المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإتفاقية العراقية الأمريكية أمنية أم تمديد للإنتداب؟



الدكتور أسعد الدندشلي
20/07/2008, 11:12 AM
الإتفاقية العراقية الأمريكية أمنية أم تمديد للإنتداب؟

في الوقت الذي يناقش فيه صانعي السياسة الأمريكية، ومرشحي الانتخابات الرئاسية مستقبل الوجود الأمريكي في العراق، تتفاوض إدارة الرئيس بوش والحكومة العراقية حول اتفاقيات طويلة المدى من شأنها أن تصوغ شكل العلاقات الأمنية والثقافية والاقتصادية والقانونية بين الطرفين الأمريكي والعراقي.
خلفية تاريخية
بعد قيام نظام صدام حسين بغزو الكويت في عام 1990 أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 661 الذي اعتبر أن العراق يُمثل تهديداً للسلم والأمن الدوليين. وبعد إسقاط حكومة صدام حسين في ابريل 2003 أصدر المجلس القرار رقم 1511 الذي فوض قوة متعددة الجنسية لتحقيق الاستقرار في العراق بعد أن فرض الانتداب القانوني علي العراق. وقد سمح هذا الانتداب لهذه القوات بـ" اتخاذ كل الإجراءات الممكنة لحماية السلم والأمن" بدون استشارة الحكومة العراقية.
وتضمن القرار الدولي مطلباً بمراجعة الانتداب الأمني بعد عام واحد من التطبيق. وتقوم الأمم المتحدة كل عام بتمديد الانتداب بناء علي طلب الحكومة العراقية. لكن في نهاية عام 2007 طالب رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بتمديد الانتداب "للمرة الأخيرة". وسيؤدي انتهاء الانتداب رسمياً إلي إنهاء توصيف العراق كتهديد للسلم والأمن الدوليين.
وترغب الإدارة الأمريكية من جانبها في توقيع اتفاقيات تحدد شكل العلاقة مع العراق بعد انتهاء الانتداب الدولي بما في ذلك طبيعة الوجود العسكري الأمريكي في البلاد. وقد سارعت الإدارة إلي الدخول في مفاوضات مع الحكومة العراقية للتوصل إلي اتفاق مشترك. وتستند المفاوضات إلي وثيقة إعلان المبادئ التي وقعها الرئيس بوش ورئيس الحكومة العراقية نوري المالكي في نوفمبر 2007 والتي تُوضح القضايا الاقتصادية والسياسية، والأمنية ذات الصلة بهيكل العلاقات بين البلدين. وحددت الإدارة 31 يوليو 2008، كموعد غير نهائي لاكتمال الاتفاقيات الثنائية.
وحسب نازار جانابي Nazar Janabi، الذي كتب مقالاً في 19/6/2008 بعنوانDomestic and Regional Politics Delay U.S.-Iraqi Security Agreement نشر علي موقع معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى The Washington Institute for Near East Policy، يشكل هذا الوضع معضلة للحكومة العراقية، فمن ناحية تريد هذه الحكومة استعادة سيادتها الكاملة بأسرع ما يمكن، ومن ناحية أخري ترغب في وجود قوات التحالف حتى تصبح القوات العراقية قادرة على تولي مسؤوليات أمن البلاد.
مضمون الاتفاقيات
دخلت الحكومتان الأمريكية والعراقية في مفاوضات لإبرام اتفاقيات أمنية مشتركة. وقال السفير الأمريكي في العراق رايان سي . كروكر Ryan C. Crocker في شهادته أمام الكونجرس في أبريل 2008 أن هناك اتفاقيتين منفصلتين: الأولى اتفاقية وضع القوات وتسمي SOFA)) Status-of-forces Agreement التي تنظم الحماية القانونية لأفراد الجيش والأبنية الأمريكية في العراق. والاتفاقية الثانية تسمي "اتفاقية إطار إستراتيجية" وتتعامل بشكل واسع مع القضايا التي لم تتناولها اتفاقية وضع القوات (SOFA)، ومن بين هذه القضايا: الدور الأمريكي في الدفاع عن العراق ضد التهديدات الداخلية والخارجية؛ ودعم المصالحة السياسية؛ وجهود مواجهة الجماعات الإرهابية.
