المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إرهاصات فكريّة



خيري حمدان
20/07/2008, 09:57 PM
* * *

لا يمكن تشبيه المجتمع بالشجرة، وإذا كان لا بدّ من إجراء هذا التشبيه فإنّ جذور المجتمع تكون في أغصانها وأطراف أوراقها. يجب أن تكون العلاقة ما بين أوردة وشرايين المجتمع (الشجرة) صافية ونقيّة، بعيداً عن النظرات العنصرية والعبث الموجّه. وإلاّ تعرّضت هذه الشرايين لتجلّطات غالباً ما تؤدي الى شلل جزئيّ أو كامل لأعضاء المجتمع.

* * *

تحاول السلطات العربيّة الوقوف على أسباب التخلّف في المجتمعات التي تُحْكِم السيطرة عليها.
يحفرون الى اليسار وأحياناً الى اليمين من الأسباب المعنيّة. وعندما يتمكّنون من تحديدها يغمضون أعينهم ويشيرون بجرأة في الاتّجاه المعاكس.

* * *

بيروقراطيّة

إنّهم في كلّ مكانٍ من حولنا. تُرى كيف أصبح كلّ هؤلاء الأصدقاء والمعارف والوجوه التي تبدو مألوفة بيروقراطيّون مرّة واحدة! هل هناك جينات قادرة على هذا الفرز المؤلم والمدمّر للمجتمع. لا أظنّ ذلك. الجواب أبسط من هذا الطرح بكثير. فبركة جيش البيروقراطيّين سهل للغاية. المطلوب تقديم مركز حسّاس مسؤول ومستقلّ للشخصّ المرشّح دون أن يتأثّر المعنيّ بالآخرين. ثمّ انتظروا سنة أو يزيد وسوف تكتشفون كيف تحوّل هذا الشخص الى بيروقراطيّ من الطراز الأول. يُدْرِك هذا الموظّف بأنّ جميع من يدخلون مكتبه وعالمه الإداريّ مجرّد فقاعات عابرة. جميعهم غير قادرين على ترك بصمة في نهاره أو خدش جزء من ذاكرته. حيّز الذاكرة حرّ معافى من حضورهم وكأنّهم هباءً منثوراً في اللحظة الآنيّة.

ذاكرة الإنسان تكون فاعلة وإراديّة حين يدرك المرء بأنّ هناك تفاعل مشترك مع الآخر وعلى جميع الأصعدة. ربّما لهذا أصبح الاحتكاك ما بين الموظّف والمواطن محدوداً في الدول الأوروبيّة. يمكن للمرء أن يجدّد فاعليّة رخصة قيادة المركبات بواسطة جهاز إلكترونيّ دون الحاجة الى التودّد ومسح الجوخ ورسم ابتسامات لا تحصى لإرضاء الموظّف المعنيّ.

هذه طبيعة الإنسان، يعتبر الآخر غير موجود بل ويلغيه عند الضرورة خاصّة إذا ما كانت العلاقة المتبادلة معدومة. ويمكن مراقبة هذا النمط من العلاقات حين نتناول الدور الوظيفي للمثقّف العربيّ، ذلك لأنّ الحكومات العربيّة غير معنيّة بهذا المثقّف ولهذا تسعى الى تغييب حضوره قدر الإمكان، وتفضّل إدراجه في لائحة خاصّة تستخدمها عند الضرورة وبهدف التملّق أمام العالم وللاستهلاك المحليّ في أحسن الأحوال. وهذا التوجّه يبدو قويّاً في المجتمعات الشموليّة عامّة.ماياكوفسكي على سبيل المثال، عجّل بوضع حدّ لحياته عندما وجد نفسه وحيداً في المعرض الذي شمل إبداعه طِوالَ عشرون عاماً. لم يحضر حفله المتواضع صديق أو ناقد ولا حتّى ممثّل عن السلطة السوفييتيّة آنذاك، ويشير الناقدون الى أنّ هذه المقاطعة كانت أحد الأسباب التي سارعت في اتّخاذ قراره بالانتحار.

