المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التهدئة بين مفهومي الحد الأدنى والأقصى في الساحة الفلسطينية



سميح خلف
24/06/2008, 08:05 PM
التهدئة بين مفهومي الحد الأدنى والأقصى في الساحة الفلسطينية


ظهرمصطلح التهدئة في الصراع العربي الصهيوني حديثا بعد وصول منظومة أوسلو في منظمة التحرير الفلسطينية وعبر الاتفاق في عام 1994 إلى أرض الوطن المحتل غزة والضفة والتي بدأت لبناتها الأولى بغزة أولا ً ولم يتداول مصطلح التهدئة في الصراع العربي الصهيوني ، بل كانت هناك خطوط الهدنة التي التزمت بها الدول العربية مع الجانب الصهيوني بعد احتلاله 80% من أرض فلسطين وعقبة كل خرق لعملية الهدنة كما حدث في 67 وكما حدث في جنوب لبنان عدة مرات لم تخرق الهدنة من الجانب العربي في معارك اكتوبر عام 1973 بإستثناء بعض العمليات للمجموعات الصغيرة من قطاع غزة بعد ثورة يوليو والاعتداءات الصهيونية المتكررة على قطاع غزة بقيادة ضابط المخبرات المصري الشهيد مصطفى حافظ رحمه الله .

لا أريد هنا أن أدخل في الارهاصات الذاتية للشعب الفلسطيني والعربية والدولية التي أدت بزوغ فجر انطلاقة الثورة الفلسطينية المسلحة المعاصرة بكل ألوان طيفها الفكري والعقائدي والتي شهدت في الجنوب اللبناني عملية وقف اطلاق نار في اواخر السبعينات بينها وبين الجانب الصهيوني .

ولكن انطلقت الثورة الفلسطينية بمطالب الحد الاقصى وهي تصفية الكيان الصهيوني على الأرض الفلسطينية واقامة الدولة الديمقراطية التي تكفل الحياة الكريمة لكل الديانات وأعتمدت الثورة الفلسطينية على الكفاح المسلح كسلوك ووسيلة لتحقيق استراتيجيتها في تحرير فلسطين ووقعت الثورة الفلسطينية في سنواتها المبكرة رويدا ً رويدا ً في أحضان البرنامج العربي وابتعدت عن حركة الجماهير العربية والاسلامية والقوى المحبة للسلام في العالم وأخذت من نفسها ترجمة لأزمة البرنامج العربي في الصراع العربي الصهيوني وبعد خسارة الأمة العربية رائد من رواد الفكر القومي في أكبر دولة عربية .

وقبل عملية النضوج الكافي للانتقال من مرحلة إلى أخرى في عالم حرب الشعب حدثت تراجعات تسميها قيادة الثورة الفلسطينية تكتيكية وثبت بعامل الزمن أنها استراتيجية وهي النقاط العشر التي أقرت في أوائل السبعينات كمنهجية سياسية لفصائل العمل الوطني وتجاوزت تلك التراجعات ما أقر في النقاط العشر أيضا ً لتوقيعها الاتفاق الأمني والوجود الأمني في سلطة تتراوح مفاهيمها بين الحكم الذاتي وبين روابط القرى والكنتونات الأمنية .

المهم أصبح هذا التيار السياسي في الساحة الفلسطينية والتي تسميه الصحافة والاعلام والدبلوماسية " تيار الحمائم " في حين أن هذا التيار أوشك على يودي بكل مقدرات الشعب الوطنية والتاريخية إلى أدنى نقطة في المنحنى الوطني تحت سياسة المطالبة بالحد الادنى وهي اقامة الدولة الفلسطينية ليس بمفهوم على أي جزء محرر كما جاء في النقاط العشر بل أتى على حساب تغييب الميثاق الوطني الفلسطيني وانهيار شامل لمؤسسات منظمة التحرير وبروز طبقة بيروقراطية تتحكم في القرار الوطني الفلسطيني بما صاحب هذا التيار من ظواهر الفساد المزمن الذي يصعب علاجه في اطاراتها .

