المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قراءة في فكر رموز الحداثة (العربية)



وحيد فرج
12/12/2006, 09:56 AM
قراءة في فكر رموز الحداثة (العربية)

نحاول أن تسليط الضوء على رائد من أهم رواد الحداثة ألا وهو أدونيس الذي بذل كل جهده للتربع على هذا العرش.

يعلق الأستاذ أحمد دعدوش قائلا ولد أدونيس عام 1930 في قرية نصابين في سورية باسم علي أحمد سعيد إسبر، ولكنه اتخذ لنفسه اسم أدونيس (أحد أبطال الأساطير الفينيقية) خروجا على التقاليد العربيةو تلقى دراسته الجامعية في قسم الفلسفة في جامعة دمشق ، وتوجه إلى بيروت عام 1956، وأسس مجلة مواقف عام 1968 التي أصبحت منبرا للكثير من المثقفين والأدباء من كافة أنحاء الوطن العربي، وفي عام 1985 غادر إلى باريس هروبا من الحرب. وفي رصيده عدد من الجوائز الأدبية الرفيعة، وأهمها: جائزة الشعر السوري اللبناني في منتدى الشعر الدولي في بيتسبرغ بالولايات المتحدة عام 1971، الجائزة الكبرى في بروكسل عام 1986، جائزة جان مارليو للآداب الأجنبية في فرنسا عام 1993، جائزة التاج الذهبي للشعر في مقدونيا عام 1997، جائزة ليريس بيا في إيطاليا عام 2000، وآخرها جائزة سلطان العويس في دولة الإمارات عام 2004، هذا بالإضافة إلى كونه أحد المرشحين البارزين لجائزة نوبل للآداب منذ سنوات، وما زال احتمال الفوز بها قائما حتى الآن.

تعد مجلة مواقف المنبر المهم الذي عبر من خلاله أدونيس عن منهجه الحداثي، ويمكن لكل من يريد فهم الحداثة العودة إلى أعداد هذه المجلة للوقوف على أفكارها، يقول أدونيس في افتتاحية العدد الأول: (هكذا تطمح مواقف إلى أن تكون استباقا. كل استباق إبداع. الإبداع هجوم : تدمير ما نرفضه وإقامة ما نريده) وكأن الحداثة في نظر الرجل تبدأ من الهدم قبل كل شيء.
الحداثة والمقدسات:
أما موقف الحداثة من المقدسات، والمقصود بها رموز الإسلام بالطبع فيتضح من قوله: (إنها مناخ للمجابهة، إنها فعل المجابهة، تزول في هذا الفعل هالة القداسة. لن تكون هناك موضوعات مقدسة لا يجوز بحثها..) ففي منبر الحداثة كل شيء مباح، ليس من أجل الحقيقة، فقد تم الاتفاق منذ البداية على أن كل ما هو قديم مرفوض، من أجل الهدم.. الهدم فقط وليس البناء!

وقد تبلور هذا الاتجاه فيما بعد بشكل صارخ على صفحات هذه المجلة، وانبرى الكتاب الحداثيون لإعمال معاولهم في صرح الإسلام الذي تحول لديهم إلى تراث يجب نفض أيدينا منه، يقول في العدد السادس: (( ما نطمح إليه ونعمل له كثوريين عرب هو تأسيس عصر عربي جديد . نعرف أن تأسيس عصر جديد يفترض بادئ ذي بدء الانفصال كليا عن الماضي، نعرف كذلك أن نقطة البداية في هذا الانفصال- التأسيس هي النقد: نقد الموروث ونقد ما هو سائد شائع (...) إن ماضينا عالم من الضياع في مختلف الأشكال الدينية والسياسية والثقافية والاقتصادية، إنه مملكة من الوهم والغيب تتطاول وتستمر، وهي مملكة لا تمنع الإنسان العربي من أن يجد نفسه وحسب، وإنما تمنعه كذلك من أن يصنعها)).

هكذا تكون الحداثة إذن: هدم للدين ثم إزالة له.. لماذا ؟ لأنه ضياع ووهم وغيب مستمر!!
لقد كشف الرجل عن موقفه من الدين بكل صراحة، ولم يكن ذلك إلا للإسلام، فقد حظي الدين المسيحي باحترامه، بينما لم يتعرض لليهودية بأي نقد! فلماذا الإسلام فقط يا ترى؟!

