المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : "الغرَقُ " نثر - د. شاكر مطلق



الدكتور شاكر مطلق
28/07/2008, 02:34 PM
(الغَـرَقُ )
د. شاكر مطلق
كان يقتَلِعُ ، كالمجنونِ ، بلاطَ الرّصيف ويَحفرُ بيديه الرّملَ تحت قدميه ، دون تعبٍ .
تجمّعَ الناس حوله .لمْ يرَهُم، وتابعَ الحَفرَ بقوةٍ ... حفَر أعمقَ فأعمقَ ولم يتعبْ ، برغم العَرق المتساقط بغزارةٍ من جبينه. نظراتُه زائغةٌ قلقةٌ، وكأنّها تَبحثُ عن شيءٍ ما ...
فجأةً توقّف عن الحفرِ وتنفّسَ عميقاً. نظر خائباً في الحفرةِ وصاحَ :
لمْ أجدْه ، لمْ أجدْه ... إلى أينَ ذهب البحرُ ؟! .
الناسُ يَرقبونه في ذُهولٍ . هلْ جُنّ الرّجُلُ ؟ .
عندما وصل الشّرِطيُّ المكانَ ليرى لماذا يتجمّع الناسُ هناك ، وماذا يحدث في المكان ، تراجع صاحبُنا ، آنَ رآه ، مذعوراً إلى الوراءِ ، وسقط في الحفرةِ .
لقد اختفى صاحبنا وغابَ نهائياً ، عن الأنظارِ ...
سادَ المكانَ صمتٌ قاتلٌ وحَيْرةٌ وذهولٌ .
أطلّوا في الحفرة وبحثوا فيها مراراً وتكراراً، ولكنّهم لم يجدوه ، وما وجدوا منه أثراً أبداً ، برغم مرور زمن طويل من البحث عنه ، هناك في الحفرة الفارغةِ إلاّ من الرملِ الجاف الأصفرِ.
قيلَ - حتى بعد مرور أعوام على هذه الحادثةُ الغريبةُ - أنه ماتَ غرقاً في بحرٍ لا يرَوْنهُ ، وإنْ كان البعضُ لا يزال يُطلّ فيها ، بين حينٍ وآخرَ ، ويؤكّد أنّه يَسمع ، في الليالي المُقمرات ، ما يشبه هديرَ الأمواج قادماً من هناك ، من فراغ حفرةٍ لم تُردَم أبداً...
هل كانت الحفرةُ الفارغةُ شاهداً على غريق الوَهم ، أم على غريق الحقيقة التي لا نراها ، في زحمة الحياة _ حياتنا - المسَطّحة .
==========================
حمص - سورية 92/7/2008
E-Mail:mutlak@scs-net.org[/size][/size]

منى حسن محمد الحاج
31/07/2008, 09:27 PM
أستاذنا القدير: شاكر مطلق..
بل هو غرق الحقيقة يا أستاذنا العزيز في زمن اختلط فيه الحق مع الباطل حتى أعيانا التمييز!!
ما أغفلنا عن هذا الإبداع..
ويالحرماننا بعدم القراءة لهذا القلم المتمكن...
ربما ظلمنا عدم تواجدها بمكانها الذي أرجو أن تسمح لنا بنقلها إليه..
إن نصًا كهذا يجب أن يقرأه رواد القصة القصيرة حتى تتنسى لهم الإستفادة من هذا العمق في المعاني والتصوير...
لك مي تحية تليق بك وبهذا القلم الذي يقطر حكمة.
تقبل فائق الود والتقدير