وتعد اتفاقية الـ SOFA ، حسب Greg Bruno المحرر بمجلس العلاقات الخارجية Council Of Foreign Relation، إطاراً قانونياً يوضح الكيفية التي تعمل بها القوات الأمريكية في الدولة المضيفة. ووقعت الولايات المتحدة ما بين 80 إلي 115 اتفاقية حول العالم. ويضيف Bruno في مقاله المنشور في 6 يونيو الماضي علي موقع المجلس بعنوان "الاتفاقية الأمنية الأمريكية والعراق U.S. Security Agreements and Iraq" أن القضية الأكثر شيوعاً تتعلق بالسلطة القضائية القانونية على القوات الأجنبية. فطبقاً لتوجيه وزارة الدفاع الصادر في نوفمبر 2003 تبرم الولايات المتحدة الـ SOFA لحماية " الموظفين الذين قد يخضعوا لمحاكمة إجرامية بواسطة المحاكم الأجنبية ويتعرضون للسجن في سجون أجنبية." أما اتفاقية الإطار الإستراتيجي فإنها أوسع نطاقاً وتتضمن العديد من المجالات الأخرى الاقتصادية والسياسية والثقافية والأمنية والعسكرية.
وبالرغم من حالة الغموض التي تلف الاتفاقيات، يقول Karl E.

Meyer في مقال بعنوان U.S. - Iraqi 'Strategic Alliance'. Another bad deal for Baghdadنشر في 17 يونيو الماضي في الهيرالد تربيون Herald Tribuneأنه طبقاً لتقارير صحفية مستندة على تسريبات من البرلمان العراقي، فإن الاتفاقيات تعطي الأمريكيين حقوقاً لاستخدام طويل المدى لنحو 58 قاعدة عسكرية وسيطرة علي المجال الجوي العراقي. كما أنها ستمنح حصانة من القوانين العراقية إلى أفراد الجيش الأمريكي. وسوف يخول المسئولين الأمريكيين لحجز الإرهابيين المشكوك فيهم بدون موافقة السلطات العراقية. وسيتم تخليص العراق من عقوبات مجلس الأمن وسيستفيد من المساعدات العسكرية الاقتصادية الأمريكية المستمرة. ويمكن أن يحصل العراق أيضاً علي 50 بليون دولار كأصول جامدة.
فرص إبرام الاتفاقيات
تحاول إدارة الرئيس بوش الانتهاء من التفاوض حول الاتفاقيات الأمنية مع الحكومة العراقية بنهاية يوليو 2008، غير أن هناك العديد من العوامل التي ربما تحول دون ذلك ومن بينها ما يلي:-
1- التباين العراقي
هناك حالة من الانقسام والتباين التي تسود بين العراقيين حول الاتفاقيات الأمنية علي الرغم من تفهمهم لمدي الحاجة لتلك الاتفاقيات. ويذكر Nazar Janabi أن القليل منهم فقط يستطيع الإعلان عن ذلك بسبب المناخ الانفعالي الذي خلقه السياسيون القوميون. فقد عبر قادة وزعماء شيعة مثل مقتدي الصدر وآية الله العظمي علي السيستاني عن رفضهم وقلقهم من الاتفاقيات، وطالب رئيس لجنة الدفاع في البرلمان هادي العامري - العضو المؤثر في المجلس الإسلامي العراقي الأعلى وزعيم منظمة بدر- في 7 يونيو أن العراق بقرار آخر من مجلس الأمن بدلاً من الـ SOFA.
