المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : " أولمبيا " في " بيجين " - د. شاكر مطلق



الدكتور شاكر مطلق
04/08/2008, 11:18 AM
" أولُمبيا " في " بيجين "
د. شاكر مطـلق

وقفت ، ذات يوم ، أمام ضريح القائد " ماو تسي تونغ " في " ساحة السلام السماوي " في " بيجين " وانتقلتُ بعدها مسافة قصيرةً إلى " المدينة المحرمة " - مقر أباطرة إمبراطورية الوسط - ، لأرى فيها عجائب الفن الذي امتاز به الشعب الصيني على مدار العصور .
عندما وقفت على "جدار الصين العظيم " والقديم ، ويقال إنه البناء الوحيد الذي يمكن مشاهدته من الفضاء ، والذي يمتد آلاف الكيلو مترات ، صاعداً الجبال وهابطاً الوديان ، وداخلاً البحر ، لأفكّر عندها بهذا التناقض الغريب ، القائم بين الانفتاح على مختلف فنون الشعوب ، وبين التقوقع خلف جدار ، ظنَّ الأباطرة أنه سيحميهم من غزوات البرابرة ، وهو مصطلح لا يعني فقط الشعوب الراكبة الراحلة ( المغول ) ، وإنما كل ما هو ليس بصينيٍّ .
الغريب أن هذا المصطلح ، استعمله الإغريق أيضاً ، وإن لم يقوموا ببناء جدار فاصلٍ ، كما كان الحال عليه في ما سمِّي بـ " جدار العار " في برلين ، الذي شاهدت شخصياً ليلة بنائه ، كما شاهدت انهياره أيضاً ، ولا قاموا ببناء
" الجدار العنصري " في الأرض المحتلة ، ولا قطّعوا أحياءَ " دار السلام " بمثل هذه الجدران ... الخ .
هذا البلد العريق " الصين " يستقبل الآن السيد " أولمبيا " على أرضه العريقة في تظاهرة ، ليست رياضية فحسب ، وإنما تتدخل فيها أصابع السياسة من كل حدب وصوب ، وليست ببراءة على ما أعتقد ، لأن ما أثير من صخب إعلامي حول تنقلات الشعلة الأولمبية إليها ، وإثارة حقوق الإنسان في " التيبت " ، ومسألة المعارضين في الصين ، وإمكانية وصول الصحفيين العالميين إلى كافة مواقع الشبكة العنكبوتية ، وغيره الكثير ، لم يتم حباً بالديموقراطية والحرية وحقوق الإنسان ، من قبل تلك الجهات ، التي برهنت ولا تزال عن كل مواقفها ( الإنسانية ) هذه في أكثر من زمان ومكان ، والعراق وفلسطين ولبنان والسودان وأفغانستان ... الخ يشهدون على مصداقية هذه الطروحات .
المهم في الأمر ، أن هذه التظاهرة الرياضية العالمية ، ظاهرة أولمبيا ، التي نشأت في القرن الثامن قبل الميلاد ، تكريماً لكبير الآلهة " زيود - تسويْس " كانت تحمل معها دوماً رسالة سلام ، إبان انعقادها على الأقل ، لتعود مرة أخرى ، بعد أربعة أعوام حاملة غصن الزيتون ، الذي كان يتوج فيه الأبطال في نهاية الألعاب ، ليعودوا إلى مواطنهم حاملين الفخر لها ، مؤمِّنين أسباب عيشهم مدى الحياة .
لم تكن هذه الألعاب تسمح بحضور المرأة في ملاعبها ، تحت طائلة العقاب بالموت ، وإن كان من المسموح لكاهنة عذراء فقط أن تتواجد في الملعب . عندما تخفّت أمٌّ بزِيِّ رجل لترى أداء ابنها في الألعاب ، واكتشف أمرها عندما قفزت فرحاً بفوزه ، أعلن العفو عنها استثناءً .
استمرت هذه الألعاب حتى بعد انهيار الإمبراطورية الإغريقية ، وتابعت الإمبراطورية الرومانية الأخذ بها ، إلى أن جاء ، في القرن الخامس ، على ما أتذكر ، أحد ملوك بيزنطة المسيحيين ، من الرومان الشرقيين المتزمتين ، ليقوم بمنعها ، ولكنها عادت من جديد للظهور من أكثر من قرن من الزمن .
هذه الألعاب تحمل ، في الأصل ، رسالة سلام عالمية لشعوب الأرض قاطبة ، وإن كان قد تغلغل فيها الكثير مما ليس بالرياضي ، كسلطة السياسة والمال والخداع من خلال المنشطات الممنوعة ... الخ ، ولكنها برغم كل هذا ستبقى تحمل الفرح إلى الناس والمجد إلى الأبطال ومواطنهم ، وتظل إيجابية بكل المقاييس .
تحية إلى السيدة " أولمبيا " في " بيجين " وإلى الرياضيين والرياضيات من كل جهات الأرض ، وتحية لكل من يعمل صادقاً من أجل نشر السلام والمحبة في عالمنا المضطرب .
=================================
حمص - سورية 4/8/2008 E.-MAIL:mutlak@scs-net.org