سياسة المرحلية والانحراف عنها أيضا ً أدت إلى اجهاظ زمني واحباطات لتيار المقاومة والذي يسمى " بتيار المطالبة بالحد الأقصى " هذا التيار الذي تآلفت عليه كل القوى التي دفعت في اتجاه توقيع اتفاق أوسلو وتمادى تيار أوسلو بتعريف الخيانة والخروج عن المبادئ والأهداف والمنطلقات بوجهة نظر وطنية قابلة للتطبيق حيث قال الشهيد صلاح خلف أن (الخيانة أصبحت وجهة نظر ) لها جمهورها ومصفقيها وطبقتها التي توالدت عبر محطات متدرجة ومرتبة لبلورة هذه الطبقة كقوة فاعلة على الساحة الفلسطينية فظهر أدب اوسلو وسياسة أوسلو وظهرت مظاهر اجتماعية تعبر عن مفاهيم أوسلو ، حتى طالت فلسطينيي الخارج وفلسطينيي الداخل والفصل بينهما وبالممارسة العملية أصبح فلسطينيي الخارج صفر على الشمال في المعادلة الفلسطينية في الصراع وهو الذي يمثل ثلثي الشعب الفلسطيني .

عندما خاطبت سلطة أوسلو فصائل المقاومة في التسعينات من القرن الماضي بعملية التهدئة للوصول إلى تنفيذ بنود أوسلو وتوسيع رقعة صلاحيات ما يسمى بالسلطة الفلسطينية كان هذا المطلب يدخل في سياق تهدئة الأجواء لصفقة غير عادلة تضر بالمصالح الوطنية الفلسطينية فكان لها الشق الأمني كما هو موجود في خارطة الطريق بعد عام 2000 وما يمارس الآن في الضفة الغربية من اللحاق والتعاون والمراقفة
والملاحقة لقوى المقاومة وكما فسرته سلطة أوسلو "ملاحقة العنف" وكما أتى على لسان رئيس السلطة الوطنية في اللقاء الصحفي مع سركوزي " محاربة العنف" أي يقصد قوى المقاومة الفلسطينية .

إذا سياسة الحد الأدنى في الساحة الفلسطينية كانت أصلا ً ضد مشروع المقاومة وكانت وجه من وجوه احالة عامل الزمن لصالح سلطات الاحتلال الصهيوني في تكريس الاستيطان وبناء المستوطنات الكبرى في اعماق القدس وأطرافها ، حيث لم تظهر تلك التكتلات الاستيطانية إلا بعد طرح مصطلح التهدئة في حين أن أصحاب المطالبة بالحد الأدنى لم تكن لديهم من البدائل والخيارات إلا الاستمرار في المحافظة على بعض المنح من ما يسمى "الدولية" لرعاية الطبقة المؤسساتية لهذا التيار ولذلك لم يكن أمامه خيار ولم يكن له نوع من الجراءة في مراجعة أوراقه بل ذهب في عملية الهروب للأمام تحت شعار " السلام خيار استراتيجي" ولو على حساب الزمن والاستفادة الصهيونية منه في عملية إلتهام الأرض الفلسطينية في الضفة الغربية وسيان بين المطالبين بسياسة الحد الأدنى والمطالبين بمطالب الحد الأقصى .

التهدئة بمنظور تيار أوسلو تختلف كثيرا ً عن مفهوم التهدئة التي تقوده فصائل المقاومة في قطاع غزة ولو أن هناك تخوف من ممارسة عملية التهدئة بما يبتغيه الاحتلال من تجميد لكل الأوراق السياسية تحت قضية الغذاء وفك الحصار ومنح فرصة لتيار أوسلو لانضاج معادلته في اعلان مبادئ او ورقة تفاهم على القبول بتشريع وجود المستوطنات الكبرى في القدس .

كثير من المشاهدين انتابتهم الغبطة من تصريحات سركوزي الذي دعى إلى تجميد الاستيطان والقدس عاصمة لدولتين ، وبرغم أن تلك التصريحات عبارة عن ذر رماد في العيون ومعنى تجميد الاستيطان أي قبول الجانب الفلسطيني بوجود المستوطنات الكبرى في القدس وشمال الغور ، وماذا عن الخليل التي تتعرض لسيناريو الاستيطان وفي غياب عن الاعلام وعن الدوائر السياسية والأمنية العربية والفلسطينية أي قبول الأمر الواقع في منطقة الخليل أيضا ُ ، فالقدس المحتلة عام 1967 لها حدودها وجغرفياتها وسكانها ولو كان صادقا ً سركوزي لذكر انسحاب إسرائيل من القدس التي أحتلت عام 1967 .

