محمد فؤاد منصور
19/08/2008, 06:53 PM
أبطال الصدفة أبطال الصدفة .. وشجون أخرى !
أبطال الصدفة .. وشجونٌ أخرى !
يحدث أحياناً أن يختلط الهم العام بالهم الخاص بحيث يصعب الفصل بينهما فنعود من الأنغماس من التفكير في مشاكل المجتمع بكم من الأسى والحزن يصحبنا لأيام وربما لشهور بعدها .. ولسبب ما تذكرت أنني خلال عملي خبيراً طبياً بأفريقيا وكنت مبعوثاً من وزارة الخارجية المصرية ، كنت قد حصلت على وسام برتبة ضابط من رئيس جمهورية تشاد ..
الوسام في حد ذاته ليس له أكثر من قيمة معنوية في الغالب لم يشعر بها سواي حيث أقنعني على الأقل بأنني كنت أؤدي مهمتي بإخلاص وكنت لفرط وطنيتي أسعد كلما وصفت بالطبيب المصري حتى دون ذكر اسمي لأن اسمي في الواقع لاقيمة له بجانب اسم بلادي ، وقد أبرق سفيرنا هناك وقتها إلى وزارة الخارجية في مصر ينبئها بخبر ذلك الوسام كنوع من آداء الواجب من قبل السفارة هناك ..
ولفرط غفلتي رحت أحلم بنوع من التكريم تقوم به وزارة الخارجية أو مؤسسة الرئاسة على غرار مايحدث عقب أي إنجاز يقوم به مواطن خارج بلاده وبشكل خاص أبطال الرياضة أو الفنانين وأصحاب المهن الترفيهية !.. لكن سرعان ماتبين لي أن ذلك الحدث لم يستوقف نظر أي مسئول ولو من الدرجة العاشرة وبقي هذا الأنجاز الشخصي في نفسي كالجرح الحي يستعصي على النسيان.
وماأثار الشجون بقوة في الأيام الأخيرة هو ذهاب فيالق الرياضين العرب للحضور كضيوف شرف في المحفل الرياضي العالمي لمشاهدة كيف يكون الكبير كبيراً حتى في اللعب واللهو .. وكيف حصد الأمريكان كل الذهب بينما لم يحظ أبناؤنا سوى بمتعة النظر إلى الميداليات التي راح يغترف منها أبطال العالم الأول باليمين والشمال ..بينما تسعة وتسعون بالمائة من أبطالنا الرياضيين قد عادوا من المحفل العالمي حتى بدون خفي حنين ..
وكما هي عادتنا بعد كل حدث عالمي أو محلي ، رحنا نضرب كفاً بكف ونتساءل في دهشة ساذجة أو سذاجة مدهشة .. كيف حدث ذلك؟ .. وكأن ذلك الذي حدث كان مستبعداً أو غير متوقع .. أو كأننا ذهبنا لنحصد الذهب ثم فوجئنا بحصد الرياح!! .. فالأتحاد الرياضي يلقي التهمة على اللجنة الأوليمبية واللجنة الأوليمبية تتهم المدرب العام وهذا يلقي التهم على الأندية والأندية تشير إلى عدم جدية الأبطال المفترضين في التدريب .. وهكذا مسلسل طويل من المناقشات والأجتماعات والكلام الكثير لانفيق منه إلا وقد مضت سنوات أربع ونحن نقف على أبواب دورة جديدة في مكان آخر !
لا ياسادتي الأفاضل .. مانراه هو مستوانا الحقيقي بين الأمم .. وليس شيئاً غريباً أو مستبعداً .. فنحن لانعمل أي شئ يخصنا بأي درجة من درجات الجدية والأتقان .. وإذا حدث أن فاز أحد أبطالنا بميدالية فليس ذلك في الواقع إلا من قبيل الصدفة البحتة والحظ السعيد .. لقد شاهدت البطل الأمريكي مايكل فيلبس على شاشة التليفزيون والذي حصد وحده ثماني ميداليات ذهبية ،شاب صغير لايتجاوز الثلاثة وعشرين عاماً ، نحيف الجسم يتكلم بنوع من الحياء ولا يكاد يدرك حجم الأنجاز الذي حققه لأمته .. وهو على المستوى الشخصي يعيش في بيئة بسيطة الأب فيها منفصل عن الأم أي أن لديه مشاكل على مستوى الأسرة ومع ذلك فقد حقق انجازاً مهماً في دورتين متتاليتين .. في الدورة السابقة حصل على ست ميداليات ذهبية .. وفي الدورة الحالية حقق ثماني ميداليات ذهبية بزيادة ميداليتين عن الدورة السابقة أي ان مجموع الميداليات التي حققها لبلاده قد بلغت أربع عشرة ميدالية ذهبية في دورتين متتاليتين !!
