المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : "قصة بسيطة جدا " قصة لفيصل الزوايدي (تونس)



فيصل الزوايدي
03/07/2008, 03:43 PM
قصةٌ بسيطةٌ جدا ..!

هذا السؤالُ وحدَه أرهَقَني ، أيقظَ هَـمّي و استَنْفَرَنـي.. فها أنـا الآن أُمسِكُ بالقلمِ ،و لكن ماذا أكتُب ؟ و يدعو السؤالُ غيرَه فأسألُ أيضًا: هل أَصدُقُ مع نَفسي فيُنكِرُنـي النَّاسُ ؟ أم أَخسَرُنـي لأكسبَ الآخرين ؟ تَزاحَـمت الأسئِلَــةُ حولـي و تكاثَرت نقاطُ الاستفهام فألقيتُ قَلمي طلبًا للسَّلامةِ .. نظرتُ إلـى العالَم حولـي مُتَسَلِّيًا عمَّا بـي فتَقافَزَت نِقاطُ التعجبِ أمامي ،و أَخَذَت غيومٌ سوداءُ تتجمعُ بسَمائي و خَشيتُ ألـمًا موجِعًـا فهرَعـتُ راجعًا إلـى القَلَمِ أُسيلُ حِبـرَهُ : " كان يا ما كان ".. عفوًا، هل تَـحتملُ قِصَّتي بدايــةً تقليديةً كـهذه ؟ و لكن لـماذا نَتَصوَّر دائمًـا أنَّنا مُتَـمَيِّزون و أننا نـحتاجُ أفكارًا استثنائيةً ؟ و لـماذا يظنُّ كلُّ عاشقٍ دومًا أنَّ قصـتَهُ لا مثـيلَ لـها ؟
انتبهتُ إلـى تكاثُرِ الأسئلةِ مـجدَّدا فَرَمَيْتُ القَلَمَ بعيدًا عني، و مَزَّقتُ الورقةَ أيضًا .. أفضلُ السُّبُلِ للإجابةِ عن أسئلةِ الـحياةِ هي أن نَـحياها . غادرتُ غُرفتـي و صَفَقتُ البابَ خَلفي كأنـي أمنعُ نقاطَ التعجبِ و الاستفهامِ عن مُلاحَقَتـي ..خرجتُ إلـى أَضواءِ غُروبٍ شاحِـبٍ ، سِرتُ فـي طريقي الـمُعتادة ..لا شيءَ يتغـيَّـرُ بَين انتظارٍ و آخر .. الـهمُّ هو الـهمُّ .. ضجيجُ الـحياةِ يَصمُّ الأنفُسَ عن أصواتِـها، أصواتٌ أخرى زائفةٌ تغادِرُ الأفواهَ لِتختَلِطَ ببعضها فيتـداخل السبُ مع التَّملقِ و التوددُ مع البغضاء .. أُغلِقُ فمي بقُوَّةٍ خشيةَ أن تصدر عنـي ألفاظٌ تَتَداخلُ مع ذلك الـخليطِ ..كِبريائي الزَّائفةُ نفسُها هـي التي أوهَـمَتْني أنَّني مُـختلِفٌ .. و أنَّ عَليَّ أَن أختلفَ.. فـي الطَّريقِ التي لَـم أُفلِح فـي تغييرها لـم يَكُن لدى الـحياةِ أمرٌ جديدٌ كـي تُرينـي إياه ، كان أمامي شيخٌ يقودُ صبيًا صغيرًا .. عُذرًا لعلَّ الصبيَّ هو من يقودُ العجوزَ ، يتوكأ الشيخُ بِيُمـناه على عُكازٍ و يُمسِك الصبيَّ حريصًا بِيُسراه .. يتعـثَّرُ الاثنانِ فـي الـمشيَةِ ، الأول بسبَبِ الكِبَرِ و الثانـي بسبب الصغر ، أليس عجيبًـا ما تـفعَلُهُ الأضدادُ بنـا ؟ ألا يَمـوتُ البعضُ لشجاعتِهِ تـمامًا كما يَـموتُ آخر لِـجُبنِهِ ؟ يَسيرُ الكبيرُ و الصغيرُ فـي نَفسِ اتـجاهي ..اِقتَربتُ منـهما فالتَقَطت أُذناي صَوتَيْهما يَترَنَّـمان بنشيدٍ طُفولِـيٍّ بَريء ..
