المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حب مجانين / قصص قصيرة جدا لابراهيم درغوثي - تونس



ابراهيم درغوثي
09/12/2006, 02:44 PM
حب مجانين
قصص قصيرة جدا .

ابراهيم درغوثي / تونس

1-العاشقان:

كانا يقفان أمام موظف الاستقبال في ساحة النزل الفاخرة . ثيابهما غريبة تشبه ملابس الكهنة .
كان كل واحد منهما يضع في رجليه خفا من الجلد مثل تلك التي مهر في صناعتها ، عندنا في تونس ، سكان الصحراء المتاخمة جنوبا لشط الجريد . والعامل بالبزة والكاسكيت واقف وراءهما ، يحمل حقيبة كبيرة وجديدة .
المرأة سافرة عن وجهها . تضع نظارة عاكسة للشمس .
والرجل بجانبها يغطي وجهه بلثام التوارق .
طلب منهما موظف الاستقبال الأوراق الشخصية . بطاقة تعريف وطنية أو باسبورت .قال ذلك وهو يبتسم ، ويرحب بهما .
أخرج الرجل من جيبه جوازي سفر وقدمهما للموظف . وطلب غرفة فسيحة ، تطل على البحر ، في الطابق العاشر .
وافق الموظف بحركة من رأسه وبدأ يملأ الاستمارة . كتب على رأس الورقة الأولى : أساف .
وكتب على الورقة الثانية : نائلة .

هامش : أساف ونائلة ، رجل وامرأة من العرب العاربة ، اقترفا الحب في الكعبة فمسخا صنمين





2- غيرة

هو يعشق الحمام كثيرا ويطرب لهديله حد الجنون ، ولكنه يكره أن يراه مسجونا في قفص ، وان كان أوسع من الدنيا . فقد كبر وهو يعايش بيوت الحمام المبنية فوق السطوح ، وتربى على خفقات أجنحة الفراخ وسقسقتها في الأعشاش حين منه أمهاتها لتزقها نسغ الحياة . وكان يتوله عندما يرى الذكور تغازل الإناث ذاك الغزل الرقيق الذي يعجز عن مثله العشاق من بني البشر .
ولكن ماذا يفعل ، وقد سكن المدينة ، واكترى شقة في عمارة . شقة أكبر بقليل من قفص .

البارحة حدث زوجته عن إمكانية تربية زوج حمام في البيت . شهقت ، وقالت : زوج حمام . ولم تزد .
وعاد إلى البيت محملا بقفص .
قالت : هذا قفص عصافير . هل سنربي كنالو عوضا عن الحمام ؟
قال : لا ، لقد أوصيت بائع طيور عن زوج حمام .
في المساء ، عاد إلى المنزل جذلا . وضع زوج الحمام في القفص ، وجثا أمامهما .
نظر إلى الجسم الرشيق الملفوف في ريش ناعم في لون البنفسج وقال : أكيد ، هذا هو الذكر .
وتفحص العينين السوداوين ، والمنقار الأنيق ، والذيل الراقص ، وقال : وهذه الأنثى . لا بد أن تكون مغناجا أكثر من اللزوم .
كانت زوجته تراقب المنظر عن قرب . وكانت تردد لنفسها : زوج حمام وفي هذه الشقة الصغيرة ...
ولم ينم إلا بعدما سمع الهديل .

هي : تزوجته منذ أكثر من سبعة أعوام . لم تكن تحبه . قالت لنفسها أكثر من مرة ، سيأتي الحب مع العشرة والألفة .
ولم يصل الحب . كان القلب هائما في مكان آخر ، ورفض دعوتها . ترك قفص القلب فارغا ، فعاشت بلا قلب .
البارحة ، طلقها النوم . كان زوجها يشخر .وكانت تستمع في سكون الليل ووحشته الى هديل الحمام الحزين . رأت على ضوء القمر الشاحب منقار الذكر وسط منقار أنثاه ، وسمعت أناته المخنوقة . رأت الضراعة في عينيه ، وراقبت دورانه حول الأنثى وهي تغنج وتطلب المزيد .
قالت : أنا لا أطيق غزل الحمام . هذا أكثر مما أحتمل .
وقامت تفتح باب القفص ...



3-طلاق

قال القاضي للرجل والمرأة الجالسين قدامه :
- أرجو أن تحزما أمركما ، فهذه جلسة الصلح الأخيرة ، واعلما أن أبغض الحلال عند الله الطلاق .
قال :
- سيدي القاضي ، انه من فضلك هذا الموضوع حالا ، وسأدفع لهذه المرأة بائنة كبيرة على أن تترك لي تربية الأولاد . سيدي هذه كارثة سلطها الرب على عبده الضعيف .
قالت :
- عفوا سيدي القاضي . أنا أرفض بائنته الكبيرة ، ولن يجمعني معه بعد اليوم سقف واحد . فقط سيدي الكريم أريد أن يعرف القاصي والداني كذبه في العشق . انه لم يكن في يوم من الأيام صادقا. هذا الرجل يخونني كلما التفت . انه يا سيدي شاعر . وهل يصدق الشعراء يا سيدي القاضي ؟
انه يا سيدي عذابي في الدنيا الفانية ، ولست أدري بماذا سأعذب في الآخرة ؟ فهل هناك ما هو أسوأ من عشرة هذا الرجل ؟
في الغد ، نشرت كل الجرائد المكتوبة خبرا عن طلاق القرن ، وزينت صفحاتها بصورتي : جميل وبثينة .



dargouthibahi@yahoo.fr
www.arab-ewriters.com/darghothi/

معتصم الحارث الضوّي
08/07/2007, 03:06 AM
سيدي الفاضل إبراهيم درغوثي
هذه الومضات جديرة بالكتابة بحروف من ذهب على جناح بطروس لتحلق معه في الآفاق .

