المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حوار مع الشاعرة الفلسطينية صباح الخطيب



عبدالوهاب محمد الجبوري
29/06/2008, 08:45 PM
حوار مع الشاعرة الفلسطينية صباح الخطيب
حوار: طلعت سقيرق

تقيم الشاعرة الفلسطينية صباح الخطيب في السويد منذ سنوات، وهناك تخوض معركتها دفاعا عن قضيتها الفلسطينية بكل إصرار وثبات، وهذا ما جعلها تكتب الشعر باللغة السويدية حتى تكون أكثر وصولا وتأثيراً.. إضافة إلى ذلك فقد كتبت الشاعرة صباح الخطيب المسلسل والمقالات السياسية مما جعلها صاحبة تجربة إبداعية متميزة.. الشاعرة الخطيب تزور دمشق باستمرار لرؤية الأهل والأصدقاء، وأثناء زيارتها الأخيرة لهذا العام كان هذا الحوار..

*تجربتك الإبداعية متى بدأت وإلى أين وصلت؟؟.

** أكتب منذ الطفولة وتدرجت من الخربشات على هوامش الدفاتر المدرسية ومجلات الحائط إلى الكتابة على أوراق خصصتها للشعر والخاطرة احتفظت بها لنفسي. في المرحلة الثانوية بدأت النشر في صحيفة العروبة التي تصدر في حمص وفي صحيفة المهجر التي يصدرها المغتربون في البرازيل وأميركا اللاتينية والتي كان يشارك في إدارة تحريرها يومئذ أساتذة لغة عربية من مدينة حمص، وكأن قدري أن أبدأ في صحف المهجر وأنتهي بها...

* هذا يعني أن الصحافة جاءت بشكل مبكر؟؟..

**احترافي للصحافة والعمل بها كمهنة كان في البداية على حساب الإبداع ولكن وجودي في المغترب أعاد لي شفافيتي التي كادت تخشوشن وتفقد ألقها في معمعان القضايا السياسية والاجتماعية التي عملت بها. إلا أن هواجس الشعر والأدب الكامنة أبدا في أعماق الروح وجوارح النفس تخرج وتحلق من جديد عندما تجد الفضاء المناسب..الفضاء الذي أعنيه هنا هو فضاء اللغة- امتلاك اللغة بشكل جيد- لأن اللغة هي حامل الخيال والأداة الوحيدة القادرة على ترجمة الروح وخلجات النفس عندما تصعد من الجسد على هيئة قصيدة.. أستطيع القول إن تجربتي الإبداعية تسير الآن بشكل متواز مع عملي الصحفي في وسائل الإعلام السورية ومع عملي في الأبحاث الأدبية باللغة السويدية رغم أن موضوعاتي الثقافية والسياسية تأخذ حيزا أكبر من النشر..

* تكتبين الشعر باللغة السويدية لماذا؟؟..

** أنا لا أكتب الشعر فقط باللغة السويدية، بل أكتب أيضا الأبحاث والموضوعات السياسية والاجتماعية بهذه اللغة، لأنني اشعر أننا بحاجة ماسة إلى مخاطبة الآخرين بلغتهم حتى ندخل عقولهم و نصل إليهم كوننا أصحاب رسالة.. في البلاد العربية هناك عشرات الشعراء والكتاب الذين يكتبون للمواطن العربي الذي أفترض أنه يعرف قضاياه ومشاكله.. ونحن اليوم بحاجة ماسة للكتابة بلغة الغير وخاصة في المجالات الثقافية والأدبية، فكلنا يعرف بل ويعاني أيضا من الغرب ونظرته لنا... أضف إلى ذلك أن الكثير من الكتب والمؤلفات العربية أزيلت عنها عناوينها وأسماء مؤلفيها واستبدلت بأسماء كتاب يهود أو أوروبيين، أما الكتب التي حالفها الحظ فقد قيدت ككتب مجهولة المؤلف، ناهيك عن السرقات العلنية والتشويه الذي يلحق بأدبنا وتراثنا وتغييب دور العرب في الحضارة بحجة أن دورهم اقتصر على النقل والترجمة فقط ولم يبدعوا شيئا قط. هذه الأشياء: التهميش والتغييب والفوقية، تتطلب من الكتاب و المفكرين والأكاديميين العرب - وخاصة المقيمين في الغرب- مضاعفة الجهود للقيام بواجبهم إزاء تراثهم وحضارتهم وقيمهم ليمحوا هذا الزيف ويعيدوا الحقائق إلى نصابها، وخاصة في ظل غياب المؤسسات والمراكز الثقافية العربية هناك وعدم وجود أي شكل من أشكال العمل الجماعي الذي يمكنه درء خطر هذه الظاهرة الآخذة بالتفاقم والتي بدأت تطال اللغة العربية التي تدرس اليوم على شكل لهجات في بعض الجامعات السويدية...

