المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الشاعر " رِيلْكِهْ " - د. شاكر مطلق



الدكتور شاكر مطلق
27/07/2008, 10:27 PM
الشاعر " رايْـنَرْ ماريّا ريلْكِه "
(1875 _ 1926)
د. شاكر مطلق
معلومات حياتيّة مكثـفة ( بيوغرافي ) عن الشاعر:

1875_1882طفولة مبكرة في مسقط رأسه (براغ – بلاد تشيك) .
1882_1895 فترة دراسته في المدارس .
1896_1899 الإقامة في ( مونيخ - ألمانيا ) .
1899_1900 رحلات إلى روسيا.
1900_1904 إقامة في أماكن مختَلفة .
1904_1914 إقامة في باريس ورحلات أخرى .
1914_1919 الحرب الكونية الأولى والثورة .
1919_1926 السنوات الأخيرة مِن عمره أمضاها في سويسرا .
يعتبر " ريلْكِه" (M.Rilke .R ) إلى جانب الشاعر الألماني "جورج الأكبر " مِن أهم ممثلي فترة الرومانسية الجديدة الذي صوّر فيها مأساة الوجود في ذلك الزمن .
ولد الشاعرُ في ( براغ ) _ تشيك _عام 1875 وتوزع روحه بين الانتماء إلى بلد ميلاده تشيك ، وبلد ثقافته ألمانيا ، وأمسى مبكّراً دون وطن .
بعد الخدمة العسكرية _ المدرسة الإلزامية ، أصابه الإحباط وأحاطته العزلة ، فكتب الشعر الموزون ، غير الـناضـج ، مبكـراً ، ليصل سـريعاً إلى الانـطباعـية
( Impressionismus ) ، التي كتب مِن وحيها ( كتاب الساعات ) و( شيء الأشياء ) فنـال مديح الناقد المعرف
( جاكوبسون ) .
بعد زواجه في بلدة ( ووربس _ فيده ) _وهي بلدة صغيرة وجميلة ، أعرفها شخصياً تقع في مقاطعة سَكْسونيا السّفلى على مقربة من عاصمة المقاطعة (هانوفر) في عام ( 1901_1902 ) مِن النحاتة ( كلارا _ فيستهوف ) ،ذهب إلى باريس .
تعرّف هناك النَّحاتَ العالمي الشهير ( روديــن ) _ Rodin _ صاحب تمثال المُفكّر المعروف وعمل عنده فترة كسكريتيرٍ له ، وافترقا لاحقاً كأصدقاء .
كتب في تلك الفترة ( بناء الأشياء ) _ ( قصائد الأشياء ) _ ( القصائد الجديدة )التي جلبت له الشهرة وبخاصة من الجانب اللغَوي، كما تعرف هناك الرَّسام المعروف ( سيزان ) .
1910 وتحت تأثير ( جاكوبسون ) وكذلك ( كيرك غارد ) _ Kierke gaord _ كتب أهم أعـماله الشعرية
( المنثورة ) ذات الطابع الديني ومسائل تتعلق بالمعاناة مِن أجل الخلاص الذي لا يأتي ، وحتى الوصول إلى
( الابن الضَّال ) .
هناك بعض التأثير المتأخر لـشاعر ألـمانيا العظيم
( وولفغانغ يوهان فون غوتِهْ ) _ W .J .v.Gothe _
( بالتاء المخففة )- وكذلك للشاعر ( هولدرلين ) _Hoeldrin _ في شعر ريلكه .
كتب عام 1914 ، عام انطلاق الحرب الكونية الأولى وكان متحمساً لشعر ( هولدرلين ) البطولي مِن أجل الوطن ، قصائدَ تُصوّر البؤسَ والمآسي في الحرب ، ونضجت ببطئٍ أعمالُه الشهيرة الهامة المسماة واحدتها : ( إليغي _ Elegie ) وهو ضرب مِن الشعر يحاكي الشعر الإغريقي الأصل (خماسي _ سداسي ) الذي تُنشَد فيه المأساة مع عزف على المزمار ، وقد تطوّر لاحقاً عند الرومان وتابع عبر العصور الوسطى تَبدّلاته حتى وصل كبار الشعراء الألمان أمثال ( غوتِه ) صاحب ( الأليغات الرومانية ) ، و( شِلَر ) في عمله ( النزهة ) وكذلك في تنظيراته ( حول الشعر العفوي المليء بالمشاعر ) ،كما عند الشّعراء المعروفين من أمثال هاينه ، هُلْدرلين وريلْكِه ( سونيتَّهْ إلى أورفيوس ) وغيرهم ...
( موضوع واسع يحتاج إلى بحث خاص ) .
أما الدراسات النقدية _ غير النهائية _ حول شعر ريلْكِه فهي بالآلاف ، وكذلك الكتب العديدة التي صدرت عنه وعن شعره ، ناهيك عن موقع ( جمعيّة ريلْكِه ) على شبكة ( الانترنيت ) الدولية وما يحتويه من معلومات وشروحات للمتخصّص ولطالب المدرسة أيضاً ... الخ .
لهذا فإن هذه المقدمة المتواضعة لا تفي ( ريلْكِه ) حقه بالطبع ولكنها قد تشكل إثارة للبعض مِن أجل المزيد من التعمق والدراسة وبخاصة في الجانب النفسي الذي أراه هاماً ومعقداً لديه ، مثل الشاعر النمساوي المُنتَحِر ( جورج تراكل ) الذي درسته مطولاً وضاعت للأسف دراسته منذ حوالي ربع قرن في مجلة ( الآداب الأجنبية – الآن الآداب العالمية ) - اتحاد الكتاب العرب- دمشق - ولم يكن لدي منها نسخة أخرى .
سأقدّم الآن بعض القصائد التي ترجمتها له عن الألمانية:
قصائد للشاعر
رايْنَرْ ماريا رِيلْكِهْ

