المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الشاعر معين شــلبية وديوانه: هجرة الأشواق العارية



معين شلبية
05/08/2008, 10:52 PM
الشاعر معين شــلبية وديوانه:

هجرة الأشواق العارية



بقلم: فهيم أبو ركن


"هجرة الأشواق العارية"1 مجموعة قصائد جُمعت بهرمونية انسيابية، تضوع بعطر خاص وأجواء مميزة، منذ الصفحة الأولى وحتى الأخيرة.

ويبدو أن الشوق مفردًا أو جمعًا يحمل معاني رقيقة وعميقة، تشد الشعراء لتوظيفه في العبارات والصور الشعرية. فقد كنتُ قد حَمَّلتُ الشوق مفردًا معاني التوق للتوحُّد بين الأشياء، أو لانصهار الجزء في الكل، وذلك من خلال دلالات الاندفاع والجريان المتواصل في بحث لا ينقطع، عندما أطلقت على ديواني الأخير عنوان "شلال شوق"2. فهذا الاندفاع "الشوقيّ" هو حنين الروح لجوهرها، وهو محاولة إدراك الشيء لحقيقته، مما يضفي على الشوق إيحاءات صوفية عميقة، وتكتسب حركته دلالة خصبة واسعة لتطلعات النفس البشرية فوق الجسدية.
ويأتي شاعرنا معين شلبية ليضيف ويضفي دلالات جديدة مبتكرة، إذ أنه يجسد الشوق بعد أن يعريه، محاولا الوصول لكنهه دون أغطية تُخفيه، أو ملابس تستره، بل يفضله عاريا طبيعيا دون أصباغ أو أحجبة، ثم يرسله في سفر طويل مهاجرا! وكل ذلك ليس قبل أن يصبغه بصفة الجمع، فيعطيه معنى الكثافة والتعدد، وليتحفنا بعنوان إبداعي ملفت للنظر " هجرة الأشواق العارية".
هذا هو المفتاح الذي يبشرنا أننا أمام قصائد أصيلة راقية، فالشاعر يوظف الدلالات المتناقضة في صوره الشعرية، ليعمق الإدراك الوجداني والشعور العاطفي، ويكثف الوزن النوعي للحالة الشعورية، فنحن مثلا نعرف المصطلح اللغوي "على قيد الحياة" لكن الشاعر جاء به مناقضا للمتعارف عليه، ليفتتح القصيدة بهذا الإيحاء المبتكر "على قيد الموت" ص،5.
ثم يتبعها بصورة شعرية فيها معاني الكرم ودلالات الخير"كان ضيف المطر" ص،5. فالمطر يرمز إلى الخير، والضيف يذكرنا تلقائيا بالكرم، ويأتي هذا متحركا غير جامد أو ساكن، فضيف المطر يرسم فوق الريح، والرسم يحتاج إلى حركة رشيقة فنية، إنه يحدد اشتياقه بأن يرسم له التخوم، وحين يرسم فوضى الجهات وحلم المدى، إنما يجعلها في نظام خاص، يزيد من عمق الإيحاءات الشعرية.
هكذا نهاجر مع الأشواق العارية، لنلتقط ما تبقى من عبق الروح، ونسمع مع الشاعر "ضجة الجسد" ونشعر "بشتاء الروح" ونحظى "بقيام الندى".
ولكي نفهم الجو العام للديوان فهما أعمق، لا بد من التوقف السريع عند بدايته، في الفقرة المقتبسة من الشاعر "أدونيس".
فالشاعر شلبية يفتتح ديوانه بهذه الفقرة التي تبدأ بكلمة "ربما" ص،3. مستعيرا من أدونيس فكرة عدم اليقين، لأن هذه الدلالة تندمج، وربما تكون ضرورية لتعميق معنى هجرة الأشواق، لأن الهجرة هي الانتقال طوعا أو إراديا من واقع إلى واقع، أو من حال إلى حال، أو من مكان إلى آخر، انتقالا ماديا أو معنويا، جسديا أو روحيا، وهي قد تكون أي الهجرة هروبا أيضا من واقع معين أو مكان أو حالة، أو قد تكون بحثا عن شيء جديد أو قديم غائب، المهم أنها إرادية بعكس التهجير.
فأول كلمة في هذه الفقرة وفي الكتاب عامة هي "ربما" أتبعها في السياق بكلمة "نتخيل"، وبهذا خلق الشاعر شلبية من اقتباسه لأدونيس جوا من التساؤل أو الشك في الدفقة الأولى من القصيدة، خاصة عندما جعل محطة الوقف الأولى نكرة تامة، مجهولة غير محددة، إذ يقول: "ذات يوم". فاسمعه في هذا التسلسل يقول:
"ربما،
ليس في الأرض حب
غير هذا الذي نتخيل أنا
سنحظى به، ذات يوم".
إنها صورة إبداعية راقية لواقع مهزوز، أراد الشاعر الإشارة إليه، ولشكوك متصاعدة من كلمة "ربما" متعددة الإمكانات، إلى كلمة "نتخيل" المعتمدة على المثال الذهني، وحتى عبارة "ذات يوم" المستغلة عدم التحديد والإنكار المبهم، مما يمهد لمعاني الهجرة الاختيارية أو الإرادية الطوعية، ولا أقول القسرية لأن للأخيرة لفظا دقيقا هو التهجير وليس الهجرة. غير أن الشاعر شلبية لا يستسلم لهذه المعاني المحيرة، بل يبلور لنا هدفا ينادي للوصول إليه بلون تفاؤلي، حين يطلب بلسان أدونيس "مواصلة الرقص" حتى ولو كان في أصعب الأحوال، فالرقص عبارة عن فرح طفولي بريء، أو أحيانا يكون دلالة لممارسة طقوس خاصة. والشاعر يطلب عدم التوقف ومواصلة المشوار:
"لا تقف
تابع الرقص يا أيها الحب، يا أيها الشعر،
حتى ولو كان موتا".
إنه يقدم الحب على الشعر، ويجعله عمادا له، ولكنه يطلب من الاثنين متابعة الرقص، وبذلك يرمز إلى حيوية الشعر، واندماج أو انصهار الحب فيه، ليصبحا روحا واحدة، فلا يمكن للواحد أن يستمر دون وجود الآخر، وهكذا ينتصر للحياة رغم الانطباع الأول المغاير بسبب عبارة "على قيد الموت".
بهذه الأجواء غير المستقرة نسافر مع الشاعر في مجموعته، ونقبل قصائده، لأن طبيعة السفر مناقضة للاستقرار، ومع هذه الأشواق العارية نعبر مع الشاعر حالات وجدانية من خلال صور شعرية تدخل النفس بانسياب، لأنها تنبع من داخل النفس وتبحث في ثناياها، ومن خلال ترحالها الداخلي، وتأثرها بسلبيات الخارج الذي عبر عنه "بغبار التشرد"، موظفا لذلك مصطلحي التصحر والضياع لتعميق الإحساس وتثبيت المعنى، ص 8:
" صار يبحث عنها
في خريطة ترحاله الداخلي
بكل ما علق بقلبه
من غبار التشرد
والتصحر والضياع".
هذا البحث يزيد من علامات التساؤل حول الحقائق، فهو لم يعد هو!! ص، 10+11:
"ما عاد هو هو
وما عادت هي
وما عدت أنا أنا
ولا الآخر أنا".

إن الشاعر يؤكد وحدة الكون على طريقة " نظرية السلب" فكما نعلم في علم الرياضيات إذا ضربنا ناقصا بناقص نحصل على زائد، هكذا الشاعر ينفي جوهر الـ "هو" الذي يَعْرفه وجوهر ألـ "أنا" و "الآخر" ليخلق تماثلا بين الأشياء، فعندما لا أكون أنا أنا ، إذن فربما أكون أنا هو، وعندما لا يكون هو هو، فربما هو أنا أو أنا هو الآخر!! وهكذا يصل بنا التفكير إلى الاقتناع بما وصل إليه التعبير لاحقا، حين يقول ص، 11:
"حيث الكل في الواحد
والواحد في الكل".
إذن "صاهل بالرغبات" شاعرنا، تأخذه القصيدة من جذوة القلب، فهو مقيم في محراب العراء، يتساقط الوهج على مداخل قلبه، فيقف متحديا محنة وجوده، يتجول بين خرائبه في زمن الموت العبثي! كيف لا وهو قد تعب من هواء البحر والصحراء، وأصبح سياج بيته مشدودا على صفصافة المنفى؟!.
هذه لمحة عن أجواء المجموعة التي تبحث في لحظات الحياة ومآسيها، فها هو في قصيدة "محنة الألوان" يخبئ في صور الكآبة دمعها ليسبر ما وراء الموت، وها هو انتظاره قد طال في سماء الفاجعة، حتى طوافه طال وانتحاره، فأصبح "كمحاصر في ظلال الله على وردة يائسة" ص، 24.
في الحقيقة هذا هو التعبير الوحيد الذي لم أستسغه، لأن الظل هو ناتج طبيعي عن جسد يتلقى نورا من جهة معينة، والله لا يمكن وصفه أو تخيله كجسد ملموس حتى نستطيع أن نتخيل أو نفهم ظلاله!! إنما يمكن لله أن يكون مصدر النور فنتخيل أنواره، بينما الظل هو انعكاس لوجود مادي، وهذا نوع من تجسيد الله غير المستساغ.
إذن "هجرة الأشواق العارية" مجموعة قصائد جميلة بإخراجها الشكلي، ولمساتها الفنية ومضمونها الداخلي، وهي ثمرة جهد مبارك، ومعاناة ناضجة لشاعر أصيل، نتمنى أن يتحفنا بالمزيد من أمثالها.