* كل هذا دفعك إلى الكتابة باللغة السويدية؟؟..

**أستطيع القول أيضا أنني أكتب بلغة أجنبية لأنني صاحبة قضية أولا ولأن حركة الترجمة من العربية إلى اللغات الأجنبية ضعيفة جدا و تكاد تكون شبه معدومة بالنسبة للغات الاسكندنافية.. وكتابتي للشعر باللغة السويدية تأتي في هذا السياق، لأنني لا أجد فرقا بين السياسي والأدبي والشعري فكل ذلك بالنسبة لي رسالة، مع أنني بدأت أغلب الشعري على السياسي الآن وخاصة أثناء فترة تصاعد الانتفاضة، لقناعتي بأن كلمات القصيدة تتشكل في الأعماق وتصعد عبر معارج الروح وتولد تماما كولادة الموسيقى، الموسيقى تخرج عبر النغمات والقصيدة عبر ترتيب الكلمات وكلاهما يصل إلى الآخر، والقصيدة تكون أحيانا قناعا شفافا لخطاب سياسي ما يقبله الآخر أو يرفضه ولكنه لا يستطيع معاداته لأنه شعر. الشعر يلامس عواطف الناس والسياسة عقولهم، ومع ذلك فإن الكلمة الشعرية تضيء آلاف الأنفاق السياسية المعتمة لأنها تحمل بوصلة روحانية بين طياتها، أما الكلمة السياسية فإنها تنبلج من الواضح وتنتهي في المجهول.

* جميل أن تصلي إلى هذه الحصيلة من التجربة.. لكن ماذا عن الشعر تحديدا ؟؟..

**تجربتي الشعرية في السويد أقنعتني بأن الأدب والشعر والفنون أكثر تأثيرا في المواطن السويدي من الخطاب السياسي المباشر، فعندما كتبت مادة سياسية شتموني، وعندما كتبت القصيدة أبكيتُ البعض وفزت بصمت المعادين..

* أسأل هنا ألا تعيشين هاجس الوصول، بصورة أخرى هل استطاع إبداعك أن يصل إلى الآخرين في الوطن العربي وفي السويد؟؟..

** انصرافي إلى الكتابة باللغة السويدية حال دون وصول إبداعي إلى الجمهور العربي ماعدا الموضوعات الثقافية والاجتماعية إضافة إلى بعض الترجمات التي قمت بنشرها في صحف ومجلات عربية صادرة في سورية وفي السويد. أما عن السويد فأستطيع القول إنني مازلت في منتصف الطريق لأن أول هذا الطريق كان إتقان اللغة.

* حدثينا عن الشعراء العرب الذين يكتبون بالسويدية؟؟.

**بعد هجرة المثقف العربي إلى الغرب منذ نهاية السبعينيات ظفرت السويد بعدد كبير جدا من الكتاب والمبدعين من بينهم أسماء لامعة ومعروفة على مستوى الوطن العربي إلا أنهم جميعا مازالوا يُمارسون الكتابة باللغة العربية ولا أكاد أجد اسما واحدا من هؤلاء يكتب باللغة السويدية..

في الوقت ذاته يوجد هنا بعض الأسماء التي تكتب بالسويدية وهؤلاء كانوا قد أتوا إلى السويد في سن مبكر ونجحوا في تعلم اللغة وتفرغوا للكتابة فيها، مع أن إصداراتهم الشعرية اقتصرت على مجموعة واحدة أمثال: صالح عويني، راوية مرة، ومحمود خليل.

* تكتبين الدراما باللغة السويدية ماذا تحمل وماذا تقولين بها؟؟..