عجيبٌ ذلكَ النشيدُ اِلتقَت عليه شِفاهٌ :شَفَتان مُكَرمشتان كأنَّـهما تُـخَلِّــدان للزَّمَنِ فِعلا قَاهِرًا و أخريان غضَّتان تَوقًـا إلـى حياةٍ ..لَـم تَكُن الـمسافةُ بين الشِّفَاه و الأُخرى تَـمتدُّ أكثرَ مِن مساحَةِ عُمْرٍ.. تركتُ الاثنين فـي نَشيدِهـما السَّاذج ورائي ،و لَـمحتُ أمــامي فتاةً قادمةً مِن بَعيدٍ، فَـقَـفَزَ مِن دَهاليزِ الذَّاكِرةِ إلـى سُفوحِ الـذِّهنِ شاعِرٌ قالَ يومًا:
لاَ يَوْمَ أَضْيَعُ قَطُّ مِنْ يَوْمِ امْرِئٍ ... يَقْضِيهِ دُونَ غَرَامِ ظَبْيٍ فَاتِنِ *
فتَمْتَمْتُ لنفسي : "فـما أضيعَ العُمرَ إذًا.. ! "
كان الظبيُ الفاتنُ الـمُقبِلُ فاتِنًـا حقا ، فِتنَةً تستطيعُ تَبَيُّنَهـا بيُسرٍ فـي نَـهَمٍ ذئـبَوِيٍّ فَضَحتهُ العيونُ و الوجوهُ الـمُحيطَةُ .. بأَسرع مِـما يقعُ ذلك فـي الرُّسومِ الـمُتحرِّكةِ للأطفالِ وَجدتُ نفسي أُخاصرُ الفتاة و أَتلاعَبُ بِشَعرِها .. و لكن سَقَطَ هذا العالَـمُ الشَّبيه بِبَيْتِ العَنكَبوتِ عندما ارتفعَ إلـيَّ صوتُ سُقوطٍ و صَيحةٌ فالتفتُ بِـحِدَّةٍ إلـى الـخَلفِ فإذا بـالشَّيخِ قد تعـثَّر عِندَ حـافةِ الرَّصيفِ و سَقَطَ فصاحَ الصبـيُّ هَلَعا .أسرعتُ عائدًا لتقديـمِ الـمُساعَدَةِ ، كان الـوَلدُ يُـجاهدُ بذراعَيْهِ الصَّغيرَتين ليرفعَ العجوزَ عن الأرضِ بـجَزَعٍ و حُزنٍ عَاجِزٍ.. تَرَفَّقتُ بالشـيخِ و أنا أساعِـدُهُ على القِـيامِ ، لكني لـم أَستَطِع مَـنعَ نفسي من اخـتلاسِ نـظـرةٍ إلـى الفتاةِ عندَ اقترابِها مِنّا غيرَ أنّـي وجَدتُـها قبيحةَ الوجهِ، قبيحة إلى حَـدِّ أنـي نَدِمتُ على الـمُخاصَرَةِ الوَهـمية ، فتحسَّرتُ على لَـحظاتِ الـحُلمِ التي مَرَّت ..كيفَ تَتَغيَّرُ الـحياةُ بين إقبالٍ و إدبارٍ؟ انتصبَ الشيخُ بقدر ما تسَاهل معه الدهر و عاد يَسْتَمْسِكُ بعُكَّازِهِ و يُـمسِكُ بالصبي ، شَكَرنـي بـما يُشبِه الأسفَ ثُـمَّ سَارَ الاثنان مُـجَـدَّدًا بِبُـطءٍ لـم أَستَطِع مَعَه تَبيـن حقيقة مَن مِنهُما يقودُ الآخر.. اِلتَمستُ قلمًا ساعتَها و سألتُ نَفسـي :" أليست قِصةً تَصلُح لأن أكتُبَها ؟" .. ولكنَّ نقطةَ اِستفهامٍ أُخرى ، عَقْرَبِـيَّة هذه الـمرَّةَ ، بَرَزَت لعَيْنَـيَّ عندما أَزعجَنـي سُؤالٌ فَـاجَأَنـي لأولِ مرَّةٍ :"و لكن لـماذا أكتبُ ؟"..



