المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العلاقة بين النص وكاتبه



فيصل عبد الوهاب
19/07/2008, 11:20 PM
((العلاقة بين النص وكاتبه))

جاءت نظرية ((موت المؤلف)) لتعلن انحسار العلاقة بين النص وكاتبه إلى أضيق حد بحيث أصبحت سلطة المؤلف لا تتعدى الانتساب إلى النص وليس بإمكان المؤلف الدفاع عن آرائه أو مقاصده لأنها غير مهمة في نظر القراء والنقاد.. ولكن هناك أسئلة جديدة تستثيرها هذه العلاقة وتؤطرها.. مثلا هل يعكس النص تصورات صاحبه أم أنه يمثل شخصا آخر لا علاقة له بالمؤلف؟.. هناك نظرية اسبق في أن ((الأسلوب هو الرجل)) وهي تتعارض تماما مع معطيات نظرية ((موت المؤلف)). في النظرية الأولى يموت المؤلف وفي الثانية يحضر بقوة ولا انفصام بينه وبين نصه.
ومن تجاربنا في هذا المجال نجد أن المؤلف يتحدث عن نفسه غالبا حتى عندما يتحدث عن الآخرين وليس بإمكانه التخلص من موروثاته الاجتماعية والثقافية والسياسية بل انه غالبا ما يسقطها على نصه دون أن يدري. والنقاد السيكولوجيون منهمكون في هذا الاتجاه إلى حد التمحل بحيث لا يتركون شاردة أو واردة إلا ويفسرونها في هذا الاتجاه. ولنأخذ مثالين حيين من محيطنا الاجتماعي: الأول، شاعر اعتاد على الهجاء في شعره وهو يتفنن في شتائمه ويصوغها بمجازات مثيرة تصل حد الكوميديا السوداء.. ولو قارنا هذا الشاعر بشاعر آخر من الطراز نفسه أي شاعر هجاء نجد أن الشاعر الثاني يصل بهجائه إلى درجة راقية وفن رفيع في استعراض عيوب مجتمعه ومهاجمتها بطريقة فنية رائعة ويمكن أن نطلق على فنه بأنه ((هجاء رفيع)) بينما في حالة الشاعر الأول يكون ((هجاءاَ هابطا)) تماما مثل الكوميديا الهابطة أو ما تسمى بـ((الفارس)) على النقيض من الكوميديا الراقية الممثلة في كوميديات شكسبير على سبيل المثال. هنا نستطيع الجزم أن الشاعر الأول يعبر عن بيئة هابطة هي التي عاشها والمفردات التي استقاها منها لا يمكن أن تترعرع في غير بيئته.. بينما الشاعر الثاني يعبر عن بيئة راقية ووسط اجتماعي رفيع المستوى (ورفعة المستوى لا علاقة له بالتقسيمات الطبقية المعروفة). ونستنتج هنا انه يمكن التعبير عن أي موضوع بأسلوبين: الأسلوب الأول فج ومباشر ومبتذل والأسلوب الثاني لماح وغير مباشر وراق، تبعا لشخصية المؤلف.. ويعود بنا هذا الاستنتاج إلى نظرية ((الأسلوب هو الرجل))..
المثال الثاني: أستاذ جامعي يحيل كل موضوع إلى التابوهات المعروفة وخاصة الجنس.. والمهنة هنا تدل على رقي هذا الشخص ورفعة مكانته الاجتماعية ولكن بيئته التي عاشها ووسطه الاجتماعي لا يتعامل إلا بهذه المفردات وبشكل هابط ومتدن.. فلم يستطع هذا الأستاذ-رغم اكتسابه للمعارف الهائلة- أن يتخلص من الإرث الاجتماعي وبيئته التي قولبت نفسيته وحنطت أفكاره.. وهنا أيضا ينتصر السيكولوجيون ويجبروننا على الإحالة إلى نظرية ((الأسلوب هو الرجل))..
وهذه النظرية تعزز من النقد الذي يعتمد على سيرة الكاتب ويفسر نصه على أنه إسقاطات لسيرته الحياتية.. ومع تقديرنا لهذه النظرية إلا أن التجربة أثبتت أن المسألة ليست على هذه الدرجة من التبسيط.. فالكاتب ينهل من تجارب الآخرين ويوظفهم كأقنعة له ولكن هذا التوظيف يرتبط بشبكة معقدة من العلاقات بين المؤلف وتلك التجارب وطريقة تفاعله معها بقدر ما يرتبط بتجاربه الشخصية وانعكاساتها.. وبهذا فان النقاد الذين يعتمدون السيرة الذاتية كأساس في نقدهم لنصوص المؤلف غالبا ما يخطئون ويجانبون الحقيقة لأنهم بكل بساطة لا يمكنهم التمييز بين تجارب المؤلف وتجارب الآخرين ولا يمكنهم تحديد طريقة تفاعله معها.. ونقول غالبا لأن بعض هؤلاء النقاد ينجحون فعلا في تفسيراتهم العميقة في تفكيك شبكة العلاقات المعقدة هذه..

