ركاطة حميد
05/07/2008, 06:22 PM
قراءة في قصة" أرق "للأستاذ عبد الحميد الغرباوي.*
لقد ترددت كثيرا في اختياري للورقة التي سوف أتدخل بها ، في حق رجل أغنى الساحة الثقافية المغربية والعربية على السواء ، لما تميز به طيلة عقود من الزمن من إبداع متواصل وعمل ذؤوب خدمة لقضية الأدب والوطن والناس عامة .
لقد اعتبرته رائدا من رواد الأدب المغربي الحديث والمعاصر لما تميز به من تنوع على مستوى الإبداع ولما أنتجه ووضعه بين أيدينا من تراكم لتجربة جادة ورصينة ، أصيلة ومتميزة بثرائها الفكري واللغوي وعمقها الفلسفي وبعدها النظري .ولقد اخترت قصة أرق ، وهي تطرح إشكالا فلسفيا عميقا ، وعبثيا يتصل بالوجودية كفلسفة معاصرة لا يمكن اعتبارها منفصلة عن أوضاع العالم العربي المتردي وما يعيشه من أحداث مأساوية .فالاحتجاج على الوجود في العالم يعني ضمنيا الاحتجاج على الآخر ، وعلى الواقع الاجتماعي ، لأن العلاقات داخل النص تظهر بشكل غير إنساني /الحاكم /الأم /النكاثون/البومة ، ولا تقدم الشخوص التي تسبح في هوامش القصر "العامة " أية إمكانية للشعور بأن العالم له قيمه ما الجزاء بالموت الذي يوحي محنة ما يعانيه الإنسان من صعوبات في إدراك حقيقة الوجود وبالتالي ذاته وعليه مواجهة مصيره المأساوي " سفاحه " ومصيره نظرة انتظارية لا يقينية وهو ما حدث لآخر النكاتين .
يقحمنا الأستاذ عبد الحميد الغرباوي في سراديب الحكي اللذيذة من حلال نسج فريد لعوالم المتعة ،يسحبنا إلى الغرائبي والعجائبي من داخل قصر" حاكم "أتعبه الروتين والأرق مل كل ما حوله من نعم وأصبح ينشد شيئا لا تقدر قيمته بثمن ،لم يمتلك مفاتيحه بعد وهو الذي طوع الأرض الخلاء وحولها لجنة خضراء وقهر الأعداء ، لكن في المقابل تسبب في شرخ كبير وأحدث هوة بينه وبين رعاياه فأرسل في طلب من يضحكه ويسعده ، في محاولة يائسة للبحث عن السعادة أو السراب المنفلت من بين قبضته الحديدية وحراسه الأقوياء في محاولة للبحث ضحك مفقود في زمن الضياع . وهذه الصورة الكاريكاتورية، تحول الأحداث إلى مجرد ضحكة وبعدها ينتهي العالم .
هذا الضحك المفقود الممزوج بالتشويق والمتعة جرتنا إليه حيثيات وأحداثه من خلال أسلوب تميز بكثير من الدقة والسلاسة والقوة والغنى اللغوي والصدق في التعبير عن الواقع ، واستعراض لأحداث وفق ارتباط زمني على شكل خط مستقيم مما يزيد في تقوية النص وإعطائه أبعادا دلالية تتجاوز قضية " أرق حاكم "بل رجل تائه في مواجهة سلطته وتسلطه ، وبطشه وقهره وذاته .وتقدم لنا تصورا شموليا يتخذ موقفا من الواقع الموضوعي يتجاوز الحياة الطبيعية للحاكم بقدر ما تأخذ أبعادا فلسفية يقدم من خلالها الكاتب موقفه من الواقع بشكل ضمني .كما نلاحظ حياد السارد واحترام مقاييس المكان والزمان بالإضافة إلى تعدد الأصوات بالإضافة إلى سيادة الشخصية المحورية وغلبة الطابع التأملي والفكري .
