المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وراء السراب ... قليلا / رواية لابراهيم درغوثي / الفصل السادس



ابراهيم درغوثي
20/07/2008, 12:58 AM
وراء السراب ... قليلا


رواية


ابراهيم درغوثي




الباب السادس



في ذكر عودة " العزيز " من صفاقس و دخوله " عتيقة " فاتحا .
و يحتوي على أسرار طرده من رحمة العائلة و تفاصيل عن العريضة التي تم بمقتضاها الطرد .
كما يحتوي على الحوادث التي قادته إلى الهجرة القسرية من " عتيقة " إلى " قرط حدشت ".

( 1 )


و أفقنا يوما على ضربات البنائين على باب الماخور . هدم الرجال الحائط و أطل أحدهم من كوة صغيرة و هو ينادي :
- لقد وفينا بالعهد يا " سيدة " فافتحي للزائرين.
قالت :
- هل وصل هلال السنة الجديدة ؟
فرد :
- عامك سعيد يا سيدتي ... هات البشارة .
أعطته قرطين من الذهب الخالص ، فباشر إصلاحاته في الحي الخارج من سبات عام قمري.
و طلبتني من دار إحدى بناتها ، فوسدتني فخذها و همست :
- غدا ، عند انبلاج الفجر ، حين يصير بمقدورك أن تميز الخيط الأبيض من الخيط الأسود ، سيصل حصان له ألف جناح . سيطير الحصان قريبا من سطح بيتنا هذا فلا تخف . إنه حصان أبيك العائد من طوافه بين جنان الخلد.
سأركب الحصان وراء رجلي .
و سكتت مدة ثم قالت :
- غادر هذا الحي يا ولدي عند شروق الشمس و لا تعد إليه أبدا .
و قامت .
فقمت وراءها ألملم ذاكرتي المقتولة و أسأل عن طريق محطة القطار .


( 2 )