بالمقابل، يشير Janabi إلي أن الزعماء الأكراد يؤيدون اتفاقية طويلة الأمد مع الولايات المتحدة، إذ أنهم ما زالوا يعتبرونها حليفهم الأقوى. كما يفضل العرب السنة وجود أمريكي ممتد أيضاً. فالكثير منهم، خصوصاً أولئك الذين شاركوا في حركة الصحوة المدعومة من قبل الولايات المتحدة، ما زال متشككاً من حكومة بقيادة شيعية ويرى في الوجود الأمريكي ضماناً لتمثيلهم في الانتخابات المحلية والوطنية المعلقة. من ناحية أخرى، تقف بعض الأحزاب العلمانية العراقية مثل القائمة العراقية (بزعامة إياد علاوي) وبعض المستقلين في البرلمان، في الوسط، حيث يؤيدون وجود أمريكي طويل المدى لكن لا يستطيعون قول ذلك علناً خوفاً من معاقبة دوائرهم الانتخابية في الانتخابات القادمة والتي يغلب عليها النزعة القومية .
وبصفة عامة عبر النواب العراقيون عن مخاوفهم وقلقهم من بعض البنود، وفي هذا الصدد ذكر Leila Fadel and Warren P. Strobel في تقرير لهما بعنوان U.S. security talks with Iraq in trouble in Baghdad and D.C نشر في 10 يونيو الماضي في McClatchy Newspapers أن أعضاء البرلمان العراقي يرون أن إدارة بوش تطالب بتنازلات غير مقبولة مثل: عشرات القواعد نصف الدائمة التي منها يمكن أن تطلق القوات الأمريكية مهاماً بدون موافقة مسبقة من الحكومة العراقية؛ وحصانة تامة لشركات الأمن والقوات الأمريكية؛ وسيطرة علي المجال الجوي العراقي؛ والاحتجاز المستمر للعراقيين من قبل القوات الأمريكية، وكل ذلك من دون تقديم ضمانات أن الولايات المتحدة سَتدافع عن العراق ضد هجوم أجنبي.
وفي ظل هذا الموقف العراقي تساءل Max Boot في مقال بعنوان Re-upping in Iraq نشر في 11 يونيو الماضي بصحيفة Los Angeles Times، عن سبب إعاقة العراقيين للعمليات العسكرية ؟ ويجيب أن هناك ثلاثة أسباب هي:-
* الانتخابات العراقية التي ستجري العام المقبل. ففي إطار المنافسة علي الأصوات يريد السياسيون العراقيون أن يظهروا كمواطنين يتباهون بوطنيتهم وأكثر الطرق المؤكدة لذلك هي عدم الظهور كأضحوكة للأمريكيين.
* الانتخابات الرئاسية الأمريكية. يتردد العراقيون في عمل صفقة مع الرئيس بوش الذي أصبح مثل البطة العرجاء، خصوصاً لأن باراك أوباما Barack Obama، إذا ما فاز، ربما يتخلي عن أي صفقة تُبرم الآن.
* نمو الرضا العراقي. فمع أداء القوات العراقية الجيد مؤخراً في البصرة، ومدينة الصدر والموصل، ربما يبدأ رئيس الوزراء نوري المالكي في الاعتقاد بأنه ليس بحاجة إلى الأمريكيين بعد ذلك.
والي جانب هذه الأسباب يضيف Michael Eisenstadt، مدير برنامج الدراسات الأمنية والعسكرية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، سبباً رابعاً يتمثل في العامل التاريخي، فيشير في مقال بعنوان Determinants of a U.S. Drawdown نشر في 19 يونيو الماضي علي موقع Bitterlemons-international.org إلي تجربة العراق المؤلمة مع المعاهدتين الذي سبق ووقعهما مع بريطانيا عامي 1922 و1930 واللتين شكلتا مدخلاً للنفوذ البريطاني الكبير في هذه الفترة.

فقد أتاحت الأولي تعيين مستشارين بريطانيين للحكومة العراقية، وسمحت الثانية لبريطانيا بوضع قواتها واستعمال القواعد الجوية في الحبانية والشعيبة، وأذنت كذلك للقوات البريطانية بعبور الإقليم العراقي واعتماد العراق على بريطانيا في الحصول علي الأسلحة والتدريب.