**دراستي للأدب والدراما في السويد وعملي الطوعي مع مؤسسات نسوية وشبيبية منذ قدومي إلى هنا- السويد- وكذلك انخراطي في الحوارات القائمة حول مشاكل المهاجرين وقضية الاندماج، كل ذلك جعلني أفكر بكتابة دراما من شأنها أن تقرب المسافة بين المهاجر وبين مجتمعه الجديد وتعطي الإمكانية لمعرفة الآخر. كتبت مسرحية كوميدية بعنوان" إجازة في أرض الوطن" تعكس حالة الشيزوفرينية التي يعيشها المغترب عندما يكون في إجازة في وطنه، حيث يتحول بين يوم وليلة من مواطن مهمش من الدرجة الثالثة إلى مواطن تعطيه النقود قيمة كبيرة في بلاده فيصاب بلوثة العظمة. أما العمل الثاني فيحمل عنوان "المهاجرون" ويشرح الأسباب التي تدفع الإنسان إلى الهجرة.

الدراما بالنسبة لي هي" ترانسفورميشن" هي تجاوز حدود الصحافة والثقافة النظرية إلى الواقع الناطق. فالدراما تدعو إلى تجريب الخيار البصري والسمعي عند مسرحة النص الأدبي بحيث يصبح أكثر ديناميكية وأحيانا أيسر فهما لأنه يتوحد بعوامل فنية أخرى كالصورة والصوت والموسيقى.

* انتهيت من كتابة مسلسل بالعربية عن أي شيء يتحدث؟؟..

** المسلسل يحمل أيضا اسم "المهاجرون" ويتحدث عن الأسباب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وحتى النفسية التي تدفع الإنسان العربي إلى الهجرة..

*هل نستطيع الحديث عن ثقافة عربية في السويد ؟؟..

**نستطيع الحديث عن نشاطات ثقافية مناسباتية على مستوى أفراد وأندية. أما بالنسبة للإنتاج الثقافي فقد جرت محاولات لإصدار مجلات عربية ولكن ومع الأسف فدائما وبعد صدور الأعداد الأولى كانت هذه المحاولات تبوء بالفشل لعدم وجود الممول ولأن الثقافة مشروع تجاري خاسر لا يجرؤ الكتاب على القيام به بمفردهم.

يوجد مجلة شعرية باللغة العربية تصدر في مدينة مالمو، وسمعت حديثا بصدور مجلة في مدينة أبسالا تحمل اسم "جنين" لم أطلع عليها بعد. كما يوجد دور نشر عربية أهمها على الإطلاق دار الحمرا بمشاركة إيرانية وهذه الدار تقوم بترجمة ونشر كتب باللغة السويدية تعرف بالتراث الإسلامي ومن أهم إصداراتها كتاب يجمع دراسات عربية وعالمية عن الشيخ الأكبر ابن عربي وكتاب آخر عن ابن خلدون، كما تقوم بإصدار سلسلة كتب "الجيب" للتعريف بحركات ومذاهب وشخصيات إسلامية وغير إسلامية كالصوفية والطاوية وغير ذلك. الحمرا قامت أيضا بترجمة بعض أعمال محمود درويش وأدونيس..

بشكل عام فإن الحركة الثقافية العربية في السويد فردية و أتمنى وجود مؤسسات عربية ثقافية خالصة تستطيع جمع وتوحيد الطاقات الموجودة على هذه الساحة والتي لا يستهان بعددها ولا بنوعيتها، كما أتمنى من الجيل الثاني القيام بالمهمات التي لم يستطع الجيل الأول القيام بها..

* ماذا عن ديوانك "أتحدث من الجحيم"؟؟..

**المجموعة باللغة السويدية وتحمل اسم القصيدة الأولى التي تتحدث عن مجزرة جنين. الأنا هي الأنا العام، النحن التي تحكي عن حال جنين وحال الوطن الفلسطيني.

القصائد هي مرآة للوجع، للأرض، للذاكرة وحتى للتاريخ والجغرافيا كُتبت للأجنبي بلغته وأسلوبه وصوره وأوزانه - لذلك لم أحبها ولم تعجبني وأحسستها غريبة عني عندما طلبت مني أن أترجم لك بعضها إلى اللغة العربية.. قصدت القول بأنني غير راضية عن القصائد عند ترجمتها وليس بالمطلق لأنها عند النقل من لغة إلى لغة تفقد الكثير من موسيقاها وعمقها وحتى قوة تعبيرها..- أستطيع القول إنني أردت خلق صورة متفائلة وعادلة من واقع مظلم وجائر، فحتى لو كان العالم بشعا علينا كفلسطينيين أن نراه جميلا لأننا نحمل ملائكة في أحشائنا..