حين نزلت من العربة الخلفية للقطار في المحطة الخالية ، أطلق صفيره و اندفع غربا . أزت عجلات الحديد على الحديد برهة ثم بدأت في طحن الرمل . كنت أعرف أن هذه المحطة هي الأخيرة و أن لا سكة حديد بعدها لكنني رأيت القطار يبتعد داخل المهمه القفر و يغيب عن ناظري شيئا فشيئا إلى أن ابتلعه الشفق الأحمر .
مشيت مدة وراءه إلى أن انتهت سكة الحديد و عوضتها آثار أخفاف الجمال على الرمال الطرية فوقفت أستكشف الموقع.
هل أخطأت محطتي و هبطت في مكان آخر ؟ ربما...
لكن شجيرات الرتم المقابلة للمحطة مازالت في مكانها.
و بحثت عن القرية فلم أجد لها أثرا. و قادتني خطاي إلى تلة . صعدت التلة و أمعنت النظر فرأيت في البعيد شكلا يشبه البيت . قصدت البيت ، لكنني كلما أمعنت في الاقتراب منه أمعن في الهرب مني . و مشيت بقية ذلك اليوم و كامل الليلة التالية وراء البيت إلى أن هدني التعب و لم أصل إليه ، فنمت في مكاني.
أفقت في الصباح على هدير القطار . رأيته يبتلع آثار أخفاف الجمال المرسومة بإتقان على الطل النازف على الأرض ثم يركب سكة الحديد من جديد و يهرب شرقا. و أنا ألوح بمنديلي في كل الاتجاهات لعل راكبا يراني . لكن عربات القطار كانت خالية. كل العربات كانت خالية بدون استثناء . حتى عربة القيادة لم يكن بها سائق . و كنت الوحيد الشاهد على مرور القطار .
و انتبهت إلى أنني مازلت جالسا في المكان الذي نزلت فيه عشية الأمس ، قريبا من شجيرات الرتم .
بحث مرة أخرى عن أثر يدلني على طريق القرية فلم أجد غايتي فقلت لأضربن في الأرض كالعميان ، و عصبت عيني بمنديل و هجمت على مسارب الجبل فقطعتها خفيفا أسرع من المبصرين و لم أقف إلى أن شممت رائحة النار.
هذه الرائحة أعرفها. و أمعنت في الشم فعرفت رائحة حطب النخل الملتهب . ورفعت العصابة عن عيني فرأيت باب السور . باب ضخم واقف أمامي بدفتيه الكبيرتين . دفتان عاليتان مصفحتان بالحديد و النحاس تزينهما رسوم و طلاسم.
و تلفت في كل الاتجاهات أبحث عن السور فلم أجد له أثرا . فاندهشت و قلت متعجبا : " باب ينغلق على لا شيء ".
و بقيت مدة أمام الباب أفكر . هل أمر من خلاله أم أجانبه و أدخل القرية ، فلا حائط يعيق تقدمي.
و عزمت على دخول القرية فاتحا فوضعت يدي على الخشب برفق و قلت : " باسمك اللهم أدخل هذه القرية آمنا "، فانفتح الباب و كأن أيادي خفية تجذبه من الخلف.
و دخلت القرية من بابها الكبير . بسلمت و أوسعت الخطى فرأيت المباني تخرج من الأرض ثم ترتفع رويدا رويدا إلى أن تستوي على اليابسة . و سمعت الكلاب تعوي و الديكة تصيح . وجرى أمامي الأطفال . و خرجت النساء إلى الغدير يملأن الماء و يغسلن الثياب و يطهرن من الجنابة .
و ساق الرجال الحمير أمامهم باتجاه الواحة.
قلت : هو سحر ورب البيت.
و قصدت دارنا.
حين قرعت باب السقيفة تجاوب الصدى مع دقاتي . فظللت أدق و أدق إلى أن كل متني.
و هممت بمغادرة المكان لكن الباب فتح و أطل منه رجل لم أعهده في خدمتنا.
قال : تفضل . مجلس العائلة في انتظارك
قلت متعجبا : في انتظاري
رد لا مباليا بحيرتي : لقد انتهوا الآن إلى قرار بشأنك ، ووافق جميع أعمامك على القرار.
و سار أمامي ينير لي الطريق بقنديل زيت فمشيت وراءه و أنا أتخبط في الضوء إلى أن صدمني تمثال الجدة الواقف في وسط الساحة . فذهبت أولا للسلام عليها . قبلت يدها الحجرية فأحسست بها حارة تحت شفتي . ثم رأيتها تحط خفيفة على شعر رأسي و تمسح عليه بحنو ورقة.
و عم الهدوء المكان فسمعت خشخشة ، و رأيت جنود الأرضة منهمكين في أكل العصا التي تتكئ عليها الجدة.
مسحت شعري نافضا عنه آثار رمال يد الجدة . و ذهبت رأسا إلى قاعة الاجتماعات . وجدت الأعمام جالسين على كراسي واطئة و بين أيديهم أزمة كبيرة وعلى وجوههم غيظ مقيت . سلمت عليهم فلم يردوا على سلامي . وفاحت من أبدانهم رائحة المقت والضغينة فظللت واقفا أنظر في عيونهم إلى أن قام كبيرهم فحمد الله و أثنى على نبيه و على التابعين و تابعي التابعين بإحسان إلى يوم الدين . ورفع في وجهي عريضة و بدأ يقرأ:
" قرر مجلس العائلة بإجماع أفراده طرد " العزيز " من رحمة العائلة و القرار بات لا عودة فيه و ذلك لما لحقها منه و من أمه من أضرار ستظل ماثلة على الجبين إلى أن يرث الله الأرض و من عليها . و سيعلق هذا البيان الختامي على جدران المسجد الجامع و سيعلن عنه من على رؤوس المآذن .
و الله على ما أقول شهيد.
وانفض المجلس .
خرج الأعمام و تركوني واقفا في وسط الدار. فعادت أصوات الأجنة الذين دفنتهم زوجة أبي في هذه الدار تملأ رأسي صراخا و احتجاجا. و أجابتها أصوات في الغرف الأخرى . و امتلأت الغرف بالضجيج و النواح إلى أن كدت أفقد صوابي. فقصدت الباب خارجا لكن خادمين شدا وثاقي بحبل و أحضرا حمارا أركباني على ظهره ووجهي إلى الذيل. ثم علقا في يدي ورجلي نواقيس و جلاجل صغيرة ، و خرجا بي من باب الدار.
اقتربت من السقيفة ، فهوت الجدة على وجهها.
الآن أنهت الأرضة نخر عصا الجدة فخرت على وجهها بعد أعوام من الوقوف على رجل واحدة . و دقت طبول الحزن من جديد . و ملأ العويل و النواح الكون .
و نخس الخادمان الحمار بعد أن طليا وجهي و ثيابي بالقطران . و طافا بي في أزقة القرية و دروبها إلى أن أذنت الشمس بالمغيب فرميا بي خارج الأسوار الوهمية و أغلقا ورائي الباب الكبير . بقيت ذاهلا مدة و أنا أستمع إلى دق طبول الحزن معلنا موت الجدة . و هجم الألم علي من الجهات الأربعة . و طوقني بدون رحمة فقمت أدور حول القرية باحثا عن منفذ في السور الذي يطوقها . كنت كلما اقتربت مما توهمته سورا صدتني الحيطان و قذفت بي بعيدا إلى أن سمعت صفير القطار و دمدمته . ورأيت دخانه يأتي من بعيد ، من وراء الأفق. ثم رأيته يقترب وئيدا . يدوس على آثار أخفاف الجمال المرسومة على الرمل الطري ثم يركب سكة الحديد و يعوي فتئز عجلات الحديد على الحديد . كانت عربات القطار ملأى بشرا و حكايات . و كنت حزينا كيوم شتاء بارد فلم ألتفت إلى صخب الركاب و ثرثرتهم إلى أن سمعتهم يذكرون أحاديث عجيبة عن " القرية الحديثة " التي بناها الكفار في المهمه القفر ، قريبا من جبال الثالجة .
فصحت : " قرط حدشت " على مشارف الصحراء هذه المرة . يا للعجب . "
التفت الركاب دفعة واحدة إلى ناحيتي فأهملت نظراتهم . و عدت إلى عد عواميد الهاتف الهاربة عكس اتجاه القطار.

