المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كتاب جديد يفكك اشكالية مفهوم المجتمع المدني



نادية أبو زاهر
06/08/2008, 10:39 AM
لقاء مع دينمو و فراشة النورفي هيئة تحرير حيفا- الباحثة ناديا أبو زاهر
أبو زاهرلـــ( ح )ـــيفا لنا : كتابي يفكك إشكالية مفهوم المجتمع المدني ويوضح أسباب الافتتان بهذا المصطلح
حوار: مهند صلاحات



كتاب جديد صدر مؤخرا عن مؤسسة مواطن لدراسة الديمقراطية وحقوق الإنسان في فلسطين، سعت خلاله مؤلفته نادية أبو زاهر البحث في واحد من أكثر المفاهيم الخلافية بين الكتّاب. تغوص الكاتبة من خلال هذا الكتاب في أعماق فوضى معاني مفهوم المجتمع المدني، في محاولة اعتبرها البعض الأولى من نوعها لتفكيك إشكالية هذا المفهوم. تبدأ الكاتبة بتقديم لمحة تاريخية حول نشأته. ثم تتدرج بالجدل حوله من خلال ثلاث حلقات منطلقة من الحلقة العالمية تليها العربية وتنتهي بالفلسطينية. تتناول الباحثة خلال الحلقة العالمية توظيف المجتمع المدني لخدمة أهداف مختلفة متعلقة بدور الدولة والاقتصاد كذلك توظيفه لخدمة مشاريع "عولمية" و"عالمية". إضافة إلى فوضى استخدام المصطلحات التي يتم استخدامها بشكل مرادف لمفهوم المجتمع المدني، ثم تعالج أسباب التوظيف الحكومي للمجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية. أما في الحلقة العربية فتبحث الكاتبة في الجدل حول المجتمع المدني من حيث ارتباطه بالديمقراطية وتوظيفه لخدمة أهداف ومشاريع متعلقة بأغراض أيديولوجية. لتصل أخيرا إلى الحلقة الفلسطينية، وفي النقاش الفلسطيني حول الموضوع توضح الكاتبة أن هناك خصوصية للحالة الفلسطينية بالنسبة للمجتمع المدني تجعل من النقاش حول الموضوع في ساحة النقاش الفلسطينية فريدا من نوعه. لمعرفة المزيد حول كتابها: "المجتمع المدني بين الوصفي والمعياري: تفكيك إشكالية المفهوم وفوضى المعاني" كان لنا الحوار التالي مع مؤلفته.

* يحمل الشق الأول من عنوان كتابك: "المجتمع المدني بين الوصفي والمعياري" ماذا تقصدين "بالوصفي" و"المعياري" فيما يتعلق بمفهوم المجتمع المدني؟


ناديا أبو زاهر الوصفي Descriptive المقصود به وصف شيء قائم أو موجود، سواء أكان هذا الوصف لنوع من التركيب المجتمعي القائم أو نمط معين من أنماط السلوك المجتمعي المتفق عليه أو غير ذلك، فاستحالة القيام بوصف شيء غير قائم أو غير موجود. لكن المعياري Normative يقصد به المقياس أو المعيار الذي نقيس بناء عليه الأمور، ويُحدد ما ينبغي أن تكون عليه الأشياء أو كيف ينبغي أن يتم تقييم الأمور ولا يستند إلى وصف شيء موجود أصلا وإنما يحدد ما ينبغي أن يكون عليه هذا الشيء لذلك هو مثالي أكثر من كونه واقعي أو حقيقي. فهناك هوّة واسعة بين ما هو كائن وبين ما يجب أن يكون من ناحية منطقية، بمعنى أنه لا يتبع ضرورة أن ما هو كائن هو ما يجب أن يكون. وعند الحديث عن مفهوم المجتمع المدني لا نجد بأنه يصف نوعا قائما من التركيب المجتمعي الموجود أو نمطا معينا للسلوك المجتمعي الموجود وإنما يتم تحديد ما ينبغي أن يُقصد به المفهوم وتحديد مكوناته والشروط التي ينبغي أو لا ينبغي توفرها لوجوده وتحديد ما ينبغي أن يكون عليه دوره استنادا إلى معيار أو مقياس. وهذا المقياس أو المعيار غالبا ما يكون موجود في ذهن كل كاتب، يحدد الكاتب بناء على هذا المعيار ما ينبغي أن يكون عليه مفهوم المجتمع المدني ويحدد ما تنبغي أن تكون عليه الشروط التي ينبغي توفرها أو عدم توفرها لوجوده وما هي المكونات التي ينبغي أن تكون ضمنه وأيها الأكثر أهمية من غيرها. ويختلف المقياس أو المعيار من كاتب لآخر تبعا لاختلاف الهدف الذي يوظف فيه الكاتب مفهوم المجتمع المدني الذي يسعى لتحقيقه من خلاله. وتنوع الأهداف و"المشاريع" سواء المعلنة أو غير المعلنة التي يسعى الكتّاب إلى تحقيقها باستخدام المجتمع المدني يؤدي إلى فوضى في معاني المفهوم. لأنهم يقررون بالاستناد للمعيار الموجود في أذهانهم ما ينبغي أو لا ينبغي أن يكون عليه المفهوم وشروطه ومكوناته ودوره.

