المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : غزة - جولة واحدة لا تكفي



مروان العياصرة
27/07/2008, 11:31 AM
غزة .. جولة واحدة لا تكفي

مروان العياصرة - البحرين


لم تنجح إسرائيل في حصار غزة، ولم تنتصر في حملة ( الشتاء الحار ) وما تلاها من مواجهات ساخنة، ومن جهة أخرى حماس لم تخسر كثيرا، بالرغم من كثرة عدد الذين ذهبوا ضحايا، فقوتها العسكرية ما زالت قادرة على إطلاق الصواريخ، ليس هذا فحسب ، بل إن حماس يمكن أن تكون قد حققت بعض المكاسب، فإن مجرد إثارتها للقلق داخل أوساط السياسيين والعسكريين الإسرائيليين يعد كافيا، خاصة إذا ما علمنا أن تقارير أمنية إسرائيلية وصل مستوى القلق فيها أن تعتبر حماس معادل موضوعي لحزب الله أو أنها في طريقها لذلك تحت ما اصطلح على تسميته ( حزبلة حماس ) بمعنى أنها قادرة أن تؤدي ذات الدور الذي يؤديه حزب الله من التحدي والقدرة على المواجهة وتوجيه الضربات.
ومع أن حماس لا تمتلك ما يمتلكه حزب الله من قوة متطورة، واعتمادها على وسائل تقليدية وأدوات قتالية بدائية فإنها استطاعت أن تطور من هذه الأدوات لمستوى لمسته إسرائيل بحجم الأثر والتأثير المادي والمعنوي، فقد علق أحد القادة العسكريين الإسرائيليين قائلا : إننا لم نحقق شيئا، ولم يتغير علينا شيء في غزة، وقد يكون محقا، ولكن من جانب آخر فإن الذي تغير هو قدرة حماس، وصواريخها التي تعدت حدود سديروت إلى عسقلان، فبينما كانت تهدد ( 125 ) ألف إسرائيلي أصبحت اليوم تهدد أكثر من ( 250 ) ألف إسرائيلي.
المحطة الثانية لصواريخ القسام في عسقلان كانت مثار صخب إعلامي إسرائيلي، حيث عبرت الصحف الإسرائيلية بأقلام الكتاب عن استياء كبير وتساؤل مخذول لعجز الآلة العسكرية الإسرائيلية عن تحقيق الردع. وحدهم السياسيون في إسرائيل قللوا ( إعلاميا ) من حجم المشكلة، معلنين أن الحملة كانت مجرد رسالة عاجلة لحماس ردا على رسالتها لعسقلان، لم يكن الهدف منها تحقيق ردع كامل، بقدر ما كان مجرد جولة من جولات المواجهة والردع.
حماس بالنسبة لدوائر البحث والتخطيط الأمني والاستراتيجي الإسرائيلي ليست مجرد حفنة من الصواريخ، فهي تتعامل مع نموذجين لحماس النموذج الأول سياسي متمثل بسلطة حماس ودخولها إجباريا إلى عالم التفاوض، والجانب الثاني عسكري متمثل بالمقاومة والقدرة العسكرية، بمعنى أن إسرائيل أعطت حماس حقها أخيرا من حسابات القوة، بدليل أنها بدأت تتعامل معها سياسيا وعسكريا، لعل زيارة كارتر الأخير بالرغم مما رافقها من رفض إسرائيلي إلا أن الأمر لا يستبعد أن يكون ذلك من قبيل التغطية الإعلامية، بمعنى أن إسرائيل كانت تقبل وتؤيد مباحثات كارتر مع حماس عمليا وترفضها إعلاميا، الأمر الذي يشير إلى أن إسرائيل قد تضطر مرارا أن تستعمل الجانب السياسي مع حماس، وهو ما كان بالأمس خيارا محسوما بالرفض، لأن التفاوض مع حماس يزيد من شرعيتها السياسية فلسطينيا وعربيا وعالميا.
يبلغ الخوف الإسرائيلي من حماس مبلغا كبيرا يتجاوز حدود أثر صواريخها، إلى حد اعتبارها خطرا استراتيجيا ويذهب باحثون إسرائيليون إلى أنها خطر وجودي على الدولة اليهودية، فماذا تصنع إسرائيل إذن، ربما ليس أمامها خيارات كثيرة، سياسية أو عسكرية أو أن تحيل المواجهة مع حماس إلى أطراف أخرى.
وحماس أيضا يصيبها الخوف لتكون أكثر حذرا، لأن أمامها تحديات وعقبات حادة وخطيرة سواء على المستوى الإسرائيلي أو الفلسطيني أو على مستوى المنطقة، وهي مطالبة أن تصمد أكثر أمام ما يحدث لها من مجازر وما تقدمه من ضحايا، ومطالبة بأن تجعل من الشعب الفلسطيني قادر على أن يذوق طعما طيبا للصبر من خلال ما يمكن أن يتحقق لها من نتائج ملموسة، وهذا ما تخشاه إسرائيل، أن يشعر الشعب الفلسطيني بأن لصموده فائدة ولصبره حظ من المكاسب، مما يعزز من وإرادة التحدي لديه.
الأيام القادمة أو الشهور القادمة ستشهد غزة جولات أخرى، سياسية وعسكرية، لأن جولة واحدة لا تكفي كي تحقق إسرائيل أهداف الردع، وتحقق حماس أهداف الصمود والصبر.
(mn_ayasrah@yahoo.com)