1 . مجموعة شعرية جديدة للشاعر معين شلبية ابن قرية المغار الجليلية، والتي صدرت في أوائل هذا العام عن دار الأسوار في عكا.
2 . شلال شوق. فهيم أبو ركن. إصدار دار الكلمة ودار الحديث، ( الكرمل: شتاء 2007).

قصائد الديوان:




معين شــلبية



هجرة الأشواق العارية
شعر



الأسوار – عكا
مؤسَّسة الثقافة الفلسطينية
2008










معـين شـلبية



هجرة الأشواق العارية
شعر



الأسوار – عكا
مؤسَّسة الثقافة الفلسطينية
2008

















رُبَّما،
لَيْسَ فِي الأَرضِ حُبٌّ
غَيْرُ هَذا الَّذي نتخيَّلُ أَنَّا
سَنحظَى بهِ، ذاتَ يومٍ.
لاَ تَقِفْ –
تابِعِ الرَّقصَ يا أَيُّها الحُبُّ، يا أَيُّها الشِّعْرُ،
حتَّى وَلو كانَ مَوْتًا.

أدونيس











القصائد

هجرة الأشواق العارية 05
محنة الألوان 20
قبل الماء 26
هل يغريك الموت 31
تجليات الأزرق الكوني 37
دع الشمس وانصرف 44
كرجع الصدى 49
مرايا الغمام 56
نجمة يناير 61
حين خلعت جسدي 68
رؤيا 84












هِجْرةُ الأَشواقِ العاريَة






عَلََى قَيْدِ الموتِ
كَانَ ضيفُ المطرِ
يَرسُمُ فوقَ الرِّيحِ مَا فَقََدتْ يداهُ
تُخومَ اشتياقهِ
وَفوضَى جهاتِهِ
وَحُلْمَ المدَى.








لَمْ يبقَ مِنْ عَبَقِ الرِّياحِ
مَا تشتهيهِ المرايَا
لِتُسْقِطَ ظلِّي عليَّ
يُؤَثِّثُها الصَّمتُ الذِي تليهِ
ضَجَّةُ الجسدِ
شِتاءُ الرُّوحِ
وَقيامُ النَّدَى.

غَابَ محكوماً بالفراقِ
طَاعناً فِي العشق ِ
تُراودُهُ
جَدليَّةُ تدميرِ الذَّاتِ
جَماليَّةُ تهكُّمِهِ علَى الحياةِ








سَعادةُ المتَّكئِ علَى خرائبهِ
وَهمسُ الصَّدَى.

عَادَ يطلُّ عليهَا
هِيَ المسكونةُ بالأَوجاعِ
وَنزاعِ الأَلوانِ المفعمِ /
بِأَلقِ العتمةِ ولهيبِ الأُنوثةِ
حَتىَ أَضحَى غيابهُا الشَّهيُّ
عَابراً فِي الوجدِ الذِي
يَطفحُ سكونَ الرَّدَى.

بَاتَ مكفَّناً بالأَسئلةِ
وَفيَّاً للأَمكنةِ








مُدافعاً عَن هشاشةِ الممكنِ
فِي مهبِّ الجسورِ
مُذْ تخلَّى البوحُ عنهُ
وَالباقِي سُدَى.

صَارَ يبحثُ عنهَا
فِي خريطةِ ترحالهِ الدَّاخليِّ
بِكلِّ مَا عَلِقَ بقلبهِ
مِن غبارِ التَّشرُّدِ
وَالتَّصَحُّرِ والضَّياعِ
لِعلَّها تدخِلُهُ سريرَ التَّجلِّي
وَتحصِي أَضلُعَه
لَهُ الرِّيحُ كلُّهَا
وَلهَا مقاماتُ الهدَى.







مَا ظلَّ فِي القلبِ مُتَّسعٌ للنَّشيدِ
وَأَنتَ فِي صحوةِ الفُقدان
لاْ صحراءَ للذِّكرَى
وَلاْ مرثيَّةٌ زرقاءُ تعلُو
فَوقَ سطحِ العنفُوان.

هُوَ الشَّاردُ الأَبديُّ
مِن حُطامِ البحرِ يطلعُ
وَهِيَ الشَّهيَّةُ
وَالنَّديَّةُ
وَهيَ الأَميرةُ
مِن ديارِ الحلمِ تهبطُ
كَيْ تستكينَ الرُّوحُ
عَلَى جسدِ الأُقحُوان.







مَا عادَ هُوَ هُوَ
فَقطارُ العمرِ يومضُ حدَّ الحُلكةِ
وَفراشاتُ القلبِ
تَحملُ ممشَى الذِّكرياتِ؛
هِجرةُ الأَشواقِ
جَواحيمُ تتقرَّى قسماتِ المترقرقِ الأَبديِّ
وَالمجاهيلُ أَجنحَتي
تَحطُّ عَلى سقفِ الرِّيحِ
لِكلِّ اسمٍ رجوعُهُ
مِلءَ المدَى
لِكلِّ رَجْعٍ صداهُ
كَلمحِ الأُرجُوان.









مَا عادَ هُوَ هُوَ
وَمَا عادتْ هيَ
وَمَا عُدتُ أَنا أَنا
وَلاْ الآخرُ أَنا
وَمَا الحالةُ إلاْ حيِّزٌ كونيٌّ للمشتَهِي
مَحطَّةُ انتظارٍ
فِي الأَبديَّةِ البيضاءِ
حَيثُ الكلُّ فِي الواحدِ
وَالواحدُ فِي الكلِّ
قَرابينُ مؤجَّلةٌ
فِي
ذُروةِ
النِّسيَان.








عَلىَ طَرَفِ التَّأَمُّلِ
وَفِي حضرةِ الشَّوفِ والغيابِ
يَنتابُني شعورٌ عصيٌّ علَى الإدراكِ
يَعودُني فِي الوحدةِ عطرُها الشَّهيُّ
أُنوثَتُهَا المترفِّعةُ
شَهقةُ اللَّهفةِ الأُولَى
حُضورُها المباغتُ الخفيُّ
رِعشةُ الانخطافِ
فِي
سُبْحةِ
الحرماَن.










وَأَسْأَلُ:

- لِماذَا تورقُ الزَّنابقُ فِي أَوصالِي مِن جَديد؟
* لِكيْ تُرَطِِّبَها الرِّيحُ يَا حَبيـبي !
صَمتاً صمتاً يَا حَبيبتي
قَدْ يَسْمَعُنَا أَحدٌ
لَكَم تشبهينَ الماءَ
لَكَم تشبهينَ الرِّيحَ
فِي
حَالةِ
الهَيَمَان.










صَاهلٌ بالرَّغباتِ
تَأْخُذُهُ القصيدةُ مِن جذوةٍ فِي القلبِ
لاْ لشيءٍ
رُبما
كَيْ تؤوِّلَّ مَا فيهَا
مِن هاجسٍ يشتهيهَا
لِتَقْرَأَ مَا يقولُ البحرُ ليْ:
لاْ شيءَ يُشْبِهُنَا /
وَذاكَ منحدرُ الكلامِ
تُحرقُ هاطلاتِ ذاكَ اللَّهيبِ
لَنكتبَ مِن قريبٍ
مَا تحطُّ السَّماءُ مِن ملامحَ
تَعرَّت علَى عزلةٍ قاتلَة .








مَارقٌ حلمُنَا
كَأَنَّهُ كائنٌ حِبريٌّ
لَمْ نكنْ رمزاً لتحمِلَنَا النَّوافذُ
عَلَى شفيرِ الأَسئلَة
وَلمْ نكُن واقعاً يتجلَّى
عَلى حبَّةِ القلبِ
حِينَ خابَ الظِّلُّ وارتحلَ الأُوارُ
وَلكنْ يا سيِّدي الحزنَ:
غَامضةٌ ظهيرتُنَا
فِي لحظةِ الكشفِ
الزَّائلَة.