إنّه التهميش المنظّم والعشوائي ومحاولة مسح الذاكرة من الحضور المضنيّ لأهل الفكر والأدب. وتفضّل الحكومات في كثير من الأحوال توديع جمهور المفكّرين ليستقرّوا ما طاب لهم المقام في فرنسا ولندن ونيويورك والمهجر، بعيداً عن المدائن المشرقيّة حيث الخمول والغبار المتراكم عبر عقود الظلام والتخلّف والاحتلال الفكريّ والذي يعتبر أخطر بكثير من احتلال الأرض، وذلك لأنّ الإنسان الذي يخضع للاحتلال الفكريّ يصبح عمليّاً كسيحاً وذو أجنحة عاجزة عن الطيران. إنسان غير قادر على الإبداع والعطاء. البيروقراطيّة سمة تصاحب التخلّف الحضاريّ ولهذا نجدها وللأسف مستشريّة في مجتمعاتنا الشرقيّة.

* * *

النقد

النقد كالماء العليل بالنسبة للكاتب، يشحذ قلمه وفكره ويدعو الغريم للنزال الفكريّ. النقد ضرورة لا يخشاها الكاتب الحقيقيّ لأنّها تتحدّى مهاراته كما وتعتبر دعوة شجاعة لإثبات ما يمتلك من قدرات ينبري القلم للتعبير عنها بمهارة وحكمة وجمال.

وعودة الى أهل السلطة أعزّائي القرّاء، الأذكياء منهم بالطبع. يبدأون البحث الحثيث عن نقّادهم من بين مرؤوسيهم. يطلبون منهم ممارسة النقد ويوزّعون الأدوار بحكمة. وإذا ما دعت الضرورة يلجأون الى عقد دورات من أجل فهم النقد على حقيقته. وهكذا يخضعون للنقد الموجّه ويردّون عليه بحكمة مفتعلين القلق والمفاجأة اتّجاه الديمقراطيّة المتشكّلة سرّاً بين طبقات المجتمع. وهذا لا يمنع من تبادل الخبرات بين الرؤساء في المستقبل القريب. نعم، إنّها الديمقراطيّة في حلّتها المذهّبة تغزو الحفلات التنكّريّة وتدمي العيون عجباً وإعجاباً.

خيري حمدان
20/07/2008, 09:57 PM
* * *

لا يمكن تشبيه المجتمع بالشجرة، وإذا كان لا بدّ من إجراء هذا التشبيه فإنّ جذور المجتمع تكون في أغصانها وأطراف أوراقها. يجب أن تكون العلاقة ما بين أوردة وشرايين المجتمع (الشجرة) صافية ونقيّة، بعيداً عن النظرات العنصرية والعبث الموجّه. وإلاّ تعرّضت هذه الشرايين لتجلّطات غالباً ما تؤدي الى شلل جزئيّ أو كامل لأعضاء المجتمع.

* * *

تحاول السلطات العربيّة الوقوف على أسباب التخلّف في المجتمعات التي تُحْكِم السيطرة عليها.
يحفرون الى اليسار وأحياناً الى اليمين من الأسباب المعنيّة. وعندما يتمكّنون من تحديدها يغمضون أعينهم ويشيرون بجرأة في الاتّجاه المعاكس.

* * *

بيروقراطيّة

إنّهم في كلّ مكانٍ من حولنا. تُرى كيف أصبح كلّ هؤلاء الأصدقاء والمعارف والوجوه التي تبدو مألوفة بيروقراطيّون مرّة واحدة! هل هناك جينات قادرة على هذا الفرز المؤلم والمدمّر للمجتمع. لا أظنّ ذلك. الجواب أبسط من هذا الطرح بكثير. فبركة جيش البيروقراطيّين سهل للغاية. المطلوب تقديم مركز حسّاس مسؤول ومستقلّ للشخصّ المرشّح دون أن يتأثّر المعنيّ بالآخرين. ثمّ انتظروا سنة أو يزيد وسوف تكتشفون كيف تحوّل هذا الشخص الى بيروقراطيّ من الطراز الأول. يُدْرِك هذا الموظّف بأنّ جميع من يدخلون مكتبه وعالمه الإداريّ مجرّد فقاعات عابرة. جميعهم غير قادرين على ترك بصمة في نهاره أو خدش جزء من ذاكرته. حيّز الذاكرة حرّ معافى من حضورهم وكأنّهم هباءً منثوراً في اللحظة الآنيّة.

