المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قراءة في ديوان (( عرائس )) للشاعر المغربي رشيد العلوي- قصيدة احتفال أنموذجا



عبد الرحمان الخرشي
03/08/2008, 12:40 PM
قراءة في العتبات ، البنية ، و جمالية الإبداع الشعري قصيدة احتفال أ نموذجا

i-إضــاءة

: يعتبر ديوان "عرائس " للشاعر المراكشي الشاب رشيد العلوي – شفع ديوانه الأول "نبض الفؤاد " – علامة مميزة في تجربته الإبداعية . باعتباره يمثل نقلة نوعية في إنتاجه الشعري .. وهو علامة مميزة في الكتابة الإبداعية المحلية والوطنية خاصة ؛ لكونه شق طريقه الإبداعي بعد تزود بثقافة شعرية رصينة و متجددة.عززها بتجربة ذاتية غنية علمته كيف يتحدى كل ما هو صعب في الحياة .


وعلى ضوء ذلك فالشاعر لم ينطلق من فراغ حينما أراد الإعلان حن تجربته الإبداعية بديوانه الجديد "عرائس ". . إن هذا الديوان يشي بخصوصية شعرية إحيائية رومانسية ، فجر من خلالها الشاعر تبريحه قي كائن إنساني ملائكي ذي طيف سماوي شفيف ، هو (المرأة) . هاته التي نظر إليها أصلا ببصيرته لا ببصره ، مناددا بصورتها – التي تخـيّل - إحساس الوحدة ، و العزلة . وإن شئنا قلنا : الاغتراب !!. ومبشرا بإشراقة شمس الحب ، والإخاء ؛ في واقع أدلهم بضباب الحقد ، و الكراهية ، و الشرذمة ، و التمزق . . .!!! .
إن قصائد هذا الديوان باستطاعتي أن أصفها بالبلسَم ، بالمعول ؛ فهي بلسم لكونها تتصدىلجرثومة اللاشعر في زمن الشعر و (اللاشعر) . . وهي معول لكونها تبدد وهما شائعا لدى بعض أتباع المذهب الواقعــي المتمثل في التزام الشاعر بقضايا الكفاح السياســي ، والاجتماعي فقط . . . و هي ترويج-بالمباشر – لملح الحياة الأنقى : ( الغزل /الحب ) .
وإذا تأملنا قصائد (الغزل/الحب) في هذا الديوان و جدنا أثر التيار الرومانسي واضحا و ممتزجا بتيار التراث العربي القديم . و كأني بالشاعر شوقي و الشاعر جبران في إهاب واحد ، ومن فوق أريكة واحدة – وبلسان واحد – يرشان الحياة ببلسم شفائها معلبًا . واسم الدواء المكتوب ، و بالبنط العريض على علبة الدواء : "عرائس" .

- ii قراءة في العتبات :

1- عتبة العنوان : (( عرائس ))

عنون الشاعر هذا الديوان بكلمة واحدة منتهجا نهج شعراء مغاربة كبار عنونوا دواوينهم الشعرية بكلمة واحدة ؛ تقليصا لمسافة الربط بين الكلمات في العنوان ، وتشعب الدلالة وتركيزا لبؤرة العنوان في أيقونة دالة تحيل على مضمونه مباشرة . . فعل هذا أحمد المجاطي في( الفروسية ) – 1987– عبد المجيد بنجلون في ( براعم ) -1963- إدريس الجاي في ( السوانح ) -1971- و عبد الكريم بن ثابت في ( الحرية ) -1968- و إسماعيل زويرق في مجموعة من الدواوين منها ديوان ( وحدي ) -2000- .
ومن خصوصيات عنوان (( عرائس )) الذي اختاره الشاعر رشيد العلوي لديوانه ؛ أنه مشتق من مادة لغوية كثيرة الاشتقاق والدلالات ( عَـرَسَ ) منها :
( العُرْسُ ) يطلق على احتفال يعقد للعروسين . و على طعام الوليمة . يذكر ويؤنث . جمعه ( أَعْرَاسٌ ) و ( عُرُسَاتٌ ) .
( عَرُوسٌ ) يطلق على الواحدة من النساء ، وعلى الواحد من الرجال . يجمع للرجال فنقول : ( عُرُسٌ ) . ويجمع للنساء فتقول: (( عَرَائِسْ )) . . وهذه الصيغة الاسمية أوردها الشاعر عنوانا لديوانه بدلالة موحدة ، نكرة ؛ أفاد تنكيرها : الإبهام ، والتفخيم ، والتعظيم ، والكمال في كل عروس من عرائس/ قصائد الديوان .
وتكشف القراءة الصوتية للعنوان غناه بالدلالات والإيحاءات أذكر منها :
××1- اختلاف مكوناته صوتيا : العنوان يتكون من أربعة أصوات/ حروف توسطها فونيم صائت طويل/ حرف مد . . صوتان قصيران ( العين والهمزة ) ، وصوت متوسط ( الراء ) وصوت ساكن ( السين ) . وهذا الاختلاف في الأصوات له تأثير إيجابي على النطق بالعنوان بسلاسة واتزان .
×× 2- تباعد وتقارب مخارجه : إن هذا التباعد والتقارب . أي الاختلاف يساعد على النطق بالعنوان عبر جهازالنطق بسلاسة فالصوتان ( العين والهمزة ) حلقيان : فالعين مخرجه أدنى الحلق ، بينما صوت ( الهمزة ) مخرجه أقصى الحلق . . أما الصوتان ( الراء والسين ) فينتميان إلى حيز الأسنان ؛ صوت ( الراء ) مخرجه اللثه . أما صوت ( السين ) فهو أسناني لثوي .
×× 3- تأثير الوترين الصوتيين في إبراز جمالية وجاذبية العنوان : العنوان يبتدئ بصوتين مجهورين ( العين ) و ( الراء ) . . أثناء النطق بهما . الوتران يهتزان جهرا أثناء النطق بالعين – مفتوحة – ويلي ذلك مد الصوت أثناء النطق بالراء – ممدودة - و يترتب عن كل هذا شيء من الصخب يشعر - بداية - بأن هناك عرسًا التأمت الإيقاعات النفسية للشاعر فتفجرت في حرفين استهل بهما العنوان . . تلا دالك ، صوت لا مجهور ولا مهموس ( الهمزة ) - بالكسرة - كسر ما في الحرفين السابقين عليه من قوة ساعدت على النطق بصوت مهموس وساكن ( السين ) وإحداث صفير أوحى بجمال ظاهر ، وجمال خفي في العرائس/ القصائد وهي في عرسها الحالم . و الشاهدعلى هذا العرس الشعري ؛ هو : ديوان ( عرائس ) .
إن انتقاء الشاعر لفظة ( عرائس ) لهذا الديوان ، وراءه حرصه أن يكون هذا العنوان متماهيا مع إحساسه بالجمال ؛ جمال الإنسان ، جمال المرأة خاصة . وجمال الطبيعة ، وجمال القيم ، والأخلاق ، وجمال الروابط الإنسانية ، بما فيها روابط القومية العربية ، والإسلام . . ووراءه كون هذا العنوان موحيا بجاذبية نغمية غنائية تثير السمع والخيال في قصائد الديوان . وأن له القدرة على استيعاب مضامين قصائد الديوان ككل . . وكأني بالشاعر – والديوان في يمناه – يخاطب القائم بالتلقي قائلا :
( هذه عرائسي/ قصائدي ، كل قصيدة منها عروس تزينت بإحساسي ، ولغتي ، وأداتي الفنية ، وعالمي الشعري الحالم ) . وبذلك تبدو الدلالة في العنوان مغلفة بالرمز !
ومن زاوية أخرى ؛ فقد ترسخ عندي أن الشاعر توفق كثيرا في اختيار العنوان لهذا الديوان . إذ بعد بحث مستفيض في مجالات الأدب والفن والمعرفة والمجتمعات الإنسانية تبينت أن لهذا العنوان أبا واحدا هو الشاعر رشيد العلوي في ديوانه (( عرائس )) وإن كنت قد وجدت أنه ارتبط بغيره من الكلمات في تراكيب مضافة أو مركبة . وذلك في مجالات متعددة هي :
-- 1. في الشعر : أذكر ديوان (( عرائس من الجزائر )) للشاعرة زينب الميلي . و(( عرائس البحر الأبيض )) للشاعر نور الدين محقق . . وأذكر قصائد و أناشيد (( عرائس النار )) للشاعرة ( د . ريم ) . وقصيدة إنشادية (( عرائس الحنان )) للشاعر أبو عابد . ثم نشيد (( عرائس المجد )) للشاعر عبد الله البابطين . . .
-- 2. في الكتابة النثرية الإبداعية وفي الفن السينمائي : أذكر في مجال المقالة : مقالة (( عرائس السماء )) تحدث فيها كاتبها أشرف عبيد الله عن المآذن . وفي مجال القصة : المجموعة القصصية (( عرائس من ورق )) للقصاص أحمد زغلول . وفي مجال السينما المغربية (( عرائس من قصب )) للمخرج المغربي الجيلالي فرحاتي . وفي مجال الرواية : رواية (( عرائس الصوف )) للكاتبة ميس خالد العثمان . . .
-- 3. أسماء كتب: أذكر منها (( عرائس المجالس )) في قِصص الأنبياء لمؤلفه أبي اسحاق النيسابوري . ثم كتاب (( عرائس المروج )) للشاعر جبران خليل جبران . . .
ومن الطريف جدا أن ما عُنون به هذا الديوان . أعنى (( عرائس )) يستعمل في سوريا اسما لأكلة شعبية ، لذيذة ، تصنع من فطائر الخبز ، تحشى باللحم المفروم . وتشوى فوق النار ، ثم تؤكل . وتتم العملية في المتنزهات . . كما استعملت كلمة (( عرائس )) مركبة في جملة (( عرائس فلسطين )) للدلالة على شهيدات الانتفاضة الأخيرة . وفي جملة (( عرائس النيل )) للدلالة على النساء اللائي قدمن قربانا لنهر النيل في الماضي السحيق .
ومن الشعراء الوجدانين من وردت في ثنايا قصائدهم ، كما عند الشاعر محمود أبو الوفاء في قصيدته (( مواكب العيد )) يقول :