مُقيمٌ فِي مجرَّاتِ العراءِ
يَغْرِفُ رَجْعَ الغَضَى
مَنذورٌ للخساراتِ المعلَّقةِ
عَلَى جدرانِ الغيابِ
بَعْثرَهُ السَّبرُ عمَّا تخفِي
حِينَ تخلعُ الشَّمسُ ثوبَهَا اللَّيليَّ
وَتحنُو قامةُ الأُفقِ لهَا .. نخفقُ:
نَحْنُ شهدُ الشَّهوةِ الأُولَى
نَحْنُ رذاذُ الضُّوءِ
شَهقةُ الحريرِ المجعَّدِ
حَفاوةُ الأَضدادِ
خَريفُ الاعترافِ
فِي ليلةٍ فاصلَة.








كَنبعٍ دافقٍ
جِوارَ مدفأَةِ الأَشواق ِ
يَتقرَّى أَبهاءَها
يَتساقطُ الوهجُ علَى مداخلِ قلبِي
صَديقةُ الأَسئلةِ
تُعلنُ سعيرَ الويلِ
يَقفُ متحدِّياً محنةَ وجودِهِ
يَتجوَّلُ داخلَ خرائِبِهِ
فِي زمنِ الموتِ العبثيِّ
يَحملُ صقيعَ المعاناةِ
وَجَعَ الحواجزِ
وَالجدرانَ العازلَةِ.









وَاصَلَ حنانَها السَّخيَّ
فِي غيبوبةِ ذهولهِ
حَاملاً حَائطَ الدَّهشةِ والاخفاقِ؛
فِي لحظةِ تأْبينِ أَحلامِهِ
تُزمِّلُهُ حَالةٌ مِنَ التَّصوُّفِ الضَّارِي
تُغطِّي نواحَ الانكفاءِ
وَهشاشةَ الممكنِ
يَدلُقُ روحَهُ ويمضِي
فِي
نُقعةِ
الضُّوءِ المائلَة.










تَعبتُ مِن هواءِ البحرِ
وَالصَّحراءِ
تَجاعيدُ الوقتِ
تَشْرَقُ روائحَ اللَّيمونِ
سِياجُ البيتِ مشدودٌ علَى
صَفصافَةِ المنفَى
نَرجسٌ رخوٌ ينثالُ مِن حَبْلِ المساءِ
شَلالٌ مِنَ السُّهدِ يلتحِفُ الخيالَ
وَجهٌ يتوسَّدُ النَّجماتِ
فَوقَ جذوعِ السَّماءِ
فَراشةٌ في القلبِ تقايضُ اللَّيلَ
ظِلٌّ يَطْمُرُ ظلَّهُ المهجورَ
وَيَسْكُنُ راحِلَة.








مِحْنَةُ الأَلْوَان




هُناكَ..
خَلْفَ البحارِ العتيقَة
لاْ نَوَى قُرمزيٌّ يَرْبِضُ خلفَ الزَّحامِ
لاْ نوارسَ تُوَدِّعُ عُشَّ النَّدَى
وَلا هواءٌ يحرِّكُ فيَّ الصَّدَى
لِيْ خلفَ البحارِ بحارٌ
وَليْ وردةٌ فِي مرايَا الكلامِ
وَفناءٌ مرجعيٌّ يحملُ خيطَ المدَى










يَدِي علَى ساحلِ الجسدِ المخيَّم
وَيدِي الأُخرَى نواحِي الرُّكام
فَاخرُجوا مِني لتَعْبُرَ خطوتِي
رُويداً رُويداً
ثُقوبَ الخِيَام.

لَمْ يبقَ بيْ جرحٌ يذاكِرُني
كَيْ تراوِغَ مهجتِي منِّي عَليَّ
لَمْ يبقَ بيْ رَجْعٌ ليخمِشَ
كُنْهَ
مَأْساتِي
القَطيعَة.









خَبَّأْتُ فيْ صِوَرِ الكآبةِ دمعَهَا
لأَسْبُرَ مَا وراءَ الموْت
لَمْ أَجِدْ فيهِ الخَلاص
فَالذِّكرياتُ تَفِرُّ مِنْ هَلَعِ الكتابةِ
حِينَ يَأْخُذُنِي المخَاض
لَمْ أَجِدْ فيهَا الخَلاص
وَأَنا هِبَةٌ مِنْ خيولِ الغيبِ
لَيْسَ فيَّ سوَى مراثٍ كنَّستهَا الآلهَة
نَفْحٌ تَشَظَّى
عَلى فَكَّةِ النُّورِ المغطَّى
بِالإيمَاض.












طَاْلَ انتظارِي فيْ سماءِ الفاجعَة
طَاْلَ انتحارِي
كَنحلةٍ عَطْشَى تُجَرْجَرُ
فِيْ شوارعِ لونِهَا المقتُول
كَفراشةٍ حَلَّت ببرزخِ الأَحلامِ
حَينَ تُطْمَسُ الأَحلامُ
وَالحُلْمُ بَتوُل.

طَاْلَ طَوافِي فيْ منابعِ نورِهَا
وَنورُهَا قمرٌ ضبابيٌّ
تَلَظَّى بنارِ الثَّلجِ والأَوهَام!










يَبُسَ الكِمَام
وَناحَ طالعُ الأَحزانِ فيْ دمِّي
فََاترُكِي كفَّيكِ مرآةً علَى حُلُمِي
يَكادُ الحُلْمُ يُشْبِهُنِي
وَأَنَا المحاصَرُ فيْ ظِلالِ الله ِ
عَلَى
وَردةٍ
يَائسَة.

لاْ تهجرينِي عندمَا يخبُو الضِّيَاء
لَمْ يبقَ ليْ منفَى يُعاوِدُني
وَلا وطنٌ يحدِّقُ فيْ العَراء!











عَلَى جَسَدِي
تَطفُو حَيْرَةُ الأَلوانِ
وَالرُّوحُ تَفْتَحُ بابهَا للرِّيحِ
عَلَّ الرُّوحَ
تخلَعُ جسمَهَا الصُّوفيَّ
وَبَوْحَ سَديمِهَا
فَالدُّنيَا خُـــوَاء
لاْ تَرْضَعِي بُؤْسِي المُرَاق
فَهَذِي
الأَرْضُ
ثَانيةً
تُهَرْهِرُ
كَرْبُـــــلاء .!؟








قَبْلَ الماء






غَبَشٌ عَلى سَطْحِ المرايَا والدُّخان
خُيولٌ تَسحبُ الأَحلامَ
مِنْ غَسَقِ البحارِ إِلى البحارِ
غَضَبُ الزُّرقةِ يمحُو لذيذَ الأُرجوَان
وَالرِّيحُ تخلعُ صمتَهَا العارِي وتَزحَفُ
عَلَى رصيفِ الأُقحوَان








وَأَنا خيامٌ مِنْ ظِلالِ اللاَّزوردِ تَفترشُ الغمَام
تَقرأُ مَا رَسمتُ مِنَ المدنِ الكئيبةِ
ثُمَّ تَمضِي فِي هطولِنَا السِّرِّيِّ
تَلْعَنُ شَوقنَا الوحشيَّ
فِي سِكَّةِ النِّسيَان.

هِيَ سَطْوَةُ الحزنِ المقيمِ
وَشهوةٌ بحريَّةٌ عَلِقَتْ عَلى طقسِ الضَّيَاع
هِيَ ومضةُ العشقِ المؤَجَّلِ وحبلُ أَمشاجِ الودَاع
عَلَى مرابِطِهَا اتَّكأْتُ وبتُّ فِي السَّمحِ الرَّطِيب
نَبْضِي تصدَّعَ قيدَ أَنفاسٍ حميمَة
جَسدي طامحٌ بسكينةِ اللُّقيَا
مَاءٌ فِي كلِّ المهابطِ فجَّرَتْهُ الآلهَة








لَمْ يَبْقَ فِي رئةِ المواجعِ مَا يُنَفِّسُ رغبتِي بينَ يديَّ
فَالمسافاتُ تَنِزُّ وتَشْلَحُ رجعَها العاتِي
عَلى شفةٍ يتيمَة.

مِنْ إِسارِ الدَّمْعِ فِي عينيَّ ومِنْ صمتِي العصيِّ
تَبعثرتُ ارتباكاً حولَ منحدرِ الفُنون
مَا دلَّني أَحَدٌ عليهَا لأَجمعَ دهشتِي منِّي إِليهَا
لِعلِّي طائرُ النَّارِ الحَرُون..
تَورَّطتُ وعياً عَلى رُكبةِ الأَمكنَة
لأَِسقُفَ المنفَى بأَجنحةِ الضَّبَاب
فَانثالَ قبلِي الماءُ مَا بينَ الأُنوثةِ والغِياب
كَأَنَّ الماءَ بينَ نارَيْنِ !
وَالماءُ يُسْنِدُ حُلْمَهُ المائِيَّ ويجرِي
فِي رِهَامِ الأَزمِنَة.