* تشيرين إلى أنه يصعب التأريخ لمفهوم المجتمع المدني لكنك مع ذلك تضعين مراحل تبينين خلالها المراحل التي مرّ بها المفهوم كيف تفسرين ذلك؟


ناديا أبو زاهر أود أن أوضح هنا أن الحديث عن المراحل التي مرّ بها المفهوم أمر، والحديث عن المراحل التي مرّ بها استخدام مفهوم المجتمع المدني أمر آخر، ما حاولت الإشارة إليه في بداية كتابي كان عبارة عن توضيح كيف تطور استخدام مفهوم المجتمع المدني عبر مراحل مختلفة، وركزت تحديدا على توضيح كيف استخدمه فلاسفة ومفكرون ساهموا في التأصيل لمفهوم المجتمع المدني، ولا يعني أن أسماء الفلاسفة والمفكرين الذين ذكرتهم في كتابي هم فقط من ساهموا في التأصيل لمفهوم المجتمع المدني، فهناك العديد من الكتّاب والفلاسفة الذين كان لهم دور واضح على تطو ر استخدامه لكنني لم أتناولهم، وذلك لاعتقادي بأن هناك عدد من الفلاسفة كان لهم أثرا على تطور استخدام المفهوم أكثر من غيرهم من وجهة نظري. فالحديث عن تأريخ المفهوم لا يعني بأننا نستطيع الإحاطة الشاملة بكل المقتضيات المعرفية والتاريخية التي ارتبط بها، فهي غاية يصعب أن تقوم بها دراسة واحدة أو باحث بمفرده، لكنني سعيت لرصد أبرز مراحل تطور استخداماته والتي حاولت أن أضعها من منظور جديد. فرغم أن هناك دراسات كثيرة عالجت نشأة المفهوم، إلا أن ما يجعل ما قمت به لمعالجة تطور نشأة المفهوم مختلفة عن غيرها، أنها تعالج كيف استخدمه الفلاسفة والمفكرون بطرق مختلفة بما يتناسب مع حاجة المرحلة التاريخية التي عاصرها كل منهم.

* تتحدثين عن فوضى في معاني مفهوم المجتمع المدني من حيث الخلاف بين الكتّاب حول تحديد المقصود به أو مكوناته وشروطه ودوره، وأنه مفهوم ملتبس أو غامض أو زئبقي، واختلاف الكتّاب حول مفهوم المجتمع المدني هو أمر معروف وسنجد أكوام من الكتب والمقالات والدراسات التي تبحث في مفهوم المجتمع المدني والخلاف حوله، باعتقادك ما الجديد الذي أضافه كتابك عن هذه الكومة الكبيرة من الكتب والدراسات والأبحاث التي تناولت الموضوع؟


ناديا أبو زاهر يتضح لمن اطلع على الأدبيات الوفيرة حول المجتمع المدني أنه يندر وجود محاولات لسبر عمق الجدل المحيط بهذا المفهوم رغم وجود هذا الكم الهائل الذي أشرت إليه من الدراسات التي تناولت المفهوم والعديد من الإشارات التي تظهر بأنه مفهوما "غامضا"، أو"ملتبسا"، أو أنه يستخدم لأغراض متنوعة. لكن المشكلة بأن هذا الكم الهائل لا يبحث في سبب هذا الغموض أو الالتباس أو محاولة توضيح أسباب هذا الخلاف. وفي الواقع إنه لأمر محير ومثير للتساؤل كيف أن مفهوما بهذا الشيوع والانتشار ما زال "ملتبسا" ومتعدد المعاني والدلالات، وكيف أنه لا توجد دراسات تفصيلية ومنتظمة (systematic) تعالج هذا الجانب الواضح والمبهم في نفس الوقت. لذا لقد سعيت من خلال كتابي لتعبئة هذا النقص بالذات، كذلك سعيت لإلقاء الضوء على "المشاريع" المختلفة التي ترفع "شعار" المجتمع المدني في الكتابات المعاصرة، وتوضيح أسباب الافتتان بهذا المصطلح.