كلمات الأم في نهاية القصة "نم ، نم يا قرة عيني ..." هي تبريرات مقدمة للحاضرين بقدر ما هي نعي وحزن هي نهاية كابوس وقبول بالأمر الواقع وتكسير جدار الصمت والتسلط والخوف ، صورة لنهاية جبار .هذا الموقف التراجيدي الساخر في نفس الوقت يهدف إلى إبراز الانحطاط الذي يتصف به ذلك العالم الصغير والمنغلق على نفسه عالم الأبراج العاجية ، والبطل ينم عن امتلاك وعي منحط وسافر بموازاة مع سلطة مطلقة واختلاف في الرؤية الفكرية لصانع القرار .في المقابل نجد الأم وهي رمز لشخصية واعية لكنها متواطئة ومسايرة لنزوات البطل وبالتالي سلبية . أما البومة فهي ندير شؤم لكن في المقابل كانت المرآة التي عرت زيف البطل وكشفت دواخله المليئة بالأفكار السوداء وتمثل وعيه الساذج وضياعه ..ويمكن اعتبارها "بطلا" من نوع آخر فهي التي فجرت خيوط الحكي رغم أنها متشرنقة مثله داخل همومها الخاصة تبحث عن قيم جديدة لمجتمع يعاني من التمزق والتفاوت الطبقي وبالتالي شخصية مارقة إنها صورة البطل الأخرى الخفية والمتوارية بين تضاريس الحكاية .
كما تبعث قصة أرق العديد من الرسائل وحابلة بالكثير من الحكم داخل أجواء سردية يمكن أدراجها ضمن أدب الأطفال والكبار على حد السواء ، نظرا لما تحمله من مواعظ ومن قيم جمالية وأخلاقية وفنية تنم عن ذوق رفيع جدا .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* قراءة كان مقررا إلقاؤها في حفل تكريم الأستاذ عبد الحميد الغرباوي بالدار البيضاء .
الأستاذ ركاطة حميد
لقد ترددت كثيرا في اختياري للورقة التي سوف أتدخل بها ، في حق رجل أغنى الساحة الثقافية المغربية والعربية على السواء ، لما تميز به طيلة عقود من الزمن من إبداع متواصل وعمل ذؤوب خدمة لقضية الأدب والوطن والناس عامة .
لقد اعتبرته رائدا من رواد الأدب المغربي الحديث والمعاصر لما تميز به من تنوع على مستوى الإبداع ولما أنتجه ووضعه بين أيدينا من تراكم لتجربة جادة ورصينة ، أصيلة ومتميزة بثرائها الفكري واللغوي وعمقها الفلسفي وبعدها النظري .ولقد اخترت قصة أرق ، وهي تطرح إشكالا فلسفيا عميقا ، وعبثيا يتصل بالوجودية كفلسفة معاصرة لا يمكن اعتبارها منفصلة عن أوضاع العالم العربي المتردي وما يعيشه من أحداث مأساوية .فالاحتجاج على الوجود في العالم يعني ضمنيا الاحتجاج على الآخر ، وعلى الواقع الاجتماعي ، لأن العلاقات داخل النص تظهر بشكل غير إنساني /الحاكم /الأم /النكاثون/البومة ، ولا تقدم الشخوص التي تسبح في هوامش القصر "العامة " أية إمكانية للشعور بأن العالم له قيمه ما الجزاء بالموت الذي يوحي محنة ما يعانيه الإنسان من صعوبات في إدراك حقيقة الوجود وبالتالي ذاته وعليه مواجهة مصيره المأساوي " سفاحه " ومصيره نظرة انتظارية لا يقينية وهو ما حدث لآخر النكاتين .