مَطَرٌ ..
عَلى حريرِ خريفِنَا المحزُونِ
لَيْسَ فيَّ سِوى تجاعيدِ التَّوتُّرِ والتَّأَزُّمِ
يَا تواشيحِي الدَّفينَة
صَوتي تَسَمَّرَ عندَ منعطفِ الرِّهان
وَالرُّوحُ غافيةٌ علَى وَجَعٍ
تَجمَّدَ فِي مفاصِلِهَا الحنَان
سَأَلْتُ؛
وطالَ انهمارِي فِي خُرومِ تردُّدِي
عَنْ موجةٍ صخريَّةٍ سقطَت
فِي لُجَّةِ الموتِ
الْعتيقَـــــــــة.










وَقفتُ، والقلبُ يرفُو مِنْ تعرُّقِهِ
قَمَراً تجلَّى خلفَ طيَّاتِ الرُّكُون
قَالتْ:
سَأَعُودُ مِنْ رحلةِ التِّيهِ المسجَّى
فَوْقَ أَروقةِ الشَّتَات
سَأَرجعُ مَا دامَ لِيْ نجمٌ ترابيٌّ
وَتحتي ذكريَات !

قُلتُ، وكانَ الكلامُ خطيئتِي ومشيئتِي:

لاْ شيءَ يُؤَوِّلُ الأَحلامَ فِي هَذا
الزَّمَـــــان
لاْ شيءَ يُؤَوِّلُ الأَحزانَ فِي هَذا
المكَــــــان.!؟







هَلْ يُغريكَ الموتُ ؟






مُتَوَّجَاً كَنفحةِ طِيْبٍ
لاْ وَسْماً بهيَّاً بَعْدَكَ
هَبَطَّتَ مِنْ وَرَقِ الغَمامِ
لِتَرْسُمَ المعنَى
وَتَبعثَ مِنْ ضَبابِ يديكَ
رِسالةً أُخرَى
وَدمعاً أَبيَّا.







هَا أَنتَ تُؤَثِّثُ عهدَ الغيبِ
وَترحلُ فيْ شهوتِكَ الأَبديَّة
هَا أَنتَ تحدِّقُ ثانيةً فيَّ
وَتُحَلِّقُ فوقَ رياحِ النُّورِ
هَا أَنتَ تُنَضِّبُ صَفوتكَ الوحشيَّة
وَتَشحنُ بالخيطِ اللَّيلكَ
عَلَّ اللَّيلكَ يعبرُ طقسَ الموتِ
بِدونِ خَلاص.




هَلْ يُسْعِفُكَ العشقُ؟








مِنْ أَيِّ سُيوخٍ طينيٍّ قذفتكَ العُزلةُ
حَتَى شُسوعِ العُمْر؟
مِنْ أَيِّ مجالٍ ناريٍّ دفقتكَ جِهاتُ الخَلقِ
نَحْوَ مَساحيقِ المنفَى؟
مِنْ أَيِّ مَهبٍّ مائيٍّ تَتشمَّمُ رائحةَ البحرِ
وَتدعُو للمطرِ التَّائهِ
فِيْ صفحاتِ الرَّمل؟.




هَلْ يُسعفُكَ البحرُ؟









مِنْ أَينَ ليْ عُرْيُ الإجابةِ حينَ يَشتعلُ السُّؤال؟
مِنْ أَينَ ليْ رَجْعُ المرايَا حينَ يَنكسرُ القِناع؟
مِنْ أَينَ ليْ وَقْعُ الأَغانِي حينَ يَنتفضُ النَّشيد؟
مِنْ أَينَ ليْ
مِنْ أَينَ ليْ
وَلكَ البدايةُ والقيامةُ
فِيكَ يَكتملُ الهِلال!.

لَكَ قمَّةُ الرُّؤْيَا
مُذْ مَرَّ الهواءُ علَى مَفارقِ روحِكَ وانكوَيت
فَاحمِلْ بلادَكَ
رُجَّهَا لَوْ شِئتَ
وَهَيِّئ لسَيِّدتي الأَنيقةِ مَا استطعتَ








مِنَ البياضِ المقدسِيِّ
فَكُنْ جرساً فيْ مملكةِ الفجرِ
وَكُنْ كالبرقِ فيْ ملكوتِ الغَسَق.

مُتَّكِئاً علَى خرائبِ روحِكَ
مُؤجَّلاً كقمرِ اليبابِ وشمسِ الفُقراء
يَأخذُني البحرُ تماماً
يَفتحُ شُباكاً خلفيَّاً للغربةِ
تَحمِلُني ينابيعُ الجوعِ
فَتجهشُ فيَّ رائحةُ الوطنِ الطَّافحِ بالأَحزانِ
يَنهمرُ الوهجُ بقايَا لاْ أَعرِفُها
يَرتعشُ علَى الشَّفتينِ سُؤال:









هَلْ يُغريكَ الموتُ؟
لاْ !
هَلْ يُغريكَ الموتُ؟
لاْ !
هَلْ يُغريكَ الموتُ؟
لاْ !
كَيفَ الرَّفضُ..
وَالموتُ قميصُ الرُّوحِ المتهَيِّىء
فِيْ مهجعِكَ الموعُود
كَيفَ الرَّفضُ..
وَفِي القلبِ مسارٌ يتململُ عندَ الحلمِ
يَا مِعراجاً يحملُ
فَوْحَ ثَراهَا
وَعَوْدَتَكَ المُنْتَظَرَة.







تجلِّياتُ الأَزرقِ الكونيِّ !




حِينمَا توقظُ الذَّاكرةُ مطلعَ دهشَتي
تُولدُ مِنْ روحِ الكونِ نارٌ للجُموحِ
تَسْلُقُ وَطأَةَ النَّفْسِ
تُحاكِي الرَّغبةَ
تَمتطِي سريرَ الغُروبِ
تَستوقفُ شهوةَ السُّقوطِ
تُنَضِّدُ جُرْعةَ الشَّوفِ علَى الجسدِ القُفُولِ
وَتمشِي .








رَاوَدَني الوهمُ بعدَما أَطبقَ السُّقوطُ عليَّ
كُنْتُ وَضيئاً كنجمٍ هاربٍ
مُرْهَقَ الحُلْمِ، طافِحَ التِّرحالِ، مَرشوشاً باللاَّزوردِ
سَامحاً، جامحاً، مُستثاراً
لَوْنُ بَوْحي يَعلو كفافَ دمعِي
يَذِرُ كُهوفَ الذَّاكرَة.

عَلَى حافةِ البَوْحِ
تَلمَّستُ الضُّوءَ العائدَ مِن كفَّيها
عَوَزٌ قديمٌ يزدانُ بشغفِ الانخطافِ
عُزوفٌ يتسكعُ أَروقةَ القُنوطِ
يُرَوِّضُ الأَلمَ..
كَومضٍ عالقٍ، كعمقِ الرُّجوعِ
يَتحايلُ عَلى نارِهِ الحَرون.







قُلتُ:
لِلسَّكينةِ أَكثرُ مِنْ طقسٍ مؤجَّل
وَحَبْرٍ أَقلَّ..
مِن هُنا، هَذا الأَزرقُ المنسابُ
وَمِنْ هناكَ
يَنوسُ الملمسُ اللَّحميُّ كالفجرِ المصفَّى
يَحملانِ خوارقَ الشَّوقِ
مَأْخوذَينِ بسرِّ القناديلِ
مَأْسورَينِ بالذُّروةِ..
فَالعَتمةُ سوَّت نشرَها فِي فَلَكِ العشقِ
وَغابَت
مِثلَما الأُفْقُ
يَغيــــــــــــب.








يَنْهَرُني الأَزرقُ الكونيُّ
تَكْمُرُني طَوايا الغيبِ
تَـشْـطُـرُنِـي
صَارَ الدِّفءُ يَطْمُسُني بأَمطارِ الفجيعَةِ
انْكببتُ هانئاً فوقَ مَطاوي الجسَد
لأَِخرجَ مِن ذاتِي وأَنْصَهِرَ
مَا أَوْجَعَ المسَّ...
وَشوشَتني رُعوشةُ الطُّيوفِ
وَراحَت عميقاً
فِي
ذَائقةِ
العُبور.









يَسقطُ النُّورُ السَّاخنُ
فَوقَ الجَسَد،
دَائخاً، سَائخاً، محَفوفاً،
مَشوباً بالقلَق!
خَامةُ الحزنِ،
تَنِزُّ رَدْحاً مِنَ الصَّبوِ الَّذِي اهترَأ
يَهيلُ فوقَ مرايَا لمْ تطأْهَا رياحُ الضَّجَر
كَلاجئ ٍعلَى شرفةِ لائلٍ
حَمَلَتْهُ
إِليهَا
تجَاعيدُ
السِّــــنين.