" والدمى" في يد العرائس ترنو **** للخـداريف في يـد الأولاد" .

2- البنيـة:

الديوان من القطع المتوسط ( 20 على 15 سنتمترا) ، يتكون ورقيا من 140 صفحة احتسابا لصفحتي الفهرست . . صفحتا الغلاف أولاهما اشتملت على معطيات : العنوان ، واسم الشاعر ، وطبيعة الكتاب ( ديوان شعر ) ، وتم تأثيثها بلوحة من تصميم الفنان الدكتور محمد نجيب المنصوري ، مصمم غلاف ديوان الشاعر الأول أيضا . . تداخلت مجموعة من الألوان في مساحات أفقية تختلف في أحجامها وأشكالها بمقدار حركة الفرشات المستعملة أفقيا على مساحة اللوحة الكلية . . الألوان ما بين مشرقة وحارة وباردة . توسطها تشكيل بالخط العربي للتعبير بالألوان ، والخطوط العمودية ، والأفقية ، والمائلة . برشاقة يد الفنان، مشكلة بذلك حزمة . تبعثرها الألوان ، فوق قاعدة رامزة لحروف ، تُشكل بتداخلها طلاسم . تم فك شفرتها بكل ما كُتب على صفحة الغلاف . . . وفي اعتقادي : إن الفنان محق في توظيف الخط العربي لبناء تحفة فنية ، رائعة للغلاف . تستحق الإشادة منا نيابة عن الشاعر الضرير أصلا . لأنها توحي بالتراث اللغوي ، والإيقاعي ، والتخييلي . وبالوجدان . وكلها آليات اشتغل عليها الشاعر في هذا الديوان . . وحتى ينسب الفضل لأهله ، تمت الإشارة إلى الجهة الداعمة في أسفل اللوحة / الغلاف .
أما صفحة الغلاف الثانية ، فقد حملها الشاعر صورة له ، ومعلومات عنه وعن إبداعه المطبوع والمخطوط . وأربعة أبيات رومانسية شفافة وهادئة تلامس جمال التجربة وحدود التلقي . . وتحتاج طباعةً إلى تصحيح كلمة : ( تبابا ) بكلمة ( تيابا ) .
اشتمل الديوان على (42 قصيدة ) غير مذيلة باللازمة التأريخية ، ومكان كتابتها : وكأن شيطان الشاعر الشعري أو ملاكه لا يختار مكانا معينا يكتب فيه شعره ، ولربما الشعر هو الذي يختار مكان ووقت كتابته عند الشاعر رشيد العلوي . . وعندي رغبة في أن يدرك الشاعر أبعاد قضية تأريخ قصائده لا حقا ، مساعدة للنقاد ، حتى يقفوا على التطور الفني ، والإبداعي ، والنفسي ، لصاحب ال (( عرائس )) وما سيأتي بعدها من أعمال . . .
عدد قصائد الديوان ( 23 قصيدة ) عروضية خليلية ، و( 19 قصيدة ) تفعيلية ، وزعت في أربع مجموعات : ( 15 قصيدة ) الأولى تفعيلية يليها ( 10 قصائد ) عمودية ، ثم ( 4 قصائد ) تفعيلية ، وأخيرا ( 13 قصيدةً ) عمودية . وهذه الأخيرة سقط منها في الفهرست ( 7 قصائد ) هي : ( صيرورة كأس ) ( في القطار ) ( سعدى ) ( جمرات الشمس الباردة ) ( روض ) ( هواك عبق ) ( الماء والتمساح ) .
لا توجد في الديوان قصيدة تحمل عنوان ( عرائس ) . وإن كنت الحظ عبق العرائس في جل قصائد الديوان . ويلاحظ أن الشاعر اعتمد تنويع عناوين القصائد من حيث الكم في مكوناتها . فهناك العنوان المكون من كلمة واحدة : ( سطور - سمر - قنديل - احتفال ) ومن كلمتين : (خيوط نافرة - هلال الشك - لقاء المريا . . ) ومن ثلاث : ( الشمس تضحك وتبكي - صدر الوجود واسع . . ) والعنوان الطويل نسبيا : ( نما الربيع بلاحساب – غرد كما يهوي الأمل – عجبا أن يجعلنا المسير نثاره ؟ ! ) . . .

