المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اتفاقيات ومؤتمرات وربطات عنق ... والنتيجة عراق يختنق !!



عبدالوهاب محمد الجبوري
18/07/2008, 10:53 AM
اتفاقيات ومؤتمرات وربطات عنق ... والنتيجة عراق يختنق !!
الباحث : عبدالوهاب محمد الجبوري
بات من المؤكد أن تعقيدات الوضع العراقي التي خرجت عن حدود المعقول ، والتي جاءت كنتيجة مباشرة للاحتلال الأمريكي وإفرازاته اللاحقة ، قد كشفت عن معضلات خطيرة يعاني منها العراقيون وفي مقدمتها انعدام الأمن والاستقرار والتهجير والقتل على الهوية والعقوبات الجماعية وتدمير البلاد وحرمان أهلها من التمتع بخيراتها ... الخ ، وتأتي مشكلة التوازنات السياسية التي فرضها واقع الاستقطاب السياسي ، الذي استغل تعدد الأديان والمذاهب والطوائف لأغراض سياسية ومصالح أنانية ضيقة ، لتساهم هي الأخرى في استبعاد أطياف مهمة من الشعب العراقي عن العملية السياسية و تهميش معظم الكفاءات العراقية المستقلة ، وبالتالي فان هذه الكفاءات قد وضعت قسرا أمام خيارين لا ثالث لهما ، إما الانضمام إلى هذا الحزب أو ذاك ، وبالتالي فان البلاد سوف لن تستفيد من خبراتها لأنها ستعمل على أجندة حزبها الذي تنتمي إليه ، وإما هروبها إلى الخارج وخدمة بلدان أخرى غير بلدانها ، ويكفي أن الإحصائيات تشير إلى أن أكثر من ( 24000) طبيب عراقي لاجيء في بريطانيا وبعض البلدان الأوربية على سبيل المثال لا الحصر ..
وهكذا نجد يوما بعد آخر أن العراق يعود خطوات إلى الوراء في الطريق الذي رسمه الاحتلال والذي ادعى انه يقود إلى قيام دولة المؤسسات والديمقراطية الحقيقية ، أو بالأحرى انه يتقدم بخطى سريعة وواسعة نحو التحول إلى أقطاعات سياسية وحزبية ، ففي الوقت الذي يتزاحم فيه سياسيو العراق ( الجديد ) على منابر الإعلام ليدلي كل منهم تبعا لانتمائه السياسي والطائفي أو العرقي وبشكل أدق تبعا لانتمائه ألمصلحي ، فإنهم يشتركون في نقطة واحدة جوهرية ، وهي بعدهم عن ملامسة جوهر المشاكل والتهديدات التي تعصف بالعراق ..
وفي هذا التزاحم والتسابق الذي احترفه ممثلو السياسة العراقية يتوالى عقد اللقاءات والتحالفات والمؤتمرات الداخلية والخارجية ، ولكنها تفشل في النهاية في تحقيق الهدف المشترك الذي ينقذ البلاد من محنتها ، وفي ضوء متابعتنا للأحداث واستقرائنا لتطوراتها ومعرفتنا العامة بأجندات وبرامج الأطراف الحاكمة المتخاصمة يمكن الوقوف على عوامل فشل التوصل إلى الحلول النهائية والحاسمة وأبرزها :
الأول : هو عدم قدرة هذه الأطراف على وضع هدف مشترك يمكنها تحقيقه والوصول إليه ..
الثاني :إمكانية وجدية الأطراف الساعية إلى تحقيق هذا الهدف ..
الثالث : الأسلوب أو الطريق الذي يستهدف الحوار اكتشافه ..
فلقد أثبتت الحوارات العراقية أنه مع بدايتها يغيب الهدف المشترك ومعه يغيب السعي إلى اكتشاف الطريق المؤدي إليه وبالتالي يخرج الحوار عن مساره الصحيح ليتشعب إلى مسالك كثيرة تبتعد عن اتجاهاتها الصحيحة أو المطلوبة ، ولعل من أسباب ذلك هو أن لكل فريق أو طرف أهداف غير الأهداف المعلنة ، حيث يسعى كل منها لتحقيق اكبر ما يمكن من هذه الأهداف على حساب الطرف الآخر ..
وبالطبع فان مثل هذا الأسلوب في الحوار لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يحقق أهدافه المطلوبة أو يخرج بنتيجة ترضي جميع الأطراف ، لان مثل هذه النتيجة لا يمكن تحقيقها إلا بالإكراه ، والإكراه ليس من آليات الحوار والاتفاق .. من هنا يمكن القول أن معظم الحوارات واللقاءات والمؤتمرات لم تحقق أهدافها وتخرج بالنتيجة الحاسمة التي ينتظرها الشعب العراقي للخلاص من محنته .. ولهذا يقول بعض الخبراء والمحللين الغربيين المهتمين بالقضية العراقية ، إن المحاورين العراقيين يستهدفون تحقيق المكاسب ، وبالذات مكاسب الهيمنة أكثر من سعيهم إلى الوصول إلى تحقيق هدف مشترك ، وحين لا يفشل الحوار لا يبقى أمام الأطراف المتحاورة إلا الحرب والتقاتل لتحقيق أهدافها الخاصة ..
