المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خُرُوجٌ عَنْ دَائِرَةِ الْجُنُونِ الْعَـاقِلَـة ... !!!.



محمَّد زين الشفيع أحمد
21/07/2008, 06:53 AM
*
*
السِّياسَـةُ كَلِمَـةٌ عَـامَّةٌ كشَارِعِ بيْتِنَا الْعَامِّ

الَّذِي يَخْلُوَ مِنَ الأشْجَارْ ، إذْ كَانَ يَظُنُّ أنَّها تتَّسِمُ جَمَالًا

وبَراءةً ورَوْعَة ، وَلَمْ يَفْهَمْهَا بَعْـدُ ،

فيَبْدُو أنَّهم كانُوا يَقصِدونَ بِهَا أحوالَ النَّاسِ وحُكَّـامَهم ،

لِذَا قالَ مُسْتَنْكِرًا : "هيَ كلمةٌ

غَرْبِيَّةُ الطَّـلْعَةِ وَالمِزَاجْ ، وَأنَا رَجُلٌ شَرْقيُّ المَلامِحِ

وقلبيَ لا يَمِيلُ إلا لِمُسَامَرةِ فَتَيَـاتِ الخُدُورْ " ..

، وكانَ لا يَعتقدُ أنَّهُ سيتفقَّهُ ويتَّفِقُ معها

يومًا مَا لأنَّهُ لمْ يَتَداولْها في حياتِهِ الباكرةِ ،

ظنَّها مَزْجًا أبْيَضًا وجميلًا مِنْ طُعُومِ الدُّنيَا وعليها قليلٌ

مِنْ زَيْتِ الزَّيتونِ وَرِيحِ المِسْكِ الأخَّاذَة ،

لَكِنَّهم قالوا لَهُ غَيْرَ ذَلِك ،

- أتُرَاهُمْ مُحقِّينَ فيمَا ذهَبُوا إليْه ؟ !.

أمْ أنَّهُ لَمْ يَعِ دَرْسَ اللُّؤْمِ وَالأيَامْ ؟! ..

سُؤَالٌ بَاذِخٌ وَمَاتِعٌ وَوَسيمٌ فِي شَكْلِهِ الخَاصِّ وَمَدْلُولِهِ العامْ ،

- لا ... لا ... يا رجُلُ .. لا تَكُنْ مثاليًّا في التَّـعاملِ مَعَهُمْ ،

والأفضلُ لكَ أنْ تكونَ خبيثًا كيْ تَكُونَ سياسيًّا مَاهِرًا ،

يقولونَ هذهِ هيَ بدايةُ النُّورِ فيها ،

- ومِنْ أيْنَ أتيْتِ إليَّ أيَّتُها النبيلةُ ، وشُكْرًا لكِ لأنَّكِ أوَّلُ مَنْ

أدْخَلَ الدَّهشةَ على سُرُوريَ وحُضُوريَ البائسْ ...

- يَا الله .. نَسيتُ أنْ يُخبرَني صديقيَ عَنْ عَالَمِ الأمواتْ ...

" فقدْ كانُوا أحياءً .. وتوارَوْا جُثَثًا .. فَارِقٌ زمنِّيٌّ يفصِلُنا عَنْهُم " ..

ردَّدَ هذه العباراتِ كثيرًا ثُمَّ انصرفَ يَلْوِي على شيءٍ

في أمْعائِهِ الدَّقيقةِ الثُّقُوبْ ..

- كعادتِكَ تُلْقِي الكلامَ على عَواهِنِه وتتركُني وحيدًا ،

وهَا أنتَ الآنَ تأكلُ القَوْلَ على مَهْلِكَ الغَريبِ وَأنَا أنْظُرُ إلَيْكَ في كَسَلٍ لَذِيذْ ..