3 – الإهداء:

لم يأت الإهداء كما عهدناه في دواوين عديدة . بل جاء مشروطا هكذا (( إلى كل من تتنفس شرايينه بدم الحب والإبداع )) . . إن هذا الإهداء سبق للشاعرة المقتدرة حبيبة الصوفي أن ذكرته ميزة للشاعر في تقديمها لباكورته ؛ ديوانه الأول ( نبض الفؤاد ) لما قالت عن الشاعر إنه (( شاعر تنبض شرايينه بدم الإبداع )) وملح ( الحب ) ورد في ثنايا التقديم باعتبار الشاعر فارسا في ميدان العشق . وكأني بالشاعر يصِّدق أن ذلك عالمه الخاص به . والداخلون إليه قلة ، ومن الواجب أن يتوجه إليهم بالإهداء ! .

4- المقدمة:

وبتعبير أدق التقديم . إذا كان ديوان الشاعر الأول قد اضطلعت به الشاعرة المفلقة حبيبة الصوفي . فإن تقديم اليوم يضطلع به الشاعر الكبير النحرير (( أحمد بلحاج آية وارهام )) . ولعل الشاعر بذلك يريد أن ينتزع شهادة اعتراف بشاعريته من شعراء كبار - وهو في بداية طريق الإبداع - . . .
الشاعر المتميز أحمد بلحاج آية وارهام . بشمولية نظرته ، وغائر إحساسه ، وعمق ودقة معرفته لتضاريس المشهد الشعري المغربي القديم ، والحديث . ثمن تجربة الشاعر رشيد العلوي وأمهر عرائسها قراءة كشفت المستور والخبيء فيها . من ذلك :
- أن الشاعر ينحو منحى ذاتيا ووجدانيا ووجوديا : حيث الذات اتسمت بالشفوفية . والوجودية اتسمت بالرهافة .
- أن ميزة الشاعر ونقطة ارتكاز قوته - ضمن خارطة الشعر المغربي – تكمن في لغة ، وإيقاع ، وتخييلات ، وبناء شعره وقصيدته .
- اتسام شعره بالتورط والتوريط الوجوديين على مستوى مضمونه . وربط ذلك بإبداع الشاعر ؛ أعنى رسالته إلى المتلقي .
وهي قراءة عميقة ، تدعو إلى البحث والتمحيص في تجربة شاعر (( العرائس )) بجدية .

Iii- جمالية الإبداع الشعري : قصيدة احتفال أنموذجا :

قبل الشروع في مغامرة الكشف عما في قصيدة "احتفال " من جمال فني أخاذ ، أنوه إلى : أن هذا النص يلتقي و ( العرائس ) في كونها تعبر عن مذهب الشاعر الشعري . و في كونه يعزف على قيثارة الحب النبيلة في عصر الإنسان الآلي الضائع في صحراء الجمود والعقم . . العصر الذي فقد فيه الإنسان آدميته وأصبح أسيرا للعنف ، و الموت ، و الجنس ، و الحقد ، والكراهية ، و أمراض خطيرة ، و فتاكة . سببها : الجنس المباح . .
كما أنوه – كذاك – إلى أن أهمية هذه القصيدة تبدو في أن تراتيل الحب الهامسة الموحية فيها تأتي في وقت يكاد يفلس فيه ديوان (( الغزل العربي المعاصر )) أمام هجمة الشعر الموجه ، وأمام شعر الغموض و الطلاسم، الذي ينسب خطأ لموجة الحداثة المعاصرة وما هو منها في شيء .
و عندي فإن قصيدة (( احتفال )) قد حافظت على أهم مقومات القصيدة العربية ، بناء ، ولغة ، و إيقاعا ، و تخييلا . . . و هي قصيدة غزلية بامتياز . تتنكر للتقليد والنمطية ، و تحتفي بالفرادة و الخصوصية . وتؤكد على حقيقة أن السمو بالحب ليس في تلك الأوصاف المادية المباشرة الصرفة . وإنما هي في السمو به روحيا ، و جعله لا يفقد جوهر معناه الحقيقي ، في ديوان الشعر العربي ؛ أعني الصفاء .
إن الغزل في قصيدة (( احتفال )) تعبير عن تجربة نفسية ، ذات منحى شعوري ، وجداني بسيط . في أسلوب رومانسي يستلهم الطبيعة ، و يعكس تجربة من تجارب الغزل العفيف ، و يربط الحب بالإحساس و بأسرار الوجود . و الخيال الواسع . جمعت المرأة فيه بين صفاتها الجسدية ، والنفسية ، والروحية . . إنها رومانسية – حالمة جدا – تستوعب حقيقة الجمال . فتقرر إعادته إلى مملكة القلب ؛ أي مملكة الوجدان ، و الإيمان .
عنوان القصيدة ( احتفال ) مؤشر هام على دقة العلاقة بين عنوان القصيدة ، و عنوان الديوان . فالعروس يستصحب إعراسها ( احتفال ) في طقوس تكمل للعروس جمالها ، و هي إشارة - ذكية و بطرف خفي - إلى أن قارئ هذا الديوان يقتضي أن تكون له القدرة التذوقية الفنية ، و الموضوعية ، للانخراط في استكناه ما فيه من جمال . . و فيه - كذلك - إشارة إلى أن ( عرائس ) الديوان الأخرى قد استدعت من الشاعر أن يرسم لها في الوجدان صورة فسيفسائية اقتضت منه أن يبوح بها كشفا لجمال خبيء . و قد سرني ما في الآليات الموظفة من نضج افتقدته الكثير من الأعمال الإبداعية ، وبالخصوص من حيث اللغة ، والإيقاع ، والتخييل . . .
و حسبي أن أذكر أن قصيدة ( احتفال ) قد احتفت بالمرأة – حقيقية و تصورا – لا باعتبارها امرأة فقط . و إنما باعتبارها أنثى استكملت جمالها المطلق حتى بدت كائنا ملائكيا ، وطيفا سماويا ، لها مكانة ( فينوس ) عند الرومان و ( أفروديت ) عند اليونان . . المرأة في القصيدة ( غانية ) اغتنت بجمالها عن الحلي لإظهار زينتها . تخلب الشاعر بمفاتن الشهوة ، وتجلده بسياط المعاناة . فيجد في المعاناة لذة المازوشي ارتقاء . . لننظر إلى الشاعر - في هذا النص - يجلد ذاته بلهيب حب جنوني ( الهيام ) ، فيه إفراط ( العشق ) يستعبده ويذهب عقله ( التتيم ) ثم يسافر بالقلب إلى المحبوب . ( الشوق ) . وأخيرا يغلفه هم ( الوجد ) ، وفي هذا – الوجد – النهاية التي لا يخشاها الشاعر : الموت ؛ أعني : حياته الثانية :