ابراهيم درغوثي
20/07/2008, 12:58 AM
وراء السراب ... قليلا


رواية


ابراهيم درغوثي




الباب السادس



في ذكر عودة " العزيز " من صفاقس و دخوله " عتيقة " فاتحا .
و يحتوي على أسرار طرده من رحمة العائلة و تفاصيل عن العريضة التي تم بمقتضاها الطرد .
كما يحتوي على الحوادث التي قادته إلى الهجرة القسرية من " عتيقة " إلى " قرط حدشت ".

( 1 )


و أفقنا يوما على ضربات البنائين على باب الماخور . هدم الرجال الحائط و أطل أحدهم من كوة صغيرة و هو ينادي :
- لقد وفينا بالعهد يا " سيدة " فافتحي للزائرين.
قالت :
- هل وصل هلال السنة الجديدة ؟
فرد :
- عامك سعيد يا سيدتي ... هات البشارة .
أعطته قرطين من الذهب الخالص ، فباشر إصلاحاته في الحي الخارج من سبات عام قمري.
و طلبتني من دار إحدى بناتها ، فوسدتني فخذها و همست :
- غدا ، عند انبلاج الفجر ، حين يصير بمقدورك أن تميز الخيط الأبيض من الخيط الأسود ، سيصل حصان له ألف جناح . سيطير الحصان قريبا من سطح بيتنا هذا فلا تخف . إنه حصان أبيك العائد من طوافه بين جنان الخلد.
سأركب الحصان وراء رجلي .
و سكتت مدة ثم قالت :
- غادر هذا الحي يا ولدي عند شروق الشمس و لا تعد إليه أبدا .
و قامت .
فقمت وراءها ألملم ذاكرتي المقتولة و أسأل عن طريق محطة القطار .


( 2 )


