المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : " إشكاليّةُ الشِّعر " -د.شاكر مطلـلق



الدكتور شاكر مطلق
02/07/2008, 09:05 AM
الشعر … المستقبل

بين إشكالية التَّعريف ومصير الكينونة

د.شاكر مطلـق
تبدأُ الإشكالية هذه ، بالنسبة إلي ، من العنوان أو معه .
فإذا حاولنا تعريف الشعر ، من خلال ما قدَّمه الأدباء والباحثون والنقاد ، قديماً وحديثاً ، فإننا سنعثر ، هنا وهناك ، على أجزاء من الحقيقة ، ولكن الحقيقة ، ككل ، ستتمنَّع عن أن تفصح لنا عن كينونتها وتُسقطَ نِقابها لنعرفها شكلاً محدداً أو قناعاً ثابتاً يمكن لنا استيعابه ورؤيته بالعين .
غير أن الأمر ليس كذلك ، بل ولن يكون كذلك ، طالما أننا ، من خلال حواسنا الخمس ومن خلال اللُّغة ، نحاول أن نقترب وأن نحاور المطلق .
يقول نقشٌ شعريٌّ قديم على أحد تماثيل " بوذا " من عام 746 م ما معناه :
إذا كان المطلق دون شكلٍ
فكيف لنا أن نراه ؟
إذا كان المبدأُ دون كلماتٍ
فكيف لنا أن نَقرأه ؟
نحن مرغمون ، إذن ، على التعامل مع هذا المطلق ، مع هذا الكل الشعري ، من خلال الكلمات ومن خلال الخيال والرؤيا ، التي ترسم لنا شكلاً مت نظنَّه الأصل ، الحقيقة ، وكلُّ يراه من جانب واحد ، تماماً كطلبة الفن التشكيلي الذين يرسمون إناءً من الزُّهور ، كلٌّ من منظوره الخاص ، ويلونه بما تمليه عليه عاطفته ومشاعره وحدسه .
ولعلَّ اقتراح الناقد والفيلسوف الألماني " مارتن هايدِغَرْ " لعل اقتراح " هايدغر " محاولة تعريف الشعر عن طريق نفي صفات معينة عنه ، وربما يقربنا قليلاً من الحقيقة ، كأن نقول :
أ _ ليس الشعر صيرورة نفسية تنتج القصائد .
ب _ ليس الشعر تعبيراً ألسُنيَّاً عن معيوش نفسي .
إنما الشعر والقصيدة هما كل ذلك ،إلاَّ أن هذا يخلو بأساسه من الماهيَّة ، فأين تكمن ماهية الشعر ؟
" هايدغر " يبحث في الأصل اللَّغوي اللاتيني _ اليوناني عن منشأ فعل (شعَرنَ ) فيجدها في فعل أظهَر أي جعل الشيء مرئيَّاً ، أي أن الشاعر الذي يتلقى البرق الإلهي _وأرغب أن أقول البرق الكوني _ يتوسَّله في الكلام ثم يدخله في لغة شعبه .
من هنا نجد أن الشاعر الألماني " هولدَرْلينْ " يعبِّر عن ذلك ، قبل دراسة " هايدغر " ويقول : ( فكرة الذي يدوم هو ما ينشئه الشعراء . )
لماذا ؟ لأن الكينونة المنشَأة في الشعر هي القادرة على احتضان الوجود الكلي … وبالتالي فإن الشعر هو الواقع وهو الحقيقة ، لأن ما يسمى بالواقع يزول مع الزمن الفيزيائي بينما تلك المشاعر والعلاقات والتساؤلات الكونية ، هي التي تخلد ، في الفن بعامة ، وفي الشعر بخاصة .