* البيت لعمر الخيام

زاهية بنت البحر
03/07/2008, 05:41 PM
ربما تكون الكتابة عادة ويشعر الكاتب بالالتزام بها فتستعمره حتى الرمق الأخير والكل في النهاية إلى نهاية
دمت مبدعًا أخي المكرم فيصل الزوايدي
أختك
بنت البحر

سعيد نويضي
03/07/2008, 07:16 PM
بسم الله الرحمن الرحيم...

الأخ الأستاذ فيصل...قصة بسيطة جدا...هي قصيدة عميقة جدا...و مركبة جدا...ليس من حيث الأسلوب و التراكيب اللغوية...فهذه كانت سلسلة كفاكهة حلوة المذاق لكنها صعبة الهضم...و ليس الهضم الذي يسبب الألم حاشا لله بل الهضم على المستوى الفكري و المعرفي و الوجودي أصلا...

الكاتب أو المدمن بالأحرى على الكتابة همه الوحيد هو:أن يكتب...لكن ماذا يكتب؟ و لمن يكتب؟ سؤالان مرتبطان ارتباط الروح بالجسد...الكاتب من طبيعته "القلق"...و القلق ليس مصدره المرض أو شيء من هذا القبيل كما يحلو للمحللين النفسيين ان يزعموا أن كل إنسان قلق فهو بالضرورة مريض...لكن قلق الكاتب هو قلق على الوضع القائم للأسئلة التي لم تجد بعد الإجابة الشافية الكافية لها...فحب المعرفة الذي هو مصدر القلق يجعل من الطمأنينة حافزا لمعرفة أكثر...لاستحضار الأسئلة لبحث جديد عن الأجوبة...و إن كانت هناك بعض الأجوبة لأسئلة كبرى شافية كافية يظل القلق مستمر لماذا لم يقتنع بها الكل...لماذا أرى الأشياء بعكس ما يراه الآخرون...لماذا تجتمع الأضداد لتعكس صورة للأسئلة أكثر منها للأجوبة...

فمخاض السؤال/الجواب يظل يزعج كل من له رغبة في المعرفة أكثر...و يكون الشارع هو الوعاء الذي يحتضن كل المتناقضات و التي قد تصل إلى حد التضاد أو التنافر و مع ذلك يظل السير العادي في أغلب الأحيان بشكل هادئ...

و الجميل في القصة هو الرموز التي تم توظيفها بشكل رائع و بشكل واع يدرك تمام الإدراك ما يريده الكاتب من الكتابة بصفة عامة و من القصة البسيطة جدا بصفة خاصة...فالرغبة في الكتابة شيء طبيعي لأي كاتب...لكن الكتابة تتطلب موضوع...و الموضوع و إن كان الإحساس به الداخلي موجود لكن صورته غير مكتملة المعالم...هذا الأخذ و الرد بين القلم و الورقة و الرغبة و عدم وضوح الصورة ينتج عنه الانطلاق إلى حيث المعاني و الأفكار و الموضوعات...و هو الحياة بكل تناقضاتها بكل زخمها بكل حيويتها بكل ضوضائها...