التهدئة بمفهوم المقاومة وفصائلها هي استراحة محارب وليست استراتيجية فالتهدئة التي حدثت بين حماس وحركة الجهاد الاسلامي وباقي فصائل المقاومة عن طريق الوسيط المصري مع العدو الصهيوني لم تحتوي على أي تنازلات أو أي اتفاقيات يمكن أن تمس بالشأن الوطني والتاريخي الفلسطيني محطة يمكن الاستفادة منها فلسطينيا بما يعزز المقاومة وقوى الصمود للشعب الفلسطيني في قطاع غزة والذين يصورون للغير أن التهدئة التي حدثت مؤخرا هي بمثابة الرجوع للمربه الأول حينما طرحت التهدئة من قبل تيار أوسلو ورفضتها قوى المقاومة هي عملية تراجع لطرح أوسلو وهنا المغالطة الكبيرة مدة التهدئة وهي 6 شهور تحاول سلطة أوسلو فيها الوصول إلى اتفاق أو اعلان مبادئ لتستقبله الادارة الأمريكية الجديدة في تعاملها المستقبلي في المنطقة ومن خلال هذه الفترة الزمنية يحاول تيار أوسلو تعزيز ركائز وجوده ودعم قوته وسيطرته الأمنية على الضفة الغربية ، أما قوى المقاومة في قطاع غزة فهي تعرف واجبها بالضبط وكيف تستفيد من عامل الزمن ، وماذا بعد التهدئة بلا شك أن المقاومة صنعت في قطاع غزة معادلة توازن الرعب وتوازن الرعب الأمني وبلا شك أن لذلك أبعاد سياسية يجب استغلالها وتطويرها في اتجاه تعزيز المقاومة وصولا لقبول الجانب الاسرائيلي بهدنة مرافقة للإنسحاب من كل أراضي الضفة وتفكيك المستوطنات أو الاستمرار في عملية المقاومة ، وربما ما طرح من عملية تهدئة في قطاع غزة مرتبط بمتغيرات إقليمية على الساحة اللبنانية والسورية وما نشهده اليوم من توتر وتوتر بين المعارضة والموالة ينذر بمستجدات جديدة .

أما على الحوار الوطني الفلسطيني الفلسطيني وخطاب المصالحة بين المطالبين بالحد الأدنى والحد الأقصى نعتقد أن تيار الحد الأدنى غير جاد وغير صادق في الوصول إلى برنامج وطني يعبر عن طموحات الشعب الفلسطيني وخير دليل على ذلك تصريح الأمين العام للجامعة العربية عمر موسى عندما طالب الرباعية برفع يدها والفيتو عن الحوار الوطني الفلسطيني والتصريح التي ردت به كوندا ليزا رايس على السيد عمر موسى عندما قالت يجب على حماس الاعتراف بكل ارتباطات السلطة في رام الله مع العدو الصهيوني وبرنامجها السياسي .

إذا تصريح كوندا ليزا رايس هو تعرية وحرق لأوراق الرئيس الفلسطيني وما طرحه في كلمة المصالحة بين سلطة رام الله وحماس والمقاومة .

ومن هنا نستطيع القول يجب عدم الخلط بين التهدئة بأهدافها وأبعادها كما تطرحها سلطة أوسلو والتهدئة بما تطرحه قوى المقاومة وبرغم أن هذا المصطلح غير محبب لأن تغوص فيه حركات المقاومة اجمالا ً ولأن إسرائيل أيضا ً لن تلتزم بالتهدئة كما حدث اليوم في الضفة الغربية ورد حركة الجهاد الاسلامي من قطاع غزة ونرجو ألا تكون التهدئة اتاحة مساحة جديدة للعربدة الصهيونية في الضفة الغربية ولأن الوطن الفلسطيني واحد والشعب الفلسطيني واحد .
بقلم /م. سميح خلف