هذا ما نجده عند الفيلسوف الألماني " نيتشه " في نظريَّته حول ( العود الأبدي ) _ تلك الفكرة التي أخذها عنه " هايدغر " وهي أن بعض الإمكانيات التي يحققها " الدَّازاين " _ أي الوجود المطلق _ تميل من ذاتها إلى التكرار وكأنما التكرار هو الخلق ثانية وكأنما قيمة الفعل هي في تكراره …
( وقد عظَّم " نيتشه " الفن _ بعامة _ لأنه يجعل ما ليس كائناً ، يندرج في الكينونة ويسمو بنا إلى أبعد من أنفسنا وصولاً إلى الإنسان الأسمى … )
هذا الإنسان الأعلى " سوبر مينش _ سوبرمان " وهو الذي طمحت إلى خلقه النازية من العرق الآري _ الجرماني .
إنَّ " إرادة الاقتدار هي الماهية المكونة للكائن ، بينما " العَوْد الأبدي " هو القيمة التي تكثِّف الحياة وتجعلها تتخطى ذاتها وهو الكيفية ، كيفية كينونة الكائن في كلِّيته "
هنا يتجاوز " نيتشه " الفكر اليوناني في مسألة الكينونة حيث :
_ الكينونة تكون ( بار مفيديس )
_ الكينونة تصير ( هيراقليطس )
بينما " نيتشه " يقول :
_ الكائن كينونة وصيرورة ، صيرورة تعود دائماً ، إنه يخلق ويهدم ، إنه إرادةُ اقتدارٍ أبدي وتجاوز قِيَمي .
بينما " هايدغر " يقول :
- الإنسان يوجد ، وغيره من الكائنات يكون … وبصفته كائناً مفكراً فهو منفتح على الكينونة … وإنَّ قدرة الكينونة على التَّجلي بحاجة إلى الإنسان ، والعكس بالعكس .
هذا الكائن ، وهو في وضع المتسائل عن الكينونة أي ( الوجود المطلق ) ، هو ما أسماه (بالدَّازاين ) ، الذي تكمن ماهيَّته في وجوده ، في الطرق المختلفة التي يوجد فيها ، فهو بإمكانه أن يكون ذاتَه يكون أو غيره .
وفي الكلمة يكون مصير الكينونة في العالم الحي للإنسان …
والكلمة هنا هي الإبداع الخلاَّق في اللغة ، الذي يجعلنا نتخطَّى " الزمن الفيزيائي " إلى "الزمن الوجودي "
في كتابه " طرقات الغابة " يعرض " هايدِغَر " نظريَّته الجماليَّة التي يصل فيها إلى أن
( الفن صيرورة الحقيقة وجذوتُها … وأن الحقيقة والفن يتماهيان بالشعري العميق . وبما أن كل فن يقوم على حدوث الحقيقة بشكل ما ، فإن كل فن هو شعبي … والشعري هو المرجع الأول للفنون كلها ، وأعمق منها جميعاً ) .
ويرى " أنَّ اللُّغة أصلاً هي شعر أولي إذ سعت إلى كشف الكائن بما هو كائن ، فضلاً عن كون الكلام بطبيعته وسيلة لإدراك الكائن ككائن ، عبر إدراك الكينونة ضمناً ، وهذا ما يتحقق في اللُّغة _ القصيدة _ بامتياز " إلاَّ إن الشعري يبقى أكثر عمقاً وبعداً من مفهوم القصيدة المحدد بمجاله الدَّلالي الضَّيق . إنَّه محور يستقطب الفنون كلها بما فيها القصيدة … ويصل إلى أن ماهيَّة الفن هي الشعري ، وأنَّ ماهية الشعر هي تأسيس الحقيقة . وهذا التأسيس مثلَّث المعنى : كموهبةٍ وكبدءٍ وكجذرٍ . ومن خلال دراسة لشعر " هولَدْرلين " يصل
إلى ( الذي يدوم هو ما ينشئه الشعراءْ ) .