و يأتي الشيخ و الصبي يجمعهما الزمان المتباعد و المكان المتقارب...فالشيخ قد بلغ من الكبر عتيا و الصبي لا زال يتلمس خطواته الأولى...و الجميل هو التساؤل من يقود من؟ فالشيخ نظرا لذهاب القوة و حلول الضعف يلزمه عكازين...عكاز سننينه التي مرت و التي يحتفظ بها في ذاكرته...و امتداده الرمزي أزو المعنوي في الطفل رجل المستقبل الذي سيحمل بشكل أو بآخر تاريخ شيخه...أما من وجهة نظر الصبي فهذا يشكل الماضي و الثراث بكل ابعاده و الطفل يشكل المستقبل بكل أحلامه و طموحاته و آماله...فهذا في حاجة إلى ذاك...و كل في فلك يسبحون...يأتي دور الكاتب ليطرح السؤال على نفسه و على القارئ من يقود من؟ هل التاريخ يقودنا أم المستقبل هو الذي يؤسس الحاضر ثم ينقله إلى الماضي؟ و يأتي نوع دور السير مع حركة الزمن فالكاتب التي يشكل الحاضر لا هو في قلب التاريخ يسير ببطء و لا هو في المستقبل لأن ذاك لازال في علم الغيب...فتكون حركته ليست بالبطيئة و ليس بالسريعة...و من تم يتجاوز الشيخ و الطفل في حركته عبر الزمن...لكن ما الملفت أكثر في الحياة ككائن حي أليست المرأة بكل ما تحمله من جمالية و من حيوية و من حب و عاطفة و من أمومة...لكن الشيء الطبيعي في الإنسان هو الانجذاب إلى الآخر...خاصة إذا كان هذا الآخر أنثى خرج عن المألوف ليفثن به الطرف الآخر...و ما الطرف الآخر سوى الرجل...و هنا روعة الكاتب لست أدري لماذا انتابني الشعور بذلك...فمن وراءه سمع صرخة أدار وجهه ليعرف السبب كان الشيخ قد سقط و الطفل لقلة قوته لا يقدر على رفعه ليعيده إلى وضعه الطبيعي...في تلك اللحظة كانت "الفتنة" قد بدأت في أخذ نصيبها من الناظر[الكاتب] على سبيل المثال كشخص يتفاعل مع محيطه...فلعبت به الحواس و سرح الخيال و تكونت القصص و الحكايات في اقل من نظرة سريعة...لكن سقطة الشيخ أيقظته من غفوته...فعاد ليمد يد المساعدة حتى تستقر الأمور في وضعها الطبيعي...لكن الإحساس بالجمال هو رغبة طبيعية و ميل رباني في الإنسان جعله يمد نظره مرة أخرى لمن سرقته في لحظة من اللحظات...لكنه اكتشف أن ذاك الجمال لم يكن جمالا بل كان فتنة...فتبدلت نظرته لأن الجمال الحقيقي لا يكون في خدمة الفتنة...فالفتنة سقوط في الرذيلة...و الجمال فضيلة...فالعودة للتاريخ لرؤية الجمال الحقيقي على وجهه الحقيقي هو من يعيد للأمجاد الوضع الطبيعي لخير أمة أخرجت للناس...

و لك مني جزيل الشكر على هذه المأذية الصباحية فالبرغم من حلاوتها و جماليتها فلقد اقترنت بوفاة مفكر كبير الدكتور المسيري رحمه الله و أسكنه فسيح جناته...فهكذا هي الحياة...

و كما قال حكيم من أهل القول في زمن مضى :

"اعمل لدنياك كأنك تعيش ابدا و اعمل لآخرتك كأنك تموت غدا"

و للحديث بقية إن كان في العمر بقية...دمتم في حفظ الله و رعايته...

فاطمه بنت السراة
06/07/2008, 02:16 AM
:
هو الكاتب يحمل هم الكتابة وعندما تعييه فكرتها يخرج الى الطرقات ترويحا عن النفس,
لكنه ككاتب أصيل يلاحق كل شيء بفكره وببصره.

هل هي قصة بسيطة جداً؟
لا أعتقد أخي فيصل, أتعبني التحليل وأنا أتتبع الكاتب وفكره.

(أليس عجيبًـا ما تـفعَلُهُ الأضدادُ بنـا؟) رائعة هي وما بعدها من أسطر.

لغة متميزة أكدها أكثر من مرور, أغبطك عليها.

طبت أخي وسلمت

الحاج بونيف
06/07/2008, 07:12 AM
أخي فيصل الزوايدي
السلام عليكم ورحمة الله
قصة برمزية جميلة ..
هموم الكاتب لا تنتهي، ومهما حاول الابتعاد عنها، هولا محالة عائد إليها..فكأنه لم يخلق سوى لها..
دمت متألقا..
تحيتي.

الحاج بونيف
06/07/2008, 07:12 AM
أخي فيصل الزوايدي
السلام عليكم ورحمة الله
قصة برمزية جميلة ..
هموم الكاتب لا تنتهي، ومهما حاول الابتعاد عنها، هولا محالة عائد إليها..فكأنه لم يخلق سوى لها..
دمت متألقا..
تحيتي.

فيصل الزوايدي
07/07/2008, 12:39 AM
ربما تكون الكتابة عادة ويشعر الكاتب بالالتزام بها فتستعمره حتى الرمق الأخير والكل في النهاية إلى نهاية
دمت مبدعًا أخي المكرم فيصل الزوايدي
أختك
بنت البحر

أختي الراقية زاهية بنت البحر .. الكتابة و همّها لا خلاص منهما .. الكتابة تنفس من نوع آخر
أسعدني مرورك البهي فشكرا لك
دمت في الخير
مع الود الممتد

فيصل الزوايدي
07/07/2008, 12:39 AM
ربما تكون الكتابة عادة ويشعر الكاتب بالالتزام بها فتستعمره حتى الرمق الأخير والكل في النهاية إلى نهاية
دمت مبدعًا أخي المكرم فيصل الزوايدي
أختك
بنت البحر

أختي الراقية زاهية بنت البحر .. الكتابة و همّها لا خلاص منهما .. الكتابة تنفس من نوع آخر
أسعدني مرورك البهي فشكرا لك
دمت في الخير
مع الود الممتد

فيصل الزوايدي
07/07/2008, 12:52 AM
بسم الله الرحمن الرحيم...