حين نزلت من العربة الخلفية للقطار في المحطة الخالية ، أطلق صفيره و اندفع غربا . أزت عجلات الحديد على الحديد برهة ثم بدأت في طحن الرمل . كنت أعرف أن هذه المحطة هي الأخيرة و أن لا سكة حديد بعدها لكنني رأيت القطار يبتعد داخل المهمه القفر و يغيب عن ناظري شيئا فشيئا إلى أن ابتلعه الشفق الأحمر .
مشيت مدة وراءه إلى أن انتهت سكة الحديد و عوضتها آثار أخفاف الجمال على الرمال الطرية فوقفت أستكشف الموقع.
هل أخطأت محطتي و هبطت في مكان آخر ؟ ربما...
لكن شجيرات الرتم المقابلة للمحطة مازالت في مكانها.
و بحثت عن القرية فلم أجد لها أثرا. و قادتني خطاي إلى تلة . صعدت التلة و أمعنت النظر فرأيت في البعيد شكلا يشبه البيت . قصدت البيت ، لكنني كلما أمعنت في الاقتراب منه أمعن في الهرب مني . و مشيت بقية ذلك اليوم و كامل الليلة التالية وراء البيت إلى أن هدني التعب و لم أصل إليه ، فنمت في مكاني.
أفقت في الصباح على هدير القطار . رأيته يبتلع آثار أخفاف الجمال المرسومة بإتقان على الطل النازف على الأرض ثم يركب سكة الحديد من جديد و يهرب شرقا. و أنا ألوح بمنديلي في كل الاتجاهات لعل راكبا يراني . لكن عربات القطار كانت خالية. كل العربات كانت خالية بدون استثناء . حتى عربة القيادة لم يكن بها سائق . و كنت الوحيد الشاهد على مرور القطار .
و انتبهت إلى أنني مازلت جالسا في المكان الذي نزلت فيه عشية الأمس ، قريبا من شجيرات الرتم .
بحث مرة أخرى عن أثر يدلني على طريق القرية فلم أجد غايتي فقلت لأضربن في الأرض كالعميان ، و عصبت عيني بمنديل و هجمت على مسارب الجبل فقطعتها خفيفا أسرع من المبصرين و لم أقف إلى أن شممت رائحة النار.
هذه الرائحة أعرفها. و أمعنت في الشم فعرفت رائحة حطب النخل الملتهب . ورفعت العصابة عن عيني فرأيت باب السور . باب ضخم واقف أمامي بدفتيه الكبيرتين . دفتان عاليتان مصفحتان بالحديد و النحاس تزينهما رسوم و طلاسم.
و تلفت في كل الاتجاهات أبحث عن السور فلم أجد له أثرا . فاندهشت و قلت متعجبا : " باب ينغلق على لا شيء ".
و بقيت مدة أمام الباب أفكر . هل أمر من خلاله أم أجانبه و أدخل القرية ، فلا حائط يعيق تقدمي.
و عزمت على دخول القرية فاتحا فوضعت يدي على الخشب برفق و قلت : " باسمك اللهم أدخل هذه القرية آمنا "، فانفتح الباب و كأن أيادي خفية تجذبه من الخلف.
و دخلت القرية من بابها الكبير . بسلمت و أوسعت الخطى فرأيت المباني تخرج من الأرض ثم ترتفع رويدا رويدا إلى أن تستوي على اليابسة . و سمعت الكلاب تعوي و الديكة تصيح . وجرى أمامي الأطفال . و خرجت النساء إلى الغدير يملأن الماء و يغسلن الثياب و يطهرن من الجنابة .
و ساق الرجال الحمير أمامهم باتجاه الواحة.
قلت : هو سحر ورب البيت.
و قصدت دارنا.
حين قرعت باب السقيفة تجاوب الصدى مع دقاتي . فظللت أدق و أدق إلى أن كل متني.
و هممت بمغادرة المكان لكن الباب فتح و أطل منه رجل لم أعهده في خدمتنا.
قال : تفضل . مجلس العائلة في انتظارك
قلت متعجبا : في انتظاري
رد لا مباليا بحيرتي : لقد انتهوا الآن إلى قرار بشأنك ، ووافق جميع أعمامك على القرار.
و سار أمامي ينير لي الطريق بقنديل زيت فمشيت وراءه و أنا أتخبط في الضوء إلى أن صدمني تمثال الجدة الواقف في وسط الساحة . فذهبت أولا للسلام عليها . قبلت يدها الحجرية فأحسست بها حارة تحت شفتي . ثم رأيتها تحط خفيفة على شعر رأسي و تمسح عليه بحنو ورقة.
و عم الهدوء المكان فسمعت خشخشة ، و رأيت جنود الأرضة منهمكين في أكل العصا التي تتكئ عليها الجدة.