يُقالُ في فقهِ السِّياسةِ إنَّهُ يَجُوزُ أنْ تُناقِشَ كلَّ القضايا

الَّتي يأتي بها بالُكَ وفكرُكَ - هذا إذا افترضْنَا جدلًا

أنَّ لديْكَ فِكْرًا تعتمرُ وتَحُجُّ بهِ – ويُشترطُ أنْ يكونَ كلامُكَ

مهذَّبًا من شوائبِ الحقِّ وأنْ تستَصْغِـرَ أمرَ الرَّعيَّةِ

وتحَْتَقِرَ شأنَها حتَّى تَرُوضَ لكَ الأنفُسُ ،

ولِبساطتِهم ستجدُهم دائمًا يَقُولونَ لغيْرِهِمْ :

" لِمَنْ نشتكي مَا نَالَنا مِنْه ؟ ،

ونَحْنُ لا يُمكِنُنا مُجاهدتُهُ بغيرِ ألسِنَتِنا المُلْتويَةِ خَوْفًا مِنْهْ !! "

وَأعْتَقِدُ أنَّ هذهِ المرْحلةَ درجةٌ بينَ الشَّبعِ

واللا شبعِ في لغةِ البُطُونْ .. تجدُها في قاموسِ مختارِ

الغيرِ صحَّاحْ أوِ القامُوسِ السِّياسيِّ المحيطْ ،

- اعذُرني يا رَجُلُ ، فأنا أُحِبُّ الزَّبادي جدًّا والغيرَ

مخلوطٍ بلغةِ السَّـاسة ،

قالَ وكانَ يَرْمُقني بلَحْظٍ نَعِسٍ : " لوْ خلطَّتَ الزَّبادي بقليلٍ

مِنْ سياسةِ المِلْحِ ووضعْتَ الخليطَ على نارٍ أظُنُّها هادئة ،

وَصَبَبْتَ الخليطَ على كوبٍ سياسيٍّ صغيرٍ ، وجلستَ

باستِكانةٍ تُحَدِّقُ نحوَ أُفُقِ الكلامِ ، وأمِلْتَ فمَكَ جانِبًا

وأخْرَجْتَ منهُ ابتسامةً تَمِيلُ قليلًا إلى الاصفرارْ ،

فأنتَ إذن على أولى عتباتِ الخُبثِ والسِّياسة ،

وتزدادُ سياستُكَ الفكريَّة كُلَّمَا ازدادتْ حِدَّةُ اللونِ الأصفرِ

لمَلبَسِكَ .. قصدي .. لابتسامتِكْ ..

والمُهِمُّ في الموْضُوعِ ألا يَكونَ هُناكَ شيءٌ هامٌ

تتحدَّثُ فيه ، فقط يجبُ عليكَ أنْ تُناقِشَ وتُحَاوِرَ

كثيرًا حتَّى تَكُونَ شيئًا ، حينَها سيتصَدَّرُ اسمُكَ صفحاتِ

الجرائدِ ، وصُورتُكَ سَتقبَعُ خلفَ عَمُودِكَ الطَّويلْ ،

ولكنَّكَ إنْ جَرَّبْتَ يَوْمًا ما شُربَ كَوْبٍ مِنْ الحليبِ

الدَّافيءِ صباحًا ، فحتمًا سينسيَكَ

السياسةَ وماضيَها التَّليدَ والبليدَ وحاضرَها الخبيثْ ..

سيَّما وإنْ كانَ الخليطُ من عصيرِ الطماطم وقَبَلَ أنْ يَصِلَ إلى مَرْحلةِ

المْعْجُونِ منْهَا " ،

- " مُمْكِن لوْ سَمَحْتَ ".. !! ؟؟ ..

- اسْمَحُوا لي بأنْ أَرُدَّ على هذا التلفونِ العَارِضْ ..

، تَفَضَّلْ بالسُّـؤالِ أخي الكريمْ ! ..

- هلْ يُمكِنُنِي أنْ أُمَارسَ سياسةَ الأكلِ وأنا نائمٌ وأنْ أكُونَ منتَعِلًا حِذائيَ الجديدْ .

.. فالإجابةُ بالطَّبعِ هي " لا " مَخلوطةٌ بـ " نعم " وقليلٍ من عصيرِ الليمونِ عَقِبَ

كُلِّ سُؤالْ ،

- أجل وبكلِّ تأكيدِ طالَمَا أجندةُ حِوَارِكَ واحِدةٌ لا تُغَيِّرُها السُّنونْ ..

كُنْ بخيرٍ أيُّها الرَّفيقُ ...

قال مِنْ بعْدِها وكانَ يَفْرُكُ ويُدَاعبُ عينَهُ اليُمْنى ويُمَارسُ تِلْكَ الابتسامة :

" الكُحْلُ الأسْودُ لليَوْمِ الأبيضْ "

.. ولقدْ عَجِبْتُ لأمْرِه كثيرًا ، وهوَ يَرْبِتُ على كَتفِيَ قائلًا:

هذهِ هيَ أُولَى عَتَبَاتِ السِّياسة !!.