الأخ الأستاذ فيصل...قصة بسيطة جدا...هي قصيدة عميقة جدا...و مركبة جدا...ليس من حيث الأسلوب و التراكيب اللغوية...فهذه كانت سلسلة كفاكهة حلوة المذاق لكنها صعبة الهضم...و ليس الهضم الذي يسبب الألم حاشا لله بل الهضم على المستوى الفكري و المعرفي و الوجودي أصلا...

الكاتب أو المدمن بالأحرى على الكتابة همه الوحيد هو:أن يكتب...لكن ماذا يكتب؟ و لمن يكتب؟ سؤالان مرتبطان ارتباط الروح بالجسد...الكاتب من طبيعته "القلق"...و القلق ليس مصدره المرض أو شيء من هذا القبيل كما يحلو للمحللين النفسيين ان يزعموا أن كل إنسان قلق فهو بالضرورة مريض...لكن قلق الكاتب هو قلق على الوضع القائم للأسئلة التي لم تجد بعد الإجابة الشافية الكافية لها...فحب المعرفة الذي هو مصدر القلق يجعل من الطمأنينة حافزا لمعرفة أكثر...لاستحضار الأسئلة لبحث جديد عن الأجوبة...و إن كانت هناك بعض الأجوبة لأسئلة كبرى شافية كافية يظل القلق مستمر لماذا لم يقتنع بها الكل...لماذا أرى الأشياء بعكس ما يراه الآخرون...لماذا تجتمع الأضداد لتعكس صورة للأسئلة أكثر منها للأجوبة...

فمخاض السؤال/الجواب يظل يزعج كل من له رغبة في المعرفة أكثر...و يكون الشارع هو الوعاء الذي يحتضن كل المتناقضات و التي قد تصل إلى حد التضاد أو التنافر و مع ذلك يظل السير العادي في أغلب الأحيان بشكل هادئ...

و الجميل في القصة هو الرموز التي تم توظيفها بشكل رائع و بشكل واع يدرك تمام الإدراك ما يريده الكاتب من الكتابة بصفة عامة و من القصة البسيطة جدا بصفة خاصة...فالرغبة في الكتابة شيء طبيعي لأي كاتب...لكن الكتابة تتطلب موضوع...و الموضوع و إن كان الإحساس به الداخلي موجود لكن صورته غير مكتملة المعالم...هذا الأخذ و الرد بين القلم و الورقة و الرغبة و عدم وضوح الصورة ينتج عنه الانطلاق إلى حيث المعاني و الأفكار و الموضوعات...و هو الحياة بكل تناقضاتها بكل زخمها بكل حيويتها بكل ضوضائها...