في مقارنة بسيطة مع مقولة لماركس: (نقد الدين شرط لكل نقد) ، نجد أدونيس يقول في العدد السادس: (النقد الثوري للموروثات العربية شرط لكل عمل ثوري عربي)، علما بأن الموروثات العربية هي كناية للدين الإسلامي ولكن بطريقة التورية.

بقي أن نقول أن هذه المجلة قد تم افتتاحها بعد عام واحد فقط من نكسة 1967، وهي التي أراد من خلالها هذا الشاعر ضعضعة بناء الإسلام وتحميله مسئولية تخلف العرب، ليس لشيء أكثر من كونه ماضيا يجب التخلص منه. غير أن الرجل لم يتعرض آنذاك بكلمة واحدة للأساس الذي قامت عليه دولة الصهاينة قبل عام واحد، وهو الدعوى الملفقة للإرث الديني اليهودي في أرض المسلمين والمستند إلى ماض أكثر عمقا في التاريخ، فضلا عن اعتماده على تاريخ مكذوب، ولغة منقرضة، وتراث مندرس، وآثار مزعومة ما زال البحث عنها قائما تحت المسجد الأقصى دون جدوى؟ الأمر الذي يدفعنا للتساؤل عن جدوى حداثة رجل استعار اسمه من أساطير ما قبل الميلاد، ثم نادى جهارا بالتطبيع مع المثقفين الصهاينة مع تطبيق ذلك عمليا باجتماعه مع أحد مثقفيهم .