لست أخشى إذا ركبت المنايا **** أنت موتى ، وأنت بعثُ كياني

إن المرأة التي اغتنت بجمالها عن الحلي . سقط الشاعر العذري ، ولا أقول الجبراني ، اسمه رشيد العلوي في شباكها المخملية ، فغلبته . بمفاتن الشهوة، وجلدته بسياط المعاناة . فكان أمام امتحان البوح و الإفصاح . . . أينشد الرباط الشرعي ( الزواج ) من العلاقة ؟ أم ينشد قربها الذي يوقد في نفسه ( شعلة الروح ) ؟ .
إن الشاعر رشيد العلوي في قصيدة ( احتفال ) يؤسس لعلاقة بينه وبين المرأة تقوم على شعلة ( الروح ) وهو طرح جبراني مؤداه : إن للحب قدسيته ، وحامي الحب ـ دائما ـ هي الروح ، والعاطفة الصادقة التي تربط بين عاشقين ! .
لكن يغلب على الظن أن ملمح العذرية أبين في هذه القصيدة بالرغم من وجود حمولة فنية جبرانية تعزز ما ذهبنا إليه سابقا وخاصة على مستوى اللغة وتوليد التخييل . .
فإذا كان ( ديوان الشعر العربي الغزلي ) . و( ديوان الشعر الجبراني ) قد حملا صورتين مختلفتين عن المرأة . فإن الشاعر رشيد العلوي قد شذ فيما جاء به من شعر غزلي عن الاتجاهين في صورته للمرأة . وهذا ما جعلني أضع له مكانة بين العذرية و الجبرانية تفصح عن ذالك قصيدة ( احتفال ) .
وعلى ضوء ذالك أستطيع أن أوضح :
إن الشعراء الذين غازلوا المرأة بوصف عينيها . جاءت أوصافهم مباشرة مادية ؛ فالعين لؤلؤة ، وزمردة ، وياقوتة ، وفيروزة ، ومرجانة ، وعقيقة ، وحوراء ، وشهلاء ، وزرقاء ، وفنواء ، وخضراء . . أما رشيد العلوي فقد استجاب للحياة لما هزته بنشوتها ليصفها باللون ، والحركة ، والتأثير في النفس ـ المباشرة وغير المباشرة ـ والجمال الأخاذ . وقد استدعى لذالك آلته البيانية التي يثقن توظيفها لبناء التخييل . يقول :

أشرق الماء في عيون الغوانـي **** في جمال ، ورقة ، وافتتــان
وتهادى كأنــه في احتفـال ******* مورق العرس ساحر الإرنان
ينفث الهمس من جفونٍ ****** تدلّتْ ناعسات على نعيـم الجنان .
عن بهاء يفضي بلــون بهيج ******** وتدان ، وليتهـا لم تــدان

إن الشاعر بهذا الوصف الرائع – في اعتقادي - أبطل مقولتين أكد عليهما محمد باهي في كتابه (( الحب الحقيقي )) .
أولاهما : إن ( الحواس هي الأبواب والمنافذ إلى القلوب وأبلغها وأصحها وأقواها عملا في العين) .
ثانيهما : إن ( العين هي رائدة النفس الصادقة ودليلها الهادئ ومرآتها الصامتة التي بها نقف على الحقائق ونميز الصفات ونفهم المحسوسات ) .
إن هاتين المقولتين تصيران هباء عندما نعلم أن العين – عين الشاعر - لم تكن دليلا على حقيقة ما رسم للمرأة / الغواني من عيون . بل دليله إلى ذلك بصيرته وآلته التعبيرية الدقيقة . . .
فكلمة ( أشرق ) التي استهل بها هذا الوصف تحيل على ( الإشراق ) بدلالته الفعلية على الزمان الماضي والمكانية على جهة شروق الشمس . . . وهي موحية بلحظة انبعاث الضوء ؛ لحظة تترقب حلولها الكائنات تبعث فيها الحياة من جديد . . . هذه الكلمة نقلها الشاعر من علاقتها بالشمس إلى ربطها بالماء الذي لا يشرق إلا بالشمس !! ربطها بالماء . لكن أي ماء ؟ إنه ماء العيون ؛ عيون الغواني .
إن العلاقة بين ( إشراق الشمس ) المعنى الأصلي ، و ( إشراق الماء في عيون الغواني ) المعنى الفرعي ، يشي بصورة مناسبة لما في نفس الشاعر من إحساس بالسعادة وهي صورة تلاحمت أجزاؤها المرئية ، والمتحركة ، والمسموعة ، والمتخيلة ، و . . . لتترجم هذا الإحساس . وإحساسه بجمال مثالي ومجرد هو جمال العيون القابل للتبخر وذلك تحليلا لعاطفته ، واستشفافا لوجدانه . . .
فالغواني اللائي حزن هذا الجمال في العيون – ومنهن معشوقة الشاعر – لسن من دم ولحم ، بل هن حوريات وعرائس للطبيعية . لا اسم لهن ، ولا هوية ، ولا مكان في الواقع . . . ابتدعهن الشاعر – ومنهن معشوقته – من أحلامه ، وتعبد لهن في محراب ذاته / وجدانه ، ومحراب الطبيعة . . تجاوزا لتناقضات الحياة ، وعالم الناس ؛ المحكوم بالمنفعة ، والشرور ، والآثام ! . .
وكم أعجبني الشاعر ؛ وهو يراكم صوره الجزئية ، تعميقا للتخييل ، باعتماد البلاغة العربية . مقابلا بين طرفي التشبيه الحسيين ، الماديين ، عزز فيهما المشبه بصفات معنوية ارتقت بجمال المعشوقة :

هي شمـس ودوحـة وظـلال ********* ومعين ينسـاب بين المعانـي
هي أسنـى من كـل دُرِّ ثمـين ******** سحره فاق سابقات المعانـي
وهي أشهى من وشوشات خميل **** في هيام مع انسياب الأغانـي

وكم أعجبني الشاعر- أيضا – أن تتسامى هذه المعشوقة في جمالها . فيتولد عن ذلك إحساسه بوازعه الديني ؛ يحرك فيه جلال رب العزة ، وما يتطلبه من خشوع ، وخضوع . فينظر إلى المعشوقة بعين الرضي في حضرته هو . . تترفع مطئطئة رأسها دون وجل ودون تكلف :

تتسامـى كأنهــا فـي خشوع ****** وخضـوع في حضرة المنـان .