ومع ربط هاتين المعاهدتين بالاتفاقيات الأمنية مع الولايات المتحدة عادت إلي الأذهان الأحداث التي شهدها العراق في الماضي، فيقول Karl E. Meyer العضو السابق في مجلس تحرير نيويورك تايمز ومحرر صحيفة السياسة العالمية أنه بعد حصول العراق علي استقلاله بعد معاهدة 1930 حدث أكبر عدد من الانقلابات العسكرية والانقلابات المضادة والمذابح والتمرد. وولدت الحصانة القانونية التي منحت إلى القوات البريطانية درجة كبيرة من الاستياء.
2- الموقف الإيراني
يشكل الموقف الإيراني عاملاً مهماً في إبرام أو عرقلة الاتفاقيات بالنظر إلي نفوذ إيران الكبير داخل العراق، وبالرغم من محاولة المالكي طمأنة المخاوف الإيرانية عبر تأكيده أن العراق لن يكون منصة للهجوم علي الجمهورية الإسلامية فإن طهران أعلنت عن قلقها بوضوح .ويشيرNazar Janabi إلي أن إيران تعرف أن الوجود الأمريكي يعرقل تأثيرها المتنامي في العراق ويزود الأحزاب السياسية العراقية ذات المصادر الغير إيرانية بالدعم. وقد عبر عن هذا الموقف العديد من المسئولين الإيرانيين من بينهم علي لاريجاني ، رئيس البرلمان الإيراني، قائلاً "إن الأمة العراقية يجب أن تقاوم الحلف الأمني الأمريكي بشجاعة كما قاوموا المحتلين حتى الآن."
3- معارضة الداخل الأمريكي
بالإضافة إلي العاملين العراقي والإيراني يبرز الداخل الأمريكي، فحسب Leila Fadel and Warren P. Strobel يشكو كبار الديمقراطيين والجمهوريين في الكابيتول هيل، من أن بوش يسرع المفاوضات لمحاولة تكتيف أيدي وريثه. وكتب ستة من أعضاء مجلس الشيوخ بما فيهم رئيسا لجنتي العلاقات الخارجية والقوات المسلحة خطاباً إلي وزيرة الخارجية رايس Condoleezza Rice يطالبونها بشفافية المفاوضات ومزيد من لقاءات التوصيات .
وقد عبر المرشح الديمقراطي باراك أوباما عن موقفه حين أكد في اتصال تليفوني مع الرئيس العراقي جلال طالباني علي أن أي التزام أمريكي أمني طويل المدى إلي العراق يجب أن يحظي بموافقة الكونجرس. وأكد المتحدث باسمه أنه بدلاً من التفاوض حول الاتفاقيات الأمنية يجب علي الإدارة أن تطلب تمديد انتداب الأمم المتحدة الحالي.
اللجوء لتمديد الانتداب الدولي
علي ضوء العوامل السابقة يبدو أن إدارة الرئيس بوش تواجه صعوبات حقيقة في الانتهاء من الاتفاقيات الأمنية بنهاية يوليو المقبل. ففي ظل النجاح في تأطير سياسة النقاش وتنامي الضغط الداخلي في العراق، ومعارضة إيران جار العراق الأكثر تأثيراً. والمعارضة الداخلية الأمريكية لتمرير الاتفاقيات من دون عرضها علي الكونجرس يبدو أن موعد 31 يوليو النهائي مشكوك فيه بدرجة متزايدة.
وكنتيجة، كما يقول Nazar Janabi من المحتمل أن يطالب العراق والولايات المتحدة بتمديد قرار الأمم المتحدة الحالي. وإذا ما حدث ذلك، فقد يكون من المفيد لكل من واشنطن وبغداد طمأنة قلق كل شخص بأن الولايات المتحدة لا تنوى استخدام الأراضي العراقية لمهاجمة الجيران (خاصة وأن الدستور العراقي يمنع ذلك)، وأنها لن تترك العراق في أي وقت قريب، حيث أن قرار الأمم المتحدة الحالي يزود القوات الأمريكية بكل السلطة القانونية التي تحتاجها لمواصلة العمليات. وتُظهر هذه التجربة أيضاً الحاجة لتحضيرات حذرة وحملات معلوماتية متطورة عند التعامل مع أمور السيادة والكبرياء الوطنيِ في العراق.