وحيْثُ إنِّيَ لا أملِكُ مِنْ مُسَـارَرَةِ نفسيَ شيئًا

فقلتُ في نفْسِ غيْريَ هَـازِئًا : " دَعْهُمْ يَخْرُجُونَ مِنْ رَحِـمِ الأيَّامِ ! ،

فقدْ تَعَثَّرَ مِنْ كِبْريائِهِمُ الدَّرْبُ ، ورَاوَدَهُمُ الظُّلْمُ عَنْ نفسِهِ كثيرًا بمُمارسَتِهِم

في الكَوْنِ تجْويعَ المفرداتِ ، وصَلْبَ الحُرُوفِ ، حتَّى اهْتَرَأَتْ

مِنْ كَيْدِهِم رِئَاتُ الأرْضِ مِنْ السُّعَـالْ .. !!.

فَبَاتُوا يُعَانُونَ الآنَ مَضْغَ الحُرُوفِ وَوِزْرَ الخُرُوجْ ..

فَمِنْ أيِّ رَمْلٍ هؤلاءْ .. ؟؟ .

وَمِنْ أيِّ شَوْكٍ يأكُلُونْ ..؟؟؟ ."

وَكَانَ بِنْطالُهُ يَضِيقُ قليلًا عَنْ خُرُوجِ

المفرداتْ فقالَ مُتَهَكِّمًا :

تَوسَّدْ هَمَّكَ والْتَحِفْ ظَنَّكَ جيِّدًا وَنَمْ على ضُلُوعِ

الحرْفِ ، ولا تُفَاجَأْ إنْ لَمْ تَجِدْ رأسَكَ بِصُحْبَةِ جسدِكَ يَوْمًا ،

فقدْ تستأذِنُكَ كُرْهًـا وقَسْرًا في أخْذِهِ أيادي العاصفة ،

حينََها وبِلا مِرْيَةٍ يُمْكِنُكَ أنْ تَفْقَأَ عَيْنَ السِّياسة ،

أوْ كُنْ قُبَّرَةً * وحاوِلْ أنْ تتَّخِذَ أُدْحِيَّةً * تبيضُ فيها على مَوْرِدِ الفيلْ !! ،

وَاشْكُو إلى العَقَـاعِقِ * وَطْأَ عُشِّكَ وتهْشِيمَ بيْضِكَ ،

واحْشدِ الضَّفادِعَ بأنْ تُنَقِّقْنَ على هُوَّةِ وَجَعِكَ ..

فسَتَجِد ولأجْلِ جُرْعةِ مَاءٍ قَدْ لَقِيَ الفيلُ لا مَحَالةَ حَتْفَهُ ،

عِنْدَها سَوْفَ لَنْ تجِدَ امرأةً ثَكْلَى وطِفلًا يَمُوتُ على قارعَةِ الطَّريقِ

بِلا كَفَنٍ ولا حِمَاية ، وبِذلكَ تكونُ قدْ فَقَأْتَ عَيْنَ السِّياسةِ ،

وتركْتَ بعضَ حُزْنِكَ فيهِمْ ، وجَرَّعْتَهُم مِنْ مَاءِ كأسِكَ عُقَاقَ *

المُفْرَدة ، وعاوَدَ فَمَكَ على وُجُوهِهِم

بَصْقُ الحُرُوفْ !! ..
***



مُحَمَّد زين الشَّفيع أحمد.
أغسطس 2007م.
الرِّياض .
ــــــــــــــ
* القُبَّرَةُ : جنسٌ من الطيورِ مخروطيَّةِ المناقيرْ، شديدةِ الحذَرِ
وذاتِ تغريدٍ دائمْ ، قرأتُ قِصَّتَها قديمًا في كتابِ
يُسَمَّى " كَلِيلة ودِمْنَة " .
* العقاعِق : جمع عَقْعَق ، وهوَ طائرٌ من فصيلةِ الغِربان ،
كانتِ العربُ تتشاءمُ بهْ .
* أُدْحِيَّة : مَوْضِعُ بيضِ النَّعامِ وتفريخُهْ .
* العُقَاقُ : شديدُ المَرَارَة .

