المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وضع المرأة والعقبات الحائلة دون تحسين وضعها



د. تيسير الناشف
11/12/2006, 04:33 PM
وضع المرأة والعقبات الحائلة دون تحسين وضعها

د. تيسير الناشف

فرض البشر على العقل القبول بتمييزات بين الرجل والمرأة وبقيود على المرأة. وهذه التمييزات، التي حرص عليها الرجال وقتا طويلا، تعسفية ما لم تستلزمها الفروق البيولوجية. تعاني المرأة من تحيز الرجال الاجتماعي ضدها. وينعدم تكافؤ الفرص بينهما. وضع المرأة متدن اجتماعيا واقتصاديا وقانونيا. وما يزيد من تدني وضع المرأة قيام أزواج بتطليق زوجاتهم بسهولة نسبية. ويجب على النساء أن يحررن أنفسهن من الحالة المتردية التي فرضها عليهن الكيل بمكيالين. جميع النساء تقريبا، بغض النظر عن الانتماء الطبقي، هن ضحايا الأوهام والتقاليد والتحيزات التي تقر الكيل بمكيالين. التمييز ضد المرأة مساس بحقوق الإنسان. وإعمال مفاهيم تميز ضد المرأة مساس بحقوق الإنسان. وينبغي للرجال أن يساعدوهن في ذلك التحرير. ويمكن تحقيق هذا التحرير عن طريق تحقيق فردية المرأة واستقلالها الفكري وتحسين وضعها الاقتصادي وكسر القيود القانونية التي تقيدها وكسر أغلال التقاليد التي لا تنصفها واحترام نفسها.
وتدني وضع المرأة أحد أهم الأسباب – ولعله السبب الأهم – في ضعف المجتمع. ولا يمكن أن يحقق التقدم الإجتماعي والإقتصادي والسياسي وأن يتخلص العرب من حالتهم السياسية المزرية دون إيقاف التمييز ضد المرأة في مختلف الميادين مع مراعاة الفروق البيولوجية.
والواقع هو أن الرجل مسيطر على المرأة ومسيطر على إدارة شؤون العالم. وسيطرة بشر على آخرين تتضمن التحكم بسلوك وشؤون الآخرين. ومجتمعنا العربي، مثل عدد من المجتمعات الأخرى، مجتمع ذكوري أبوي، مجتمع تهيمن عليه الثقافة الذكورية. في المجتمعات التي تهيمن عليها الثقافة الذكورية تقمع شخصية المرأة وتتلاشى حيال شخصية الذكر المهيمن وتأتي الحلول في المجالات السياسية والاقتصادية والقانونية والقضائية على حساب المرأة. في هذه المجتمعات ينظر الرجل باستعلاء إلى المرأة ويعتبرها دونه حتى لو كانت أشد ذكاء منه وأكثر علما ومعرفة وانقى سريرة. وفي هذه المجتمعات تستبعد المرأة عن المشاركة في إدارة شؤون المجتمع والدولة أو تقل مشاركتها فيها ويقصر الرجل وظيفتها على نطاق حياة العائلة كما يراه الرجل. إنهن يقعن ضحايا النظام الأبوي الذكوري، ويقمن بالطاعة العمياء وهن أسيرات المجتمع الذي يمجد استبداد الرجال والذي يحرم النساء من تحسين الحالة الاقتصادية والذي فيه تنعدم المساواة وتسود التقاليد المتحيزة ضد المرأة.
وتعاني المرأة في المجتمع العربي – شأنه شأن مجتمعات نامية أخرى – من البطالة عن العمل الناشئة عن استفحال الأمية وعن البنية الاقتصادية والقانونية والسياسية للمجتمع التي تتيح قدرا من أداء الوظائف للرجل أكبر كثيرا منه للمرأة.
في هذه الحال القاتمة إمكان المرأة غير محقق، إذ ان هذه البنية تحول دون تحقيق هذا الإمكان، وبالتالي تضعف المجتمع لأنها تشل نشاط قسم كبير منه. ولتحقيق الإمكان النسائي يجب تغيير هذه البنية. ونظرا إلى أن الرجال هم المستفيدون أو هم الذين يظنون خطأ أنهم المستفيدون من استمرار وجود هذه البنية فإن أغلبيتهم، على الأقل، ليست على استعداد لتغيير هذه البنية.
وتقوم هذه البنية أيضا على التقليد السائد المتمثل في هذه الحالة. وللتقليد قوته وقوة استمراره. ولتغيير هذه البنية ولكسر التقليد تجب الاستعانة بعوامل منها رفع المستوى الثقافي والعلمي للجنسين ليعرف المنتمون الى الجنسين الضرر النابع من استمرار هذه الحالة والفائدة المستقاة من تغييرها، ونشوء فئات قوية من كلا الجنسين تقوم بالدفاع عن حقوق المرأة وعن مصلحة المجتمع في تغيير هذه الحالة.