فيصل عبد الوهاب
19/07/2008, 11:20 PM
((العلاقة بين النص وكاتبه))

جاءت نظرية ((موت المؤلف)) لتعلن انحسار العلاقة بين النص وكاتبه إلى أضيق حد بحيث أصبحت سلطة المؤلف لا تتعدى الانتساب إلى النص وليس بإمكان المؤلف الدفاع عن آرائه أو مقاصده لأنها غير مهمة في نظر القراء والنقاد.. ولكن هناك أسئلة جديدة تستثيرها هذه العلاقة وتؤطرها.. مثلا هل يعكس النص تصورات صاحبه أم أنه يمثل شخصا آخر لا علاقة له بالمؤلف؟.. هناك نظرية اسبق في أن ((الأسلوب هو الرجل)) وهي تتعارض تماما مع معطيات نظرية ((موت المؤلف)). في النظرية الأولى يموت المؤلف وفي الثانية يحضر بقوة ولا انفصام بينه وبين نصه.
ومن تجاربنا في هذا المجال نجد أن المؤلف يتحدث عن نفسه غالبا حتى عندما يتحدث عن الآخرين وليس بإمكانه التخلص من موروثاته الاجتماعية والثقافية والسياسية بل انه غالبا ما يسقطها على نصه دون أن يدري. والنقاد السيكولوجيون منهمكون في هذا الاتجاه إلى حد التمحل بحيث لا يتركون شاردة أو واردة إلا ويفسرونها في هذا الاتجاه. ولنأخذ مثالين حيين من محيطنا الاجتماعي: الأول، شاعر اعتاد على الهجاء في شعره وهو يتفنن في شتائمه ويصوغها بمجازات مثيرة تصل حد الكوميديا السوداء.. ولو قارنا هذا الشاعر بشاعر آخر من الطراز نفسه أي شاعر هجاء نجد أن الشاعر الثاني يصل بهجائه إلى درجة راقية وفن رفيع في استعراض عيوب مجتمعه ومهاجمتها بطريقة فنية رائعة ويمكن أن نطلق على فنه بأنه ((هجاء رفيع)) بينما في حالة الشاعر الأول يكون ((هجاءاَ هابطا)) تماما مثل الكوميديا الهابطة أو ما تسمى بـ((الفارس)) على النقيض من الكوميديا الراقية الممثلة في كوميديات شكسبير على سبيل المثال. هنا نستطيع الجزم أن الشاعر الأول يعبر عن بيئة هابطة هي التي عاشها والمفردات التي استقاها منها لا يمكن أن تترعرع في غير بيئته.. بينما الشاعر الثاني يعبر عن بيئة راقية ووسط اجتماعي رفيع المستوى (ورفعة المستوى لا علاقة له بالتقسيمات الطبقية المعروفة). ونستنتج هنا انه يمكن التعبير عن أي موضوع بأسلوبين: الأسلوب الأول فج ومباشر ومبتذل والأسلوب الثاني لماح وغير مباشر وراق، تبعا لشخصية المؤلف.. ويعود بنا هذا الاستنتاج إلى نظرية ((الأسلوب هو الرجل))..
المثال الثاني: أستاذ جامعي يحيل كل موضوع إلى التابوهات المعروفة وخاصة الجنس.. والمهنة هنا تدل على رقي هذا الشخص ورفعة مكانته الاجتماعية ولكن بيئته التي عاشها ووسطه الاجتماعي لا يتعامل إلا بهذه المفردات وبشكل هابط ومتدن.. فلم يستطع هذا الأستاذ-رغم اكتسابه للمعارف الهائلة- أن يتخلص من الإرث الاجتماعي وبيئته التي قولبت نفسيته وحنطت أفكاره.. وهنا أيضا ينتصر السيكولوجيون ويجبروننا على الإحالة إلى نظرية ((الأسلوب هو الرجل))..
وهذه النظرية تعزز من النقد الذي يعتمد على سيرة الكاتب ويفسر نصه على أنه إسقاطات لسيرته الحياتية.. ومع تقديرنا لهذه النظرية إلا أن التجربة أثبتت أن المسألة ليست على هذه الدرجة من التبسيط.. فالكاتب ينهل من تجارب الآخرين ويوظفهم كأقنعة له ولكن هذا التوظيف يرتبط بشبكة معقدة من العلاقات بين المؤلف وتلك التجارب وطريقة تفاعله معها بقدر ما يرتبط بتجاربه الشخصية وانعكاساتها.. وبهذا فان النقاد الذين يعتمدون السيرة الذاتية كأساس في نقدهم لنصوص المؤلف غالبا ما يخطئون ويجانبون الحقيقة لأنهم بكل بساطة لا يمكنهم التمييز بين تجارب المؤلف وتجارب الآخرين ولا يمكنهم تحديد طريقة تفاعله معها.. ونقول غالبا لأن بعض هؤلاء النقاد ينجحون فعلا في تفسيراتهم العميقة في تفكيك شبكة العلاقات المعقدة هذه..