*
*
*

محمَّد زين الشفيع أحمد
21/07/2008, 06:53 AM
*
*
السِّياسَـةُ كَلِمَـةٌ عَـامَّةٌ كشَارِعِ بيْتِنَا الْعَامِّ

الَّذِي يَخْلُوَ مِنَ الأشْجَارْ ، إذْ كَانَ يَظُنُّ أنَّها تتَّسِمُ جَمَالًا

وبَراءةً ورَوْعَة ، وَلَمْ يَفْهَمْهَا بَعْـدُ ،

فيَبْدُو أنَّهم كانُوا يَقصِدونَ بِهَا أحوالَ النَّاسِ وحُكَّـامَهم ،

لِذَا قالَ مُسْتَنْكِرًا : "هيَ كلمةٌ

غَرْبِيَّةُ الطَّـلْعَةِ وَالمِزَاجْ ، وَأنَا رَجُلٌ شَرْقيُّ المَلامِحِ

وقلبيَ لا يَمِيلُ إلا لِمُسَامَرةِ فَتَيَـاتِ الخُدُورْ " ..

، وكانَ لا يَعتقدُ أنَّهُ سيتفقَّهُ ويتَّفِقُ معها

يومًا مَا لأنَّهُ لمْ يَتَداولْها في حياتِهِ الباكرةِ ،

ظنَّها مَزْجًا أبْيَضًا وجميلًا مِنْ طُعُومِ الدُّنيَا وعليها قليلٌ

مِنْ زَيْتِ الزَّيتونِ وَرِيحِ المِسْكِ الأخَّاذَة ،

لَكِنَّهم قالوا لَهُ غَيْرَ ذَلِك ،

- أتُرَاهُمْ مُحقِّينَ فيمَا ذهَبُوا إليْه ؟ !.

أمْ أنَّهُ لَمْ يَعِ دَرْسَ اللُّؤْمِ وَالأيَامْ ؟! ..

سُؤَالٌ بَاذِخٌ وَمَاتِعٌ وَوَسيمٌ فِي شَكْلِهِ الخَاصِّ وَمَدْلُولِهِ العامْ ،

- لا ... لا ... يا رجُلُ .. لا تَكُنْ مثاليًّا في التَّـعاملِ مَعَهُمْ ،

والأفضلُ لكَ أنْ تكونَ خبيثًا كيْ تَكُونَ سياسيًّا مَاهِرًا ،

يقولونَ هذهِ هيَ بدايةُ النُّورِ فيها ،

- ومِنْ أيْنَ أتيْتِ إليَّ أيَّتُها النبيلةُ ، وشُكْرًا لكِ لأنَّكِ أوَّلُ مَنْ

أدْخَلَ الدَّهشةَ على سُرُوريَ وحُضُوريَ البائسْ ...

- يَا الله .. نَسيتُ أنْ يُخبرَني صديقيَ عَنْ عَالَمِ الأمواتْ ...

" فقدْ كانُوا أحياءً .. وتوارَوْا جُثَثًا .. فَارِقٌ زمنِّيٌّ يفصِلُنا عَنْهُم " ..

ردَّدَ هذه العباراتِ كثيرًا ثُمَّ انصرفَ يَلْوِي على شيءٍ

في أمْعائِهِ الدَّقيقةِ الثُّقُوبْ ..

- كعادتِكَ تُلْقِي الكلامَ على عَواهِنِه وتتركُني وحيدًا ،

وهَا أنتَ الآنَ تأكلُ القَوْلَ على مَهْلِكَ الغَريبِ وَأنَا أنْظُرُ إلَيْكَ في كَسَلٍ لَذِيذْ ..