ولا بأس هنا من عودةٍ سريعةٍ ومبسطةٍ لتاريخ الإنسان والفكر ، حيث توجد بعض الخلافات بين ما يعرضه " هايدغر " وما أزعُمَ أنه أقرب إلى الطبيعة البشرية ، بعد أن وصلت مرحلة " الإنسان العاقل " و" الكائن الأسمى " ودخلتْ مدارات ما يسمى بالمدنيَّة و "الحضارة " .
الفنون كلَّها قد تحتوي على كمٍّ ما من الشعري وليس بالضرورة من الحقيقة ، وهي ، عدا الشعري ، قد تكون الرَّد الفيزيولوجي و البيولوجي على مظاهر الطبيعة ، بدون الدخول في مرحلة التساؤلات العميقة أي مرحلة ما أسماه " هايدغر " ( الاستهلال ) وهو ( مركز انطلاق وتقليع وليس مرحلة البداية ، التي تشكل مركز تدفُّق وانطلاق فعلي لا تظهر إلاَّ في الحادثة ، ولا يتحقق حضورها الكامل إلاَّ في النهاية ) الوصول أو الحلول _ كما في الشعر والرقص والغناء وحتى الرسم على سقوف وجدران كهوف الإنسان القديم ، تدخل ، حسب ما أرى ، في مرحلة " الاستهلال " تلك _ وبظهور اللغة وبخاصة الكتابة قبل أكثر من خمسة آلاف عام … أي بدخول الإنسان التاريخ ونشوء الحضارات والمدينة الدولة ، انطلق الإنسان فكريَّاً ، من بداءاته نحو محاورة المطلق … وكان الشعر بتساؤلاته الدائمة القديمة الجديدة ، ومنذ " كلكامش " وحتى اليوم ، قائماً دون أن يطرأ على هذه التساؤلات الوجودية الكثير من التبدُّل ، لأنها مسائل تتعلق " بالدَّازاين " البشري المشارك في إنشاء الكينونة واحتضان الوجود الكلِّي وتخليده ، من خلال تجميد اللَّحظة على اللَّوح المكتوب وتخطي الزمن الفيزيائي إلى زمان اللاَّزمان _ إن صحَّ التعبير _ ، حيث نتعرَّف ذاتنا ونغدوا شاهداً على الكينونة ، من خلال اللُّغة وتدخل عالم المخاطر المحفوف بالتَّجلي أو الانهيار والسقوط .
يقول الشاعر " أنسي الحاج " _ المستقبل / لندن العدد 30 _2 /95 _ " الإنسان بالشعر خصوصاً يطارد المطلق ، ويوسِّع دوائر أحلامه " .
أمَّا فيما يتعلَّق بالمستقبل … فإذا أردنا وبشكل سريع أيضاً ، أن نلامس الموضوع ، بعيداً عن الزَّمن الفيزيائي : حيث الماضي والحاضر والمستقبل ، فإنه يمكنني أن أقول أن المبدع ، والشاعر على وجه الخصوص ، الذي يعي أبديَّة اللحظة وفناءَها الدَّائم يصل إلى أن المستقبل غير موجود بَعْدُ ، والماضي قد ولى ، وأما الحاضر الذي يقول عنه " هايدغر " :
" الحاضر هو اللَّحظة التي أرى فيها وجودي من البدء حتى الموت "
حتَّى هذا الحاضر ، هو ، في رأيي ، غير موجود في الوعي الفيزيولوجي للكائن البشري بمعياره الفيزيائي الدقيق ، لأنه في لحظة الوعي بوجوده واستيعاب كينونته يكون قد صار من الماضي .
ربَّما ثمَّة عبثيَّة ما في هذا الفهم ولكن هذا ما أراه وأطرحه أيضاً لنقاش محتّمَل . وأختمُ بقولٍ للفيلسوف الألماني ( هيجل ) يقول :
" الشعر هو لغةٌ كونيَّة ينزِع إلى أن يكون "
فالشعر _ إذن _ لعبة تلعب على قدر اللاَّعب ، لعبة الجدليَّة المحيِّرةِ المفاجئةِ ما بين الارتباط والانعتاق ، ارتباط الشعر بلغته الأم ، وانعتاقهِ من حدودها نحو كل إنسان ، في أي لغةٍ ، وربَّما نحو ما هو أبعد من الإنسان … ما هو غير بشري .
