكيان ويندبان حتى تورمت اعينهما ، وما كاد الفجر ينبثق حتى غشى عليهما سويا من شدة البكاء والحزن .
ظل الحارسان يقظان بينما المرأتان غارقتان فى غيبوبتيهما ، فتسللا فى هدوء وخرجا من المنزل بعد أن أغلقاه من الخارج حسب اوامر قائدهما .
عندما استفاقت كتالينا وخادمتها من الغيبوبة تذكرتا ما حدث فعادتا الى البكاء من جديد ، كانت كتالينا لا تنام الليل من كثرة البكاء والحسرة على ما اصابها وهى تتذكر طفلها الذى انتزع منها عنوة أمام عينيها ، دون أن تقوى على حمايته من ايادى مختطفيه . تدهورت حالة كتالينا بمرور الايام واصابها ما يشبه الجنون وصارت تقضى النهار تطوف الدار صارخة بأعلى صوتها ، وتهرع الى النوافذ تفتحها على مصراعيها وتنادى على طفلها بأعلى صوتها ، فاذا اتى الليل اصابها الاعياء والتعب فتستلقى على أى مكان فى الارض يصادفها ويأخذها النوم غصبا عنها ، حتى اذا اتى الصباح وداعبت اشعة الشمس وجنتيها الذابلتين استيقظت لتمارس الكرة من جديد وهلم جرا ..........
ومرت الايام على كتالينا من سوء الى أسوأ حتى بح صوتها وجفت حباله ، وغدت غير قادره على اخراجه من فمها ، فان حاولت بكل جهدها ان تصرخ أو تبكى خرج من فمها بحيح كبحيح صافرة حزين أطلقتها سفينة منكوبه آتيه من بعيد من بين عباب المحيط .
وازدادت حالة كتالينا سوءا يوما بعد يوم ، حتى اصبحت تتخيل أن ولدها ينادى عليها من قاع النهر الذى كان يجرى اسفل الدار ، وكانت تقول لخادمتها : افتحى النافذة حتى اسمع صوت ولدى. وتفتح الخادمه النافذة شفقة عليها ، وتقف الى جانبها ترعاها وتبكى .
ذات يوم استيقظت كتالينا من نومها مبكرة وهى تتخيل سماع صوت ولدها ينادى عليها من النهر فهرعت الى النافذة ففتحتها ثم وقفت اعلاها وقالت: حبيب قلبى وفلذة كبدى .. كم اشتقت الى رؤياك !
ثم القت بنفسها الى النهر .. تحطم جسد كتالينا تحطيما ، وهو يسقط من نافذة البيت القائم على اعلى التل الصخرى الحاد يتخبط يمينا ويسارا فى الصخور الصلدة الحادة الى أن انتهى فى قاع النهر .
استيقظت الخادمه على صوت الارتطام الحاد بالصخور فظنت ان جزءا من الجبل قد انهار ، هرعت الى البهو فاذا بالنافذة التى تركتها مغلقة ليلة البارحة قد فتحت .
نظرت خارج النافذة فاذا الصخور قد تلطخت بلون الاحمر القانى ، واذا ببركة من الدماء فوق سطح ماء النهر تموج ، وقد امتزحت بمياهه... صرخت بجنون : ... كتالينا .. كتالينا .. يا حسرتى عليك وعلى ما اصابك يا ابنتى !


تمــــــــــت