إن حضور الوازع الديني في الغزل عند الشاعر يبدو ملمحا بارزا في هذه القصيدة . . لننظر إليه وقد استعبده حبُّها وذهب عقله فيها ( تيمتنى ) وخالطه هم من حبها تأتي اللحظة التي إليها يسعى تخفف عنه ، تقترب منه تلك التي ضربته بسياط العشق ، فيستحضر مخافة الله فيقول (( روحي تراني )) . . أجمل به من تعبير يخلص الشاعر من ورطته الوجدانية الحالمة (( روحي تراني )) ! والأجمل منه تعبير (( ربي يراني )) . . وبذلك يضع الشاعر حِـوَارية بين هذا النص والنص القرآني (قصة يوسف عليه السلام) يقول :

تيمتـني وكنت أهــلا لوجد **** فتدانت وقلت : روحي تراني .

اللغة الشعرية :

1- المستوى اللفظي :

أول كلمة في النص ( أشرق ) وآخر كلمة فيه ( الجنان) حيث تتشكل مسافة بناء النص فنيا ودلاليا . وقد تم بناؤه على قواعد لغوية تحايتها قواعد فنية ساعدت في توليد موسيقى النص ، وفي التخييل ، وتلوين الأساليب . .
وقد استدعى الشاعر كلماته مما ينسجم مع حالته الوجدانية لذلك جاءت بسيطة ، سلسلة مشرقة ، رقيقة ، رقة آسرة ؛ تستدعي الغنائية ، والشجو . وهي بعد ذلك عذبة تلتصق بالسمع ، وتتصل بالقلب . بعضها من الطبيعة ( الماء ، الشمس ، ظلال ، خميل ، جنان . . ) وبعضها إيقاعات اصطناعية وفطرية ( الأغاني ، اللحن ، الهمس ، نبض ، خفقان . . . ) وصفات طالت المرأة ( الجمال ، الرقة ، السناء ، التسامي ، الفتنة . . . ) وصفات طالت الطبيعة ؛ فالماء ( في احتفال ، مورق العرس ، ساحر الإرنان . . . ) . . في حين الصباح ( بديع ) واللون ( بهيج ) والمعشوقة قطوفها ( مثقلات ، دانيات ) . وأخيرا : شعور اللحن ( لامع النبض ، مائج الخفقان . ) .
كما استدعى الشاعر بعض الكلمات من الحواس أكثرها يرتبط بحاسة البصر ( عيون ، جفون ، نظرة ، تراني ، الرائي ) وقليل جدا منها من السمع ( اسمعي ) .
أما الحقل الديني فحاضر من خلال كلمات ( الوحي ، المنان ، الله ، البعث . . )
وقد تفنن الشاعر كثيرا في هذا المجال :
1- لما استعمل كلمات توحي بأكثر من دلالة من مثل : ( الغواني ) هن الجواري اللائي اغتنين بحسنهن وجمالهن . ( الدوحة ) هي الشجرة العظيمة من أي شجر كان ، ( الهيام ) الجنون من العشق . ( العشق ) هو الإفراط في الحب . ( الشوق ) سفر القلب إلى المحبوب . ( الوجد ) الحب الذي يتبعه هم .
2- لما أنسن بعض الكلمات المختلفة الدلالة : فللكمان شفاه ، وللمعاني كلوم ، وللثمار جيد . بل اللحن يشعر ، والآه يلمس . والشاعر يركب المنايا .
3- لما وظف كلمات توحي بمعناها انسجاما مع تركيبها الصوتي : منها كلمات ( الهمس ، أشهى ، وشوشات ، أحيلى ) .

2- المستوى التركيبي :

أحكم الشاعر تراكيبه في هذه القصيدة - وفي غيرها – بقواعد اللغة العربية التي تغيب العناية بها في معاجم جيش من ( الشعراء ) ! . . ونوعها مراعاة لما عبر عن حالته النفسية ، ورغبته في البوح ، وإحساسه بالجمال . جمال المرأة . وجمال الطبيعة اللذين تعانقا في هذه الصورة الرائعة للمعشوقة يجليها الزمان وهي في كبريائها المقبولة . يقول :

حين تمسي وفي صباح بديع ***** جمع الكـل في لقاء ثـوان
تتسامى كأنها في خشـوع******* وخضوع في حضرة المنان .
مثقلات قطوفـها دانيات ********* فتنة الرائي, فتنة للجانـي .

وعندما تزاوجت تراكيب هذه القصيدة عبرت عن أفكار ومعاني ؛ الأفكار عبرت عن اندماج في الطبيعة ، وتفجيرٍ لعاطفة الحب بغزل عفيف ، واندماج في اللحن الجميل يعزف على وتر الألم الدفين ، والحركة في النفس بتجاذبها الإشراق ( البهجة ) والحزن ( الحيرة والمعاناة ) . . . أما المعاني : فقريبة المأخذ ، سهلة التداول ، معبرة عما أرده الشاعر بكل وضوح وبيان . في قالب قصصي تأثرا من الشاعر بشعراء المهجر الشمالي وجماعة أبولو الامتداد الفني له . فكان توظيفه السرد ، والوصف ، والحوار ؛ جاء السرد سلسا ، والوصف معبرا ، والحوار محبوكا ، وجميلا .

3-الموسيقى الشعرية :

1- الإيقاع الخارجي :

انتقاء عناصر الموسيقى الشعرية أبين دليل في قصيدة احتفال على تمكن الشاعر من أداته الإيقاعية : فلإفراغ الأفكار و المعاني السالفة الذكر انتقى لها الشاعر وزنا و قافية و رويا ، و أدوات فنية إيقاعية و جمالية و لغوية تتناسب مع تلك الأفكار و المعاني .