*لمحة عن السيرة الذاتية ؟؟..

**هويتي بسيطة لأنها امتداد لبساطة المخيم ومعقدة لأنها امتداد لتاريخ ابتلي بالجنون. ولدت في مخيم يحمل اسم "العائدين" كغيره من مخيمات الشتات، ولأنه يقع في مدينة حمص فقد اكتسب اسما آخر "خالد بن الوليد"... البلد الأصلي مدينة حيفا.. حصلت على شهادة البكالوريا في حمص ثم انتقلت إلى مدينة حلب لدراسة الأدب العربي، وبعد ذلك بدأت في دراسة الصحافة في مدينة دمشق التي قررت الاستقرار فيها بعد التخرج حيث عملت في صحيفة تشرين وفي إذاعة دمشق في قسم الأخبار والبرامج السياسية، ثم حصلت على العضوية العاملة لاتحاد الكتاب والصحفيين منذ أوائل الثمانينات.. الظروف اللئيمة اقتلعتني من دمشق وحطت بي في عواصم عديدة لتزرعني في السويد في منتصف الثمانينات لأشق طريقا جديدا بدأ من نقطة الصفر. فأن تعيش في أوروبا يعني أنك تعيش داخل فك مفترس، إما أن يطحنك بين أضراسه وإما أن تكون صلبا وعصيا على الطحن والهضم معا فيما إذا حاول ابتلاعك. مع العمل المضني بدأت الدراسة مجددا، فبعد دراسة اللغة حصلت على بكالوريوس في الأدب والدراما من جامعة استوكهولم ثم حصلت على ماجستير في الأدب العالمي. أمارس الآن العمل الصحفي إلى جانب عملي في الأبحاث المقارنة أو الاستشراقية، أتمنى الحصول على منحة دراسية حتى أكمل الدكتوراه التي تستغرق أربع سنوات..

عبدالوهاب محمد الجبوري
29/06/2008, 08:45 PM
حوار مع الشاعرة الفلسطينية صباح الخطيب
حوار: طلعت سقيرق

تقيم الشاعرة الفلسطينية صباح الخطيب في السويد منذ سنوات، وهناك تخوض معركتها دفاعا عن قضيتها الفلسطينية بكل إصرار وثبات، وهذا ما جعلها تكتب الشعر باللغة السويدية حتى تكون أكثر وصولا وتأثيراً.. إضافة إلى ذلك فقد كتبت الشاعرة صباح الخطيب المسلسل والمقالات السياسية مما جعلها صاحبة تجربة إبداعية متميزة.. الشاعرة الخطيب تزور دمشق باستمرار لرؤية الأهل والأصدقاء، وأثناء زيارتها الأخيرة لهذا العام كان هذا الحوار..

*تجربتك الإبداعية متى بدأت وإلى أين وصلت؟؟.

** أكتب منذ الطفولة وتدرجت من الخربشات على هوامش الدفاتر المدرسية ومجلات الحائط إلى الكتابة على أوراق خصصتها للشعر والخاطرة احتفظت بها لنفسي. في المرحلة الثانوية بدأت النشر في صحيفة العروبة التي تصدر في حمص وفي صحيفة المهجر التي يصدرها المغتربون في البرازيل وأميركا اللاتينية والتي كان يشارك في إدارة تحريرها يومئذ أساتذة لغة عربية من مدينة حمص، وكأن قدري أن أبدأ في صحف المهجر وأنتهي بها...

* هذا يعني أن الصحافة جاءت بشكل مبكر؟؟..