المصادر: تقرير واشنطن- خالد عبد الحميد

الدكتور أسعد الدندشلي
20/07/2008, 11:12 AM
الإتفاقية العراقية الأمريكية أمنية أم تمديد للإنتداب؟

في الوقت الذي يناقش فيه صانعي السياسة الأمريكية، ومرشحي الانتخابات الرئاسية مستقبل الوجود الأمريكي في العراق، تتفاوض إدارة الرئيس بوش والحكومة العراقية حول اتفاقيات طويلة المدى من شأنها أن تصوغ شكل العلاقات الأمنية والثقافية والاقتصادية والقانونية بين الطرفين الأمريكي والعراقي.
خلفية تاريخية
بعد قيام نظام صدام حسين بغزو الكويت في عام 1990 أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 661 الذي اعتبر أن العراق يُمثل تهديداً للسلم والأمن الدوليين. وبعد إسقاط حكومة صدام حسين في ابريل 2003 أصدر المجلس القرار رقم 1511 الذي فوض قوة متعددة الجنسية لتحقيق الاستقرار في العراق بعد أن فرض الانتداب القانوني علي العراق. وقد سمح هذا الانتداب لهذه القوات بـ" اتخاذ كل الإجراءات الممكنة لحماية السلم والأمن" بدون استشارة الحكومة العراقية.
وتضمن القرار الدولي مطلباً بمراجعة الانتداب الأمني بعد عام واحد من التطبيق. وتقوم الأمم المتحدة كل عام بتمديد الانتداب بناء علي طلب الحكومة العراقية. لكن في نهاية عام 2007 طالب رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بتمديد الانتداب "للمرة الأخيرة". وسيؤدي انتهاء الانتداب رسمياً إلي إنهاء توصيف العراق كتهديد للسلم والأمن الدوليين.
وترغب الإدارة الأمريكية من جانبها في توقيع اتفاقيات تحدد شكل العلاقة مع العراق بعد انتهاء الانتداب الدولي بما في ذلك طبيعة الوجود العسكري الأمريكي في البلاد. وقد سارعت الإدارة إلي الدخول في مفاوضات مع الحكومة العراقية للتوصل إلي اتفاق مشترك. وتستند المفاوضات إلي وثيقة إعلان المبادئ التي وقعها الرئيس بوش ورئيس الحكومة العراقية نوري المالكي في نوفمبر 2007 والتي تُوضح القضايا الاقتصادية والسياسية، والأمنية ذات الصلة بهيكل العلاقات بين البلدين. وحددت الإدارة 31 يوليو 2008، كموعد غير نهائي لاكتمال الاتفاقيات الثنائية.
وحسب نازار جانابي Nazar Janabi، الذي كتب مقالاً في 19/6/2008 بعنوانDomestic and Regional Politics Delay U.S.-Iraqi Security Agreement نشر علي موقع معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى The Washington Institute for Near East Policy، يشكل هذا الوضع معضلة للحكومة العراقية، فمن ناحية تريد هذه الحكومة استعادة سيادتها الكاملة بأسرع ما يمكن، ومن ناحية أخري ترغب في وجود قوات التحالف حتى تصبح القوات العراقية قادرة على تولي مسؤوليات أمن البلاد.
مضمون الاتفاقيات
دخلت الحكومتان الأمريكية والعراقية في مفاوضات لإبرام اتفاقيات أمنية مشتركة. وقال السفير الأمريكي في العراق رايان سي . كروكر Ryan C. Crocker في شهادته أمام الكونجرس في أبريل 2008 أن هناك اتفاقيتين منفصلتين: الأولى اتفاقية وضع القوات وتسمي SOFA)) Status-of-forces Agreement التي تنظم الحماية القانونية لأفراد الجيش والأبنية الأمريكية في العراق. والاتفاقية الثانية تسمي "اتفاقية إطار إستراتيجية" وتتعامل بشكل واسع مع القضايا التي لم تتناولها اتفاقية وضع القوات (SOFA)، ومن بين هذه القضايا: الدور الأمريكي في الدفاع عن العراق ضد التهديدات الداخلية والخارجية؛ ودعم المصالحة السياسية؛ وجهود مواجهة الجماعات الإرهابية.