ماذا فعل بطلنا المصري كرم جابر الذي حقق الميدالية الذهبية للمصارعة الحرة في الدورة السابقة؟
لاشئ .. حضر واشترك ونافس ولم يحصل حتى على ميدالية خشبية !
ماذا يعني لنا كل هذا ؟ ..
إنه يعني أولاً أن هناك إدارة ترعي الناشئين مهما كانت ظروفهم وتلتقط الواعدين وتربيهم ليكونوا أبطالاً وليمثلوا بلادهم وأمتهم خير تمثيل .. لاشئ متروك للصدفة والأجتهاد الشخصي فالذي يحصل على ميدالية يمكنه الحصول على الثانية والثالثة .. إنه يعني كذلك أن البطل غير منشغل بأي شئ آخر سوى تحقيق الأنجاز النوعي الذي يحسب له ولبلاده .
وهو بالتأكيد يعني أن الوصول إلى ميدالية أوبطولة ليس نهاية المطاف فقديماً قيل من السهل الوصول إلى القمة لكن من الصعب الأحتفاظ بها .. وهو يعني كذلك أن أموال الأتحادات الرياضية ليست مالاً مشاعاً يغترف منه كل من هب ودب لعمل معسكرات ورحلات تدريبية للإعداد صورياً بينما الهدف الحقيقي هو التسوق في أوربا والنزهات المباحة وغير المباحة على حساب الأتحادات الرياضية وفي حب البطولة حيث لابطولة هناك ولايحزنون وإنما هي "سبوبة" كما نقول في مصر للسرقة ونهب المال العام ..
أبطالنا معذورون إذا أخفقوا فهم أبطال تصنعهم الصدفة وليسوا نتاج فعل مؤسسي مدروس .. الأنجاز في حياتهم فعل استثنائي لايتكرر أبداً لأنهم يعرفون مذاق الراحة وتنهال عليهم المكافآت والعطايا فيبدأون في تعويض الحرمان الذي عاشوا فيه ويبدأون في التعالي عمن حولهم وكأنهم قد حازوا الدنيا بحذافيرها خاصة في ظل نفوس مريضة لاتقيم وزناً لالوطنية ولالإنجاز مهما بلغ حجمه ، ينسون البطولة والتدريب ويخلدون إلى الدعة والراحة حتى تفاجئهم بطولة جديدة في مكان جديد ..بينما الآخرون يعلمون ويدركون إن الأنجاز لايكون له قيمة حقيقية إلا إذا أمكنك أن تدافع عنه حتى يتيسر الوقت لظهور نجم جديد يحل محلك ويرفع من بعدك راية بلادك .
د. محمد فؤاد منصور
أبطال الصدفة .. وشجونٌ أخرى !
يحدث أحياناً أن يختلط الهم العام بالهم الخاص بحيث يصعب الفصل بينهما فنعود من الأنغماس من التفكير في مشاكل المجتمع بكم من الأسى والحزن يصحبنا لأيام وربما لشهور بعدها .. ولسبب ما تذكرت أنني خلال عملي خبيراً طبياً بأفريقيا وكنت مبعوثاً من وزارة الخارجية المصرية ، كنت قد حصلت على وسام برتبة ضابط من رئيس جمهورية تشاد ..
الوسام في حد ذاته ليس له أكثر من قيمة معنوية في الغالب لم يشعر بها سواي حيث أقنعني على الأقل بأنني كنت أؤدي مهمتي بإخلاص وكنت لفرط وطنيتي أسعد كلما وصفت بالطبيب المصري حتى دون ذكر اسمي لأن اسمي في الواقع لاقيمة له بجانب اسم بلادي ، وقد أبرق سفيرنا هناك وقتها إلى وزارة الخارجية في مصر ينبئها بخبر ذلك الوسام كنوع من آداء الواجب من قبل السفارة هناك ..
ولفرط غفلتي رحت أحلم بنوع من التكريم تقوم به وزارة الخارجية أو مؤسسة الرئاسة على غرار مايحدث عقب أي إنجاز يقوم به مواطن خارج بلاده وبشكل خاص أبطال الرياضة أو الفنانين وأصحاب المهن الترفيهية !.. لكن سرعان ماتبين لي أن ذلك الحدث لم يستوقف نظر أي مسئول ولو من الدرجة العاشرة وبقي هذا الأنجاز الشخصي في نفسي كالجرح الحي يستعصي على النسيان.
وماأثار الشجون بقوة في الأيام الأخيرة هو ذهاب فيالق الرياضين العرب للحضور كضيوف شرف في المحفل الرياضي العالمي لمشاهدة كيف يكون الكبير كبيراً حتى في اللعب واللهو .. وكيف حصد الأمريكان كل الذهب بينما لم يحظ أبناؤنا سوى بمتعة النظر إلى الميداليات التي راح يغترف منها أبطال العالم الأول باليمين والشمال ..بينما تسعة وتسعون بالمائة من أبطالنا الرياضيين قد عادوا من المحفل العالمي حتى بدون خفي حنين ..