__________________________

حمص _ سورية د . شاكر مطلق
E.-Mail:mutlak@scs-net.org

أشرف دسوقي علي
02/07/2008, 04:17 PM
الفن والقيم الجمالية بين المثالية والمادية
أشرف دسوقي علي
ashraf_ali302@yahoo.com
مداخلة من خلال عرض موجز لكتاب د. رمضان الصباغ تحت عنوان
" الفن والقيم الجمالية بين المثالية والمادية "
................................................
لطالما شكل الفن عنصرا هاما وحيويا في حياة الانسان , وذلك منذ بدأ الخليقة , حيث مارس الانسان الفن بشتي صوره , متخذا أشكالا كثيرة , من تعبد , وطقوس , احتفاليات , معبرا عن ذاته , حيث اكتشف قيمة الفن الجوهرية , وما تضيفه الي الانسان الفرد و الجماعة , فسعي من يومها الي تطوير هذا الفن حتي وصل به الي قمة النضج, وربما بكر هذا النضج لدي بعض الامم, و تأخر عند بعضها الاخر , وربما تخلف عند بعض ثالث ! , ويعد الفن أحد أهم المحكات التي يقاس بها تقدم المجتمع , حيث لا ينشأ الفن في فراغ , بل هو نتاج المجتمع بكل تفاعلاته واشتباكاته وصراعاته الدينيه والفكريه والمجتمعية والسياسية , وتعد الحرية أهم ضمانة لنمو وتقدم الفنون والتي بدونها يتخلف الفن وبالتالي المجتمع , حيث سيطرة قوي واتجاهات وأفكار بالية من شأنها ازدرائه بل وانهياره, ولقد مورست علي الفن ضغوطات عديدة , منها ضغوطات فلسفية ودينية ومجتمعية ...الخ.
بل الاعجب من ذلك أن بعض عرابي الفن أنفسهم رسموا ووضعوا القيود علي أنفسهم , وكانهم استكثروا بعض نفحات الحرية التي تهب عليهم من ان لاخر , مع ايماني الشيد بالالتزام والمسؤلية المبنيه علي معرفتي بخطورة الفن واثاره ان ترك العبث واللااتزام , فالفن مسؤلية أولا .ويبحث الكتاب الذي بين ايدينا هذه الجزئية ويؤمن باطلاق يد المبدع دون قيود أو حدود , حيث سقف الحرية مفتوح تماما , ويتكون الكتاب من فصول ستة , تتعرض للقيم الجماليةالمثالية لدي كانط
والقيم الجمالية المثالية لدي هيجل , وعرض لانواع الفنون المختلفة ومدارسها الرمزية والكلاسيكية والرومانتيكية , كما يتعرض الكتاب للقيم الجمالية والمادية والنزعة السوسيولوجية لدي بليخانوف, كما يعرض للفن بنزعتيه ,الفن للمنفعة , والفن للفن , وجدلية الشكل والمضمون وصولا الي القيم المادية والتحرر الانساني عند تروتسكي, ودراسة ونقد المستقبلية وصراع التواصل /الانقطاع مع التراث , وكذلك يتعرض للمدرسة الكلية الروسية والبروليتاريا والفن الاشتراكي والواقعية في الفن ومدي مجابهتها للحداثة , ويستعرض رمضان الصباغ كل ذلك بشكل يكاد يكون محايد مع تفهمنا لميول الكاتب وتفضيلاته بالطبع , يعرض الكتاب قصة الصراع المرير بين الفن وقوي ظلامية مختلفة , وقدرته علي مجابهة الاحتواء منذ أفلاطون وأرسطو وتوما الاكويني وكانط وهيجل وسنتيانا وبليخانوف وحتي يومنا هذا , فلقد كان أفلاطون سلبيا تجاه الشعراء والفنانين , رغم شاعرية كتاباته وعظمة ابداعه , كما يري تولستوي أن الفن يصبح ساميا وعظيما حينما يعبر عن النظرة المسيحية وذوق الفلاحين البسطاء " الموجيك "!!, هكذا يلتق تولستوي مع قوي كثيرة تعتبر الفن خادما لشئ خارجه !