المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إلى سادة الضياع " جرح الوطن "



الأسير باسم الخندقجي
25/06/2008, 12:22 AM
http://www.mediafire.com/imgbnc.php/a0533cac818de50be0a0b4892051b64f4g.jpg


إلى سادة الضياع " جرح الوطن "

الشمال…الأعالي..حيث الجليل سلم إلى السماء من نبيذٍ مُقدس..
و الوسط..خضرة عدن..خضرٌ مزدانٌ بزيتون مُبارك..
و الجنوب.. خيمة الأرض..امتداد صريحٌ .. صحراء الأنبياء النقية من غير سوء..
و ستون عاماً وها أنت في شتاءات البرد السرمدية يا وطني دون أدنى دفء..
ستون عاماً .. و ها أنت اليوم على مشارف الاستجداء .. امرأةٌ عارية من الزيتون و الكرم .. ترتعش بحثاً عن شمس الحرية ..فلا تجد سوى التعثر بجنون مخيف أصاب من عاهدوها على صون وحدتها و كرامتها و شرفها … عاهدوكِ بان ينتزعوا عنكِ خيمة اللجوء الكئيبة لكي يدفِئوكِ بثوب النصر و العودة .. وها هم الآن يذبحون عشاقك بسكين الردة واحداً تلو العاشق على عتبات وهمهم .. ستون عاماً.. و الأحزاب و الحركات ذات النظريات السياسية و الفكرية بألوان صاخبة تارةً و باردة تارة أُخرى .. تدخل عليك لكسب مودتك و حبك .. وعندما تدركين الزيف و الزور ترفضين ..فيغتصبوك باستسلامٍ مفاجئ أو بتنازل مذل..
و أخيرا اغتصبوك باقتتال داخليّ دامٍ..و بمقدار ما هي نكبتك قاسية إلاّ أن قتل الأخ لأخيه في سبيل الوهم أصعب و أقسى بكثير من لجوئك وتشردك ..
يا وطني ..
بنا هاجسٌ مشترك قويّ.. يتمثل بضرورة صون وحدتنا الوطنية و تعزيز تلاحمنا .. وفي نفس الوقت بنا جنون ليته كان مؤقتاً.. يتمثل في مصالح وهمية و نزعات فردانية ضيقة أدت إلى صراعات دموية على انعكاسات خيبتنا ليس أكثر..
ستون عاماً .. و النساء في بلادي لا يمتلكن سوى الزغاريد لحناً مُقدّساً في زفة الأحلام لخلود الأشجار .. فالحلم لا يهاجر ولا يسعى نحو اللجوء إلى وطن آخر.. بل يمنح ذاته الأزلية لأشجار الوطن التي تستمد بدورها الخلود منه..
ستون عاماً.. و البرد خيبة موسمية تصيب أصحاب الوطن بأعراض قاتلة أخطرها التربع على عرش نصرٍ لا يمتُ لجوليات و صلاح الدين بأية صلة.. ومن ثم البدء في صراعات دموية ترتجف لوقعها و شدتها أشجار التين و الزيتون ..
كم هو قاسٍ برد الوطن عندما يتجاهل دمع الأمهات.. و أمنيات الأطفال بعيدٍ قادم يحتوي الفرح منطق كل الأعياد.. كم هو قاسٍ البرد عندما لا يدرك حزن الآباء الجبار أثناء دفنهم للأبناء.. كم هو قاسٍ عندما يفترس العشّاق لدرجة اندفانهم السريع نحو التاريخ بحثاً عن شعب أو حتى عن ظاهرة تشبه أو تتقاطع في ظروفها و محدداتها التاريخية مع خيبة وطنهم .. امرأتهم التي باتت تحتضر في صقيع أبنائها الذين لا يحترقون سوى الضلال و التخبط في أهداف شرعية و لا شرعية..فبقدر ما يكون الإنسان عاشقاً لوطنه بقدر ما يصبح مصيره مُشرداً في أصقاع الغربة و المنافي..
ستون عاماً.. و مأساة عظيمة ذات رهبة لم يقوى التاريخ على توفير مكان لاحتوائها فباتت تائهة.. لدرجة أنها عندما تجوع من شدة النسيان تلتهم أبنائها من خلال افتقارهم لأسطورة خاصة بهم .. و احتفائهم بانجازات و انتصارات وطنية خجلت النساء من تصديقها بالزغاريد..
نسينا المأساة .. نسينا أن الحزن رسول الفرح .. وأن حفظ المأساة يجعلنا إنسانيين أكثر من أي شعب آخر عان وتألم من الحروب والكوارث المأساة هي وحدها من تقينا من الحقد الأعمى ومن قتل أنفسنا و تصارعنا على تقاسم كعكة مُسمّمة عفنة ؟
ستون عاماً..و أنت عمرك لا يتجاوز الحلم يا وطني..حلم بريء..جميل..قمر يحتضنك كل مساء بدفء و خلود و استقرار العشّاق..فمن يُثابر على الأحلام يا وطني وغيم الطهر و النقاء بات يتجنب المرور بسماء مُلبدة بأفق اسود ممتلئ بالذنوب و الخطايا التي اقترفت بحقك ؟
ستون عاماً..و الزيتونة العتيقة لم تزل تردد بالرغم من البرد و السواد المقيت وصية الحرية و النقاء و العودة .. وصية الشهداء و العشّاق و أطفالك المُشردين في الأرض..
ستون عاماً..و تعيش أنت فينا و نموت نحن فيك..نحن الذين لا نملك سوى كلمات مفعمة..بالأحلام من أجل الدفء.. دفئك يا وطني … [/aldl]