ذاكرة الإنسان تكون فاعلة وإراديّة حين يدرك المرء بأنّ هناك تفاعل مشترك مع الآخر وعلى جميع الأصعدة. ربّما لهذا أصبح الاحتكاك ما بين الموظّف والمواطن محدوداً في الدول الأوروبيّة. يمكن للمرء أن يجدّد فاعليّة رخصة قيادة المركبات بواسطة جهاز إلكترونيّ دون الحاجة الى التودّد ومسح الجوخ ورسم ابتسامات لا تحصى لإرضاء الموظّف المعنيّ.

هذه طبيعة الإنسان، يعتبر الآخر غير موجود بل ويلغيه عند الضرورة خاصّة إذا ما كانت العلاقة المتبادلة معدومة. ويمكن مراقبة هذا النمط من العلاقات حين نتناول الدور الوظيفي للمثقّف العربيّ، ذلك لأنّ الحكومات العربيّة غير معنيّة بهذا المثقّف ولهذا تسعى الى تغييب حضوره قدر الإمكان، وتفضّل إدراجه في لائحة خاصّة تستخدمها عند الضرورة وبهدف التملّق أمام العالم وللاستهلاك المحليّ في أحسن الأحوال. وهذا التوجّه يبدو قويّاً في المجتمعات الشموليّة عامّة.ماياكوفسكي على سبيل المثال، عجّل بوضع حدّ لحياته عندما وجد نفسه وحيداً في المعرض الذي شمل إبداعه طِوالَ عشرون عاماً. لم يحضر حفله المتواضع صديق أو ناقد ولا حتّى ممثّل عن السلطة السوفييتيّة آنذاك، ويشير الناقدون الى أنّ هذه المقاطعة كانت أحد الأسباب التي سارعت في اتّخاذ قراره بالانتحار.

إنّه التهميش المنظّم والعشوائي ومحاولة مسح الذاكرة من الحضور المضنيّ لأهل الفكر والأدب. وتفضّل الحكومات في كثير من الأحوال توديع جمهور المفكّرين ليستقرّوا ما طاب لهم المقام في فرنسا ولندن ونيويورك والمهجر، بعيداً عن المدائن المشرقيّة حيث الخمول والغبار المتراكم عبر عقود الظلام والتخلّف والاحتلال الفكريّ والذي يعتبر أخطر بكثير من احتلال الأرض، وذلك لأنّ الإنسان الذي يخضع للاحتلال الفكريّ يصبح عمليّاً كسيحاً وذو أجنحة عاجزة عن الطيران. إنسان غير قادر على الإبداع والعطاء. البيروقراطيّة سمة تصاحب التخلّف الحضاريّ ولهذا نجدها وللأسف مستشريّة في مجتمعاتنا الشرقيّة.

* * *

النقد

النقد كالماء العليل بالنسبة للكاتب، يشحذ قلمه وفكره ويدعو الغريم للنزال الفكريّ. النقد ضرورة لا يخشاها الكاتب الحقيقيّ لأنّها تتحدّى مهاراته كما وتعتبر دعوة شجاعة لإثبات ما يمتلك من قدرات ينبري القلم للتعبير عنها بمهارة وحكمة وجمال.