وتعد اتفاقية الـ SOFA ، حسب Greg Bruno المحرر بمجلس العلاقات الخارجية Council Of Foreign Relation، إطاراً قانونياً يوضح الكيفية التي تعمل بها القوات الأمريكية في الدولة المضيفة. ووقعت الولايات المتحدة ما بين 80 إلي 115 اتفاقية حول العالم. ويضيف Bruno في مقاله المنشور في 6 يونيو الماضي علي موقع المجلس بعنوان "الاتفاقية الأمنية الأمريكية والعراق U.S. Security Agreements and Iraq" أن القضية الأكثر شيوعاً تتعلق بالسلطة القضائية القانونية على القوات الأجنبية. فطبقاً لتوجيه وزارة الدفاع الصادر في نوفمبر 2003 تبرم الولايات المتحدة الـ SOFA لحماية " الموظفين الذين قد يخضعوا لمحاكمة إجرامية بواسطة المحاكم الأجنبية ويتعرضون للسجن في سجون أجنبية." أما اتفاقية الإطار الإستراتيجي فإنها أوسع نطاقاً وتتضمن العديد من المجالات الأخرى الاقتصادية والسياسية والثقافية والأمنية والعسكرية.
وبالرغم من حالة الغموض التي تلف الاتفاقيات، يقول Karl E.

Meyer في مقال بعنوان U.S. - Iraqi 'Strategic Alliance'. Another bad deal for Baghdadنشر في 17 يونيو الماضي في الهيرالد تربيون Herald Tribuneأنه طبقاً لتقارير صحفية مستندة على تسريبات من البرلمان العراقي، فإن الاتفاقيات تعطي الأمريكيين حقوقاً لاستخدام طويل المدى لنحو 58 قاعدة عسكرية وسيطرة علي المجال الجوي العراقي. كما أنها ستمنح حصانة من القوانين العراقية إلى أفراد الجيش الأمريكي. وسوف يخول المسئولين الأمريكيين لحجز الإرهابيين المشكوك فيهم بدون موافقة السلطات العراقية. وسيتم تخليص العراق من عقوبات مجلس الأمن وسيستفيد من المساعدات العسكرية الاقتصادية الأمريكية المستمرة. ويمكن أن يحصل العراق أيضاً علي 50 بليون دولار كأصول جامدة.
فرص إبرام الاتفاقيات
تحاول إدارة الرئيس بوش الانتهاء من التفاوض حول الاتفاقيات الأمنية مع الحكومة العراقية بنهاية يوليو 2008، غير أن هناك العديد من العوامل التي ربما تحول دون ذلك ومن بينها ما يلي:-
1- التباين العراقي
هناك حالة من الانقسام والتباين التي تسود بين العراقيين حول الاتفاقيات الأمنية علي الرغم من تفهمهم لمدي الحاجة لتلك الاتفاقيات. ويذكر Nazar Janabi أن القليل منهم فقط يستطيع الإعلان عن ذلك بسبب المناخ الانفعالي الذي خلقه السياسيون القوميون. فقد عبر قادة وزعماء شيعة مثل مقتدي الصدر وآية الله العظمي علي السيستاني عن رفضهم وقلقهم من الاتفاقيات، وطالب رئيس لجنة الدفاع في البرلمان هادي العامري - العضو المؤثر في المجلس الإسلامي العراقي الأعلى وزعيم منظمة بدر- في 7 يونيو أن العراق بقرار آخر من مجلس الأمن بدلاً من الـ SOFA.