هكذا يرى الكثير من المحللين العرب والأجانب وحتى العراقيين ، أن الحالة العراقية تقع في هذه الدائرة بالضبط ، وللخروج من هذه الدائرة يتعين على الأطراف العراقية أن تأتي إلى الحوار وهي متفقة مسبقا على هدف مشترك واحد هو استكمال بناء جيش قوي مسلح بأحدث الأسلحة ومدرب تدريبا جيدا ويضم كل القيادات والكوادر العسكرية السابقة المشهود لها بالولاء المطلق للوطن والمتميزة بكفاءاتها وقدراتها الفنية والمهنية والعسكرية والتي لا تمثل أي حزب أو فئة سياسية ، فضلا عن تشكيل مؤسسات الأمن القومي على نفس الأسس ، وكل هذا من اجل أن تتهيأ الأجواء لخروج المحتل من البلاد ومن ثم اتفاق الأطراف المتحاورة على تحقيق الهدف الاستراتيجي المشترك وهو تحقيق الأمن والاستقرار والرفاهية للشعب تمهيدا لإقامة الدولة الديمقراطية الموحدة ، التي يتمتع أبناؤها بالحرية والسلام والتقاسم العادل للسلطة والثروة ...
وخير الأمثلة على ما ذكرناه هو الحوارات التي شهدتها عملية كتابة الدستور والتي تركزت على التقاسم وليس على التوحيد وتركزت أيضا على بناء القوة الذاتية للمكونات السياسية الحاكمة أكثر من تركيزها على بناء القوة المشتركة للدولة الواحدة .. فهذا نوع من الحوارات التي لم يتفق المتحاورون فيها على هدف مشترك ، إنما كان لكل طرف هدفه المضمر الخاص الذي يسعى إلى تحقيقه على حساب الهدف المعلن وهو بناء عراق موحد ديمقراطي مستقل استقلالا كاملا ..
وهذا النموذج من الحوارات ينطبق على الكثير من اللقاءات والمؤتمرات التي عقدت داخل العراق وخارجه والتي لم توصل إلى تحقيق الهدف المنشود مما زاد من معاناة العراقيين وخيبة أملهم بالوعود التي مازالوا يسمعونها من هذا الطرف الحاكم أو ذاك ولكن دون نتيجة حاسمة للأسباب التي ذكرناها آنفا ، وبذلك تشتد المعاناة ويزداد الخناق على العراقيين من هول المأساة وشدتها والتي لم يشهد شعب مثيلا لها في التاريخ القديم أو الحديث ..
عند هذه النقطة استشهد بما ذكره الزميل ( انليل ) في جريدة ( آشوريون ) حيث ذكر في مقالة ما معناه انه في خضم هذا التسابق في الحوارات التي لا تمس جوهر المشاكل والتهديدات التي تعصف بالعراق جاءت تصريحات البعض من هؤلاء ، بخصوص زيارة رئيس الوزراء العراقي إلى طهران ، وبالأخص موضوع خلعه لربطة العنق أثناء لقائه بالمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية فوصف بعضهم هذا الأمر بالرضوخ في حين وصفه آخر بأنه احترام للمشاعر الإيرانية أكثر من العراقية ، وأضاف( انليل ) بالحرف الواحد ( وبين هذا وذاك تم تمرير واحد من اخطر الأمور التي تمخضت عنها الزيارة واقصد هنا اتفاق التعاون الأمني الذي وقعه وزيرا دفاع الدولتين ... فقد غض سياسيونا النظر عن هذه الاتفاقية التي عقدت من دون الرجوع إلى البرلمان ) – رغم تحفظي على أداء هذا البرلمان حسب انليل – وذكر أيضا أن ، أن أعضاء البرلمان منشغلون بمناقشة أمور من قبيل زيادة رواتبهم في الوقت الذي يتم فيه التفاوض مع الولايات المتحدة بشان اتفاقية خطيرة متعلقة بوضع القوات الاميريكية والإطار القانوني لوجودها وكذلك في الوقت الذي تمرر فيه اتفاقية التعاون الأمني مع إيران ) ..
هكذا رأينا كيف تسير المناقشات لتقرير مصير العراق وكيف يتم توجيه الحوار بالاتجاهات التي تخدم مصالح حزبية وفئوية أكثر مما تخدم مصالح الشعب العراقي . .
وأخيرا اختم حديثي بما ختم به انليل ، وهو أن كلتا الاتفاقيتين مجهولتين للمــــواطن العراقي ( وممثليه ) ، ألا يتفق معي القادة الجدد بان إلزام العراق باتفاقات مع دول أخرى أمر أكثر أهمية من ربطة عنق رئيس الوزراء ؟
هذا غيض من فيض ديمقراطية ومؤسساتية وقانونية دولة العراق الجديد ، فما بين الحوارات والاتفاقيات وربطات العنق يختنق العراق ويحتضر أبناؤه ..
ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم
*********************
مراجع مستفادة
1 . محمد عبدالجبار شبوط ، جريدة الصباح العراقية في 25/ 6/ 2007
2 . احمد جليل الويس ، جريدة الصباح في 17/ 12/ 2006
3 . انليل ، جريدة آشوريون العراقية ، في 4/ 6/
( كن ديبلوماسيا ولكن لا تتخلى عن مبادئك )