المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بمليون الأول.. ماذا ستشتري؟



خالد صافي
07/08/2008, 12:19 PM
بمليونك الأول.. ماذا ستشتري؟

خالد صافي - غزة



قالوا: "ربحت المليون.. فماذا ستشتري؟"
- اممم.. المليون؟!..يا إلهي.. رقمٌ ضخم، سأحققُ ما حلمتُ به منذ صِغري، وربما أحلامَ أترابي وجيراني، سأجهزُ القائمةَ الآن.. كلُّ ما حلمتُ به في حياتي، والبدايةُ ستكون يومَ أن عرفتَ كم إصبعاً مضى من سنواتِ عُمري، أيامَ كنتُ أركنُ كثيراً إلى كنفِ جدّي، وأُمضي في ظِلِّه جُلَّ وقتي، نعم من هناك سأبدأ..
عرفتُ ما ينقصني.. أيقنتُ الأجملَ على قائمتي وسأطلبُ من المليونِ أن يبتاعَه لي.

أذكرهُ ذاك المكانُ جيداً، بالنسبةِ لقامتي كانَ الأقربَ للسماءِ السوداء، بما فيها من حِلى متناثرةٌ بعشوائيةٍ منتظمةٍ، هناك فوق سطحِ بيتِنا، حين لامستْ أناملي لأول مرةٍ نسماتِ ليلةٍ خريفيةٍ فيها يربضُ وجهُ القمرِ فوقَ رأسِ جدّي، ويتوارى نصفُه حين يومئُ الأخيرُ برأسهِ في صعودِه وهبوطِه، جدّي جالسٌ على كرسيٍّ صغيرٍ أمامَ محمصٍ للقمحِ، يُديرُ عجلتَه ليتقلبَ البرميلُ فوقَ نارٍ تُغذّي جدّتي أُتونَها بمزيدٍ من الورقِ المُقوّى والخشب، جدّتي تفترشُ الأرضَ كعادتِها وأنا أستكشفُ الأرجاءَ على غير العادة، أراني وقتها وَجِلاً في الظلام الخافتِ أخطو لركنٍ مظلمٍ أجمعُ وُريقاتٍ تثبتُ أهليّتي للعمل، وقدرتي على العطاء والمشاركةِ في هذه المنظومةِ البنّاءة، ولربما حظيتُ لاحقاً بعضاً من النارِ أداعبُ اللهبَ في مكان قصيّ، يُخيفني اللونُ الأسودُ في غدوّي لتلك الزاويةِ بعيداً عن دائرةِ الضوءِ والحبِّ، لكن عزائي أنني سأرى نورَ جدي بلباسِه الأبيض في كل أوْبةٍ، تشعُ منه روحُ التفاني بديمومةِ حركتِه وهو يديرُ عصا الدولاب المعكوفة، فترشدني حباتُ القمح لبقعةِ الحنان بنغماتِها وهي تتقلبُ فوق النار، ما من موسيقى تجرؤُ على منافسةِ وقْع هذه الألحانِ في أذني، أجمعُ لهما متطوعاً حطباً، ولي متخفياً أعوادَ خشبٍ أشاكسُ بها النار في غفلةٍ منهما.

الإضاءةُ الصفراء من المصباحِ المتهالكِ، تتآمرُ مع قُشَعْرِيرةُ النسماتِ الباردةِ في الأجواءِ لتغريني بالخلود إلى حضنِ جدتي، بعد رغيفٍ مُحمّص حتى اللهب، وشلالِ زيتٍ غزير وزعتر وفير، ومزيدٍ من الكِشك الأبيض المهروسِ مع فلفل أخضر وجَرادةٍ صفراء طازجة، كله مع وجبةٍ دسمةٍ من ابتساماتِه وهَدهداتِها..
هي تفرشُ سجادةَ الصلاة إلى جنبهاً، تُكوم جسدي الصغيرَ فوقها، تُوسّدني فخذَها، وبيسراها وبعضٍ من ثيابها تُغطيني، مازالت يُمناها تشحن الموقدَ بالحطب، وابتسامةُ جدي تدب الدفءَ في أوصالي، من وكري تحت ذراعِ جدتي يشع نورها في وجهي إذ أراها..

أتمعنُ وجهَهُ الذي يأبى الظهورَ إلا والقمر جواره، فكلما اقتربَ جدي برأسه أماماً خطَّ القمرُ حولَه هالةً فلا تبدو ملامحَ أيٍّ منهما، بدأتُ في العدِّ، مرةً ظهرَ جدي بملامحَ يُضفي العرقُ عليها بريقاً تشمُّ عبقه رغم حلكة الليل، مرة اختفى القمر وازدادتْ أنفاسي عمقاً، مرة ظهرَ وجه جدي أكبر، مرة أخرى اختفى القمرُ وهَمدتْ حركتي واستكانتْ جُفوني، مرة ظهرَ وجهُ جدي يمدُ ذراعيْه مبتسماً، مرة ثالثة اختفى القمر وعمَّ الأرجاءَ ظلامٌ..
و..
فتحتُ عينيّ، لم يكن جدي هناك، ولم أرَ القمر..
أين القمحَ والدولاب؟ أين المصباحَ وحضن جدتي؟
انزوتْ وتوارتْ.. سبحان من جعلَ السنين ثواني.

المليون؟.. سأشتري الآن قمحاً
ودولاباً يعملُ بالحطب
ومصباحاً يتهالك الضوءُ فيه للأبد
سأشتري بنصف المليون بيتنا وأجعل سطحَه للسماءِ أقرب
أعد النجومَ وأرقبُ وجهَ جدي مع اكتمالِ القمر..

ساءلتُ الأزهارَ والألحانَ والخلقَ كلهمُ عن ابتسامةِ جدي
فوقَ سطحِ بيتي
في وطني فلسطين..
كيف بمليوني كله سأشتريها؟

د- صلاح الدين محمد ابوالرب
09/08/2008, 01:11 PM
الفاضل خالد صافي
ليست مشكلة كبيرة ان تبحث عن شىء تشتريه بمليونك لاول
لكن السؤال المهم هل فعل اصحاب الملايين بمليونهم الاول ما كانوا يحلمون به.....؟