بالمقابل، يشير Janabi إلي أن الزعماء الأكراد يؤيدون اتفاقية طويلة الأمد مع الولايات المتحدة، إذ أنهم ما زالوا يعتبرونها حليفهم الأقوى. كما يفضل العرب السنة وجود أمريكي ممتد أيضاً. فالكثير منهم، خصوصاً أولئك الذين شاركوا في حركة الصحوة المدعومة من قبل الولايات المتحدة، ما زال متشككاً من حكومة بقيادة شيعية ويرى في الوجود الأمريكي ضماناً لتمثيلهم في الانتخابات المحلية والوطنية المعلقة. من ناحية أخرى، تقف بعض الأحزاب العلمانية العراقية مثل القائمة العراقية (بزعامة إياد علاوي) وبعض المستقلين في البرلمان، في الوسط، حيث يؤيدون وجود أمريكي طويل المدى لكن لا يستطيعون قول ذلك علناً خوفاً من معاقبة دوائرهم الانتخابية في الانتخابات القادمة والتي يغلب عليها النزعة القومية .
وبصفة عامة عبر النواب العراقيون عن مخاوفهم وقلقهم من بعض البنود، وفي هذا الصدد ذكر Leila Fadel and Warren P. Strobel في تقرير لهما بعنوان U.S. security talks with Iraq in trouble in Baghdad and D.C نشر في 10 يونيو الماضي في McClatchy Newspapers أن أعضاء البرلمان العراقي يرون أن إدارة بوش تطالب بتنازلات غير مقبولة مثل: عشرات القواعد نصف الدائمة التي منها يمكن أن تطلق القوات الأمريكية مهاماً بدون موافقة مسبقة من الحكومة العراقية؛ وحصانة تامة لشركات الأمن والقوات الأمريكية؛ وسيطرة علي المجال الجوي العراقي؛ والاحتجاز المستمر للعراقيين من قبل القوات الأمريكية، وكل ذلك من دون تقديم ضمانات أن الولايات المتحدة سَتدافع عن العراق ضد هجوم أجنبي.
وفي ظل هذا الموقف العراقي تساءل Max Boot في مقال بعنوان Re-upping in Iraq نشر في 11 يونيو الماضي بصحيفة Los Angeles Times، عن سبب إعاقة العراقيين للعمليات العسكرية ؟ ويجيب أن هناك ثلاثة أسباب هي:-
* الانتخابات العراقية التي ستجري العام المقبل. ففي إطار المنافسة علي الأصوات يريد السياسيون العراقيون أن يظهروا كمواطنين يتباهون بوطنيتهم وأكثر الطرق المؤكدة لذلك هي عدم الظهور كأضحوكة للأمريكيين.
* الانتخابات الرئاسية الأمريكية. يتردد العراقيون في عمل صفقة مع الرئيس بوش الذي أصبح مثل البطة العرجاء، خصوصاً لأن باراك أوباما Barack Obama، إذا ما فاز، ربما يتخلي عن أي صفقة تُبرم الآن.
* نمو الرضا العراقي. فمع أداء القوات العراقية الجيد مؤخراً في البصرة، ومدينة الصدر والموصل، ربما يبدأ رئيس الوزراء نوري المالكي في الاعتقاد بأنه ليس بحاجة إلى الأمريكيين بعد ذلك.
والي جانب هذه الأسباب يضيف Michael Eisenstadt، مدير برنامج الدراسات الأمنية والعسكرية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، سبباً رابعاً يتمثل في العامل التاريخي، فيشير في مقال بعنوان Determinants of a U.S. Drawdown نشر في 19 يونيو الماضي علي موقع Bitterlemons-international.org إلي تجربة العراق المؤلمة مع المعاهدتين الذي سبق ووقعهما مع بريطانيا عامي 1922 و1930 واللتين شكلتا مدخلاً للنفوذ البريطاني الكبير في هذه الفترة.

فقد أتاحت الأولي تعيين مستشارين بريطانيين للحكومة العراقية، وسمحت الثانية لبريطانيا بوضع قواتها واستعمال القواعد الجوية في الحبانية والشعيبة، وأذنت كذلك للقوات البريطانية بعبور الإقليم العراقي واعتماد العراق على بريطانيا في الحصول علي الأسلحة والتدريب.