ترجمة عن الألمانية : د. شاكر مطلق

_ 1 _

تعالَ أنتَ ، أنتَ
يا آخر مَن أَعترِفَ بهِ .
أيها الألمُ الذي لا يَبرأُ
في نسيجِ ( هذا ) الجسد :
كما اشتَعلتُ في الفكْرِ
اُنظرْ
فأنا اَشتعلُ فيكَ .
لقد قاومَ الحَطبُ اللَّهيبَ
الذي وهَّجتُه طويلاً
لكنّني _الآنَ _ أُغذِّيكَ
وأشتعِلُ فيكَ ، مستسلماً .
لطافتي
هنا ، سوفَ تغدو في تَجَهُّمِكَ
تَجهُّمَ الجَحيمِ ( المُغايرِ )
فهو ليس مِن هنا .
نقياً تماماً
دونَ تخطيطٍ
حرَّاً مِن المستقبلِ
صَعِدتُ محرقةَ المعاناةِ المضطربةِ
واثقاً تماماً
بأنْ لا مستقبلَ
_ في أي مكانٍ _
يمكنُ لي أنْ أشتريهِ
مِنْ أجلِ هذا القلبُ
الذي يَصمُتُ فيه المَخزونُ .
هل ما أزالُ أنا
( ذاكَ ) الذي يَحترقُ هناكَ
حتى اللاَّتَعرُّفَ عليهِ ؟
ذكرياتٌ لا أنتزعها إلى هنا
آهٍ أيتها الحياةُ ، الحياةُ
خارجاً تكونينَ
وأنا في السَّعيرِ ( أكونُ )
لا يتعَرَّفني أحدٌ ؟! ...
______________________
كُتبَتْ هذه القصيدة عام 1926 في " فال مونت "_ على ضفاف بحيرة " جنيف " _ في سويسرا ، وهي من مجموعة " مئة قصيدة " الصادرة- ط3- 2002 في برلين عن دار نشر " البناء " ، ( أختارتها غيزيلا هويسرمان و أولرِش هويسرمان ) .


وَداع

كمْ شعرتُ بذاكَ ( الشّعورِ )
الذي يُسْمونَه ( الوَداعْ ) !
كيفَ ؟
لا أزالُ أعلَمُ :
شيءٌ عاتِمٌ ، مريعٌ لا يُقهرُ
يُريكَ الرِّباط َالجميلَ
مرَّةً أخرى
يَعرِضه أمامَـكَ ، ويمزِّقُهُ .
كيفَ كنتُ أنظرُ إليهِ
_ دونما دفاعٍ _
بينما هو يناديني
يَدَعُني أذهبُ ويبقى
وكأنَّ كلَّ النساءِ ( هناكَ )
وبِرُغمِ ذلك فلا شيءٌ
إلاَّ الصَّغَارَ والبياضَ
وليسَ غير هذا :
تَلويحةُ يدٍ ، لمْ تعدْ موجَّهةً إليَّ
تَلويحاتٌ خافتةٌ تَتْرَى
تكادُ لا تُفهَمُ :
ربما شجرةُ خَوخٍ
طارَ عنها ، مُسرعاً ، ( طائر اللَّيل )* .
________________________________
هذه القصيدة ، التي كتبها الشاعر عام 1906 ، ترجمتُها منذ حوالي أربعين عاماً إبان دراستي في جامعة " هامبورغ " _ شمال ألمانيا _ ليس بسبب إعجابي بقفـلتها الجميلة الرائعة فقط ، وليس بسبب مضمونها المعقد ، غير المجدي شعرياً ، برأيي ، وإنما بسبب كتابتي يومها لقصيدة ألمانية ، قيل لي وبدون علمي بها ، أنها تشبه القفلة في هذه القصيدة .
طائر الليل : هو في الألمانية _ Nachtigal_الذي يَرِدُ ذِكرُه كثيراً في الشعر الألماني ، وبخاصة لدى الشاعر العظيم " هاينرش هاينه " ، كما يرِد كثيراً في شعر " الهايكو" الياباني الذي كتبت الكثير عنه .

في هذه القريةِ
يَقبعُ البيتُ الأخيرُ وحيداً
كما لو كان بيتَ العالمِ الأخيرِ .

الشارعُ ، الذي لا توقِفهُ القريةُ الصغيرةُ
( فهو ) يُتابعُ مَسيرَهُ ببطءٍ
خارجاً إلى اللَّيل .

القريةُ الصغيرةُ ليستْ إلاَّ مَعبَراً
بينَ بُعدَينِ :
تَفهُّمٌ كاملٌ ، وهَلَعٌ
طريقٌ سادرٌ عن البيوتِ
بدلاً مِن رصيفٍ ( يُعبَرْ إليها ) .

وأولئك الذين هَجروا القريةَ
فَهُم يتجوَّلونَ طويلاً
وربّما ماتَ منهم الكثيرونَ
في التَّجوالِ .

__________________________
كُتِبَتْ عام 1901 في " وسْـتَرويده " .
حمص – سورية د. شاكر مطلق

E.-MAIL: mutlak@scs-net.org