أي أن الفن خادم للدين والمجتمع أو لافراد أو فئات معينة , اذا فعل ذلك فيكون فنا عظيما !! وعلي النقيض كان عمانويل كانط الذي ارتئي أن الفن غاية في ذاته , وقدم دراسات مستفيضة في الجمال مهدت الي استاطيقا القبح!أما هيجل , فتجاوز شكلية كانط فقدم نوعا من المثالية الموضوعية , فركز علي المضمون مقابل الشكل ,ورفض خدمة الفن لاي نسق خارجه سواء كان دينيا أو سياسيا أ او اجتماعيا , الا أن هيجل نفسه توصل _في النهاية _ الي رثاء الفن وتشييعه الي مثواه الاخير !, ويأتي بليخانوف المنظر الماركسي القديرمتأثرا باراء كانط , الجمالية , وان اختلف معه علي عدة أصعدة , وربط بين الفن والمضمون وأهمية الطبقات الاجتماعية متبعا خطي هيجل وماركس ,مرجحا الرؤية الاجتماعية علي الجماليات وذلك تناغما مع نظرته الطبقيةللفن .
أما ما أكد عليه الباحثون فكرتين, هما المحاكاة وانتاج شئ من لاشئ , وبذلك لم يكن الفن البدائي فنا بهذا المعني بل كان اقرب الي " الحرف اليدوية " , فكلمة فن اليونانية بمعادلها اللاتيني _arsلا تشير الي الفنون الجميلة كما نفهمها ونعرفها اليوم fine arts انما تشير الي الحرفة craft, or science .ولقد تراوحت تعريفات الفن بين الجليل والجميل والفن للفن و الفن للمنفعة ..وهنا يتسائل "جاريت " هل الاشياء الجميلة هي التي تشبع رغباتنا دائما بطريقة من الطرق ولم يتركنا نجيب بل أجاب هو بأن ليس كل الاشياء الجميلة تمنحنا الرضا وأن الاشياء التي تمنحنا الرضا ليست كلها جميلة !وكل مناسب ليس حتما أن يكون جميلا , وبالتالي فالفن منفصل عن القيم الجمالية والدينية ويصبح غاية في ذاته , في حين ربط جورج سانتيانا الفن بالمنفعة مؤخرا , أما بخصوص الجميل والجليل فان الكاتب يطوف بنا مع اراء ادموند بيرك الذي يقول بان الجليل يتصف بعدم التشكل والقوة والضخامة , اما الجميل فهو صغير نسبيا ناعم مشع متماسك بالخطوط المستقيمة , في حين يؤكد هيجل علي أن الجميل الفني أسمى من الجميل الطبيعي !, في استعراض للقيم المضادة أي القيم المادية والسسيولوجية لدي بليخانوف واراء الثوريين الروس , ثم تأكيد تشيرنفسكي علي أن الجمال حقيقة موضوعية وأنه شئ واقعي ومهمة الفن اعادة خلق الجمال, وأن الفن للمنفعة , في حين تحول بوشكين الي مدافع عن الفن للفن بعد تضييق الخناق عليه قائلا :_ " ابتعدوا, وانصرفوا ,....هل يشترك الشاعر العظيم في خصلة واحدة معكم ؟!."