يَتَفسَّخُ الخيالُ
عَلَى مهبطٍ زائحٍ فِي محطِّ الأَزمنَة
يَتَقشَّفُ حُلْمِيَ المطمورُ
مِنْ ضَنَكٍ خرافيٍّ
وَمِنْ غَبَسِ اليَباب
حُضورٌ طائشٌ
يَندسُّ فِيْ غَبَشِ الفَراغ
يَنْبِثُ تعاليمَ الغِيابِ
يَدلُقُ الرُّوحَ الخلاءَ
عَلَى
السَّتْرِ
الرَّهيفِ
وَينــــــــــــأَى.








تَغْلِقُ النَّوافذُ أَهدابهَا، تفيضُ عاريةً
تَرْمُقُ عَبَاْقَةَََََ الضَّياعِ
تَكْرُجُ رغوةُ الحبِّ
تَكِنُّ فِي صمتٍ تواشيحُ اللُّحونِ
هَسيسٌ مِنَ النَّوحِ يحبسُ ضَوْعَةَ النِّسيانِ
تَعُجُّ بأَكداسِ الطِّلَى
تَنْكُشُ تصاريفَ الحياةِ
وَتَنْضُو سُحنةَ العهدِ العَتيق.

بَعْدَمَا حَشَرْنَا إزارَ أَحلامِنَا فِيْ شواغِلِنا
وَرَشقنَا جوعَنا الرَّابضَ فوقَ اللَّهَب
تَراءت حَيْرَةُ اللاَّرجوعِ
عِندَ الإيَاب.








دَعِ الشَّمسَ وانْصَرِفْ





وَهجٌ خفيضٌ
يُومِضُ خلفَ مِشكاةِ الضَّباب
يَتهجَّى سؤالَ الغيبِ
كَما يتهجَّى موتٌ وجوهَ الأَنبياء
وَقبلَ أَنْ يُمْهِلَنِي الرَّديدُ
حَطَّ عليهِ الرِّحال َ
وَغاب.








مُسَيَّجًا بنفسِي
وَصلتَ منعطفَ الرَّحيلِ
عَلى ضفافِ الرِّيحِ نزلتَ
لِتأَخذَنا إلى العُلويِّ
فَلتتوترْ شِعابُ اللَّيلِ سَهْمًا
حِينَ يَنهمرُ الشُّعاعُ عَلى الأَصيلِ.

لَنْ نُطفِئَ الوعدَ الَّذي
نَسجَتهُ روحُكَ
مُذْ سافَرَتْ بخطاكَ ناصيةُ السَّراب
لَنْ نُغلِقَ البابَ الَّذي
نبَشََتْهُ فيكَ مَصطبةُ الغِياب
كَأَنَّما ذرَفَتْكَ لؤلؤةُ التَّمنِّي
حِينَ دثَّركَ الفَناء







فَكيفَ تُوْمِئُ رَغْبَتُكَ البهيَّة
وَفوقَ البحرِ رائحةٌ تَهُبُّ
كُلَّما لاذَت بنفسجةٌ عصيَّة
تَحتَ نافذةِ الخرَاب.

لَمْ يَنبجسْ وَهْمٌ لثأْرِكَ فِي الوُعودِ
حِينَ ضاقَ الأُفْقُ وانكمشَ الفضَاء
تَركوكَ خلفَ مَفازةِ الأَحلامِ تَعدو
لِيندمل فيكَ التَّحدِّي
وَينقشِط عنكَ القَرار
لَكنَّ وهجكَ ظَلَّ مُنتصِباً
يُؤَرِّثُ مَا تخضِّبُهُ المواجعُ والرُّعود.









هَلْ عَشِقْتَ فاتنةً لتبتليكَ
وَأَنتَ علَى مَعبرٍ لاْ يمُسِّدُ إلاَّ
غُموضَ التُّراب ؟!
هَل عَشِقَتْكَ فاتنةٌ
لِتَحملَ هذَا العَذابَ العَذاب؟ .

لَيلٌ بعيد ٌ
وَالطَّريقُ يمطُّ نُسْغَ الوُصول
عَلَى سياجِ الرُّوحِ
يَكفتونَ الشَّوقَ فيْ صمت ٍ
وَيمَحونَ الفُصول
وَأَنا حُلْمٌ يحلِّقُ فِي المنافِي
وَبعثٌ خلَّفتهُ الآلهَة..








يَا أَيُّهَا الوثنيُّ:
وَقْعُ الفِدَاءِ يُزيلُ الطُّغاة َ
يُبيدُ
الغُزاة


يَا أيُّهَا الوثنيُّ:
دَعِ
الشَّمسَ
فِي خِدْرِهَا

وَانْــــــصَرِفْ .!









كَرَجْعِ الصَّدَى!





كَما يُطارِدُ الصَّيفُ الفَراشاتِ
يَستدرجُني الضُّوءُ نحوَ الغامضِ العبثيِّ
يَتَّكِئُ الأَزرقُ الكونيُّ عليَّ
كَلسعةِ نارٍ أَو حَنان
وَخزٌ شفيفٌ يندسُّ مِنْ تحتِ الكَلام
يَنْثُرُني فوقَ عتباتِ الرُّكام
مَذاقٌ باهتٌ ينبجسُ شحيحاً حَدَّ الدَّهشِ
يُعسعسُ غُربتي بالنِّسيان.







وَليْ موعدٌ مَعَ النِّسيانِ
كَلهفةِ ليلةِ حُبٍّ مؤجَّلَة
شَلالاتُ شوقٍ تجرُفُني نحوَ الأَقاصِي الممكنَة
شَهوةُ الأَصلِ تَنْزَعُ الحُجُبَ عَن وجهِهَا
تَهاويلُ كَشفٍ تَكْشُطُ مَرايا السُّؤالِ
مَطرٌ غامرٌ ينسلُّ فِي الأُفُقِ الرَّديدِ
يَشُقُّ المكانَ
وَيحشُرُ الخطَى
فيْ
عَبَقِِ
الأَزمنَة.










مُثْقَلَ الخطَى،
وَصلتُ معبرَ الخيباتِ
- لاْ حُلْمَ يَكفيني لأَدنُو خُطوتينِ -
مَواجيدُ ومضٍ تَطْلَعُ مِن نارِ القُدامَى
تَترصَّدُ حواسِي القاحِلَة
تَتراءَى هزائمِيَ الأَخيرَة
تَتواترُ
كَأَرضٍ منقوعةٍ بالعَنْدَمِ
فيْ
بُرهةِ
الوَقتِ
المْاحِلَة.









مَواقيتُ جَرْسٍ تنحسرُ شَطْرَ النِّهادِ
غِيابٌ كثيفٌ يخيِّمُ فوقَ التُّحُوت
لَوحُ الكتابةِ يأْخذُ لونَ ذاكرَتي الخفيضَة
كَأَني أُهبةُ الموتِ الخَفوُت
يَطمُسُ خِفْيَةَ الإيماءِ فيْ غَوْرِ الجَّواب
رَائحةُ اليباسِ تجرجِرُني
خَلفَ الضَّبابِ الشَّتيت
خَرابٌ جميلٌ يوقظُ الحيرانَ
وَحُلْمٌ عارضٌ يُبَشِّرُ بالقيامةِ
يَصِلُ
حَدَّ
الاحْتِقَان.









لاْ أَجملَ منْها كانتْ لمحةُ الاحتقَان..
كَرَجْعِ الصَّدَى البحريِّ
يَتصاعدُ فوقَ السُّكونِ
كَإلهَةٍ إغريقيةٍ
تَتَخطَّرُ بليلِهَا الأُنثويِّ
كَمدينةٍ شامخةٍ
عَلَى حافةِ البكاءِ
لَكنَّ منحدراتِ الغَيْبَةِ
طَمَّتها
فيْ
ثَنايَا
الذَّاكرة.









مُحَمَّلاً بالذَّاكرةِ
مُمتلئاً بالنِّسيانِ
ضَيَّقتُ هاويَتي لأَعبرَ هُوَّةَ الأَضدادِ
خَيطُ ضوءٍ كاشحٍ يَعُجُّ بالثُّنائياتِ
نَشيدُ المرايَا ينبثقُ أَمامِي صَاغِراً
وَالقلبُ يطفحُ بعاطفةٍ غريبَة
يُغْلِقُ شُباكَ الحنينِ
يُسْدِنُ السِّتارَ علَى
شُرفَةِ
الفَلَكِ
البَعيدِ..
وَيمـــــــــضِي.