**احترافي للصحافة والعمل بها كمهنة كان في البداية على حساب الإبداع ولكن وجودي في المغترب أعاد لي شفافيتي التي كادت تخشوشن وتفقد ألقها في معمعان القضايا السياسية والاجتماعية التي عملت بها. إلا أن هواجس الشعر والأدب الكامنة أبدا في أعماق الروح وجوارح النفس تخرج وتحلق من جديد عندما تجد الفضاء المناسب..الفضاء الذي أعنيه هنا هو فضاء اللغة- امتلاك اللغة بشكل جيد- لأن اللغة هي حامل الخيال والأداة الوحيدة القادرة على ترجمة الروح وخلجات النفس عندما تصعد من الجسد على هيئة قصيدة.. أستطيع القول إن تجربتي الإبداعية تسير الآن بشكل متواز مع عملي الصحفي في وسائل الإعلام السورية ومع عملي في الأبحاث الأدبية باللغة السويدية رغم أن موضوعاتي الثقافية والسياسية تأخذ حيزا أكبر من النشر..

* تكتبين الشعر باللغة السويدية لماذا؟؟..

** أنا لا أكتب الشعر فقط باللغة السويدية، بل أكتب أيضا الأبحاث والموضوعات السياسية والاجتماعية بهذه اللغة، لأنني اشعر أننا بحاجة ماسة إلى مخاطبة الآخرين بلغتهم حتى ندخل عقولهم و نصل إليهم كوننا أصحاب رسالة.. في البلاد العربية هناك عشرات الشعراء والكتاب الذين يكتبون للمواطن العربي الذي أفترض أنه يعرف قضاياه ومشاكله.. ونحن اليوم بحاجة ماسة للكتابة بلغة الغير وخاصة في المجالات الثقافية والأدبية، فكلنا يعرف بل ويعاني أيضا من الغرب ونظرته لنا... أضف إلى ذلك أن الكثير من الكتب والمؤلفات العربية أزيلت عنها عناوينها وأسماء مؤلفيها واستبدلت بأسماء كتاب يهود أو أوروبيين، أما الكتب التي حالفها الحظ فقد قيدت ككتب مجهولة المؤلف، ناهيك عن السرقات العلنية والتشويه الذي يلحق بأدبنا وتراثنا وتغييب دور العرب في الحضارة بحجة أن دورهم اقتصر على النقل والترجمة فقط ولم يبدعوا شيئا قط. هذه الأشياء: التهميش والتغييب والفوقية، تتطلب من الكتاب و المفكرين والأكاديميين العرب - وخاصة المقيمين في الغرب- مضاعفة الجهود للقيام بواجبهم إزاء تراثهم وحضارتهم وقيمهم ليمحوا هذا الزيف ويعيدوا الحقائق إلى نصابها، وخاصة في ظل غياب المؤسسات والمراكز الثقافية العربية هناك وعدم وجود أي شكل من أشكال العمل الجماعي الذي يمكنه درء خطر هذه الظاهرة الآخذة بالتفاقم والتي بدأت تطال اللغة العربية التي تدرس اليوم على شكل لهجات في بعض الجامعات السويدية...

* كل هذا دفعك إلى الكتابة باللغة السويدية؟؟..

**أستطيع القول أيضا أنني أكتب بلغة أجنبية لأنني صاحبة قضية أولا ولأن حركة الترجمة من العربية إلى اللغات الأجنبية ضعيفة جدا و تكاد تكون شبه معدومة بالنسبة للغات الاسكندنافية.. وكتابتي للشعر باللغة السويدية تأتي في هذا السياق، لأنني لا أجد فرقا بين السياسي والأدبي والشعري فكل ذلك بالنسبة لي رسالة، مع أنني بدأت أغلب الشعري على السياسي الآن وخاصة أثناء فترة تصاعد الانتفاضة، لقناعتي بأن كلمات القصيدة تتشكل في الأعماق وتصعد عبر معارج الروح وتولد تماما كولادة الموسيقى، الموسيقى تخرج عبر النغمات والقصيدة عبر ترتيب الكلمات وكلاهما يصل إلى الآخر، والقصيدة تكون أحيانا قناعا شفافا لخطاب سياسي ما يقبله الآخر أو يرفضه ولكنه لا يستطيع معاداته لأنه شعر. الشعر يلامس عواطف الناس والسياسة عقولهم، ومع ذلك فإن الكلمة الشعرية تضيء آلاف الأنفاق السياسية المعتمة لأنها تحمل بوصلة روحانية بين طياتها، أما الكلمة السياسية فإنها تنبلج من الواضح وتنتهي في المجهول.

* جميل أن تصلي إلى هذه الحصيلة من التجربة.. لكن ماذا عن الشعر تحديدا ؟؟..