و يأتي الشيخ و الصبي يجمعهما الزمان المتباعد و المكان المتقارب...فالشيخ قد بلغ من الكبر عتيا و الصبي لا زال يتلمس خطواته الأولى...و الجميل هو التساؤل من يقود من؟ فالشيخ نظرا لذهاب القوة و حلول الضعف يلزمه عكازين...عكاز سننينه التي مرت و التي يحتفظ بها في ذاكرته...و امتداده الرمزي أزو المعنوي في الطفل رجل المستقبل الذي سيحمل بشكل أو بآخر تاريخ شيخه...أما من وجهة نظر الصبي فهذا يشكل الماضي و الثراث بكل ابعاده و الطفل يشكل المستقبل بكل أحلامه و طموحاته و آماله...فهذا في حاجة إلى ذاك...و كل في فلك يسبحون...يأتي دور الكاتب ليطرح السؤال على نفسه و على القارئ من يقود من؟ هل التاريخ يقودنا أم المستقبل هو الذي يؤسس الحاضر ثم ينقله إلى الماضي؟ و يأتي نوع دور السير مع حركة الزمن فالكاتب التي يشكل الحاضر لا هو في قلب التاريخ يسير ببطء و لا هو في المستقبل لأن ذاك لازال في علم الغيب...فتكون حركته ليست بالبطيئة و ليس بالسريعة...و من تم يتجاوز الشيخ و الطفل في حركته عبر الزمن...لكن ما الملفت أكثر في الحياة ككائن حي أليست المرأة بكل ما تحمله من جمالية و من حيوية و من حب و عاطفة و من أمومة...لكن الشيء الطبيعي في الإنسان هو الانجذاب إلى الآخر...خاصة إذا كان هذا الآخر أنثى خرج عن المألوف ليفثن به الطرف الآخر...و ما الطرف الآخر سوى الرجل...و هنا روعة الكاتب لست أدري لماذا انتابني الشعور بذلك...فمن وراءه سمع صرخة أدار وجهه ليعرف السبب كان الشيخ قد سقط و الطفل لقلة قوته لا يقدر على رفعه ليعيده إلى وضعه الطبيعي...في تلك اللحظة كانت "الفتنة" قد بدأت في أخذ نصيبها من الناظر[الكاتب] على سبيل المثال كشخص يتفاعل مع محيطه...فلعبت به الحواس و سرح الخيال و تكونت القصص و الحكايات في اقل من نظرة سريعة...لكن سقطة الشيخ أيقظته من غفوته...فعاد ليمد يد المساعدة حتى تستقر الأمور في وضعها الطبيعي...لكن الإحساس بالجمال هو رغبة طبيعية و ميل رباني في الإنسان جعله يمد نظره مرة أخرى لمن سرقته في لحظة من اللحظات...لكنه اكتشف أن ذاك الجمال لم يكن جمالا بل كان فتنة...فتبدلت نظرته لأن الجمال الحقيقي لا يكون في خدمة الفتنة...فالفتنة سقوط في الرذيلة...و الجمال فضيلة...فالعودة للتاريخ لرؤية الجمال الحقيقي على وجهه الحقيقي هو من يعيد للأمجاد الوضع الطبيعي لخير أمة أخرجت للناس...

و لك مني جزيل الشكر على هذه المأذية الصباحية فالبرغم من حلاوتها و جماليتها فلقد اقترنت بوفاة مفكر كبير الدكتور المسيري رحمه الله و أسكنه فسيح جناته...فهكذا هي الحياة...

و كما قال حكيم من أهل القول في زمن مضى :

"اعمل لدنياك كأنك تعيش ابدا و اعمل لآخرتك كأنك تموت غدا"

و للحديث بقية إن كان في العمر بقية...دمتم في حفظ الله و رعايته...

أخي العزيز سعيد النويضي أسعدتني هذه القراءة المسهبة للنص و غوصك في اعماقه غوص المتمكن .. كشفت ما قد يخفى على كثير من القراء بل و المؤلف نفسه .. اعتز برأيك كثيرا و أشتدّث به أزرًا فشكرا لك
ورحم الله الدكتور المسيري و غفر له ..
سأكون في انتظار العودة منذ الآن أخي سعيد
دمت في الخير
مودتي

فيصل الزوايدي
07/07/2008, 12:52 AM
بسم الله الرحمن الرحيم...

الأخ الأستاذ فيصل...قصة بسيطة جدا...هي قصيدة عميقة جدا...و مركبة جدا...ليس من حيث الأسلوب و التراكيب اللغوية...فهذه كانت سلسلة كفاكهة حلوة المذاق لكنها صعبة الهضم...و ليس الهضم الذي يسبب الألم حاشا لله بل الهضم على المستوى الفكري و المعرفي و الوجودي أصلا...

الكاتب أو المدمن بالأحرى على الكتابة همه الوحيد هو:أن يكتب...لكن ماذا يكتب؟ و لمن يكتب؟ سؤالان مرتبطان ارتباط الروح بالجسد...الكاتب من طبيعته "القلق"...و القلق ليس مصدره المرض أو شيء من هذا القبيل كما يحلو للمحللين النفسيين ان يزعموا أن كل إنسان قلق فهو بالضرورة مريض...لكن قلق الكاتب هو قلق على الوضع القائم للأسئلة التي لم تجد بعد الإجابة الشافية الكافية لها...فحب المعرفة الذي هو مصدر القلق يجعل من الطمأنينة حافزا لمعرفة أكثر...لاستحضار الأسئلة لبحث جديد عن الأجوبة...و إن كانت هناك بعض الأجوبة لأسئلة كبرى شافية كافية يظل القلق مستمر لماذا لم يقتنع بها الكل...لماذا أرى الأشياء بعكس ما يراه الآخرون...لماذا تجتمع الأضداد لتعكس صورة للأسئلة أكثر منها للأجوبة...