كما خرج كثيرون عن المألوف مثل فلوبير, وجوتير وبودلير الذين مجدوا الصف الثاني من الادباء والفنانين ووجدوا أن فناني الصف الاول ماهم الا من ذوي التأخر الذهني !!, كما يستعرض الكتاب اراء ’Marinetiالايطالي الذي أعلن بيان المستقبلية الاول من خلال الفيجارو الفرنسية 1909والذي دعا من خلاله الي فن قائم علي الحركة والدينامية والتزامن وأن يكون الشعر حدسيا والتبرؤ من العقل وهجر النحو الاتيني ..الخ , كما افتقد لعناصر الحس الانساني وانتقدوا الكنيسة والشيوعية واعتبروها سلفية !!وفرق الشكليون بين لغة الشعر والحياة اليومية ونادوا بالتعدد ونفي الاحادية وكان علي رأسهم ايخنباوم والفن وسيلة و كما اتهم تروتسكي مدرسة شكلوفسكي وياكوبسن وجيرمونسكي بانها اختزلت عملها في مجرد التحليل الوصفي والشبه سكوني للاصول الاشتقاقية والنحوية للاعمال الشعرية وأحرف العلة والصوامت والمقاطع .....كما وقالت البروليتاريا بان الوجود الاجتماعي للانسان هو الذي يجدد وعيه والذي بدوره يتحدد عن طريق الطبقة الاجتماعية التي ينتمي اليها حيث رأوا أن الاسلوب هو الطبقة the style is the class كما استعرض الكتاب واقعية ليزروف وصراعها مع الحداثة , والرؤية النتشوية بأن الانسان مسكون بديونيسيوس القوة اللاشخصية للشهوة والجنس الطبيعيتين في الانسان , مع استعراض لتيار مابعد الحداثة .
ومن خلال ماورد بالكتاب من تعريفات لمعني الشعر ووظيفته , نري أن كل مبدع أو شاعر قد رأي وظيفة الشعر بما يتناسب مع معتقداته ورؤاه الشخصية وتتباين الاراء من أقصي اليمين الي أقصي اليسار , ولاشك أن الشعر هو ديمومة وجودية , نصنع من خلالها وجودنا المستمر , فالانسان عرف من التجربة ومن الكتب السماوية ومن شتي المصادر انه لن يستمر في هذا الكون بشكل أبدي , فكانت هناك محاولات مستمرةلتحقيق حلم الخلود , وكان الزواج والانجاب وسيلة بيولوجية , ثم العمل الخيري الي أن بدأ يعي ان خلوده يكون أكثر استمرارا من خلال الكلمة , وهذا ماذكرته الكتب المقدسة _ الانجيل _ في البدء كان الكلمة, القران "_ اقرأ.......ولذا لجأ الانسان الي ابتداع فن الكلمة ليضمن أكبر فترة من الخلود والديمومة , فهو يعلم حتمية الفناء البيولوجي وانه منذ الميلاد عرضة للفناء في أي لحظة ’, وهناك من لم يدركوا كينونتهم بالاساس مثل الذين ولدوا موتي أو ماتوا قبل مرحلة الوعي بالذات بالمعني الحرفي علي الاقل , لذا خلد الانسان اسمه علي أروقة وجدران المعابد, ورسم مليكه وذاته وزوجته , وحيواناته , وحتي متعلقاته الشخصية....وكانت الكلمة هي الوسيلة الاكثر خلودا وديمومة, وجاءت المطبعة أكدت تلك الحقيقة الخالدة , والتي جعلت من الصعب تزييف الحقائق , وأن ما خطه المرء بيديه صار خالدا معه أو ضده في وجوده أو عقب رحيله البيولوجي , ولقد أدرك كثيرون تلك الحقيقة , فنجد العقاد يقول:_ دقات قلب المرء قائلة له...................ان الحياة دقائق وثوان
فارفع لنفسك بعد موتك ذكرها .............فالذكر للانسان عمر ثان