**تجربتي الشعرية في السويد أقنعتني بأن الأدب والشعر والفنون أكثر تأثيرا في المواطن السويدي من الخطاب السياسي المباشر، فعندما كتبت مادة سياسية شتموني، وعندما كتبت القصيدة أبكيتُ البعض وفزت بصمت المعادين..

* أسأل هنا ألا تعيشين هاجس الوصول، بصورة أخرى هل استطاع إبداعك أن يصل إلى الآخرين في الوطن العربي وفي السويد؟؟..

** انصرافي إلى الكتابة باللغة السويدية حال دون وصول إبداعي إلى الجمهور العربي ماعدا الموضوعات الثقافية والاجتماعية إضافة إلى بعض الترجمات التي قمت بنشرها في صحف ومجلات عربية صادرة في سورية وفي السويد. أما عن السويد فأستطيع القول إنني مازلت في منتصف الطريق لأن أول هذا الطريق كان إتقان اللغة.

* حدثينا عن الشعراء العرب الذين يكتبون بالسويدية؟؟.

**بعد هجرة المثقف العربي إلى الغرب منذ نهاية السبعينيات ظفرت السويد بعدد كبير جدا من الكتاب والمبدعين من بينهم أسماء لامعة ومعروفة على مستوى الوطن العربي إلا أنهم جميعا مازالوا يُمارسون الكتابة باللغة العربية ولا أكاد أجد اسما واحدا من هؤلاء يكتب باللغة السويدية..

في الوقت ذاته يوجد هنا بعض الأسماء التي تكتب بالسويدية وهؤلاء كانوا قد أتوا إلى السويد في سن مبكر ونجحوا في تعلم اللغة وتفرغوا للكتابة فيها، مع أن إصداراتهم الشعرية اقتصرت على مجموعة واحدة أمثال: صالح عويني، راوية مرة، ومحمود خليل.

* تكتبين الدراما باللغة السويدية ماذا تحمل وماذا تقولين بها؟؟..

**دراستي للأدب والدراما في السويد وعملي الطوعي مع مؤسسات نسوية وشبيبية منذ قدومي إلى هنا- السويد- وكذلك انخراطي في الحوارات القائمة حول مشاكل المهاجرين وقضية الاندماج، كل ذلك جعلني أفكر بكتابة دراما من شأنها أن تقرب المسافة بين المهاجر وبين مجتمعه الجديد وتعطي الإمكانية لمعرفة الآخر. كتبت مسرحية كوميدية بعنوان" إجازة في أرض الوطن" تعكس حالة الشيزوفرينية التي يعيشها المغترب عندما يكون في إجازة في وطنه، حيث يتحول بين يوم وليلة من مواطن مهمش من الدرجة الثالثة إلى مواطن تعطيه النقود قيمة كبيرة في بلاده فيصاب بلوثة العظمة. أما العمل الثاني فيحمل عنوان "المهاجرون" ويشرح الأسباب التي تدفع الإنسان إلى الهجرة.

الدراما بالنسبة لي هي" ترانسفورميشن" هي تجاوز حدود الصحافة والثقافة النظرية إلى الواقع الناطق. فالدراما تدعو إلى تجريب الخيار البصري والسمعي عند مسرحة النص الأدبي بحيث يصبح أكثر ديناميكية وأحيانا أيسر فهما لأنه يتوحد بعوامل فنية أخرى كالصورة والصوت والموسيقى.

* انتهيت من كتابة مسلسل بالعربية عن أي شيء يتحدث؟؟..

** المسلسل يحمل أيضا اسم "المهاجرون" ويتحدث عن الأسباب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وحتى النفسية التي تدفع الإنسان العربي إلى الهجرة..

*هل نستطيع الحديث عن ثقافة عربية في السويد ؟؟..

**نستطيع الحديث عن نشاطات ثقافية مناسباتية على مستوى أفراد وأندية. أما بالنسبة للإنتاج الثقافي فقد جرت محاولات لإصدار مجلات عربية ولكن ومع الأسف فدائما وبعد صدور الأعداد الأولى كانت هذه المحاولات تبوء بالفشل لعدم وجود الممول ولأن الثقافة مشروع تجاري خاسر لا يجرؤ الكتاب على القيام به بمفردهم.