كما أن الغالبية العظمى من الدراسات التي تبحث في مفهوم المجتمع المدني تحمل أطروحات محددة أو رؤية معينة حول ما ينبغي أن يعنيه، فكل دراسة تحاول أن تثبت وجهة نظرها المتعلقة بالمجتمع المدني، أو بما تفترض بأنه ينبغي أن يكون عليه. وبالتالي فإن غالبية هذه الدراسات كانت تخوض في النقاش الدائر حوله أو تنحاز لموقف معين دون آخر، أو تحاول الدفاع عن تعريف معين للمجتمع المدني دون غيره. لكنني ومن خلال كتابي لم أنحاز لموقف معين من المجتمع المدني أو لرأي محدد دون آخر، ولم أسعى لإعطاء تعريف جديد للمجتمع المدني أو الدفاع عن إحدى التعريفات الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى للمفهوم، وإنما سعيت إلى توضيح السبب الكامن وراء هذه الفوضى وهذا الجدل. بسبب الحاجة إلى ذلك في وقت يتعمق فيه الاختلاف حوله عالميا وعربيا وفلسطينيا، ويزداد غموضه، ولأنه واحد من أهم القضايا المطروحة والتي يتم النقاش حولها. لذلك سيشكل كتابي-على عكس الدراسات الأخرى التي تناولت المفهوم وتقع فريسة سهلة للخوض في غمار الجدل، وأحيانا تعمقه بدل أن تساهم في تحليل أسباب الجدل حول المفهوم وفوضى معانيه- محاولة جديدة لفهم السبب الكامن وراء الاختلاف حوله وحول فوضى معانيه بشكل موضوعي غير منحاز، وهذا من شأنه أن يؤدي في المستقبل لمعالجات موضوعية أكثر للمجتمع المدني وأكثر فهما لأسباب الجدل حوله. ولأسباب غير واضحة، لم أجد خلال مراجعتي لكثير من الأدبيات في اللغتين العربية والإنجليزية معالجة مثل هذه للموضوع، وبهذا من الممكن أن يحدث كتابي إسهاما جديدا للمكتبة العربية وربما أيضا لمكتبات أخرى.

* ماذا تقصدين بقولك إسهاما لمكتبات أخرى؟


ناديا أبو زاهر خلال فترة قصيرة منذ أن صدر كتابي منذ مدة قريبة جدا، تلقيت عرضا بترجمته إلى الفرنسية، وهو ما اعتبره إنجازا حققه الكتاب خلال مدة وجيزة جدا منذ صدوره، وأتمنى فعلا أن يتم ترجمته إلى أكثر من لغة. لكن في المرحلة الحالية لم أتوقع أن يلقى كتابي كل هذا الصدى من الإقبال عليه، فمؤخرا تلقيت عرضا جديدا لإعادة نشره وهذه المرة سينشر ليس داخل فلسطين وإنما في دولة عربية.

* تتوصلين في كتابك إلى أن تعدد "المشاريع" أو الأهداف أو "جداول أعمال" المختلفة التي يتم توظيف أو استخدام مفهوم المجتمع المدني لتحقيقها هو السبب الكامن وراء فوضى معاني المفهوم، كيف ينعكس برأيك تعدد المشاريع على تحديد المقصود بالمجتمع المدني؟


ناديا أبو زاهر لا يمكن تحديد ما هو المقصود "بالمجتمع المدني" دون معرفة أغراض الكاتب أو أهدافه من استخدامه لهذا المصطلح. فالمجتمع المدني مفهوم يختلف الكتّاب حول تعريفه، وتم استخدامه لتحقيق أهداف مختلفة، وباختلاف استخداماته اختلفت تعريفاته، وكلما زاد استخدامه لخدمة أهداف مختلفة زادت الفوضى حول تحديد المقصود به. وربما أن هذا ما عبّر عنه الكاتب Benjamin Bart عندما قال: "كلما ازداد استعمال مفهوم المجتمع المدني في السنوات الأخيرة، يقلّ فهمه". أو ما أشار إليه الكاتب Paul Wapner عندما عرّفه على أنه: "يمثل الحقل الذي يُؤدّي العديد من الوظائف". فالمجتمع المدني كما سبق وأوضحت مصطلحا "معياريا" Normative أي يحدد الكاتب ما هو المقصود به بناء على معيار أو مقياس موجود في ذهنه يقرر على أساسه ما ينبغي أو لا ينبغي أن يكون عليه تعريف المفهوم وما هي مكوناته ومقوماته ودوره. وهو ليس مصطلحا وصفيا Descriptive لنوع خاص من التركيب المجتمعي القائم، أو نمط لسلوك مجتمعي معين، أم نموذجا لما ينبغي أن يكون عليه المجتمع المدني.