يُقالُ في فقهِ السِّياسةِ إنَّهُ يَجُوزُ أنْ تُناقِشَ كلَّ القضايا

الَّتي يأتي بها بالُكَ وفكرُكَ - هذا إذا افترضْنَا جدلًا

أنَّ لديْكَ فِكْرًا تعتمرُ وتَحُجُّ بهِ – ويُشترطُ أنْ يكونَ كلامُكَ

مهذَّبًا من شوائبِ الحقِّ وأنْ تستَصْغِـرَ أمرَ الرَّعيَّةِ

وتحَْتَقِرَ شأنَها حتَّى تَرُوضَ لكَ الأنفُسُ ،

ولِبساطتِهم ستجدُهم دائمًا يَقُولونَ لغيْرِهِمْ :

" لِمَنْ نشتكي مَا نَالَنا مِنْه ؟ ،

ونَحْنُ لا يُمكِنُنا مُجاهدتُهُ بغيرِ ألسِنَتِنا المُلْتويَةِ خَوْفًا مِنْهْ !! "

وَأعْتَقِدُ أنَّ هذهِ المرْحلةَ درجةٌ بينَ الشَّبعِ

واللا شبعِ في لغةِ البُطُونْ .. تجدُها في قاموسِ مختارِ

الغيرِ صحَّاحْ أوِ القامُوسِ السِّياسيِّ المحيطْ ،

- اعذُرني يا رَجُلُ ، فأنا أُحِبُّ الزَّبادي جدًّا والغيرَ

مخلوطٍ بلغةِ السَّـاسة ،

قالَ وكانَ يَرْمُقني بلَحْظٍ نَعِسٍ : " لوْ خلطَّتَ الزَّبادي بقليلٍ

مِنْ سياسةِ المِلْحِ ووضعْتَ الخليطَ على نارٍ أظُنُّها هادئة ،

وَصَبَبْتَ الخليطَ على كوبٍ سياسيٍّ صغيرٍ ، وجلستَ

باستِكانةٍ تُحَدِّقُ نحوَ أُفُقِ الكلامِ ، وأمِلْتَ فمَكَ جانِبًا

وأخْرَجْتَ منهُ ابتسامةً تَمِيلُ قليلًا إلى الاصفرارْ ،

فأنتَ إذن على أولى عتباتِ الخُبثِ والسِّياسة ،

وتزدادُ سياستُكَ الفكريَّة كُلَّمَا ازدادتْ حِدَّةُ اللونِ الأصفرِ

لمَلبَسِكَ .. قصدي .. لابتسامتِكْ ..

والمُهِمُّ في الموْضُوعِ ألا يَكونَ هُناكَ شيءٌ هامٌ

تتحدَّثُ فيه ، فقط يجبُ عليكَ أنْ تُناقِشَ وتُحَاوِرَ

كثيرًا حتَّى تَكُونَ شيئًا ، حينَها سيتصَدَّرُ اسمُكَ صفحاتِ

الجرائدِ ، وصُورتُكَ سَتقبَعُ خلفَ عَمُودِكَ الطَّويلْ ،

ولكنَّكَ إنْ جَرَّبْتَ يَوْمًا ما شُربَ كَوْبٍ مِنْ الحليبِ

الدَّافيءِ صباحًا ، فحتمًا سينسيَكَ

السياسةَ وماضيَها التَّليدَ والبليدَ وحاضرَها الخبيثْ ..

سيَّما وإنْ كانَ الخليطُ من عصيرِ الطماطم وقَبَلَ أنْ يَصِلَ إلى مَرْحلةِ

المْعْجُونِ منْهَا " ،

- " مُمْكِن لوْ سَمَحْتَ ".. !! ؟؟ ..

- اسْمَحُوا لي بأنْ أَرُدَّ على هذا التلفونِ العَارِضْ ..

، تَفَضَّلْ بالسُّـؤالِ أخي الكريمْ ! ..

- هلْ يُمكِنُنِي أنْ أُمَارسَ سياسةَ الأكلِ وأنا نائمٌ وأنْ أكُونَ منتَعِلًا حِذائيَ الجديدْ .

.. فالإجابةُ بالطَّبعِ هي " لا " مَخلوطةٌ بـ " نعم " وقليلٍ من عصيرِ الليمونِ عَقِبَ

كُلِّ سُؤالْ ،

- أجل وبكلِّ تأكيدِ طالَمَا أجندةُ حِوَارِكَ واحِدةٌ لا تُغَيِّرُها السُّنونْ ..

كُنْ بخيرٍ أيُّها الرَّفيقُ ...

قال مِنْ بعْدِها وكانَ يَفْرُكُ ويُدَاعبُ عينَهُ اليُمْنى ويُمَارسُ تِلْكَ الابتسامة :

" الكُحْلُ الأسْودُ لليَوْمِ الأبيضْ "

.. ولقدْ عَجِبْتُ لأمْرِه كثيرًا ، وهوَ يَرْبِتُ على كَتفِيَ قائلًا:

هذهِ هيَ أُولَى عَتَبَاتِ السِّياسة !!.

