يوسف أحمد
12/08/2008, 08:29 PM
إلى أين يا درويش
شعر: يوسف أحمد - فلسطين
هو الموتُ في كفّ القضاءِ نَوازلُهْ = فلا هو مُنحازٌ ولا مَا يُشاغِلُهْ
نُشيحُ بوجه الكِبْر عنه فننحني = تُجرجُرنا للقبر يوما سلاسِلُهْ
فهذي المنايا في الرّحاب طوائفٌ = يموتُ بها المفضولُ قدْرا وفاضلُهْ
ولله أمرُ العمرِ قبلَ مجيئِها = ولله أمرُ العمرِ حين تُعاجِلُه
تُكفّن هذا في ثيابِ صديقِه = وتَدْفنُ هذا في مكانٍ يُزَايِلُه
فلا الظالمُ الجبّارُ ينجو بظلمِهِ = ولا النازحُ المَنْفِيُّ تُجْدي رواحِلُه
ولا الناثرُ المُفْتَنُّ يحميه فنُّهُ = ولا الشّاعر النِّحريرُ تَحمي مَحافِلُهْ
فسبحانَ ربّي إذ طواكَ قضاؤه = وما زال في قلبي الجريح تَساؤُلُه
إلى أين يا درويشُ والأفْقُ مُثْخَنٌ = وقلبُ الرؤى المفطورُ ينـزفُ سائـله
إلى أين والأحلامُ في الأسْر كلما = تنفّسَ بابُ السِّجْن ضاقتْ مفاصِلُهْ
إلى أين لا حيفا تُضاحكُها المنى = ولا بحرُها الفيّاضُ يبسِمُ ساحلُهْ
ولا الكرملُ المحزونُ حجّتْ طيورُه = إلى مسجدِ الروحِ الذي ناءَ كاهلُهْ
إلى أين لا عكا تُصافحُ بحرَها = ولا "البروةُ " الشَمّاءُ منها تُغازلُه
ولا النورسُ المَنْفيُّ يشدو مُرَتِّلا = على الموجِ آيَ العَوْد والمدُّ مَاطِلُه
إلى أين لا الليمونُ يُشرقُ لونه = ولا القمحُ تَرفُو في الأمانِ سنابِلُه
ولا البرتقالُ البكرُ يتلو أريجَه = على مَفرِق الأيامِ والحزنُ قاصِلُهْ
رويدك يا درويشُ فالحُزْن طافحٌ = ونَبْعُ الأسى المَوّارُ تَغْلي مَراجِلُهْ
يُزحزحُ فجرُ القدسِ أثقالَ حزنِه = فترميه بالمـوتِ الزُّؤامِ قـنـابِلُهْ
وتَسْطو على قلب الجليــلِ مواجـعٌ = تَخِـرُّ لها أضلاعُه وخمائِلُهْ
إلى أين والمَنْفَى يَضيقُ بشعبِنا = وتَروي حكاياتِ اللجوء أرامِلُهْ
وينبتُ منا الطفلُ في رحْم شدّة = وتُلْقمه ثديَ الخيامِ غوائلُهْ
رحلْتَ إلى المَنْفى الغريب مُؤمِّلا = رحيلَ المنافي فاستطالتْ منازلُه
وعدتَ إلى الأوطانِ عودةَ آملٍ = بصبح فهُدّتْ بالصّراعِ هياكِلُهْ
لقد كنتَ كفّا للتوحّد كلما = تَفتَّقَ خَرْقٌ رحتَ تسعى تُحاوِلُه
رويدك يا درويشُ كيف تَركتَنا = وهذا الخلافُ المُرّ تنمو فسائِلُه
ترجلتَ و"الغبراءُ" تطردُ "داحسا" = وتغزو ثغورَ الحيِّ فيه قبائِلُه
ويمشي "كليبٌ" في الدّماءِ مُسِرْبلا = وفي إِثْرِهِ "الجَسّاسُ " تَسْطو مَنَاصِلُهْ
أأغراكَ بالموتِ البعيدِ تناحُرٌ = تُدَفُِّـن حـُلْـمَ الشَّعْـبِ فيه فصائِلُه
فرُحماك يا رحمنُ بالشّعب بعده = ورَحماكَ بالشّعر الذي مات صاقِلُه
طَوَتْهُ يدُ الموتِ الشديدِ بغربةٍ = ومَسّتْ سويداءَ القلوبِ رسائِلُه
وفاضتْ عيونُ القدسِ بالدمعِ حَسرةً = تُبَكّي جَمالَ الشّعْر إذ خفّ هاطِلُه
وتَرثي فتى الأوطانِ ضجّت لِموته = قوافي قريضٍ أَبْدَعَتْها أنامِلُه
وتنعى الخيالَ الخِصْبَ إذ جفّ ضَرْعُهُ = فضاقتْ له آفاقُه ومَناهِلُه