ومشكلة المرأة مشكلة سياسية. ومرد هذا القول هو أن المشكلة تنطوي على توزيع القوة السياسية في المجتمع. ونظرا إلى أن المرأة لن تحل مشكلتها إلا إذا اعتُبرت مشكلة سياسية وجزءا من الصراع السياسي فإن عملية تحرير المرأة تتطلب تغييرا سياسيا في المجتمع.
إن عزوف كثير من النساء، على سبيل المثال، عن الجهر بمشاعرهن بالحب – وهو شعور غريزي عام لدى الرجال والنساء كافة – نتيجة إلى حد كبير عن تحكم الرجل بالمرأة. بسبب ذلك التحكم تقل النساء اللواتي أعربن بحرية عن عاطفة الحب. ويتوقف عدد هؤلاء النساء وقوة تعبيرهن عن هذه العاطفة على المحيط الاجتماعي القيمي السائد الذي يحدده إلى حد كبير الرجال.
هذا الاستبعاد أسهم إسهاما كبيرا في إضعاف وضع المرأة القانوني والاقتصادي وفي الحيلولة دن تحقيق المرأة لذاتها وتأكيد وجودها ودون مواكبتها لمسيرة التقدم، وأسهم هذا الاستبعاد أيضا في تهميش دورها في المجتمع والدولة وفي إبعادها عن اتخاذ القرار في شؤون الحياة العامة.
وثقافة السيطرة الذكورية هذه تجعل الرجل أقل حساسية بحاجات المرأة المالية والاقتصادية والنفسية والعاطفية وأقل وعيا بهذه الحاجات وأقل استعدادا لتلبيتها. وفي ظل هذه الثقافة أجاز الرجل لنفسه أن يصدر أحكاما برادع أضعف على المرأة وطبيعتها. وفي حالات كثيرة كانت تلك الأحكام ظالمة ومتحيزة وغير صحيحة؛ كانت أحكاما تنم عن التحيز والجهل. وفي حالات كثيرة كانت تلك الأحكام وسيلة توسل بها الرجل لإدامة ثقافة سيطرة الذكور على المجتمع. ومن هذه الأحكام السخيفة أن المرأة بنصف عقل. هل فكر هؤلاء الظالمون فيما يلي: إذا كانت المرأة بنصف عقل فإن عقول أولادها من إناث وذكور أيضا بحكم الوراثة ناقصة أيضا. واعتبر قسم من النساء أن حكم الرجل هذا صحيح. إن الأدوار القليلة التي خصصها الرجل للنساء أغنتهن أو اعمتهن عن استعمال قدر أكبر من طاقتهن الفكرية والادارية.
في المجتمعات الذكورية تكون أغلبية رموز المجتمع الإيجابية رموزا مقترنة بالرجل وأغلبية رموز المجتمع السلبية رموزا مقترنة بالمرأة. فالفروسية مقتصرة على الرجل؛ تكاد الفارسات غير موجودات. والبطولة مقتصرة على الرجل. تكاد البطلات غير موجودات. وصوت المرأة عورة، ولكن ليس صوت الرجل، وكأن صوت الرجل لا يفتن المرأة كما يفتن صوت المرأة الرجل. وثمة فكرة هي أن عقل المرأة أضغف من عقل الرجل، على الرغم من أن الحروب والفساد والجوع والمرض وشرور أخرى حدثت وتحدث في عالم يسيطر الرجال عليه.
وحق المرأة في الإبداع جزء لا يتجزأ من حقها في الحياة ومن حقها في أن تحقق ذاتها. وحرية الابداع تجل للنهضة والتقدم. ولا تقدم دون حرية الإبداع. والحرية حق من حقوق الإنسان والإنسانة.
ولا يمكن أن يحدث التغير الجذري السياسي والمادي قبل حدوث التغير الجذري الذهني، وقبل أن تتغير العقلية الرجعية المهترئة السقيمة. بتغير هذه العقلية يسهل وضع الأمور في نصابها وعلى مسارها الصحيح، ويمكن التصدي للقضايا المطروحة دون خوف ودون رادع ودون تردد، وجها لوجه في مختلف المجالات.
وعن طريق الحل الجذري يمكن القضاء على الظلم والاستبداد ويمكن تحرير القوى الذهنية للبشر. إن تحكم الرجل بالمرأة والكيل بمكيالين الذي يقع في صميم العلاقات بين الجنسين هما من الظواهر البارزة في المجتمع البشري. وتُبقي القيود الثقافية والتعليمية والعادات الاجتماعية النساء في حالة تهميش وتضعهن في حالة تبعية عبودية للرجل.
وإلى حد معين تؤدي النساء دور الدمى أو اللعب للرجال. ويسر الرجال عموما بهذا الدور الذي تؤديه النساء، وهم يشجعونهن على أداء هذا الدور. وعلى الرغم من أن النساء يؤدين أدوارا مختلفة فإن هذا الدور من الأدوار الهامة. ولعل من الطبيعي أن تؤدي المرأة هذا الدور. ولكن شغل هذا الدور لحيز أكبر مما ينبغي (وعبارة "أكبر مما ينبغي" مطاطة وبالتالي من الصعب تحديدها) في سلوك المرأة يسهم في زيادة اعتماد المرأة الاقتصادي والنفسي والاجتماعي على الرجل.