وحيْثُ إنِّيَ لا أملِكُ مِنْ مُسَـارَرَةِ نفسيَ شيئًا

فقلتُ في نفْسِ غيْريَ هَـازِئًا : " دَعْهُمْ يَخْرُجُونَ مِنْ رَحِـمِ الأيَّامِ ! ،

فقدْ تَعَثَّرَ مِنْ كِبْريائِهِمُ الدَّرْبُ ، ورَاوَدَهُمُ الظُّلْمُ عَنْ نفسِهِ كثيرًا بمُمارسَتِهِم

في الكَوْنِ تجْويعَ المفرداتِ ، وصَلْبَ الحُرُوفِ ، حتَّى اهْتَرَأَتْ

مِنْ كَيْدِهِم رِئَاتُ الأرْضِ مِنْ السُّعَـالْ .. !!.

فَبَاتُوا يُعَانُونَ الآنَ مَضْغَ الحُرُوفِ وَوِزْرَ الخُرُوجْ ..

فَمِنْ أيِّ رَمْلٍ هؤلاءْ .. ؟؟ .

وَمِنْ أيِّ شَوْكٍ يأكُلُونْ ..؟؟؟ ."

وَكَانَ بِنْطالُهُ يَضِيقُ قليلًا عَنْ خُرُوجِ

المفرداتْ فقالَ مُتَهَكِّمًا :

تَوسَّدْ هَمَّكَ والْتَحِفْ ظَنَّكَ جيِّدًا وَنَمْ على ضُلُوعِ

الحرْفِ ، ولا تُفَاجَأْ إنْ لَمْ تَجِدْ رأسَكَ بِصُحْبَةِ جسدِكَ يَوْمًا ،

فقدْ تستأذِنُكَ كُرْهًـا وقَسْرًا في أخْذِهِ أيادي العاصفة ،

حينََها وبِلا مِرْيَةٍ يُمْكِنُكَ أنْ تَفْقَأَ عَيْنَ السِّياسة ،

أوْ كُنْ قُبَّرَةً * وحاوِلْ أنْ تتَّخِذَ أُدْحِيَّةً * تبيضُ فيها على مَوْرِدِ الفيلْ !! ،

وَاشْكُو إلى العَقَـاعِقِ * وَطْأَ عُشِّكَ وتهْشِيمَ بيْضِكَ ،

واحْشدِ الضَّفادِعَ بأنْ تُنَقِّقْنَ على هُوَّةِ وَجَعِكَ ..

فسَتَجِد ولأجْلِ جُرْعةِ مَاءٍ قَدْ لَقِيَ الفيلُ لا مَحَالةَ حَتْفَهُ ،

عِنْدَها سَوْفَ لَنْ تجِدَ امرأةً ثَكْلَى وطِفلًا يَمُوتُ على قارعَةِ الطَّريقِ

بِلا كَفَنٍ ولا حِمَاية ، وبِذلكَ تكونُ قدْ فَقَأْتَ عَيْنَ السِّياسةِ ،

وتركْتَ بعضَ حُزْنِكَ فيهِمْ ، وجَرَّعْتَهُم مِنْ مَاءِ كأسِكَ عُقَاقَ *

المُفْرَدة ، وعاوَدَ فَمَكَ على وُجُوهِهِم

بَصْقُ الحُرُوفْ !! ..
***



مُحَمَّد زين الشَّفيع أحمد.
أغسطس 2007م.
الرِّياض .
ــــــــــــــ
* القُبَّرَةُ : جنسٌ من الطيورِ مخروطيَّةِ المناقيرْ، شديدةِ الحذَرِ
وذاتِ تغريدٍ دائمْ ، قرأتُ قِصَّتَها قديمًا في كتابِ
يُسَمَّى " كَلِيلة ودِمْنَة " .
* العقاعِق : جمع عَقْعَق ، وهوَ طائرٌ من فصيلةِ الغِربان ،
كانتِ العربُ تتشاءمُ بهْ .
* أُدْحِيَّة : مَوْضِعُ بيضِ النَّعامِ وتفريخُهْ .
* العُقَاقُ : شديدُ المَرَارَة .

*
*
*