المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لمن أمنح دمي ( مريم محمود العلي )



مريم محمود العلي
09/07/2008, 07:09 PM
لمن أمنح دمي


أخذتْ تحومُ فوقَ رأسي .. تفرضُ عليَّ سماعَ ألحانِها التي تتشنّجُ لها أعصابي وتشمئزُّ منها نفسي .. حاولتُ إصابتها بضرباتٍ عشوائيةٍ من يدي ، لكنْ دونَ جدوى فهي تبتعدُ للحظاتٍ قصيرةٍ ثمَّ تعودُ من جديد .
أرخيتُ أعصابي وانتظرتُ أنْ تحطَّ رحالها على موضعٍ ما من جسدي .
وقفتْ فوقَ جبيني ، وقبلَ غرزِ إبرتِها في لحمي ، استجمعتُ قوّتي وهويتُ عليها بكفّي لكنَّ اللعينةَ طارتْ قبلَ أن تصلَ إليها يدي ، واكتشفتُ أنّي ما ضربتُ إلا نفسي مما زادَ إرهاقَ أعصابي .
بينما أنا في هذهِ الدوامةِ سمعتُ صوتاً يخاطبُني :
- أستاذ .. أستاذ .. أتريدُ أن أخلصَكَ منها ؟.
التفتُّ إلى مصدرِ الصوتِ ونظرتُ باستهزاءٍ إلى محدّثي ، ثمّ أجبتُهُ :
- أنتَ أيّها القزمُ !.
- أجلْ .
- كيف ؟.
- بنفخةٍ واحدةٍ .
صرختُ بهِ متعجّباً: أنا الرجلُ الطويلُ العريضُ المنكبينِ لا أستطيعُ قتلَها وأنتَ بنفخةٍ واحدةٍ تقضي عليها !.
-لا يغرُّكَ الشكلُ أيّها السيدُ ، وكما يقولُ المثلُ " الحجر التي لا تعجبك تفجك "
تأملتُهُ وأنا أسترجعُ ذاكرتي ، لقدْ رأيتُهُ منْ قبل ، وسرعانَ ما تذكرتُهُ فقلتُ لهُ : أنتَ الذي يستعرضُ عضلاتَهُ كلَّ يومٍ على شاشةِ التلفزيون .
- أجلْ أنا مبيدُ الحشراتِ .. جرّبني وستعرفُ كمْ أنا مفيدٌ لكَ ولأعصابِكَ .
- ماذا تريدُ مقابلَ ذلك ؟.
تمتمَ : لاشيء . واستدركَ قائلاً : مئةٌ وخمسونَ ليرة .
صرختُ بهِ : مئةٌ وخمسونَ ليرة ، أجرةُ يومٍ كاملٍ ، لا شكراً لكَ ولخدماتِكَ .
- لماذا يا سيدي ؟.
- لا أريدُ منكَ شيئاً .. دعني وشأني .
نظرَ إليَّ باستخفافٍ وقالَ : لتحترقْ أعصابَكَ إذن .
وما إنْ رحلَ عني حتى انتابَني شعورُ الشوقِ إلى البعوضةِ المسكينة ، ويبدو أنها أحسّتْ بي فعادتْ تغرّدُ حولي .
شعرتُ بالارتياحِ ورحبتُ بها : أهلاً بكِ في أيِّ وقتٍ تشائين.
نظرتْ إليَّ مستغربةً وهمستْ : ما بكَ يا سيدي ؟.
- لاشيء .. اكتشفتُ أنكِ صديقةٌ رائعةٌ .
- رفرفتْ بجناحيها وابتعدتْ قليلاً ، ثمَّ عادتْ متسائلةً :كيفَ وأنا أمتصُّ دمَكَ ؟.
- خذي منهُ ما تشائين .
- "إن لله في خلقه شؤون " ماذا ألمَّ بكَ يا سيدي !؟.
- أدركتُ أنكِ صديقةٌ مخلصةٌ لأنكِ تنسيني همومي عندما تأتينَ إليَّ وكلُ حاجتِكِ مني هيَ نقطةُ دمٍ صغيرةٍ لنْ تؤثرَ بي إذا أعطيتُكِ إياها منْ بحرِ الدمِ الذي يموجُ في عروقي .
- مستحيل ! .. لا أصدقُ ما أسمع !.
- أنتِ أفضلُ ألفَ مرّةٍ منْ مبيدِ الحشراتِ الذي يريدُ أن يمتصَّ دمي كلَّهُ .
- شكراً لكَ يا سيدي .
- تعالي .. أينَ تذهبين ؟.
- كرمُكَ أخجلَني .
- لا .. لا تخجلي فأنا أمنحُكِ ما تريدينَ بسرور .
حلقتْ بعيداً وتركتْني وحيداً دونَ مؤنسٍ .. شعرتُ بوحشةٍ تداهمُ ذاتي ، ووجدتُني مشتاقاً للبعوضةِ ولسماعِ ألحانِها ، لأصبَّ جامَ غضبي عليها علّني أنسى همومي ومتاعبي وأتخلصُ منْ لجّةِ التفكيرِ في الراتبِ الشهريِّ الذي يتبخرُ بعدَ يومينِ منْ تشريفِهِ إلى جيبي.

مريم محمود العلي

بديعة بنمراح
19/10/2008, 12:41 AM
:)
لو كانت كل متاعبنا كلسعة باعوضة لهان الأمر
أختي مريم
لقد استطاع نصك أن ينزع مني ابتسامة.
لك الود و التقدير

على عطية
19/10/2008, 09:37 AM
ساخرة مؤلمة
تصفعنا بكف قد من صوانة ميتة قبل الحياة

تهين علينا دمانا ...
تفرط في اروحنا ولكنها تدعونا للثراء

باذخة في الترويغ بالآلام ...
ووهم الوجع
وتخدير موضع الموت.

المبدعة مريم محمود
تقبلي مروري

أبوعباد

عبيدة ابو رميلة
19/10/2008, 12:09 PM
خيار صعب
على الرغم من كثرة قطرات الدماء في الجسد صعب جدا التنازل عنها ولو لبعوضة
اسعدتني قراءة هذه المشاركة الباسمة والمحيرة في ذات الوقت