×× 1- الوزن الشعري:

قصيدة ( احتفال ) يتيمة وزن الخفيف في ديوان ( عرائس ) انتقاه ( شيطانه / ملاكه الشعري ) تناغما مع هاجسه الشعري ، واستجابة وجدانية لإيقاعات نفسية عميقة . . انتقاه الشاعر لخفة في الذوق ، و التقطيع ، ولتوالي ثلاثة أسباب فيه ؛ والأسباب أخف من الأوتاد كما هو معروف . ولكونه يساعد على الفكر ، ويجود الفكر فيه . . كما يساعد هذا الوزن على التأمل . . .
وبما أن الاحتفال لا يكون إلا بالاحتشاد و عناصر الزينة المتعددة . كان اجتماع الأسباب في هذا الوزن آلية شكلت زينة وزنية . تغيا منها الشاعر الثأثير في سمع المتلقي ، محاكاة لمشاعره ووجدانه . . وكأني به يستعيد إلى الذهن مفهوم الشاعر محمد بن إبراهيم ـ شاعر الحمراء ـ وذالك في قوله :

الشـعر ما سمعتْهُ الرُّوحُ فانتعشـتْ ******منهُ وصارتْ به كالشاربِ الثمــلِ
والشعر ما قد حلاَ في أذن سامعـه ******* ثم استعاده لايخشى من المَــــلَلِ

وعلى ضوء ذالك فقد استدعى الشاعر وزنا مناسبا لاحتفال ثم في وجدانه . فكان الوزن محاكاة لما في الوجدان . دعمه بغنائية تُطربُ أذن المتلقي .

×× 2- القافية:

انتهج الشاعر في هذا المقوم نهج الشعراء الكبار في بناء قصائدهم بالتفاصيل الدقيقة للقافية ، من انسجامها مع المعنى إلى خلوها من عيوب القافية المعروفة . . وإن كنت أحمل المسؤولية للطابع في تغييب ياء الضمير من قافية البيت ما قبل الأخير ( جناني ) .. و هذه محاسبة نحاسبه عليها و على غيرها من أخطاء الطبع في هذا الديوان ! .
القافية جاءت مطلقة ؛ إطلاقا للنفس ، و مساعدة للقارئ على تمثل ما دلت عليه . . و هي – كذلك – مردوفة بألف ، و متواترة ، موصولة بياء إشباع كسرة الروي أوياء المقصور ، أو ياء الضمير . .
القافية هاته ( تاني - ناني - داني - عاني . . . ) ترتكز على سببين خفيفين ( – 0 - 0 ) ؛ السبب الأول يمتد فيه الصوت إلى أعلى ( تا – نا – دا - عا ) أما السبب الذي يليه فيمتد الصوت فيه إلى أسفل مباشرة . وفي ذالك إشارة لطيفة إلى تأرجح قيمة الحب عند الشاعر صعودا وهبوطا بين قيمته في عالم الروح وقيمته في عالم الواقع ؛ حيث الشاعر ينتصر إلى العالم الأول ، بينما الواقع يَجُرُّه ُإلى حيث انهيار الحب بتحكم الغرائز . .

××3 - حرف الروي :

انسجاما مع حالته النفسية انتقى الشاعر لقصيدته ( احتفال ) رويا . هو حرف النون لقدرة هذا الحرف الذاتية - ( صوت لثوي مجهور مائع ) - على نقل الإحساس بانكسار الذات ، وما يستصحبه من معاناة أمام الجمال ؛ الجمال المطلق . . وفي هذا الحرف إشارة إلى إحساس النفس ( الرشيدية ) بأنينها المخبوء ، وإلى تغليب المثال على الواقع الذي ربما انتصرت له القافية ـ . . إن ردف الروي ( النون ) بألف . هو من باب ركوب الأصعب عند استدعاء كلمات مخصوصة في القافية التزم الشاعر بكونها تترجم إحساسه بالجمال ، وبالدهشة ، و بالعزف على وتر الألم الدفين . والحيرة ، ودعما للإيقاع ! .

Ii ـ الإيقاع الداخلي :

ودعما لما أسلفنا من عناصر الإيقاع الخارجي . فقد عزز الشاعر تشكيلته الإيقاعية بأدوات فنية أخرى ، انسجاما مع مشاعره وإحساسه ، وإشباعا لنبرة غنائية يلتذ بها تعبيرا عن وجدانه . ولإظهار مدى تمسكه بأصول القصيدة التراثية لغة وبلاغة وعروضا . . أذكر منها :
1. ظاهرة التصريع :
كما في عيون الشعر العربي القديم ، حيث تحديد المقصد العام للخطاب الشعري في البيت الأول ، واستعجالا لبيان القافية ، ووزن الضرب ، وتحديدا لنصف المسافة بين قافية ، وأخرى فيما بقي من أبيات النص . فإن الشاعر قلد جيدا قصيدة ( احتفال ) ـ في بيتها الأول ـ بحبل من تصريع وقد بدا معه ما بين ضفتي الدلالة و التصريع عناية فائقة من الشاعر في اختيار الألفاظ ، و معانيها ، ومخارج حروفها ، و تركيبها . . وحري به - بعد هذا - أنه شاعر !

2. جمالية بلاغية ولغوية:

الشاعر يمتلك حسا لغويا شموليا ، شكله وكون نفسه في إطاره طبقا لما ينسجم مع إيقاعات نفسه ، وبنية التفاعيل ، وصيغ الكلمات ، و التكرار . ومن ذالك في قصيدة ( احتفـال ) :

أ- أدوات بلاغية : أذكر منها :

1- الجناس اللاحق : وهو أن تختلف الكلمتان المتجانستان في حرف واحد ، و الحرفان المختلفان غير متقاربين في المخرج ، وهو في نهاية صدر هذا البيت وبداية عجزه بين كلمتي ( خشوع ) و ( خضوع ) :

تتسامى كأنها في خشوع ***** وخضوع في حضرة المنان

وهو ـ كذالك ـ بين كلمتي (حيرتني) و(صيرتني) في عجز البيت :

آه منها ومن رحيـق لظاها ****** حيرتني و صيرتني أعاني

2- الجناس المعرض: وهو ما اتفقت فيه الحروف بين الكلمتين إلا أن إحداهما تخالف الأخرى في الهيئة ، أي في الحركة فقط كما هو وضع كلمتي ( تَدَانٍ ) و ( تُدَانِ ) في عجز البيت :

عن بهـاء يفضي بلون بهيـج ***** وتَـدَان وليتها لم تُدَانِ

3- تجنيس المشابهة : وهو في اللفظين بينهما ما يشبه الاشتقاق وليس منه ، كما عبر علماؤنا الأبرار – وهو في هذا البيت متعدد بين ( أغنى ) و( الغناء ) و( الغواني ) .

ليس أغني من الغِناء ولكن ***** كل ما شِئْتَ من جمال الغَواني

4- طباق السلب : كما في عجز هذا البيت السابق الذكر :

عن بهـاء يفضي بلون بهيـج ****** وتَـدَان وليتها لم تُدَانِ

الشاعر اثبت التداني أولا ونفاه ثانيا .

5- الطباق الخفي : كما في عجز هذا البيت :

لست أخشى إذا ركبت المنايا***** أنت موتي أنت بعث كياني.

فكما هو معلوم الموت ضد الحياة ، والبعث يعني حياة جديدة . لكن الحياة ناب عنها أحد لوازمها وهو البعث ، فكان الطباق خفيا . . .