حنانَيكَ يا درويشُ كيف تهاطلتْ = بأرضِ المنافي روحُ فذ ٍّ ووابِلُه
وكيف ذوى قلبُ الغريبِ بِمِبْضَعٍ = وقد كانت الطَّعناتُ دوما تُعاجِلُه
وهل ظلَّ في الجسمِ العليلِ خليَّةٌ = بمَنأى عن السّهمِ الذي اشتطّ نابِلُهْ
تعاقبـت السّتـونَ يَنـهـشْنَ لحمَهُ = ويَمضغْنَ شعرا رَفّ فيه تفاؤُله
فبـالـلـهِ يا جـَـرّاحُ أيَّ قصيدةٍ = قرأتَ بقلبٍ أَدْمَنَ الحُزْنَ حامِلُهْ
وأيَّ معانٍ قد ذخرتَ لآجلٍ = بهذا الفتى المذبوحِ إذْ حلَّ عاجِلُهْ
وأيَّ رؤى لَمْلَمْتَ مِنْ كفِّ شِعْرِه = فهذا فتى الإنسانِ والشِّعْرُ بابلُِهْ
ويا أيها الرّاثونَ مَهلا فإنني = رأيتُ غدَ الأيامِ خُرسا بلابِلُهْ
رأيتُ حصان الشعرِ يصهلُ وحدَه = وما من حصانٍ بالأمانِ يُصاهِلُه
فهذا حِمى العِلْم الحديثِ مُحاصَرٌ = تَذِلُّ لِمِفْتاحِ الشّرورِ أنامِلُه
وتوقدُ حربا قد تبدّى سُعارها = فيشقى بها كونٌ ويعظُمُ قاتِلُه
رأيت الضحايا بالملايينِ إذ بدتْ = تُطَوّحُ بالكونِ الفسيحِ زلازِلُه
فتلك جبالُ الرّعبِ فينا تناوحتْ = وذاك السّحابُ المُرّ تدنو جحافِلُه
تنفّس أُفْقُ الكونِ مِنْ سَمّ إبرةٍ = وخِيطتْ بسُمّ القاذفاتِ غَلائِلُه
رأيتُ غرابَ البينِ ينعقُ بالأسى = وهذا الرّدى المحمومُ يُمطرُ وابِلُه
فلا القبرُ ضمّ الناسَ والموتُ دائرٌ = ولا الكَفَنُ المحمولُ يَحميهِ حامِلْه
كأني بدرويشٍ يخاطب من رثى = وتقرعُ آذانَ النعاةِ جلاجِلُهْ
أغيثوا بني الإنسانِ فالشرّ قادم = وذي الحربُ دربٌ والشعوبُ قوافِلُه
شعر: يوسف أحمد - فلسطين
هو الموتُ في كفّ القضاءِ نَوازلُهْ = فلا هو مُنحازٌ ولا مَا يُشاغِلُهْ
نُشيحُ بوجه الكِبْر عنه فننحني = تُجرجُرنا للقبر يوما سلاسِلُهْ
فهذي المنايا في الرّحاب طوائفٌ = يموتُ بها المفضولُ قدْرا وفاضلُهْ
ولله أمرُ العمرِ قبلَ مجيئِها = ولله أمرُ العمرِ حين تُعاجِلُه
تُكفّن هذا في ثيابِ صديقِه = وتَدْفنُ هذا في مكانٍ يُزَايِلُه
فلا الظالمُ الجبّارُ ينجو بظلمِهِ = ولا النازحُ المَنْفِيُّ تُجْدي رواحِلُه
ولا الناثرُ المُفْتَنُّ يحميه فنُّهُ = ولا الشّاعر النِّحريرُ تَحمي مَحافِلُهْ
فسبحانَ ربّي إذ طواكَ قضاؤه = وما زال في قلبي الجريح تَساؤُلُه
إلى أين يا درويشُ والأفْقُ مُثْخَنٌ = وقلبُ الرؤى المفطورُ ينـزفُ سائـله
إلى أين والأحلامُ في الأسْر كلما = تنفّسَ بابُ السِّجْن ضاقتْ مفاصِلُهْ
إلى أين لا حيفا تُضاحكُها المنى = ولا بحرُها الفيّاضُ يبسِمُ ساحلُهْ
ولا الكرملُ المحزونُ حجّتْ طيورُه = إلى مسجدِ الروحِ الذي ناءَ كاهلُهْ
إلى أين لا عكا تُصافحُ بحرَها = ولا "البروةُ " الشَمّاءُ منها تُغازلُه
ولا النورسُ المَنْفيُّ يشدو مُرَتِّلا = على الموجِ آيَ العَوْد والمدُّ مَاطِلُه
إلى أين لا الليمونُ يُشرقُ لونه = ولا القمحُ تَرفُو في الأمانِ سنابِلُه
ولا البرتقالُ البكرُ يتلو أريجَه = على مَفرِق الأيامِ والحزنُ قاصِلُهْ