* تربطين في كتابك بين كيفية توظيف مفهوم المجتمع المدني لتحقيق أهداف مختلفة ووجود خصوصية للجدل حوله تبعا لكل منطقة أو حالة يتم فيها مناقشة مفهوم المجتمع المدني كيف تفسرين هذا الربط؟


ناديا أبو زاهر مفهوم المجتمع المدني يتم توظيفه لخدمة أهداف مختلفة يصعب حصرها هنا، وهذا التوظيف يتأثر بخصوصية منطقة ما من المناطق التي يتم مناقشة مفهوم المجتمع المدني فيها. فخصوصية المجتمعات ذات التقدم الحضري وحاجتها من توظيف المجتمع المدني تجعل من الجدل حوله يختلف أحيانا عن غيره من المجتمعات النامية، وتحديدا على المستوى العربي. لأن حاجة المجتمعات العربية وكذلك حاجة كتّابها من توظيف المفهوم تختلف عن حاجة المجتمعات المتقدمة ومفكريها من توظيفه. فنجد غالبا أن الكتّاب العرب يركزون نقاشهم حول المجتمع المدني من حيث علاقته بالديمقراطية تبعا من لخصوصية مجتمعاتهم العربية وحاجتها إلى الديمقراطية والتخلص من الأنظمة الشمولية والسلطوية. بينما لا يحتاج الكتّاب في المجتمعات المتقدمة إلى استخدامه من أجل التحول الديمقراطي كما هو الحال بالنسبة للمجتمعات العربية. ونفس الشيء بالنسبة للنقاش الذي نلمسه. كذلك يركزون نقاشهم حول ارتباط المفهوم بالعلمانية، من حيث اشتراط العلمانية لوجود المجتمع المدني أم عدم اشتراطها، وكيف يختلفون حول التمييز أو عدم التمييز بين المجتمع "المدني" و"الأهلي"، فيتم استخدامه لخدمة أهداف متعلقة بأغراض دينية. وهذا النوع من الجدل غالبا ما نجده في المناقشات الفكرية الإسلامية والعربية أكثر مما نجده في مناقشات عالمية أخرى، بسبب خصوصية المجتمعات الإسلامية والعربية من حيث وضع الدين الإسلامي في تلك المجتمعات. وإذا ما انتقلنا إلى النقاش الدائر بين الكتّاب الفلسطينيين سنلحظ وجود نوع من الجدل الدائر حول اشتراط الدولة لوجود مجتمع مدني فلسطيني أم عدم اشتراط ذلك لا نلحظه في أي منطقة من المناطق الأخرى في العالم وذلك بسبب خصوصية الحالة الفلسطينية المرتبطة بتطور المجتمع الفلسطيني دون أن يكون له دولة سيادية معترف بها كغيره من دول العالم، وفي الوقت نفسه وجود سلطة فلسطينية معترف بها، تتكون من السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية والتي تعتمد ماليا لاستمرار وجودها على المساعدات الدولية المشروطة. وفي نفس الوقت وجود سلطة الاحتلال الإسرائيلي على أرضه رغم وجود السلطة الفلسطينية المعترف.

*أسرة حيفا لنا تتمنى للزميلة ناديا المزيد من العطاءات وتبارك لها هذا الانجاز الرائع.

معاذ أبو الهيجاء
18/09/2008, 10:48 AM
الحمد لله رب العالمين و نشكره على توفيقه لأختي ناديا في بحثها هذا فقد رافقته منذ البداية و الحمد لله أنه حقق نجاح ، و كيف لا وقد بذلت أختنا ناديا جهود جبارة في الكتاب يستحق أن يكون رسالة دكتواره مع مرتبة الشرف الأولى ، فكانت هذه الدراسة فريدة من نوعها دقيقة في التعامل مع المراجع غزيرة المعرفة ...............

أخوك معاذ

نادية أبو زاهر
23/09/2008, 09:53 AM
شكرا لك أخي معاذ، هذا من حسن ذوقك، وأتمنى أن اكون عند حسن ظنكم بي دوما.