كَأَنما أَمضِي إليَّ
كَأَنما تمضِي إليكِ
وَلأَنَّنا مَا زِلنا نمضِي
لَمْ يَبْقَ ليْ شيءٌ لأَفْقِدَهُ هُنا
وَلاْ شيءَ فيكِ سِوَى
مُقايضَةِ الحقيقةِ بينَ وَجهِكِ والقِناع
لاْ شيءَ فينَا
غَيرَ مصيرِنا المسروقِ فيْ هذَا الضَّياعِ
لَكنَّنا أُخيولةُ الوجعِ المرابطِ وَسَطَ الخاصِرَة
لَنَا الدُّنيا هُنا..
وَلنَا
هُناكَ ..
الآخــــــــــــــرَة.








مَرايا الغَمام




غَامَتْ فيْ دَلالَتِها الحروفُ
وَغابتْ نَفحةُ الطِّينِ المرصَّعِ بالشَّتاتِ
تَحسَّستُ انعتاقِي فيْ مَغيبِ اللَّون ِ
حَينَ فَرَّ الحلمُ مِنْ خلفِ الظِّلالِ
حَاملاً صَوتي مَرايا
لاَبساً وجهَ الهَواء
لِعلَّ ماءً دافقاً يُفضي
صَوْبَ سِيرَتِنَا الطَّريدَة.








رِيحُ الضَّياعِ تعصفُ فيْ خيامِ اللاَّجِئين
وَالموحشاتُ تَسُفُّ مِنْ أَلَقِ البلادِ
حِينَ تنفطرُ السَّماءُ علَى السَّماءِ
فَاكتبْ نشيدَكَ للحياةِ
وَاشعلْ طقوسَ العائديِن
عَلى طيفٍ يُزَنِّرُ صهوةَ الإسراءِ
نَحو مأْساتِي المجيدَة.

جَسَدِي قبرٌ علَى سُجَّادةِ المنفَى
رُوحي بياضٌ فيْ ملاذِ العاصفَة
وَأَنا - لَسْتُ قديساً وَلا متصوِّفاً
لأَِعرفَ مَا وراءَ الغيبِ
وَأُكملَ رحلةَ الأَضدادِ
فِيْ نُسْغِ مغناتِي الشَّريدَة.







سَأَحْلُمُ؛ كلَّما شطَّبتُ حرفاً راكداً
بِسماحَةِ الأَلوانِ
وَكُلَّما فتَّشتُ عنهُ
عَادَ يَهذِي مرَّةً أُخرَى بقافيةٍ
تُطِلُّ عليَّ مِنْ صحراءِ قافلتِي
كَخيمةِ المنفيِّ فيْ حُضنِ القصيدَة.

لاْ ذنبَ فيْ كفَّي، لاْ، ولاْ ريحُ القبورِ
تَكفي كيْ تُدَقَّ القارعَة
لاْ وقتَ عندَ الوقتِ
فَاحملْ جانحيكَ فوقَ الرِّيحِ
عَلَّ الرِّيحَ تُمطرُ الأَحلامَ مِنْ بَعدِي
عَلى خَدِّ الشَّهيدَة.










دَالتِ الأَحزانُ
وَالأَحزانُ مرساتِي الأَخيرَة
فَخُذِيْ بقايَا الماءِ مِنِّي
وَانْثُرِي جسدِي المعبَّأَ بالغَمامِ
عَلى جبينِ الشَّمس ِ
كَأَنَّ الشَّمسَ تُوشكُ أَنْ تُطِلَّ
عَلى جبينِي مَرَّةً أُخرَى
وَترمِي شالهَا الوردِيَّ
فيْ دمِّي الَّذِي
كَسَرَتْ
حُدودَه.












فَرَغَتْ مِنْ رسالَتِهَا القصيدَة
فَلْتَرْفَعِِ الرِّيحُ قربانَهَا
وَالبحارُ جُنَّازَهَا
لِنَعْبُرَ رَخْوَةَ الكَشْفِ
مِثلما
تَعْبُرُ
الغَيمةُ
العَالَمِين
وَنمشِي نحوَ سِيرَتِنَا
فِيْ حُمَّةِ اللُّغةِ
العَتيــــــــدَة.










نجمةُ يَنايِر

( هِيَ وحدَها، وأَنا أَمامَ جمالِهَا وَحدِي؛ لماذَا لاْ تُوحِّدُنا الهَشاشَةُ ؟ )




صَباحُ اللَّهفةِ، أَيَّتُها الأَميرَةُ !
صَباحُ الدَّهشةِ المفعَمِ بأَريجِ الأُنوثةِ والعُذوبَةِ والوَقار
صَباحُ الحبِّ لمِنْ تعرَّت روحُهَا
وَراحَ جسمُهَا الغضُّ يفيضُ ناراً ونوراً
وَأَنا عندَ قدميهَا الحافيتينِ، أَرفعُ حالاتِ التَّجَلِّي..
أَرفعُ حالاتِ الهَيَمَان.








يُثيرُني ضبابُكِ الكثيفُ،
غُموضُكِ المذهِلُ،
شَهقةُ فُتحَةِ عُريِ روحِكِ الطَّيِّبَة،
انْسيابُكِ العاطفيُّ المضطرِبُ،
جَسدُكِ المباغِتُ الأَكولُ،
أُنوثَتُكِ الَّتي أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تكونَ امرأَةً لأَحَد.

أُحاولُ استحضارَكِ
وَأَقبضُ علَى هذهِ اللَّحظةِ فِي شطحاتِ الحلمِ
حَتَّى لاْ أَنقرضُ؛
وَأَعرفُ أَنَّ الحلمَ بدونِكِ لاْ قيمةَ لَهُ
أَستَقوي بخسَاراتي، علَّكِ تَخرجينَ مِنْ سباتِكِ العاطِفيِّ
تَعتلينَ صهوةَ الرِّيحِ، تُلبِّينَ الرَّغبةَ، وتأْتين.








فِي القلبِ أَشياءٌ كثيرةٌ تتشَظَّى بوحاً
تَستعصِي علَى الخروجِ
لِفتاةٍ تَنهضُ فِي ضيافةِ المطرِ
لِفتاةٍ قَدْ تفرَّغتِ الفراديسُ لَهَا
لِفتاةٍ هِيَ الفتاةُ ...
وَالباقياتُ سُدَى.

هَلْ سَيُكْتَبُ ليْ أَنْ أَستمعَ إلَى تَقطُّعاتِ تنهُّداتِكِ
وَهِيَ تتمزَّقُ علَى صَدرِي ذاتَ يَوْم !؟
وَأَسْأَلُ:
كَيفَ سأَمضِي الفصولَ عارياً منكِ
مِنْ رائِحَتِكِ، مِنْ ضحكَتِكِ الآسِرَة
مِنْ خوفِكِ وجمالِكِ وحضورِكِ المتوتِّرِ الشَّهِيِّ؟.








قَوارِبُ الوجدِ تحمِلُنِي إليكِ
لِغيابكِ وحشةٌ للسَّريرِ، ورائحةٌ توقظُ الأَعضاءَ،
تُؤَثِّثُ الخطايَا الجميلةَ وتشعلُ المكانَ والزَّمانَ؛
كُلُّ شيءٍ يعيدُنِي إليكِ، وَكلَّما هممتُ بمغادرتِكِ،
تَعثَّرتُ بكِ ..
أَتخيَّلُ معكِ التَّفاصيلَ الصَّغيرةَ والكبيرةَ،
المَسموحةَ وَالممنوعةَ،
الرُّوحيَّ والذِّهنيَّ.. حتَّى الدِّفءَ الجسديَّ المشترَك.

نُضوجُكِ فائضُ التَّأْنيثِ
يُورِّطُنِي بالأَشياءِ الجميلَةِ
تَحْتَ عريشةٍ جمالِيَّةٍ
وَأَنتِ تَحضُنينَ فاكِهَةَ التَّأَلُّقِ وَحَيْرَةَ القِطافِ
كَأَنَّكِ خيبةٌ مؤجَّلَة.







سَيِّدتي:
طُوبى لَكِ، مَا زلتُ مريضاً بكِ
نَظراتُكِ الماطرةُ، أَصابعُكِ المخضلَّةُ، ركبَتُكِ الملساءُ،
انْزلاقُ الفُلِّ في السَّاقينِ، أَنفُكِ الخضُوبُ،
غَمازَتُكِ السَّاحرةُ، فَوْحُ ملابسِكِ، شعرُكِ المبلَّلُ،
مَزاجُكِ غَيرُ المهيَّىءِ لمزيدٍ مِنَ الحزنِ،
نَبضاتُ نهديكِ الصَّغيرينِ، القَنْدُ المعتَّقُ فِي الشَّفتينِ،
دَورةُ نهارِكِ، خَصْرُكِ السَّابحُ،
ثَنايا ثيابكِ الدَّاخليَّة، سُرَّتُكِ النَّاعمةُ، أُنوثتُكِ المغلولةُ،
مُحاولةُ فَكِّ الاشتباكِ مَعْ عينيكِ،
رَائحةُ الطِّيبِ تحتَ إبطيكِ،
قُدرتُكِ علَى فتحِ شهيَّتي لالتهَامِكِ...
وَبَعْدُ وَبَعْدُ.