يقحمنا الأستاذ عبد الحميد الغرباوي في سراديب الحكي اللذيذة من حلال نسج فريد لعوالم المتعة ،يسحبنا إلى الغرائبي والعجائبي من داخل قصر" حاكم "أتعبه الروتين والأرق مل كل ما حوله من نعم وأصبح ينشد شيئا لا تقدر قيمته بثمن ،لم يمتلك مفاتيحه بعد وهو الذي طوع الأرض الخلاء وحولها لجنة خضراء وقهر الأعداء ، لكن في المقابل تسبب في شرخ كبير وأحدث هوة بينه وبين رعاياه فأرسل في طلب من يضحكه ويسعده ، في محاولة يائسة للبحث عن السعادة أو السراب المنفلت من بين قبضته الحديدية وحراسه الأقوياء في محاولة للبحث ضحك مفقود في زمن الضياع . وهذه الصورة الكاريكاتورية، تحول الأحداث إلى مجرد ضحكة وبعدها ينتهي العالم .
هذا الضحك المفقود الممزوج بالتشويق والمتعة جرتنا إليه حيثيات وأحداثه من خلال أسلوب تميز بكثير من الدقة والسلاسة والقوة والغنى اللغوي والصدق في التعبير عن الواقع ، واستعراض لأحداث وفق ارتباط زمني على شكل خط مستقيم مما يزيد في تقوية النص وإعطائه أبعادا دلالية تتجاوز قضية " أرق حاكم "بل رجل تائه في مواجهة سلطته وتسلطه ، وبطشه وقهره وذاته .وتقدم لنا تصورا شموليا يتخذ موقفا من الواقع الموضوعي يتجاوز الحياة الطبيعية للحاكم بقدر ما تأخذ أبعادا فلسفية يقدم من خلالها الكاتب موقفه من الواقع بشكل ضمني .كما نلاحظ حياد السارد واحترام مقاييس المكان والزمان بالإضافة إلى تعدد الأصوات بالإضافة إلى سيادة الشخصية المحورية وغلبة الطابع التأملي والفكري .
كلمات الأم في نهاية القصة "نم ، نم يا قرة عيني ..." هي تبريرات مقدمة للحاضرين بقدر ما هي نعي وحزن هي نهاية كابوس وقبول بالأمر الواقع وتكسير جدار الصمت والتسلط والخوف ، صورة لنهاية جبار .هذا الموقف التراجيدي الساخر في نفس الوقت يهدف إلى إبراز الانحطاط الذي يتصف به ذلك العالم الصغير والمنغلق على نفسه عالم الأبراج العاجية ، والبطل ينم عن امتلاك وعي منحط وسافر بموازاة مع سلطة مطلقة واختلاف في الرؤية الفكرية لصانع القرار .في المقابل نجد الأم وهي رمز لشخصية واعية لكنها متواطئة ومسايرة لنزوات البطل وبالتالي سلبية . أما البومة فهي ندير شؤم لكن في المقابل كانت المرآة التي عرت زيف البطل وكشفت دواخله المليئة بالأفكار السوداء وتمثل وعيه الساذج وضياعه ..ويمكن اعتبارها "بطلا" من نوع آخر فهي التي فجرت خيوط الحكي رغم أنها متشرنقة مثله داخل همومها الخاصة تبحث عن قيم جديدة لمجتمع يعاني من التمزق والتفاوت الطبقي وبالتالي شخصية مارقة إنها صورة البطل الأخرى الخفية والمتوارية بين تضاريس الحكاية .
كما تبعث قصة أرق العديد من الرسائل وحابلة بالكثير من الحكم داخل أجواء سردية يمكن أدراجها ضمن أدب الأطفال والكبار على حد السواء ، نظرا لما تحمله من مواعظ ومن قيم جمالية وأخلاقية وفنية تنم عن ذوق رفيع جدا .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* قراءة كان مقررا إلقاؤها في حفل تكريم الأستاذ عبد الحميد الغرباوي بالدار البيضاء .
الأستاذ ركاطة حميد