وكما هي عادتنا بعد كل حدث عالمي أو محلي ، رحنا نضرب كفاً بكف ونتساءل في دهشة ساذجة أو سذاجة مدهشة .. كيف حدث ذلك؟ .. وكأن ذلك الذي حدث كان مستبعداً أو غير متوقع .. أو كأننا ذهبنا لنحصد الذهب ثم فوجئنا بحصد الرياح!! .. فالأتحاد الرياضي يلقي التهمة على اللجنة الأوليمبية واللجنة الأوليمبية تتهم المدرب العام وهذا يلقي التهم على الأندية والأندية تشير إلى عدم جدية الأبطال المفترضين في التدريب .. وهكذا مسلسل طويل من المناقشات والأجتماعات والكلام الكثير لانفيق منه إلا وقد مضت سنوات أربع ونحن نقف على أبواب دورة جديدة في مكان آخر !
لا ياسادتي الأفاضل .. مانراه هو مستوانا الحقيقي بين الأمم .. وليس شيئاً غريباً أو مستبعداً .. فنحن لانعمل أي شئ يخصنا بأي درجة من درجات الجدية والأتقان .. وإذا حدث أن فاز أحد أبطالنا بميدالية فليس ذلك في الواقع إلا من قبيل الصدفة البحتة والحظ السعيد .. لقد شاهدت البطل الأمريكي مايكل فيلبس على شاشة التليفزيون والذي حصد وحده ثماني ميداليات ذهبية ،شاب صغير لايتجاوز الثلاثة وعشرين عاماً ، نحيف الجسم يتكلم بنوع من الحياء ولا يكاد يدرك حجم الأنجاز الذي حققه لأمته .. وهو على المستوى الشخصي يعيش في بيئة بسيطة الأب فيها منفصل عن الأم أي أن لديه مشاكل على مستوى الأسرة ومع ذلك فقد حقق انجازاً مهماً في دورتين متتاليتين .. في الدورة السابقة حصل على ست ميداليات ذهبية .. وفي الدورة الحالية حقق ثماني ميداليات ذهبية بزيادة ميداليتين عن الدورة السابقة أي ان مجموع الميداليات التي حققها لبلاده قد بلغت أربع عشرة ميدالية ذهبية في دورتين متتاليتين !!
ماذا فعل بطلنا المصري كرم جابر الذي حقق الميدالية الذهبية للمصارعة الحرة في الدورة السابقة؟
لاشئ .. حضر واشترك ونافس ولم يحصل حتى على ميدالية خشبية !
ماذا يعني لنا كل هذا ؟ ..
إنه يعني أولاً أن هناك إدارة ترعي الناشئين مهما كانت ظروفهم وتلتقط الواعدين وتربيهم ليكونوا أبطالاً وليمثلوا بلادهم وأمتهم خير تمثيل .. لاشئ متروك للصدفة والأجتهاد الشخصي فالذي يحصل على ميدالية يمكنه الحصول على الثانية والثالثة .. إنه يعني كذلك أن البطل غير منشغل بأي شئ آخر سوى تحقيق الأنجاز النوعي الذي يحسب له ولبلاده .
وهو بالتأكيد يعني أن الوصول إلى ميدالية أوبطولة ليس نهاية المطاف فقديماً قيل من السهل الوصول إلى القمة لكن من الصعب الأحتفاظ بها .. وهو يعني كذلك أن أموال الأتحادات الرياضية ليست مالاً مشاعاً يغترف منه كل من هب ودب لعمل معسكرات ورحلات تدريبية للإعداد صورياً بينما الهدف الحقيقي هو التسوق في أوربا والنزهات المباحة وغير المباحة على حساب الأتحادات الرياضية وفي حب البطولة حيث لابطولة هناك ولايحزنون وإنما هي "سبوبة" كما نقول في مصر للسرقة ونهب المال العام ..
أبطالنا معذورون إذا أخفقوا فهم أبطال تصنعهم الصدفة وليسوا نتاج فعل مؤسسي مدروس .. الأنجاز في حياتهم فعل استثنائي لايتكرر أبداً لأنهم يعرفون مذاق الراحة وتنهال عليهم المكافآت والعطايا فيبدأون في تعويض الحرمان الذي عاشوا فيه ويبدأون في التعالي عمن حولهم وكأنهم قد حازوا الدنيا بحذافيرها خاصة في ظل نفوس مريضة لاتقيم وزناً لالوطنية ولالإنجاز مهما بلغ حجمه ، ينسون البطولة والتدريب ويخلدون إلى الدعة والراحة حتى تفاجئهم بطولة جديدة في مكان جديد ..بينما الآخرون يعلمون ويدركون إن الأنجاز لايكون له قيمة حقيقية إلا إذا أمكنك أن تدافع عنه حتى يتيسر الوقت لظهور نجم جديد يحل محلك ويرفع من بعدك راية بلادك .
د. محمد فؤاد منصور