رويدك يا درويشُ فالحُزْن طافحٌ = ونَبْعُ الأسى المَوّارُ تَغْلي مَراجِلُهْ
يُزحزحُ فجرُ القدسِ أثقالَ حزنِه = فترميه بالمـوتِ الزُّؤامِ قـنـابِلُهْ
وتَسْطو على قلب الجليــلِ مواجـعٌ = تَخِـرُّ لها أضلاعُه وخمائِلُهْ
إلى أين والمَنْفَى يَضيقُ بشعبِنا = وتَروي حكاياتِ اللجوء أرامِلُهْ
وينبتُ منا الطفلُ في رحْم شدّة = وتُلْقمه ثديَ الخيامِ غوائلُهْ
رحلْتَ إلى المَنْفى الغريب مُؤمِّلا = رحيلَ المنافي فاستطالتْ منازلُه
وعدتَ إلى الأوطانِ عودةَ آملٍ = بصبح فهُدّتْ بالصّراعِ هياكِلُهْ
لقد كنتَ كفّا للتوحّد كلما = تَفتَّقَ خَرْقٌ رحتَ تسعى تُحاوِلُه
رويدك يا درويشُ كيف تَركتَنا = وهذا الخلافُ المُرّ تنمو فسائِلُه
ترجلتَ و"الغبراءُ" تطردُ "داحسا" = وتغزو ثغورَ الحيِّ فيه قبائِلُه
ويمشي "كليبٌ" في الدّماءِ مُسِرْبلا = وفي إِثْرِهِ "الجَسّاسُ " تَسْطو مَنَاصِلُهْ
أأغراكَ بالموتِ البعيدِ تناحُرٌ = تُدَفُِّـن حـُلْـمَ الشَّعْـبِ فيه فصائِلُه
فرُحماك يا رحمنُ بالشّعب بعده = ورَحماكَ بالشّعر الذي مات صاقِلُه
طَوَتْهُ يدُ الموتِ الشديدِ بغربةٍ = ومَسّتْ سويداءَ القلوبِ رسائِلُه
وفاضتْ عيونُ القدسِ بالدمعِ حَسرةً = تُبَكّي جَمالَ الشّعْر إذ خفّ هاطِلُه
وتَرثي فتى الأوطانِ ضجّت لِموته = قوافي قريضٍ أَبْدَعَتْها أنامِلُه
وتنعى الخيالَ الخِصْبَ إذ جفّ ضَرْعُهُ = فضاقتْ له آفاقُه ومَناهِلُه
حنانَيكَ يا درويشُ كيف تهاطلتْ = بأرضِ المنافي روحُ فذ ٍّ ووابِلُه
وكيف ذوى قلبُ الغريبِ بِمِبْضَعٍ = وقد كانت الطَّعناتُ دوما تُعاجِلُه
وهل ظلَّ في الجسمِ العليلِ خليَّةٌ = بمَنأى عن السّهمِ الذي اشتطّ نابِلُهْ
تعاقبـت السّتـونَ يَنـهـشْنَ لحمَهُ = ويَمضغْنَ شعرا رَفّ فيه تفاؤُله
فبـالـلـهِ يا جـَـرّاحُ أيَّ قصيدةٍ = قرأتَ بقلبٍ أَدْمَنَ الحُزْنَ حامِلُهْ
وأيَّ معانٍ قد ذخرتَ لآجلٍ = بهذا الفتى المذبوحِ إذْ حلَّ عاجِلُهْ
وأيَّ رؤى لَمْلَمْتَ مِنْ كفِّ شِعْرِه = فهذا فتى الإنسانِ والشِّعْرُ بابلُِهْ
ويا أيها الرّاثونَ مَهلا فإنني = رأيتُ غدَ الأيامِ خُرسا بلابِلُهْ
رأيتُ حصان الشعرِ يصهلُ وحدَه = وما من حصانٍ بالأمانِ يُصاهِلُه
فهذا حِمى العِلْم الحديثِ مُحاصَرٌ = تَذِلُّ لِمِفْتاحِ الشّرورِ أنامِلُه
وتوقدُ حربا قد تبدّى سُعارها = فيشقى بها كونٌ ويعظُمُ قاتِلُه
رأيت الضحايا بالملايينِ إذ بدتْ = تُطَوّحُ بالكونِ الفسيحِ زلازِلُه
فتلك جبالُ الرّعبِ فينا تناوحتْ = وذاك السّحابُ المُرّ تدنو جحافِلُه
تنفّس أُفْقُ الكونِ مِنْ سَمّ إبرةٍ = وخِيطتْ بسُمّ القاذفاتِ غَلائِلُه
رأيتُ غرابَ البينِ ينعقُ بالأسى = وهذا الرّدى المحمومُ يُمطرُ وابِلُه
فلا القبرُ ضمّ الناسَ والموتُ دائرٌ = ولا الكَفَنُ المحمولُ يَحميهِ حامِلْه
كأني بدرويشٍ يخاطب من رثى = وتقرعُ آذانَ النعاةِ جلاجِلُهْ
أغيثوا بني الإنسانِ فالشرّ قادم = وذي الحربُ دربٌ والشعوبُ قوافِلُه