ب- أدوات لغوية : أذكر من مكوناتها :

- صيغة اسم الفاعل من الثلاثي : وذلك في أنموذجين :
1- في الشطر الثاني من هذا البيت:

مثقلات قطوفهـا دانيـات ******* فتنة الرائي, فتـنة للجـاني

2- في الشطر الثاني من هذا البيت :

فإذا اللحن – عنده من شعور–**** لا مع النبض مائج الخفقان

- صيغة التعجب : باستعمال أداته ( ما ) وذلك في صورتين متتابعتين في صدر البيت التاسع عشر ؛ التبست الأولى بالتصغير تجميلا وتحبيبا لحالة قلبية منشؤها استعظام الشاعر لفعل ظاهر المزية – الحلاوة ـ في معشوقته بزيادة فيها خفي سببها ( أحيلى ) :

ما أحيلـى وما ألذ جناهـا ! ****** نظرة الشوق في غصون لذان !

3- ظاهرة التكرار:

إحساس الشاعر بتأثير هذا المكون على شعره في هذا النص ضئيل جدا . . توظيفه له أفقيا جاء من الناحية الصوتية ، ولم يستعمله سوى مرة واحدة على مستوى تكرار اللفظ لما كرر كلمة ( فتنة ) في هذا البيت السالف الذكر :

مثقلات قطوفهـا دانيات ***** فتنة الرائي ، فتنة للجـاني


iv ـ قبل الختام :

علمني اطلاعي على ديوان (عرائس) :
أن الشاعرَ الأصيلَ ، كادحٌ دائماً .
يواجه عاهةً ، أو فقراً ، أو هماً / هموماً في الحياة . .
علمني إطلاعي على هذا الديوان :
أن الإبداع متجدد ، وخط متصل لا يتوقف !
ينادد به المبدع مطبات تضعها في طريقه الحياة .
ينادد به عقبات تضعها في طريقه الحياة .
قل لي بربك شاعري . ما صنـع جميل في الحياة . ومـا صنعت به الحيـاة ؟ !
قل لي بربك شاعري . ما صنع ابن الرومي في الحياة . وما صنعت به الحيـاة ؟ !
قل لي بربك شاعري . ما صنع مطران في الحيـاة . وما صنعـت به الحيـاة ؟ !
قل لي بربك شاعري . ما صنع جـبران في الحيـاة . وما صنعت به الحيـاة ؟ !
قل لي بربك شاعـري . ما صنـع الشابي في الحـياة . وما صنعت به الحـياة ؟ !
قل لي بربك شاعري . ما صنع محمود أبو الوفاء في الحياة . وما صنعت به الحياة ؟ !
قل لي بربك شاعري . ما صنع محمـد الحلوي في الحياة . وما صنعت به الحيـاة ؟ !
كلهم شعراء ، أصلاء ، كادحون ، قهروا بإبداعهم مطبات و عقبات الحياة !
ولم يبـق منهـم غير الإبداع الشعـري . ملح الحياة . رشوابه الحيـاة !
فكان إبداعهم بلسما داوى به الشاعر رشيد العلوي جروحه في الحياة !
أعرست ـ شاعري العزيز ـ (( عرائس ) ) .
وشاركتك عرسك بهذه القراءة علها تجلي بعض جمال العرائس كما تخيلتها وكشفت عن مفاتنها في الديوان (( عرائس )) .
وإني أهديك ـ شاعري ـ هذه القراءة بمناسبة عرس ( الرواية ) و ( الشعر ) ؛ عرسك الحقيقي . . .

ايمان حمد
04/08/2008, 10:47 AM
يا الله .. يا لها من دراسة رائعة:vg:

نموذج مفصل يحتذى به فى تناول نقد القصائد ، من اول الغلاف الى العنوان الى آخر صفحة فى الديوان .

استمتعت كثيرا بهذه الدراسة الراقية وتحليلك القيم وتفردك فى هذا النوع من الدراسات فى واتا

بصراحة شوقتنا لقراءة " عرائس " وخاصة " احتفال " التى ابدعت فى تناولها بالتزام وشفافية مماثلة لما اراد الشاعر نفسه منها .


ننتهز الفرصة لندعو معك الشاعر المراكشى


رشيد العلوى


الى رواق الشعر الفصيح بواتا .

تحيتى و تقديرى

عبد الرحمان الخرشي
07/08/2008, 11:46 AM
بسم الله الرحمن الرحيم



أختي الفاضلة العزيزة :
(( إيمان حمد ))

أسعدني كثيرا تفاعلك الإيجابي مع هذه الدراسة التي أنجزت لديوان شاعر واعد بالعطاء الكثير ؛ متى ما توفر له التشجيع منا جميعا . . وإنني أعتبر دعوتك له ليتواجد بين فرسان واتا - وهوأهل لذلك - من قمة التشجيع . . فهو - كما ذكرت - ثمت تزكيته من طرف قمتين شعريتين ؛ هما الشاعرة (( حبيبة الصوفي )) والشاعر (( أحمد بلحاج آية وارهام )) . وذكره - رغم حداثة سنه - غير واحد ضمن شعراء مراكش ؛ منهم الأستاذ محمد متفكر في كتابه (( شعراء مراكش )) . . والشاعر من أنجب تلامذتي ، وأكترهم التزاما بالحدود العليا في السلوك والأخلاق والاحتساب . . ولا أعرف شاعرا يحفظ شعره - القصائد الطوال - ، وينشده أمام الملإ مثله . . والدراسة أنجزتها في حفل توقيع الديوان بحضور بعض شعراء واتا الأفذاذ ( إسماعيل زويريق - نجاة الزباير . . . )) وقد ترافق هذا التوقيع مع زواجه من الروائية والشاعرة المتألقة القادمة للارتباط به من المغرب الشرقي (( حليمة الإسماعيلي )) .

أنا - أختي - لم أكتب عن شاعر إلا إذا كان كذلك . . وإن كتبت عن ( متشاعر ) فلأظهر له وللفيفه أن لا مكان للمتشاعر في مملكة الشعر الخالدة !!! .

إن دراستي هذه - بالنسبة إلي - تكون قد أدت ما أردت منها ، وهو أن ألفت النظر لما في هذا الديوان من ملامح الجمال الشعري المتكاملة . وأن ألفت النظر إلى أن الشاعر مؤهل لأن يسابق في المضمار أقرانه من الشعراء . . لكن أختي (( إيمان )) منحته مكانة أعلى بين شعراء واتا القمم الأفذاذ . . وقد هاتفته في الأمر ، وسوف يكون وزوجته ممن يجودون علينا بحرفهم الرائع البهي هنا ؛ كل في مجاله الشعري الخاص به .