ويقول أدونيس في كتابه التابث والمتحول- هو إنجيل الحداثيين كما يقول محمد المليباري - كما ذكر الدكتور محمد هدارة في مقال له نشر في مجلة الحرس الوطني السعودي : " لا يمكن أن تنهض الحياة العربية ، ويبدع الإنسان العربي إذا لم تنهدم البنية التقليدية السائدة للفكر العربي ، ويتخلص من المبنى الديني التقليدي الاتباعي " . وهذه الدعوة الصريحة والخبيثة في حد ذاتها دعوة جاهرة للثورة على الدين الإسلامي ، والقيم والأخلاق العربية الإسلامية ، والتخلص منها ، والقضاء عليها . ثم يقول أدونيس أيضا في مقابلة أجرتها معه مجلة فكر وفن عام 1987 م : " إن القرآن هو خلاصة ثقافة لثقافات قديمة ظهرت قبله . . . وأنا أتبنى التمييز بين الشريعة والحقيقة ، إن الشريعة هي التي تتناول شؤون الظاهر ، والحقيقة هي التي يعبرون عنها بالخفي ، والمجهول ، والباطن ، ولذلك فإن اهتمامي بالمجهول ربما يأتي ، ويتغير باستمرار ، وهذا ما يتناقض مع الدين ويعتبر أدونيس المنظر الفكري للحداثيين العرب الذي أخذ على عاتقه نبش كتب التراث ليستخرج منها كل شاذ ومنحرف من الشعراء والأدباء والمفكرين من أمثال بشار بن برد وأبي نواس ، لأن في شعرهم كثير من المروق على الإسلام ، والتشكيك في العقائد ، والسخرية منها ، والدعوة للانحلال الجنسي كما يذكر عوض القرني في كتابه الحداثة في ميزان الإسلام ص 28: " ونستشهد على صحة قوله بما ننقله عن الكاتبة الحداثية خالدة سعيد في مجلة فصول بعنوان الملامح الفكرية للحداثة حيث تقول : " إن التوجهات الأساسية لمفكري العشرينات تقدم خطوطا عريضة تسمح بالمقول إن البداية الحقيقية للحداثة من حيث هي حركة فكرية شاملة ، قد انطلقت يوم ذاك ، فقد مثل فكر الرواد الأوائل قطيعة معالمرجعية الدينية والتراثية كمعيار ومصدر وحيد للحقيقة ، وأقام مرجعين بديلين : العقل والواقع التاريخي ، وكلاهما إنساني ، ومن ثم تطوري ، فالحقيقة عن رائد كجبران ، أو طه حسين لا تلمس بالعقل ، بل تلمس بالاستبصار عند جبران ، والبحث المنهجي العقلاني عند طه حسين " الحداثة في ميزان الإسلام ص 29 ، 30 عوض القرني .
وقد اعتبر الشاعر أدونيس أن ما يجذبه ويجذب الحداثيين إلى نوعية شعر أبي نواس وعمر بن أبي ربيعة، هو تدنيس المقدسات الذي يسميه الانتهاك، فيقول: "إن الانتهاك هو ما يجذبنا في شعرهما، والعلة في هذا الجذب، أننا لا شعوريّاً نحارب كل ما يحول دون تفتح الإنسان، فالإنسان من هذه الزاوية ثوري بالفطرة، الإنسان حيوان ثوري"([16]). وتعالو معي نستعرض بعض النماذج من شعرهم وكتاباتهم التي نجحنا في فهمها حيث سنلمح تلك الحالة من تمزيق كل مقدس : ومن ذلك قول نزار قباني، وهو من أبرز شعراء الحداثة:
"من بعد موت الله مشنوقا... على باب المدينة لم تبق للصلوات قيمة... لم يبق للإيمان أو للكفر قيمة
وقول الشاعر عبد الوهاب البياتي
الله في مدينتي يبيعه اليهود
الله في مدينتي مشرد طريد
أراد الغزاة أن يكون
لهم أجيراً شاعراً قواد
يخدع في قيثاره المذهّب العباد
لكنه أصيب بالجنون
ويكفي قول قائلهم حين عبر عن مكنونة نفسة :
لا الله أختار ولا الشيطان
كلاهما جدار
كلاهما يغلق لي عيني
هل أبدل الجدار بالجدارالحداثة واللغة العربية
ولعل أيضا أهم وايميز أعمالهم الأدبية والشعرية هو محاولة هدم اللغة العربية على إعتبار أن اللغة والتراث الإسلامي وجهان لعملة واحدة وشن الحرب على اللغة العربية، كونها لغة القرآن الكريم، والتقليل من شأنها، وربطها بالتخلف والجمود. وفي المقابل تعظيم شأن الثقافات والديانات واللغات الأخرى، وكذلك اللهجات العاميّة. ولقد دعا ميخائيل نعيمة إلى هجر اللغة العربية، والبحث عما أسماه "لغة عالمية موحدة، تتجمع حولها الشعوب كلها . وفي لبنان، تبنى الشاعر سعيد عقل الدعوة إلى العاميّة، التي يسميها اللغة اللبنانية، ووصل به التطرف إلى كتابة هذه اللغة بحروف لاتينية، وله صحيفة أسبوعية محدودة الانتشار، تطبع بالحروف اللاتينية.
الغموض في شعر الحداثة :
والغموض في شعر الحداثيين هو السمة الغالبة وهو أمر متفق عليه بينهم لدرجة أنه يمكن القول أصبح متلازمة أدبية وأداة من أدواتهم الفنية وينقل عن سعيد السريحي في كتابه "الكتابة خارج الأقواس" ص 17، قوله: "إن ظاهرة الغموض التي من شأنها أن تعد السمة الأولى للقصيدة الجديدة، نتيجة حتمية أفضت إليها سلسلة من التطورات التي طرأت على العلاقة المتوترة بين الشاعر المبدع والقارئ المتلقي". يقول أدونيس:

حيث الغموض أن تحيا= حيث الوضوح أن تموت

ويقول محمود درويش متباهيا بانعدام التواصل:

طوبى لشيء غامض
طوبى لشيء لم يصل
ويقول في موضع آخر :
لن تفهموني دون معجزة
لأن لغاتكم مفهومة
إن الوضوح جريمةcolor])

وفي غمرة النقاش المحتدم حول مشكلة ((الغموض والتواصل)) تمخضت النزعة الحداثية عن تقليعة لم يسبق لها مثيل في تاريخ الآداب، وهي ((احتقار القارئ)) والاستعلاء عليه، أو ((موت القارئ)) على شاكلة ما يسمى ((موت المؤلف)) الذي أشاعته البنيوية...