أَبحثُ فيْ ذاكرةِ الحنينِ، عنْ مدينةٍ خَارِجَ الخوفِ
نَلتقي فيهَا بدونِ ذُعرٍ، عنْ حالةٍ نمارسُهَا
جَديرةٍ أَنْ تشكِّلَ بوحشيةٍ ناعِمَة
مَحميَّةً استثنائيَّةً، خارجَةً عنِ المأْلوفِ
ذَاكَ العادِيِّ المغلَّفِ بشراشِفِ الشَّوقِ والشَّهوَة.
خُلقتْ الأَحلامُ كيْ لاْ تتحقَّق ..
فَما زلتُ أَقضُمُ فاكهةَ فراقِكِ مُذْ عرفتُكِ،
"فإنَّ أَجملَ حُبٍّ،
هُوَ الَّذي نَعْثُرُ عليهِ أَثناءَ بحثِنَا عنْ شيءٍ آخر"؛
وَلكنَّ سرعانَ مَا يتحوَّلُ إلى مِدادِ كتابَة،
حَالةٍ مِنَ الفُقدانِ، نُواحٍ داخليٍّ لاْ يتوقفُ
وَتوقٍ إلى الارتعاشِ فيْ حضرةِ النَّشوةِ المرجُوَّة.









مَعَكِ يَبدو الحزنُ جميلاً، والحلمُ أَجمَل.!
أَمَّا العمرُ:
"إنَّهُ العمرُ إلا قليلاً قَد مضَى
وَأَنا لمْ أَزلْ فوقَ جمرِ الغَضَى
أَتقرَّى السَّبيلا
لَكِ أَلاَّ تجودِي، وَليْ
أَنْ أَظَلَّ الَّذي يطلبُ المستَحيلا !؟

وَلكن يا سيِّدةَ المسَاء:
" إنَّ القصائدَ مفتاحُ بابِ الدُّخولِ
إلى باحةِ المطلقِ المتهلِّلِ؛
آه ... وأني أَودُّ الدُّخولا ".

فَهَلْ تأْذنينَ يا سَيِّدَتي ؟







حِيْنَ خَلَعْتُ جَسَدِي ؟!

قَالَ الرَّائيُّ وقَدْ مسَّهُ سِحرٌ مِنْ صَفوةِ الإلهَام:
لاْ تَصْرِفْ وجهَكَ عَنِ الحُبِّ التُّرابِيِّ
مَا دامَ الحُبُّ التُّرابيُّ سيرفَعُكَ إلىَ الذَّاتِ الإلهيَّة.


شِتاءٌ خريفيُّ الشِّتاء
غِطاءُ الوِحْدَةِ يُرتِّبُ فوضَى النِّداء
وَعَتْمَةٌ كونيةٌ تنحَنِي للبَحْرِ
حِينَ ينقضُّ المساءُ عليكَ
لَو ذابَ فائضُ الحزنِ فِي داخِلي
لاَحْتَشَدَتْ لذاكِرَتي السَّماء!
فَاذهَبي قليلاً أَيَّتُها الرَّغوةُ مِنْ دَمِي
كَيْ نَلمِسَ الجرحَ ونصبُو للفَضاء.







قُلْتُ:

لِلشِّفاءِ مِنَ الذَّاكرةِ
سَيبقَى أَديمُ الأَرضِ مفطوراً علَى الأُفقِ؛
هَذا الَّذِي يُحَمِّصُني برغبةٍ لاْ تنتهِي
وَللوَهَجِ التَّائهِ فِي بقاياهُ
مَنظرُ النَّهرِ الحَزين
يُنَقِّبُ عنِ امرأَةٍ كساهَا حَنيني غُموضاً
كَيْ ترفُو عويلَ الحمامِ
وَتنعَثُ فحمَ الكلامِ
فِي
لحَظةٍ
بَاهِظَة.








سَيَظَلُّ بابِي معطوفاً عَلى مَلقى الخرابِ
مَرْأَى العذابِ، مقهَى اكتئابِي، منأَى الغُيوبِ
وَخُطَى امرأَةٍ تَسرقُ قلْبي المعلَّقَ
فَوقَ انحباسِ الذُّهولِ
فَاحملينِي أَيتها الرُّوحُ كَما حمَلَتْكِ الخواطرُ
إِلىَ منبعِ الضُّوءِ، كشطحةٍ مارقَة.

تَنْتَهِرُ الرُّوحُ بعدمَا أَضاءها الموجُ وَاحترقتُ بهَِا
لَمْ أَخلعْ جسدِي بعدُ
هُنا أَو هناكَ نجمةٌ شاردةٌ تنتظِرُني
تُرجِىءُ الوقتَ فِي مدارِي
تَتقاسمُ حُزني
تَلُفُّ وحشةَ لَيلِي
وَتمضِي نحوَ الفصولِ ولعنَتِها الفاضحَة.







تَقبعُ فِي لوعَتِكَ الآنَ وحيداً
يُطاردُكَ برقُ الكَلماتِ
وَمَا تحملُ الرِّيحُ منَ الشَّهواتِ
تَرَى انعطافَ الانعطافِ، تَصدحُ الأَنهارُ، تَنِزُّ
تهَطلُ الظِّلالُ ملامحَ امرأَةٍ تعتليكَ
امْرأَةٍ كلَّما صادفتُها فرَّت عَنِ الأَبصارِ.

تَفتحُ مِشكاةَ اللَّيلِ نافذةً للوحشةِ
تَضيعُ فِي الضَّياعِ
تُغادركَ ذائقةُ الأَلوانِ عاريةً
مُذْ غابَ الدَّليلُ
تَتحسَّسُ تقاطيعَ وجهِكَ المسكونِ بالأَسرارِ
وَفوضَى ظنونِكَ الَّتي تفوحُ
كَرائحةِ الغَمامِ







وَتَسأَلُ:
مِن أَيِّ مجازٍ ينبعثُ العشقُ الأَبديُّ، ويسيلُ
لِيَهمي فوقَ الأَعماقِ فَراشاً وَقنادِيل؟
لَكنَّ العاشقَ، تماهَى فِي مرآةِ صورَتِهِ
وَحلَّقَ فِي البَياض.

عَلَى مجرَى الدُّخانِ
يَتهاوَى حائطُ انتشارِكَ الموقوتُ
تَرتطمُ بعوسجةِ انبهارِكَ فِي اتجاهِ الصَّدَى
تُشْعِلُكَ الشَّهوةُ فِي بلادٍ تشتهِي الماءَ
يَا ظِلالي الَّتي تسيرُ
عَلَى الماءِ ..
سُـــدَى!.








يُدرِكُكَ الزَّمنُ الطَّارىءُ
يَخْطُفُكَ الوداعُ الأَخيرُ
يَنْكُثُكَ الوعدُ
وَتصرخُ:
يَا قُربانَ الحلمِ
يَا نُسْغَ الأَماني المزمِنَة
يَا وطنَ المراثِي
يَا طعمَ الخريفِ وكُنْهَ المجاهلِ
لَكنَّ
الصَّرخاتِ
تَضيعُ
هَباء.









مُستسلِماً للتَّداعِي، حَافياً كَالحلمِ
يُبلِِّلُني الوصلُ فِي اختلاطِ الأَزمنَة
تُطيعُ خطايَّ مصطبةَ الظَّلامِ
تَقضِمُ الأَملَ فِي سِرِّ الفناءِ
تَرسُمُ تحوُّلاتِ الغيبِ
تَشُمُّ اهتزازَ النَّوَى
يَرْتَبِكُ اللَّيلُ، يَلهثُ فيَّ الجوَى
تَستيقظُ شعلةُ ذاكرَتي، تتربَّصُ بِي
كَالجمرِ المتطايرِ فِي حضرةِ الشُّهُبِ
تَرصُدُني الأَحلامُ، تُـوقِـدُنِـي
تمَلأُ ثقوبَ الذَّاكرة
لَكنَّ الأَغاني
رَمتني فِي اللَّيالي الغابِرَة.








رُويداً رُويداً،
تَقتحِمُ أَنايَ رائحةَ الوجدِ المتشاوفِ
يَنتابُني طقسٌ بهيمٌ
يُؤثِّثُ فِي طياتهِ فصلَ الإيابِ
هُوَ الموتُ يجوبُ حواكيرَ روحِي
وَيهفُو علَى نَشيجي فِي ارْتعاشِ
فَلتأذنْ ليْ رُوحي حَتىَّ أَجهشَ بالرُّؤى؛
قَدْ تَخمشُ الكلماتُ حَدْساً
مِنْ
لَذَّةِ
الأَلمِ.