فمخاض السؤال/الجواب يظل يزعج كل من له رغبة في المعرفة أكثر...و يكون الشارع هو الوعاء الذي يحتضن كل المتناقضات و التي قد تصل إلى حد التضاد أو التنافر و مع ذلك يظل السير العادي في أغلب الأحيان بشكل هادئ...

و الجميل في القصة هو الرموز التي تم توظيفها بشكل رائع و بشكل واع يدرك تمام الإدراك ما يريده الكاتب من الكتابة بصفة عامة و من القصة البسيطة جدا بصفة خاصة...فالرغبة في الكتابة شيء طبيعي لأي كاتب...لكن الكتابة تتطلب موضوع...و الموضوع و إن كان الإحساس به الداخلي موجود لكن صورته غير مكتملة المعالم...هذا الأخذ و الرد بين القلم و الورقة و الرغبة و عدم وضوح الصورة ينتج عنه الانطلاق إلى حيث المعاني و الأفكار و الموضوعات...و هو الحياة بكل تناقضاتها بكل زخمها بكل حيويتها بكل ضوضائها...

و يأتي الشيخ و الصبي يجمعهما الزمان المتباعد و المكان المتقارب...فالشيخ قد بلغ من الكبر عتيا و الصبي لا زال يتلمس خطواته الأولى...و الجميل هو التساؤل من يقود من؟ فالشيخ نظرا لذهاب القوة و حلول الضعف يلزمه عكازين...عكاز سننينه التي مرت و التي يحتفظ بها في ذاكرته...و امتداده الرمزي أزو المعنوي في الطفل رجل المستقبل الذي سيحمل بشكل أو بآخر تاريخ شيخه...أما من وجهة نظر الصبي فهذا يشكل الماضي و الثراث بكل ابعاده و الطفل يشكل المستقبل بكل أحلامه و طموحاته و آماله...فهذا في حاجة إلى ذاك...و كل في فلك يسبحون...يأتي دور الكاتب ليطرح السؤال على نفسه و على القارئ من يقود من؟ هل التاريخ يقودنا أم المستقبل هو الذي يؤسس الحاضر ثم ينقله إلى الماضي؟ و يأتي نوع دور السير مع حركة الزمن فالكاتب التي يشكل الحاضر لا هو في قلب التاريخ يسير ببطء و لا هو في المستقبل لأن ذاك لازال في علم الغيب...فتكون حركته ليست بالبطيئة و ليس بالسريعة...و من تم يتجاوز الشيخ و الطفل في حركته عبر الزمن...لكن ما الملفت أكثر في الحياة ككائن حي أليست المرأة بكل ما تحمله من جمالية و من حيوية و من حب و عاطفة و من أمومة...لكن الشيء الطبيعي في الإنسان هو الانجذاب إلى الآخر...خاصة إذا كان هذا الآخر أنثى خرج عن المألوف ليفثن به الطرف الآخر...و ما الطرف الآخر سوى الرجل...و هنا روعة الكاتب لست أدري لماذا انتابني الشعور بذلك...فمن وراءه سمع صرخة أدار وجهه ليعرف السبب كان الشيخ قد سقط و الطفل لقلة قوته لا يقدر على رفعه ليعيده إلى وضعه الطبيعي...في تلك اللحظة كانت "الفتنة" قد بدأت في أخذ نصيبها من الناظر[الكاتب] على سبيل المثال كشخص يتفاعل مع محيطه...فلعبت به الحواس و سرح الخيال و تكونت القصص و الحكايات في اقل من نظرة سريعة...لكن سقطة الشيخ أيقظته من غفوته...فعاد ليمد يد المساعدة حتى تستقر الأمور في وضعها الطبيعي...لكن الإحساس بالجمال هو رغبة طبيعية و ميل رباني في الإنسان جعله يمد نظره مرة أخرى لمن سرقته في لحظة من اللحظات...لكنه اكتشف أن ذاك الجمال لم يكن جمالا بل كان فتنة...فتبدلت نظرته لأن الجمال الحقيقي لا يكون في خدمة الفتنة...فالفتنة سقوط في الرذيلة...و الجمال فضيلة...فالعودة للتاريخ لرؤية الجمال الحقيقي على وجهه الحقيقي هو من يعيد للأمجاد الوضع الطبيعي لخير أمة أخرجت للناس...