ويعلق د. إبراهيم الخولي: أستاذ الأدب والنقد بكلية اللغة العربية جامعة الأزهر على هذه الظاهرة قائلا : ظاهرة الغموض والإبهام في أدب الحداثة يتصور في حصوله عدة أسباب:

أولها جهل أغلب الحداثيين باللغة ودلالات ألفاظها، وسبب ثان: ميل الحداثيين إلى نشر أفكارهم دون اصطدام بالأمة خاصة في حالات اليقظة وفي وضح الأمر، فهم يميلون نحو الغموض على طريقة الباطنية من أجل ترويج ما يريدون دون أن يلحقهم أذى. ومن الأسباب أيضاً العشوائية والعبثية والهذيان الفكري وعدم وضوح الهدف؛ حيث تشعر أن الواحد منهم لا يدري ذاته ماذا يريد، فهل يملك أحد من الحداثيين أن يجيبنا: كيف يكون الإبهام المطبق تنويراً؟ ومن هنا اضطر الحداثيون لفتح باب التأويلية والبنيوية والتفكيكية، وهو ما أدى إلى الفوضى وما بات يعرف بالتشظي .

وهكذا يفقد كثير من الشعر الحداثي معانيه ويصبح ثرثرة لا تهم أحدا ، ولا تهتم بأحد. وإذا كان الشاعر الحداثي لا يبالي بالقارئ ولا يضعه في حسبانه، فلمن يكتب إذن؟ وإذا كان هذا الشعر نتاجا في ذاته ولذاته فلماذا يذيعه صاحبه في الناس؟ولماذا لا يريحهم مما لا طائل من ورائه، حفاظا على هذه الذاتية المزعومة؟ وتعالو معي مرة أخرى نقرا في غموضياتهم: منها قصيدة حداثية من الشعر الحر لـمحمد جبر الحربي الشاعر الحداثي ، وهذه القصيدة ألقيت في مهرجان المربد بالعراق بعنوان (المفردات), ثم نشرت في اليمامة في العدد 887 صفحة 60ـ61 ثم نشرت في الشرق الأوسط، الصفحة 13 وهذه القصيدة مليئة بالثورة والتبرم من كل شيء، وفيـها غمز ولمز في حق النبي صلى الله عليه وسلم وفي القرآن، فمن غموض هذه القصيدة قوله :

( [color=#FF0000]قلت لا ليل في الليل ولا صبح في الصبح
منهمر من سفوح الجحيم
وقعت صريع جحيم الذرى
سألك جسد الوقت معتمر بالنبوءة والمفردات المياه
أيـها الغضب المستتب اشتعل
شاغل خطاك البال منحرف للسؤال
أقول كما قال جدي الذي ما انتهى
رأيت المدينة قانية
أحمر كان وقت النبوءة
منسكبا أحمر كان أشعلتها)
من هو يا ترى جده الذي انتهى والذي كان أحمر وقت النبوءة، وما هي المدينة القانية، وما هو الأحمر المنسكب الذي أشعله (الشاعر) أو جده .

تقول خديجة العمري في قصيدة حداثية نشرتـها مجلة المجلة العدد 344 الصفحة 39 :

( أنهض من لوثة الوجع العائلي
وأدخلنا كلما احتفل الجرح بالدم
والقاتلين أهزالي بذاكرة اللحظات التي قسمتنا
تساقط في همتي سادتي الحاضرين
وما اختلفوا من يعلق نص الوراثة مرحى )

والسلسلة طويلة جدا فكما أسلفنا فالغموض هو السمة الغالبة عند ما يسمون بشعراء الحداثة. اعتقد أن الأمر بات واضحا فلا توجد حاجة لتوضيح غاياتهم وأفكارهم الشعرية إن جازت التسمية , فأنا لا أنظر إلى ما يحدث على صعيد كتاباتهم المشفرة والغير مفهومة إلا من قبيل الغيبوبات اللغوية أو التأملات الذهولية.

المراجع:
سقطة الحداثة والخصوصية الغربية- جريدة البيان إعداد: وائل عبد الغني
معالم الصراع الفكري في العالم العربي- محمد سليمان أبورمان
الحــداثــة في ميــزان الإســلام د . عوض القرني
الحداثة الدكتور / مسعد محمد زياد