دام عطاؤك الخلاّق

فيصل الزوايدي
08/07/2007, 12:49 PM
أخ ابراهيم ، مازلتُ في مرحلة استكشاف لعالمك القصصي و أجد نفسي أمام تنوعٍ ابداعي لا حدود له ..

فيصل الزوايدي
08/07/2007, 01:31 PM
أستاذ ابراهيم ، لقد انبهرت ( أنا أعني هذه الكلمة تماما ) بقصتك : تفاح الجنة .

ابراهيم درغوثي
09/07/2007, 01:34 AM
العزيز معتصم الحارثي

هذه شهادة سأعتز بها بقية عمري

دام لك الألق

ابراهيم درغوثي
09/07/2007, 01:36 AM
عزيزي فيصل

سأسعد دوما بمرورك على نصوصي

فأنت مبدع وقارئ ذكي

سيكون لك شأن كبير في عالم الأدب

حسام الدين نوالي
13/07/2007, 02:51 PM
الصديق المبدع ابراهيم..
للنصوص الثلاثة متكأ واسع على التاريخ، وعلى ذاكرة شعب تعلق بقصص الحب ورسم حكايات جميلة..
من أساف ونائلة إلى الحمام الذي غنى الشعراء بوفائه في الحب سواء في حضور الطرفين أو في غياب "الإلف"، إلى جميل وبثينة..
وللنصوص الثلاث بنية متشابهة، فهي تحكي عن "حدث" ممكن الوقوع في أية بقعة من الأرض، بشخصيات عادية من عمق المجتمع العام، لكن يصر السارد في كل نص عللى مفاجأتنا.. تأتي نهايات النصوص على غير المتوقع، وتربط المتلقي بذاكرة عربية وحكايات عن الحب والغرام ..
السارد يستدعي شخصيات قديمة ليدمجها في مجتمعنا الآن، وسط الفنادق، والمحاكم، والجرائد.. ويذكرني هذا بالتقنية الأثيرة عند "خورخي لويس بورخيس".
مودتي.. ودمت مبدعا

سعيد أبو نعسة
13/07/2007, 03:31 PM
أخي الكريم ابراهيم درغوثي
لأن الحب منفلت من عقال الزمان فقد جاءت قصصك القصيرة لتؤكد هذه المقولة فالحب حب مهما بدّل من ثياب و مهما تلون بألوان العصور و العادات و التقاليد .
رائع هذا الاستحضار الواعي للتاريخ و التراث و توظيفهما في نص معاصر و قد جاء ذلك في القفلة إمعانا في دمج عصور الحب في لفافة واحدة .
كي يصح إطلاق وصف قصة قصيرة جدا على هذه النصوص لا بد أن تخضع إلى مزيد من التكثيف و التشذيب والتخلص من الجمل التفسيرية و الوصف الدقيق المنفلش .
دمت مبدعا

ابراهيم درغوثي
13/07/2007, 04:53 PM
االفاضل حسام
قراءة متفردة لهذه النصوص القصصية القصيرة
سعدت بها
خاصة حين قربتني من بورخيس الساكن في شغاف القلب
دمت في مودة

ابراهيم درغوثي
13/07/2007, 04:55 PM
شكرا يا سعيد
وسنظل نجود نصنا حتى ساعة الدق على ابراب القبر
دمت وسلمت

فيصل الزوايدي
13/10/2007, 07:00 PM
خي ابراهيم توظيف طريف مميز لحكاية جميل بثينة .. قد يكون الطلاق مكافأتكَ له على وفائه و بكائه
مع التقدير

ابراهيم درغوثي
13/10/2007, 08:06 PM
العزيز فيصل
كثير مما وصلنا من التراث على أنه مسلمات
صار مضربا للقراءة والتمحيص على ضوء علوم اللغة الحديثة

مع مودتي القلبية

فيصل الزوايدي
13/10/2007, 10:47 PM
... و بذلك ، اخي ابراهيم ، يمكننا اعتبار قصص ابراهم درغوثي ضمن تلك القراءة و التمحيص في التراث لاعتمادك في نصوصك على التراث الانساني في مختلف مراحله و توظيفه توظيفا "طريفا "
مع المودة الدائمة

ابراهيم درغوثي
14/10/2007, 12:23 AM
نعم يا عزيزي فيصل
مر القص العربي من الخرافة الى الحكاية فالطرفة فالخبر
ثم تطور الى المقامة الرائعة التي لم نعرف كيف نوضفها
عندما اكتشف العرب القصة القصيرة الغربية في نهاية القرن الثامن عشر .
فلو عرفنا كي

ابراهيم درغوثي
14/10/2007, 12:33 AM
عزيزي فيصل
مر القص العربي من الخرافة الى الحكاية فالطرفة فالخبر
ثم تطور الى المقامة الرائعة التي لم نعرف كيف نوضفها
عندما اكتشف العرب القصة القصيرة الغربية في نهاية القرن الثامن عشر .
فلو عرفنا كيف نكتب المقامة القديمة بروح العصر الحديث
لأضفنا للأدب الانساني جنسا جديد من الاجناس الأدبية
لذلك نحاول الآن تقديم الاضافة بطرق جديدة فربما نكفر عن ذنب سبقنا اليه
السابقون من أدباء العربية
و ما توظيف التراث الا شكل من أشكال هذه الاضافة