و لك مني جزيل الشكر على هذه المأذية الصباحية فالبرغم من حلاوتها و جماليتها فلقد اقترنت بوفاة مفكر كبير الدكتور المسيري رحمه الله و أسكنه فسيح جناته...فهكذا هي الحياة...

و كما قال حكيم من أهل القول في زمن مضى :

"اعمل لدنياك كأنك تعيش ابدا و اعمل لآخرتك كأنك تموت غدا"

و للحديث بقية إن كان في العمر بقية...دمتم في حفظ الله و رعايته...

أخي العزيز سعيد النويضي أسعدتني هذه القراءة المسهبة للنص و غوصك في اعماقه غوص المتمكن .. كشفت ما قد يخفى على كثير من القراء بل و المؤلف نفسه .. اعتز برأيك كثيرا و أشتدّث به أزرًا فشكرا لك
ورحم الله الدكتور المسيري و غفر له ..
سأكون في انتظار العودة منذ الآن أخي سعيد
دمت في الخير
مودتي

فيصل الزوايدي
07/07/2008, 01:04 AM
:
هو الكاتب يحمل هم الكتابة وعندما تعييه فكرتها يخرج الى الطرقات ترويحا عن النفس,
لكنه ككاتب أصيل يلاحق كل شيء بفكره وببصره.

هل هي قصة بسيطة جداً؟
لا أعتقد أخي فيصل, أتعبني التحليل وأنا أتتبع الكاتب وفكره.

(أليس عجيبًـا ما تـفعَلُهُ الأضدادُ بنـا؟) رائعة هي وما بعدها من أسطر.

لغة متميزة أكدها أكثر من مرور, أغبطك عليها.

طبت أخي وسلمت

أخت فاطمة .. الكتابة تنفس من نوع آخر ..
أسعدني كثيرا رأيك في النص و انا ممتن لدعمك الباذخ و شكرا لهذه الاطلالة المميزة ببهائها
دمت في الخير
مع الود

فيصل الزوايدي
07/07/2008, 01:04 AM
:
هو الكاتب يحمل هم الكتابة وعندما تعييه فكرتها يخرج الى الطرقات ترويحا عن النفس,
لكنه ككاتب أصيل يلاحق كل شيء بفكره وببصره.

هل هي قصة بسيطة جداً؟
لا أعتقد أخي فيصل, أتعبني التحليل وأنا أتتبع الكاتب وفكره.

(أليس عجيبًـا ما تـفعَلُهُ الأضدادُ بنـا؟) رائعة هي وما بعدها من أسطر.

لغة متميزة أكدها أكثر من مرور, أغبطك عليها.

طبت أخي وسلمت

أخت فاطمة .. الكتابة تنفس من نوع آخر ..
أسعدني كثيرا رأيك في النص و انا ممتن لدعمك الباذخ و شكرا لهذه الاطلالة المميزة ببهائها
دمت في الخير
مع الود

فيصل الزوايدي
07/07/2008, 01:12 AM
أخي فيصل الزوايدي
السلام عليكم ورحمة الله
قصة برمزية جميلة ..
هموم الكاتب لا تنتهي، ومهما حاول الابتعاد عنها، هولا محالة عائد إليها..فكأنه لم يخلق سوى لها..
دمت متألقا..
تحيتي.


و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته أخي العزيز الحاج بونيف ..
عبثا يحاول الكاتب الفكاك من تلك الهموم .. فقد خلق لها
أسعدتني اطلالتك الراقية ، كعهدي بك ، فشكرا ايها العزيز
دمت في الخير

فيصل الزوايدي
07/07/2008, 01:12 AM
أخي فيصل الزوايدي
السلام عليكم ورحمة الله
قصة برمزية جميلة ..
هموم الكاتب لا تنتهي، ومهما حاول الابتعاد عنها، هولا محالة عائد إليها..فكأنه لم يخلق سوى لها..
دمت متألقا..
تحيتي.


و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته أخي العزيز الحاج بونيف ..
عبثا يحاول الكاتب الفكاك من تلك الهموم .. فقد خلق لها
أسعدتني اطلالتك الراقية ، كعهدي بك ، فشكرا ايها العزيز
دمت في الخير