ومع ربط هاتين المعاهدتين بالاتفاقيات الأمنية مع الولايات المتحدة عادت إلي الأذهان الأحداث التي شهدها العراق في الماضي، فيقول Karl E. Meyer العضو السابق في مجلس تحرير نيويورك تايمز ومحرر صحيفة السياسة العالمية أنه بعد حصول العراق علي استقلاله بعد معاهدة 1930 حدث أكبر عدد من الانقلابات العسكرية والانقلابات المضادة والمذابح والتمرد. وولدت الحصانة القانونية التي منحت إلى القوات البريطانية درجة كبيرة من الاستياء.
2- الموقف الإيراني
يشكل الموقف الإيراني عاملاً مهماً في إبرام أو عرقلة الاتفاقيات بالنظر إلي نفوذ إيران الكبير داخل العراق، وبالرغم من محاولة المالكي طمأنة المخاوف الإيرانية عبر تأكيده أن العراق لن يكون منصة للهجوم علي الجمهورية الإسلامية فإن طهران أعلنت عن قلقها بوضوح .ويشيرNazar Janabi إلي أن إيران تعرف أن الوجود الأمريكي يعرقل تأثيرها المتنامي في العراق ويزود الأحزاب السياسية العراقية ذات المصادر الغير إيرانية بالدعم. وقد عبر عن هذا الموقف العديد من المسئولين الإيرانيين من بينهم علي لاريجاني ، رئيس البرلمان الإيراني، قائلاً "إن الأمة العراقية يجب أن تقاوم الحلف الأمني الأمريكي بشجاعة كما قاوموا المحتلين حتى الآن."
3- معارضة الداخل الأمريكي
بالإضافة إلي العاملين العراقي والإيراني يبرز الداخل الأمريكي، فحسب Leila Fadel and Warren P. Strobel يشكو كبار الديمقراطيين والجمهوريين في الكابيتول هيل، من أن بوش يسرع المفاوضات لمحاولة تكتيف أيدي وريثه. وكتب ستة من أعضاء مجلس الشيوخ بما فيهم رئيسا لجنتي العلاقات الخارجية والقوات المسلحة خطاباً إلي وزيرة الخارجية رايس Condoleezza Rice يطالبونها بشفافية المفاوضات ومزيد من لقاءات التوصيات .
وقد عبر المرشح الديمقراطي باراك أوباما عن موقفه حين أكد في اتصال تليفوني مع الرئيس العراقي جلال طالباني علي أن أي التزام أمريكي أمني طويل المدى إلي العراق يجب أن يحظي بموافقة الكونجرس. وأكد المتحدث باسمه أنه بدلاً من التفاوض حول الاتفاقيات الأمنية يجب علي الإدارة أن تطلب تمديد انتداب الأمم المتحدة الحالي.
اللجوء لتمديد الانتداب الدولي
علي ضوء العوامل السابقة يبدو أن إدارة الرئيس بوش تواجه صعوبات حقيقة في الانتهاء من الاتفاقيات الأمنية بنهاية يوليو المقبل. ففي ظل النجاح في تأطير سياسة النقاش وتنامي الضغط الداخلي في العراق، ومعارضة إيران جار العراق الأكثر تأثيراً. والمعارضة الداخلية الأمريكية لتمرير الاتفاقيات من دون عرضها علي الكونجرس يبدو أن موعد 31 يوليو النهائي مشكوك فيه بدرجة متزايدة.
وكنتيجة، كما يقول Nazar Janabi من المحتمل أن يطالب العراق والولايات المتحدة بتمديد قرار الأمم المتحدة الحالي. وإذا ما حدث ذلك، فقد يكون من المفيد لكل من واشنطن وبغداد طمأنة قلق كل شخص بأن الولايات المتحدة لا تنوى استخدام الأراضي العراقية لمهاجمة الجيران (خاصة وأن الدستور العراقي يمنع ذلك)، وأنها لن تترك العراق في أي وقت قريب، حيث أن قرار الأمم المتحدة الحالي يزود القوات الأمريكية بكل السلطة القانونية التي تحتاجها لمواصلة العمليات. وتُظهر هذه التجربة أيضاً الحاجة لتحضيرات حذرة وحملات معلوماتية متطورة عند التعامل مع أمور السيادة والكبرياء الوطنيِ في العراق.
المصادر: تقرير واشنطن- خالد عبد الحميد