كَزَهْوِ المجاهدِ علَى ضفةِ الملحِ
أُعلِّقُ صوتي علَى الرَّجعِ الأَخيرِ
مَاذَا يقولُ صدايَ لقلبِي المكبَّلِ:
يَا أَكثرَ الأَبعادِ شُحوباً!
كَيفَ يَكتملُ الصُّعودُ؟
يُدهشكَ الهواءُ كحلمٍ ببالِ الرِّياحِ
وَلونٍ كمَرْسَى الضَّجَر
لاْ شارعُ الأَشواقِ يُغريكَ
وَلاْ شهقاتُ النَّفسِ تُلغيكَ
فَلِماذا التَّأَوُّهُ؟
وَنارُكَ المعدنيَّةُ
تَنهضُ فِي معاطِفِهَا
الرُّعودُ.








لاْ أَكثرَ مِن دَعْسَةِ ضوءٍ يَبُسَتْ
فِي الأَرضِ البُورِ أَنا!
لاْ اللاَّهوتُ ولاْ النَّاسوتُ أَنا
لَكنِّي بحكمِ الذَّاتِ سأَفنى عنْ فَنائي؛
وَمَا تَطابُقُ الرَّائيُّ عنْ شَكٍ
سِوَى غيبةٍ قدْ تئوبُ...
قَالهَا،
وَاختفَى حينمَا وضعَ التَّأَمُّلَ بينَ كفَّيهِ
وَحاولَ
أَنْ
َيطــــير.










وَما زالَ فِي العُمْرِ متَّسعٌ للتَّخيُّلِ
لَحظةَ أُدركُ فيهَا مَا توارَى مِنْ حياتِي
لِلتَّجلِّي صَبوةُ العشقِ المؤجَّلِ
تُؤْرِقُ جُرْفَ الحواسِ،
تَثِبُ الحواسُ، تَصطلي بلهيبِهَا
تَتجمهرُ الأَشواقُ، يُشعِلُها اتِّقادِي
كُلَّما
أَوغلتُ
بحثاً
فِي
مَواجيدِ
الغـِـــــــــــيَابِ.









لاْ شيءَ يَفُضُّ مهجَعَك
سِوى نورِ هذَا الحقِّ يخترقُ الضَّباب
لَكَ شرعيةُ الحلمِ المكابِرِ
مُذْ عادَ الدَّليلُ مِنَ السَّبيلِ إلى الخلاصِ
فَكيفَ السَّبيلُ إلى الخلاصِ؟
فِي اختلاطِ هواجسِ الايحاءِ بالذِّكرَى
فَلتواصلْ موتَكَ المائيَّ
حَتىَّ الهزيعِ الأَخيرِ
كَنجمٍ
هَاربٍ
مِنْ
دُفقةِ
اللَّهَبِ.








عِطرٌ أَقلُّ تَشْحَنُهُ جسورُ الذَّاكرَة
رَتابةُ رائحةٍ تهبُّ، توقظُ نشوةً جامحَة
كُلُّ شَطْحٍ يُثِيرُ خَطْرَةَ الإشراقِ فِي هذَا المَكان
كُلُّ كشفٍ لجوهرِ الأَشياءِ صِنْوٌ للزَّمان
لَكنَّ المكانَ يَفِرُّ كالرُّؤيا وينهزمُ الزَّمان.

كَهيامِ الصُّوفيِّ بالجمالِ المطلقِ
خَلوتُ أَنا مِنَ النَّاسوت
رَهبةُ الإيجازِ تحمِلُني صوبَ الإقْلاع
كَشفٌ هائلٌ يُملِي عليَّ سديمَهُ
دَلائلُ الهجرانِ تَبْزُغُ مِنَ الذِّهنِ السَّبوح
يَعُمُّ الجَّهرُ، تَتَّحِدُ الأَلبابُ مِنْ سَطوةِ الذِّكرِ
وَرِعشةِ الحَيران..








تَشْعرُ بالتَّلاشي فِي غيبوبةِ العشقِ
تَهْجُسُ بالهَذَيان:
حَاضراً، غائباً كنتُ،
يَا كُلَّ كُلِّي وكُلُّ الكُلِّ فِي الكُلِّ..

قُلتُ: مَنْ أَنْتَ؟
قَالَ : أَنْتَ...!
وَكانَ الفتحُ وانكشفَ الغِطاء!
قَالَ: مَنْ أَنْتَ؟
- حَدَّقْتُ فِي رُوحِي لأَسْقُفَ الإغلاقَ بالتَّأْويلِ
وَقلتُ: أَنا أَنْتَ!
قَالَ: مَا هَذا الكلامُ؟
فَقلتُ: سلامٌ عليكَ، عليكَ السَّلامُ










فَقالَ:
يَا إلهَي! مَا أَنتَ إلاَّ أَنا، ومَا أَنا إلاَّكَ!
كَيفَ يُمتحنُ الإمامُ؟
فَقلتُ:
أَنا البدايةُ والحكايةُ والختامُ.

كَتَمَلُّصِ اللاَّزوردِ مِنْ غُرْبةِ الأَلوانِ
نِلْتُ نعيمَ المشاهَدَة؛
رُبما أَنتِ أَمامي هَا هُنا
لَكنَّني حتماً، هُناك !
فَاحرِقيني الآنَ عشقاً
إِنَّ حبائلَ العِرفانِ فِي الملكوتِ
تُبْعِدُ أَنكاسَ النُّكوصِ الموجِعَة.








وَيا حبيبُ،
خُذِ المعانِي خِفَّةً أَوْ خِلْسَةً
حَتىَّ أُطيلَ البحثَ فِي لغةِ النَّدَى
وَيا غريبُ،
خُذِ المنافِي حينَ تصحُو كُلَّهَا
حَتىَّ أُشَيِّعَ ظاهرِي عنْ باطِني
ثُمَّ
أَعلُو
لِلمَــدَى.












رُؤْيَا





تَصوَّرتُ يا صديقَتي
أَنَّ قراءةَ الشِّعرِ
قَد تكونُُ دهشةً أَو نزوةً أَو همسَ نَار
وَتصوَّرتُ يا جميلَتي
أَنَّ كتابةَ الشِّعرِ
قَد تكونُ فكرةً أَو شطحةً أَو عُنفوان









وَتصوَّرتُ يا حبيبَتي
أَنَّ الأُنوثةَ
قَد تكونُ خِفَّةً فِي الكشفِ أَو رِعشةَ انبهَار
وَتصوَّرتُ يا أَميرَتي
أَنَّ وصلَكِ الوحشيَّ
قَد يكونُ نزعةً أَو جُرعةً أَو كَهرمان
وَتصوَّرتُ أَنَّ الحزنَ غاليَتي
وَطَنٌ ككلِّ المرايَا وكُلِّ البِحار
وَتصوَّرتُ يا قاتِلَتي
أَنَّ الموتَ ملتحفٌ
بِكلِّ أَسبابِ البلوغِ؛ وقدْ
يُكْمِلُ النُّقصان!









وَتصوَّرتُ أَنَّ العشقَ مُلهِمَتي، لغةٌ
تَأْتي دُفْقَةً واحدةً دونَ انتظَار
وَتصوَّرتُ أَنَّ الحلمَ سيِّدتي
هَجْسٌ غابرٌ لاْ يكفُّ عنِ الدَّوران
وَأَنَّ الرُّوحَ وأَنَّ الجسدَ فاتنَتي
نَايٌ عَلى شَغَفِ النَّهار
وَلكنِّي مَا تصوَّرتُ يوماً
أَنَّ رحيلَكِ السَّرمديَّ
سَيُلغي المكانَ ويُنهي الزَّمان
وَأَنَّ صُعودي نحوَ هاوِيَتي
سَيَحظى بهِ الحبُّ
وَلو كانَ
انتحَـــار!.









صدر للشّاعر

الأَعمال الشِّعريَّة:


1. الموجة عودة 1989 دار الأسوار للثقافة الفلسطينية - عكا
2. بين فراشتين 1999 المؤسسة العربية الحديثة - القدس
3. ذاكرة الحواس 2001 المؤسسة العربية الحديثة - القدس
4.طقوس التَّوحد 2004 دار الأسوار للثقافة الفلسطينية - عكا
5.هجرة الأشواق العارية. 2008 دار الأسوار للثقافة الفلسطينية - عكا


الأَعمال النَّثريَّة:


1. تأمُّلات 1992 النهضة للنشر والتوزيع – الناصرة
2. مساء ضيّق 1995 أبو رحمون للطباعة والنشر - عكا
3. شطحات 1998 منشورات البطوف - حيفا


Muein_shalabeya@hotmail.com
Muein_shalabeya@yahoo.com

0097246781092
00972522694581

04-6781092
052-2694581