أختي الكريمة : (( إيمان حمد ))

إشادتك بالدراسة ؛ هذا من نبل أخلاقك ، وجميل سريرتك ، وطيب نفسك ، وهو من تفضلك وتكرمك علي بالتشجيع ، وهو ترجمان ذوقك الراقي في قراءة الإبداع الشعري وما يواكبه من قراءة ونقد . . أبشري فالديوان سوف يكون بين يديك إن شاء الله .

وأنا متأكد أنك ستجدين فيه مالم أر ؛ لما امتلكت من أدوات أجدها معطلة عندي .

مع الشكر والتقدير .

ايمان حمد
09/08/2008, 03:31 PM
السلام عليكم

اخى العزيز الناقد / عبد الرحمن القرشى


أبشري فالديوان سوف يكون بين يديك إن شاء الله .

اشكرك على هذا السخاء والكرم ، فطباعك واضحة من مشاركاتك الراقية

وشكرا على دعوة رشيد العلوى وزوجه ليكونوا بيننا - حياهم الله

انتظر الديوان بشغف

تقبل ودى المقيم:fl:

عبد الرحمان الخرشي
01/09/2008, 01:07 PM
بسم الله الرحمن الرحيم



أختي الفاضلة العزيزة : (( إيمان حمد ))



الشكر الجزيل على هذه العودة اللطيفة الثانية إلى متصفحي .



ديوان : (( عرائس )) للشاعر رشيد العلوي سوف يقبل اليد الشريفة إن شاء الله .



أخوك : عبد الرحمان الخرشي .


--------

ايمان حمد
01/09/2008, 06:44 PM
بسم الله الرحمن الرحيم



أختي الفاضلة العزيزة : (( إيمان حمد ))



الشكر الجزيل على هذه العودة اللطيفة الثانية إلى متصفحي .



ديوان : (( عرائس )) للشاعر رشيد العلوي سوف يقبل اليد الشريفة إن شاء الله .



أخوك : عبد الرحمان الخرشي .


--------



اخى الأديب والناقد الرائع

عبد الرحمان الخرشى

كل عام وانتم والاهل الكرام بخير
ورمضان كريم ـ وادعو الله ان يتقبل صيامك وقيامك وجميل اعمالك

أشكرك على الهدية الرائعة ، واعتذر اننى لم ار الاهداء الا ان

انها اخلاقك الشريفة التى تجعلك لا تنسى ما وعدت بها

فلك فائق الشكر والامتنان

اكبارى

عبد الرحمان الخرشي
26/09/2008, 06:20 AM
اخى الأديب والناقد الرائع

عبد الرحمان الخرشى

كل عام وانتم والاهل الكرام بخير
ورمضان كريم ـ وادعو الله ان يتقبل صيامك وقيامك وجميل اعمالك

أشكرك على الهدية الرائعة ، واعتذر اننى لم ار الاهداء الا ان

انها اخلاقك الشريفة التى تجعلك لا تنسى ما وعدت بها

فلك فائق الشكر والامتنان

اكبارى




الأخت الفاضلة : (( إيمان حمد ))

شكرا جزيلا على العودة الميمون طائرها إلى متصفحي .

وبارك الله في أخوتك .

كما أرجو الله تعالى أن يمتعك بالصحة والعافية أنت وكافة الأسرة الشريفة الكريمة .

تقبل الله صيامك وقيامك وما زدته من العبادات وصالح الأعمال .

أبقاك الباري تعالى منارة من منارات (( واتا )) المشعة بالعلم ، والخلق الطيب ، والإخلاص في العمل .


**********************

عزُ الدينْ جوهري
02/01/2009, 09:48 PM
نشكرُ لكَ(( عبدُ الرجمانِ)) زرعكَ المديدْ أيهَا البهي، كمَا نشكرُ لكَ النبضَ الذي كتبتَ به
لك مني الاحترامُ الذي يليقُ بكَ وبحرفكَ...
تقبل مروريَ البرىء..

إلهام محمد الصنابي
03/01/2009, 09:59 PM
رشيد العلوي من الاقلام الشعرية القادمة على مهل وبخطى ثابتة الى الشعرية المغربية
دراسة قيمة نشكرك عليها استاذي عبد الرحمن الخرشي اضاءت الكثير من جوانب الديوان
ونرجو ان ينضم الشاعر رشيد العلوي الى قائمة الواتاويين
تحياتي

عبد الرحمان الخرشي
24/01/2009, 03:12 PM
نشكرُ لكَ(( عبد الرحمانِ )) زرعكَ المديدْ أيهَا البهي ، كمَا نشكرُ لكَ النبضَ الذي كتبتَ به .

لك مني الاحترامُ الذي يليقُ بكَ وبحرفكَ...

تقبل مروريَ البرىء ..

أخي الفاضل الأجل سعد صفحتي هذه : (( عز الدين جوهري ))


جويهرة الذوق السامي :

لك شكري وامتناني على ما ذبجت من كلام رقيق في لفظه ، عميق في معانيه ، شفيف في تجليه ؛ وهو لايصدر إلا عمن امتلك ذائقتك الشعرية ، وحسك النقدي المرهف .

بورك حرفك أنت .. وبورك معدنك .. وبوركت قراءتك لما كتبت .


أخوك : عبد الرحمان الخرشي .



***

عبد الرحمان الخرشي
27/01/2009, 10:02 PM
رشيد العلوي من الاقلام الشعرية القادمة على مهل وبخطى ثابتة الى الشعرية المغربية
دراسة قيمة نشكرك عليها استاذي عبد الرحمان الخرشي اضاءت الكثير من جوانب الديوان
ونرجو ان ينضم الشاعر رشيد العلوي الى قائمة الواتاويين
تحياتي

الأخت الأديبة الأريبة : (( إلهام ... ))


تحية أخوية وسلاما معطرا بذوقك الشعري وذائقتك النقدية ، وتطلعك لأن تتحقق نبؤتك في الشعراء الكبا ر، وعلى رأسهم الشاعر المراكشي تلميذي (( رشيد العلوي )) وقد شهدت له بالشعر والشاعرية منذ أن كان تلميذا في الثانوي .. وإنني رأيت فيه مثل ما رأيت : فهو قادم .. لكن إلى أين ؟ إلى الإعلان عن ميلاد شاعر كبير .. هو كذلك أختي ؛ فهو شاعر كبير .. لكن السر في عدم الاهتمام به وبمن سبقوه إلى الميدان في وطننا الجاحد لرسالة الإبداع والمبدع .. كم من شارع أو مشروع ثقافي أو اجتماعي ، أو ... يحمل - على الأقل - في مدينتك أومدينتي اسم شاعرة أوشاعر ؟ . بل كيف حققنا للمبدعين - ومنهم الشاعر رشيد العلوي - موردا للرزق يبني به أسرة ، ويجد فيه ما يحفزه على الإبداع والخلق .



الله الله في الإبداع والمبدعين قي زمن تعولم حتى النخاع !!! .



أخوك : عبد الرحمان الخرشي





***