المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حَجَرٌ يطفُـو علَى المَاء



ابراهيم خليل ابراهيم
23/06/2008, 09:35 PM
صدر الديوان السابع للشاعر رفعت سلام بعنوان ( حَجَرٌ يطفُـو علَى المَاء ) عن دار "الدار" القاهرية بعد انقطاع استمر ست سنوات.
يقدم الديوان تجربةً جديدةً تقوم على تضافر النص اللغوي مع نص تشكيلي على امتداد العمل، دون إمكانية للفصل بينهما، أو استبعاد أحد العناصر، منذ الصفحة الأولى، بل منذ تصميم الغلاف.
يتأسس النص اللغوي الشعري على "تعدد الأصوات"، حيث يحتل كل صوت- في غالبية العمل- فضاء كل صفحتين متقابلتين (لكل صوت البنط الطباعي الخاص به). وهي أصوات لا تقدم نفسها دفعةً واحدة؛ بل تتعدد مرات حضورها المستقل في النص الشعري، إلى أن تأتي بها خاتمة العمل متزامنةً، متقاطعةً، مختلطة. هي أصوات /الأنا/ الشعرية، والراوي، والمرأة، والرجل، والديناصور الأخير، والبرابرة.
لكن هذه الأصوات المتقطعة تحتضن، متزامنةً، صوتًا ممتدًّا، من بداية العمل حتى نهايته، يقع- بصريًّا- في قلب الصفحة، حيث تحيط به تلك الأصوات. هو صوتٌ فانتازي، غريب، قد يمثل وعي ولا وعي الشاهد الذي رأى كل شيء، والعرَّاف، والبهلول، والحكيم، والصعلوك، والشاعر، والعاشق الذي يهيم على وجهه في الأزمنة والأمكنة بلا أسلاك شائكة، لا في الوعي ولا في الحضور الطباعي لصوته.
وإذا كانت النصوص السابقة تحتل ما يُسمَّى "مَتن" الصفحة، فإن الهامش- بكل معنًى- ليس فراغًا أو خواءً؛ بل تحتله أصوات تبدو- للوهلة الأولى- "هامشية". أصوات لا يدري أحد من أين جاءت على وجه التحديد. شذراتٌ من أساطير، أبياتٌ من شعرٍ قديم، أقوالٌ مأثورة أو غير مأثورة، صرخاتٌ، عباراتٌ عابرةٌ من شارعٍ ما، حِكمةٌ غابرةٌ ممَّا قبل التاريخ، إلخ. هي الأصوات التي ترفرف- في السِّر- في فضاء الذاكرة.
أما النص التشكيلي- الذي قام الشاعر بصياغته- فيقدم بدوره مستويين من العناصر: مستوى أقرب إلى الرمزي، الإيحائي، الذي قد ينتمي إلى الوعي والحساسية الراهنة، وله حضوره المهيمن في قلب الصفحة أساسًا وبالخطوط السميكة والحجم الكبير، ومستوًى يستمده- بالأساس- من عناصر اللغة الهيروغليفية (تلك الأبجدية التي تقوم على رسم الكائنات الأولية المتعايشة مع الإنسان)، فضلا عن بعض الكائنات الدنيا، التي تتحرك- غالبًا- في حدود الهامش البصري للصفحة.
وإذا كانت رسوم المستوى الرمزي، الإيحائي، ليست موحدةً أو ثابتة (هي متغيرة، متبدلة، متداخلة العناصر غالبًا)، فإن رسوم الهامش ثابتة في الشكل، لكنها ليست ثابتة الموقع؛ إذ تتحرك وتمشي بلا ضابط أو رابط، وفق ما يحلو لها. وأحيانًا ما تحاول أن تقحم نفسها في المتن بين الحين والحين، متخليةً عن موقعها الهامشي. كائناتٌ بريةٌ، بعضها أليف وديع، وبعضها قاتل أو- في الحد الأدنى- كريه.
لكن فضاء النصوص- كل صفحتين متقابلتين- يحرسه من أعلى الصقر الإلهي الفرعوني "حورس" (يمين الصفحة اليمنَى، ويسار الصفحة اليسرى، العلوي).
إنها رؤية للعالم الراهن، وإيقاعاته المتخبطة المتلاطمة. أصواتٌ ووجوه صارخة من ألم وعذاب، أو صارخة في وعيد وتهديد. وجوه عادية راهنة من الحياة اليومية للمدينة القاهرة، ووجوه أسطورية أو تاريخية تحمل ظلالها وأصداءها وأصواتها العابرة للزمان والمكان. وديناصور غابر- قادم من عصور ميتة- لا يريد أن يترك المشهد لأصحابه الأحياء. وامرأة تحلق في سماء المشهد تبحث عن عاشقها لتمنحه ما لم تمنحه امرأة. ورجل يهيم على وجهه في الأزمنة والتواريخ، لا يدري تمامًا ما يبحث عنه.. وكائنات أو رموز تشكيلية تجوس وتتخلل المشهد المتغير، متغيرة بدورها، مومئةً أو مندسةً أو مقتحمة للعالم المتضارب المختلط.
تجربة تجمع- في آن- اللغوي بالبصري، وتعيد النظر في العلاقة بين الهامش والمتن، وتطرح سؤال تعدد الأصوات في القصيدة العربية الراهنة، بل "تزامن الأصوات والكائنات والرموز" في المكان الواحد.
http://www2.0zz0.com/2008/06/23/14/929763562.jpg

http://www7.0zz0.com/2008/06/23/14/385833678.jpg