وعودة الى أهل السلطة أعزّائي القرّاء، الأذكياء منهم بالطبع. يبدأون البحث الحثيث عن نقّادهم من بين مرؤوسيهم. يطلبون منهم ممارسة النقد ويوزّعون الأدوار بحكمة. وإذا ما دعت الضرورة يلجأون الى عقد دورات من أجل فهم النقد على حقيقته. وهكذا يخضعون للنقد الموجّه ويردّون عليه بحكمة مفتعلين القلق والمفاجأة اتّجاه الديمقراطيّة المتشكّلة سرّاً بين طبقات المجتمع. وهذا لا يمنع من تبادل الخبرات بين الرؤساء في المستقبل القريب. نعم، إنّها الديمقراطيّة في حلّتها المذهّبة تغزو الحفلات التنكّريّة وتدمي العيون عجباً وإعجاباً.

رنا خطيب
20/07/2008, 10:55 PM
جميل ما خطه قلمك من معاني فكرية تحمل في جوهرها الحقيقة التي يريد الكثير من أعدائها طمسها و اطفاء نورها.

للأسف أصبحنا في زمان عكس التيار... المعاني تسير في جهة و مسيرنا يكون في الاتجاه المعاكس.

فكيف للجوهر و الاطار أن يلتقيا يوما.

الرؤية الفكرية للموجودات تلقى دائما محاربين لها ..لانها تخاف من أن يلحقها سياطها فيهلكون في عذاب سياط كشف الحقيقة.

مع تحياتي
رنا خطيب

رنا خطيب
20/07/2008, 10:55 PM
جميل ما خطه قلمك من معاني فكرية تحمل في جوهرها الحقيقة التي يريد الكثير من أعدائها طمسها و اطفاء نورها.

للأسف أصبحنا في زمان عكس التيار... المعاني تسير في جهة و مسيرنا يكون في الاتجاه المعاكس.

فكيف للجوهر و الاطار أن يلتقيا يوما.

الرؤية الفكرية للموجودات تلقى دائما محاربين لها ..لانها تخاف من أن يلحقها سياطها فيهلكون في عذاب سياط كشف الحقيقة.

مع تحياتي
رنا خطيب

خيري حمدان
21/07/2008, 07:56 PM
جميل ما خطه قلمك من معاني فكرية تحمل في جوهرها الحقيقة التي يريد الكثير من أعدائها طمسها و اطفاء نورها.

للأسف أصبحنا في زمان عكس التيار... المعاني تسير في جهة و مسيرنا يكون في الاتجاه المعاكس.

فكيف للجوهر و الاطار أن يلتقيا يوما.

الرؤية الفكرية للموجودات تلقى دائما محاربين لها ..لانها تخاف من أن يلحقها سياطها فيهلكون في عذاب سياط كشف الحقيقة.

مع تحياتي
رنا خطيب

المبدعة رنا الخطيب
كيف للجوهر والإطار أن يلتقيا يوماً؟
تساؤلك عزيزتي في مكانه وأضيف صوتي لصوتك.
هناك الكثير من الإجحاف بحقّ المثقّفين العرب وأجد بأنّ الطريق الى التحرّر من هذه الأمراض يطول.
ولا أجد في هذا السياق سوى شكرك على التواصل الذي أعتزّ به ودمت بخير

خيري حمدان
21/07/2008, 07:56 PM
جميل ما خطه قلمك من معاني فكرية تحمل في جوهرها الحقيقة التي يريد الكثير من أعدائها طمسها و اطفاء نورها.

للأسف أصبحنا في زمان عكس التيار... المعاني تسير في جهة و مسيرنا يكون في الاتجاه المعاكس.

فكيف للجوهر و الاطار أن يلتقيا يوما.

الرؤية الفكرية للموجودات تلقى دائما محاربين لها ..لانها تخاف من أن يلحقها سياطها فيهلكون في عذاب سياط كشف الحقيقة.

مع تحياتي
رنا خطيب

المبدعة رنا الخطيب
كيف للجوهر والإطار أن يلتقيا يوماً؟
تساؤلك عزيزتي في مكانه وأضيف صوتي لصوتك.
هناك الكثير من الإجحاف بحقّ المثقّفين العرب وأجد بأنّ الطريق الى التحرّر من هذه الأمراض يطول.
ولا أجد في هذا السياق سوى شكرك على التواصل الذي أعتزّ به ودمت بخير