ويجب ألا يكون الزواج – كما هو حاصل في حالات كثيرة في العالم – مؤسسة توفر للرجل مادة أخرى من الممتلكات، هي الزوجة. ولعل تزيين المرأة لنفسها لزيادة حسنها ميل طبيعي فيها. غير أن المحيط الاجتماعي – الذي يسهم الرجال، كما هو معروف، في وضع أركانه إسهاما كبيرا – يشجعهن على القيام بهذا التزيين وينشأن عليه. وقد يظنن أنه بذلك التزيين يوقعن الرجل في حبهن. وهذا الظن صحيح. ولكن على الأمد الأبعد وعلى المستوى الأوسع فإنهن يوقعن أنفسهن في شرك الزوج الذي يخضعهن تدريجيا لاستبداده الذكوري ويطوعهن لمفاهيمه في الحياة.
إن للرجال اليد الطولى في التفريق بين الرجل والمرأة في تحديد معاني المفاهيم، وهم بقيامهم بذلك يسترشدون بقيمهم ومفاهيمهم وتصوراتهم ومصالحهم.
وفي الحقيقة فإن الواقع هو أن الرجال أقل في حالات غير قليلة تمسكا بالقيم والمبادئ من تمسك النساء بها. ويظهرون استعدادا أكبر لغض الطرف عن إغفالهم لذلك التقيد من استعدادهم لغض الطرف عن إغفال النساء لذلك التقيد. ويلومون النساء ويقرعونهن ويوبخونهن ويعاقبونهن على عدم التقيد أكثر مما يفعلون ذلك على عدم تقيدهم أنفسهم. ولديهم ميل إلى المبالغة في جسامة أثر وضرر إغفال تقيد المرأة. ويخضعون إغفال التقيد لدى المرأة هذا لتفسيرات كثيرة لا يحتملها ذلك الإغفال وتكون تلك التفسيرات مستجيبة لما في نفوسهم من الأهواء والميول والأفكار والتصورات والمصالح. وهم يفعلون ذلك، ناسين أو مغفلين الضرر الأكبر الذي يلحق بالمجتمع كله نتيجة عن الكيل هذا بمكيالين.
إن التنشئة والتعليم اللذين يعززان ملكة التفكير واستقلال الفكر من شأنهما أن يسهما إسهاما كبيرا في انعتاق البشرية من مختلف أشكال الخضوع الاقتصادي والسياسي والجنساني وغيرها وفي إتاحة تمتع البشرية بالحقوق التي منحها الخالق لها.
وثمة مشاكل كثيرة في القطاعين الخاص والعام تحول دون إنفاذ القوانين الاجتماعية الرامية إلى تحسين حالة المرأة. ولذلك يوجد اختلاف بين وضع المرأة القانوني ووضعها الواقعي الفعلي. ومن اللازم أن يتناول ذوو السلطة الحكومية وغير الحكومية وجوه تردي حالة المرأة هذه وأن يعالجوها ابتغاء محاربتها وإزالتها. ومن العوامل التي تزيد من صعوبة تحسين حالة المرأة بعض التقاليد والعادات والقيم الاجتماعية التي تؤثر تأثيرا سلبيا في المواقف المتخذة إزاء المرأة وبعض البنى الاجتماعية من قبيل النظام الذكوري الأبوي وبعض الأنماط الثقافية من قبيل عادة انتظار البنت لطلب شاب ليدها وعدم توفر بيانات كمية وإحصائية عن المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والدراسية وغيرها من المتغيرات المتعلقة بالمرأة.
إن نشر المعلومات وتعبئة الرأي العام وتوعية الرجل والمرأة بحقوقها والحد من الاختلال القائم بين التنمية الموجهة إلى الرجل والتنمية الموجهة إلى المرأة وزيادة فرص العمالة للمرأة وزيادة التسهيلات الاستئمانية المتاحة لها وتنمية مهاراتها القيادية والإدارية وتنمية مهاراتها في الحرف المختلفة والتدريب عليها – هذه كلها من الوسائل التي من شأنها أن تؤدي إلى تحسين حالتها. وفي معالجة قضية المرأة وفي نظر الناس إلى هذه القضية يجب أن ننطلق من منطلق أن النساء جزء لا يتجزأ من المجتمع وأنهن، نظرا إلى دورهن الجوهري في الحمل والولادة والأمومة والتنشئة، أكثر من نصف المجتمع.

بديعة بنمراح
17/01/2007, 01:36 AM
الأستاذ المحترم الدكتور تيسير
أحييك وأشد على يدك بحرارة لإثارتك هذا الموضوع الهام. وهو قضية المرأة والإهمال الذي تعاني منه.
و الشائك في الموضوغ فعلا أن المرأة نفسها لا تهتم بقضيتها. والرجل كما تفضلتم سيادتكم يعتقد أن
تهميش المرأة وبعدها عن كل أمور الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، فيه سعادته ، متناسيا أن المجتمع أي مجتمع ، لايمكن ان يعرف الرقي وهو يهمش نصف طاقاته.
تحياتي