مسحت شعري نافضا عنه آثار رمال يد الجدة . و ذهبت رأسا إلى قاعة الاجتماعات . وجدت الأعمام جالسين على كراسي واطئة و بين أيديهم أزمة كبيرة وعلى وجوههم غيظ مقيت . سلمت عليهم فلم يردوا على سلامي . وفاحت من أبدانهم رائحة المقت والضغينة فظللت واقفا أنظر في عيونهم إلى أن قام كبيرهم فحمد الله و أثنى على نبيه و على التابعين و تابعي التابعين بإحسان إلى يوم الدين . ورفع في وجهي عريضة و بدأ يقرأ:
" قرر مجلس العائلة بإجماع أفراده طرد " العزيز " من رحمة العائلة و القرار بات لا عودة فيه و ذلك لما لحقها منه و من أمه من أضرار ستظل ماثلة على الجبين إلى أن يرث الله الأرض و من عليها . و سيعلق هذا البيان الختامي على جدران المسجد الجامع و سيعلن عنه من على رؤوس المآذن .
و الله على ما أقول شهيد.
وانفض المجلس .
خرج الأعمام و تركوني واقفا في وسط الدار. فعادت أصوات الأجنة الذين دفنتهم زوجة أبي في هذه الدار تملأ رأسي صراخا و احتجاجا. و أجابتها أصوات في الغرف الأخرى . و امتلأت الغرف بالضجيج و النواح إلى أن كدت أفقد صوابي. فقصدت الباب خارجا لكن خادمين شدا وثاقي بحبل و أحضرا حمارا أركباني على ظهره ووجهي إلى الذيل. ثم علقا في يدي ورجلي نواقيس و جلاجل صغيرة ، و خرجا بي من باب الدار.
اقتربت من السقيفة ، فهوت الجدة على وجهها.
الآن أنهت الأرضة نخر عصا الجدة فخرت على وجهها بعد أعوام من الوقوف على رجل واحدة . و دقت طبول الحزن من جديد . و ملأ العويل و النواح الكون .
و نخس الخادمان الحمار بعد أن طليا وجهي و ثيابي بالقطران . و طافا بي في أزقة القرية و دروبها إلى أن أذنت الشمس بالمغيب فرميا بي خارج الأسوار الوهمية و أغلقا ورائي الباب الكبير . بقيت ذاهلا مدة و أنا أستمع إلى دق طبول الحزن معلنا موت الجدة . و هجم الألم علي من الجهات الأربعة . و طوقني بدون رحمة فقمت أدور حول القرية باحثا عن منفذ في السور الذي يطوقها . كنت كلما اقتربت مما توهمته سورا صدتني الحيطان و قذفت بي بعيدا إلى أن سمعت صفير القطار و دمدمته . ورأيت دخانه يأتي من بعيد ، من وراء الأفق. ثم رأيته يقترب وئيدا . يدوس على آثار أخفاف الجمال المرسومة على الرمل الطري ثم يركب سكة الحديد و يعوي فتئز عجلات الحديد على الحديد . كانت عربات القطار ملأى بشرا و حكايات . و كنت حزينا كيوم شتاء بارد فلم ألتفت إلى صخب الركاب و ثرثرتهم إلى أن سمعتهم يذكرون أحاديث عجيبة عن " القرية الحديثة " التي بناها الكفار في المهمه القفر ، قريبا من جبال الثالجة .
فصحت : " قرط حدشت " على مشارف الصحراء هذه المرة . يا للعجب . "
التفت الركاب دفعة واحدة إلى ناحيتي فأهملت نظراتهم . و عدت إلى عد عواميد الهاتف الهاربة عكس اتجاه القطار.

فايزة شرف الدين
26/07/2008, 06:12 PM
انتهينا من الباب السادس ، وهذه القصص تذكرني بمجموعة قصصية بطلها واحدة كتبها هارولد لامب باسم السيف المعقوف ، وفي أحد فصول الرواية تكلم عن طائفة الحشاشين فيما يشبه الأسطورة ، وما كانوا يضعونه في أذهان مريديهم أنهم يعيشون في الجنة .

السرد هنا له نكهته الخاصة بكاتب العمل .. فقد جمع ما بين الأسطورة والدين وما ينتظرالمؤمن الصالح من الجواري الحسان كالؤلؤ المنثور ، وأن جنان الجنة لا عين رأت ولا خطر علي قلب بشر .
أيضا هناك الحداثة المتمثلة في القطار .. وهذا التمازج العجيب بين الحقيقة والسرد المغرق في الخيال .. كأنه الحلم الذي يتراءى للنائم .
فإلي الفصل السابع


http://www.10neen.com/up/uploads/78c163eea1.gif (http://www.10neen.com/up/)[/COLOR][/SIZE]

ابراهيم درغوثي
31/07/2008, 05:54 PM
أختنا فائزة

لك الشكر الكبير
و الاقدير الأجل

دام لك الألق