يوجد مجلة شعرية باللغة العربية تصدر في مدينة مالمو، وسمعت حديثا بصدور مجلة في مدينة أبسالا تحمل اسم "جنين" لم أطلع عليها بعد. كما يوجد دور نشر عربية أهمها على الإطلاق دار الحمرا بمشاركة إيرانية وهذه الدار تقوم بترجمة ونشر كتب باللغة السويدية تعرف بالتراث الإسلامي ومن أهم إصداراتها كتاب يجمع دراسات عربية وعالمية عن الشيخ الأكبر ابن عربي وكتاب آخر عن ابن خلدون، كما تقوم بإصدار سلسلة كتب "الجيب" للتعريف بحركات ومذاهب وشخصيات إسلامية وغير إسلامية كالصوفية والطاوية وغير ذلك. الحمرا قامت أيضا بترجمة بعض أعمال محمود درويش وأدونيس..

بشكل عام فإن الحركة الثقافية العربية في السويد فردية و أتمنى وجود مؤسسات عربية ثقافية خالصة تستطيع جمع وتوحيد الطاقات الموجودة على هذه الساحة والتي لا يستهان بعددها ولا بنوعيتها، كما أتمنى من الجيل الثاني القيام بالمهمات التي لم يستطع الجيل الأول القيام بها..

* ماذا عن ديوانك "أتحدث من الجحيم"؟؟..

**المجموعة باللغة السويدية وتحمل اسم القصيدة الأولى التي تتحدث عن مجزرة جنين. الأنا هي الأنا العام، النحن التي تحكي عن حال جنين وحال الوطن الفلسطيني.

القصائد هي مرآة للوجع، للأرض، للذاكرة وحتى للتاريخ والجغرافيا كُتبت للأجنبي بلغته وأسلوبه وصوره وأوزانه - لذلك لم أحبها ولم تعجبني وأحسستها غريبة عني عندما طلبت مني أن أترجم لك بعضها إلى اللغة العربية.. قصدت القول بأنني غير راضية عن القصائد عند ترجمتها وليس بالمطلق لأنها عند النقل من لغة إلى لغة تفقد الكثير من موسيقاها وعمقها وحتى قوة تعبيرها..- أستطيع القول إنني أردت خلق صورة متفائلة وعادلة من واقع مظلم وجائر، فحتى لو كان العالم بشعا علينا كفلسطينيين أن نراه جميلا لأننا نحمل ملائكة في أحشائنا..

*لمحة عن السيرة الذاتية ؟؟..

**هويتي بسيطة لأنها امتداد لبساطة المخيم ومعقدة لأنها امتداد لتاريخ ابتلي بالجنون. ولدت في مخيم يحمل اسم "العائدين" كغيره من مخيمات الشتات، ولأنه يقع في مدينة حمص فقد اكتسب اسما آخر "خالد بن الوليد"... البلد الأصلي مدينة حيفا.. حصلت على شهادة البكالوريا في حمص ثم انتقلت إلى مدينة حلب لدراسة الأدب العربي، وبعد ذلك بدأت في دراسة الصحافة في مدينة دمشق التي قررت الاستقرار فيها بعد التخرج حيث عملت في صحيفة تشرين وفي إذاعة دمشق في قسم الأخبار والبرامج السياسية، ثم حصلت على العضوية العاملة لاتحاد الكتاب والصحفيين منذ أوائل الثمانينات.. الظروف اللئيمة اقتلعتني من دمشق وحطت بي في عواصم عديدة لتزرعني في السويد في منتصف الثمانينات لأشق طريقا جديدا بدأ من نقطة الصفر. فأن تعيش في أوروبا يعني أنك تعيش داخل فك مفترس، إما أن يطحنك بين أضراسه وإما أن تكون صلبا وعصيا على الطحن والهضم معا فيما إذا حاول ابتلاعك. مع العمل المضني بدأت الدراسة مجددا، فبعد دراسة اللغة حصلت على بكالوريوس في الأدب والدراما من جامعة استوكهولم ثم حصلت على ماجستير في الأدب العالمي. أمارس الآن العمل الصحفي إلى جانب عملي في الأبحاث المقارنة أو الاستشراقية، أتمنى الحصول على منحة دراسية حتى أكمل الدكتوراه التي تستغرق أربع سنوات..